ان تأويل النص الشعري المراد معاينته, يحتاج من الناقد إلى إبداء نوع من الاستعداد لقراءة النص مرات عدة, متخذا من القراءة الأولى للاطلاع على طبيعة اللغة والعتبات النصية والبناء الفني بشكل عام, ولتكون القراءة الثانية المتأنية من اجل فهم طبيعة النص الشعري واستيعاب الثيم/ المواضيع, التي تم تناولها, متخذا من التأويل, بمعنى سوء الفهم, طريقا إلى ذلك, لتأتي القراءة الثالثة لتفعيل حركية القراءات التأويلية الأنفة التي من شأنها فهم المعنى النصي, وما هذا المدرك الأخير ببعيد عما يهدف إليه المنهج الهيرمينوطيقي/ التأويل, إذ انه يعني إعادة قراءة النص الشعري, بنص نقدي موازٍ له, يشكل حلقة الوصل بين الشاعر والمتلقي لفك ما تشاكل, وما اخذ منحى الالتباس, كذلك الأخذ بنظر الاعتبار الحرص على تأول بياضات النص, وما يمكن تأويله من المسكوت عنه, لإنتاج معنى تأويليا جديدا عن النص الشعري, والذي يكون ضمن فضاء المعنى الذي بثَّه الشاعر عبر نصوصه, في نجاعة الوقوف على خفايا النص, ومع كل ما تقدم ليس بمقدور المؤول الخوض في تأويل ما للمعنى خارج سلطة النص, ولا يعتمد تخمينا ما من اجل ليّ عنق النص الشعري ليحقق فهما/ تأويلا خاطئا, بعيدا عن فضاء النص, أو سياقه العام, بمؤثراته الخارجية والداخلية, معتمدا الإحكام القبلية, وهذا بالضبط ما سار عليه البعض, عندما تلمسوا بوادر معنى جزئي, (معنى أول), فأحالوه إلى استحضار شامل للمعنى, كل هذا سيتم تناوله في ضوء ثيمتي الاغتراب والرفض, وما يتشظى عنهما من إدانة للممارسة الخاطئة, من أزمات وحروب, نتج عنه قتل للجمال, وإحياء لقبح الخراب, في كشف لتنامي هذين الثيمتين في مجموعة (لا مأوى أيتها الغيمة) للشاعر ماجد الحسن, على اعتبار انهماهما يشكلان بؤرة تمركز لأغلب نصوص المجموعة الشعرية.
(الأماكن....
التي تتقاسم حقائبنا
ظلت تموءُ في أسفل الخرائط ص52)
في المقطع الشعري نتلمس الاغتراب يشقُّ طريقه المعبد بالهجير إلى الأماكن, التي تقاسم حقائبنا الوداع, محملا بمردود نفسي ضاغط بتنامي الشعور الدائم بتقبل فكرة هجرة الأماكن/ الأوطان, عندما تضيق به الخرائط, لا الأماكن فحسب, في ترميز عالٍ لاتساع فجوة لاتساع هوة الشعور الاغتراب, وما مواءها إلا علامة من علامات الضجر الشديد الذي طال الأشياء برمتها, (الإنسان, الأماكن, الحيوان/ بدلالة المواء), في إنتاج لمعنى الرفض عما يدور حولنا من واقع مرير, يصعب التعاطي معه.
(دائما ....
ما يترجل الليل عن صهوته
ويطيل وقوفه في المدينة
المدينة....
التي تخدعُ الياسمين
وتمجدُ الأشرعة ص54)
في النص الشعري الأنف نلمح معنى الرفض الضمني, لتكرار ترجل الليل في المدينة, الليل بما يحمل من سيمائية الظلمة والتسلط والاحتواء, يبدو انه تمكن من المدينة التي باتت تخدع الياسمين, في محاولة لتقويض نقاء الموجودات فيها, التي لم تعد تأنس بالبقاء, فالمدينة تمجد الأشرعة, في إنتاج معنى جديد لم يؤلف من قبل, فكأنما المدينة تقبلت الليل, لتكون عنصر فاعل ضمن منظومة الاستحواذ والاحتواء, بل أنها مارست دور تمكين الآخر عندما مجدت الأشرعة, بما تحمل من دلالة الدعوة لترك المدينة/ الوطن.
(حَذِرٌ....
وهو يدبُّ مخالبه في راسي
ويقضم ما تبقى من رؤاي
فلا أحدّقُ بدمي هذه اللحظة
علَّهُ يغسل قمراً....
سيكفنهُ الدخان ص55)
في قراءة فاحصة للنص الشعري, يبدو الشعور بالاغتراب في تصاعد تام, لكنه هذه المرة مشوبٌ باستسلام من نوع مختلف, بدءا من (وهو يدبُّ مخالبه في راسي), وان اتخذ الشاعر من تخفيف هول المخالب, بلفظة( يدبُّ) بدل لفظة (ينشبُ), لتتماهى مع الحذر, الذي أضفى نوعا من تقبل المخالب, لكنَّ الموتَ واحدٌ, وان سرعان ما يخرق معنى التماهي مع الموت عبر بثِّ لفظة (القضم), وما تحمل من دلالة ممارسة القتل البطيء التي تلتهم ما تبقى من أفكار ورؤى, عندها تبرز ثمية رفض التحديق بالدم التي أرادها له ذاك الغول الذي نشب مخالبه في رأسه, وان كان رفضا مشروطا هذه المرة, (علَّهُ يغسل قمراً..../سيكفنهُ الدخانُ), في إنتاج لمعنى تقبل الموت.
(ونحن على بعد حربين
الريح تبرم أجسادنا
نلتف على بعضنا ونعوي
لم نعد نقوى على حمل وسائد تشيخ ص57)
بمجرد تأويل النص ينتابنا شعور بأهمية الإشارة للحربين الطاحنتين اللتين مرتا على الإنسان العراقي, وما فاعلية الصورة الشعرية العميقة التي بثها الشاعر في النص الشعري إلا انعكاس للممارسة الخاطئة التي تبنتها مؤسسة السلطة يومذاك, ان تصوير الريح العاتية التي أمكنها من برم الأجساد, تنامت بجنبها صورة أعمق واشد إيلاما, (نلتف على بعضنا ونعوي), فكامنا الصورة الأولى (الريح تبرم أجسادنا) هي نتيجة الحرب الأولى, والصورة الثانية المجلجلة بعواء الحرب الثانية, لوطأة الفاقة والجوع والألم والمأساة, وما (لم نعد نقوى على حمل وسائد تشيخ), إلا لإعادة إنتاج لمعنى الرفض للهزال الذي رافق برم الأجساد والالتفاف على بعضنا, وفقد قدرة حمل الأشياء.
(كيف نسلخ عن أجسادنا الأنقاض؟
والمدينة معولٌ
والرثاء يركضُ حافياً فوق الشفاه ص59)
تتجلى في النص الشعري ثيمة الرفض للواقع المتهالك, مادامت المدينة/ الوطن معول, تقف دون تحقيق الخلاص على أنقاض الحروب التي مرت, وظنّاً منها أنها في استعداد دائم للخراب, مادامت, ( المدينة معول) في تكريس لدورها في الخداع وتمجيد الأشرعة, (في نص سابق ص54 ), وما قد ينتج عنهما من شعور بالاغتراب, وما ركض الرثاء حافيا على الشفاه إلا كشف عن حروب غير معلنة سكت عنها النص ولم يصرح بها, فهي حرب تدار عبر حلقات متشعبة من الباطن, تحمل سمة الاقتتال الداخلي, بدلالة المدينة معول/ الوطن معول, في إعادة قراءة للحروب التي عاف عنها الزمن, لتعيد إنتاج معناها بقراءة بعيدة عن التوصيف المعتاد.
(عندما سالَ كل شيء
اتسعت الحفرةُ
وتناسلت الوجوهُ معتمة
فانشقتِ الأرضُ عن رؤوس ذابلة ص67)
قد لا يتكشف لنا جليا المعنى الذي قصده الشاعر من النص الشعري الأنف, لكن قراءة واعية للنص, تكشف لنا المعنى الحقيقي, ويمكننا من بعدها خلق تطابق جدي وفاعل, من شأنه فكِّ الشفرات النصية, ان التجاور الدلالي بين السيل والحفرة من المسلمات التي يمكننا تخيلها, ولا تعدُّ خرقا نسقيا بالتأكيد, لكن الاسترسال مع ما يمكن ان يفصح عنه السياق النصي, من حال الوجوه التي تتناسل, كونها (معتمة), لتنشق الأرض عن رؤوس ذابلة, في توصيف لمرارة تناوب الموت على نفس الحفرة التي سيق اليها أبناء هذه المدينة/ الوطن, فكلما نشبت الحرب,( عندما سال كل شيء/ اتسعت الحفرة), ولما في هذا من إدانة بينة للحرب.
( لا غيمة ....
تفتح خزائنها لمحنة العابرين
ولا مأوى لهذا الصوت...
إلا جوف الأرض ص71)
في النص الشعري هذا, لا نجد نفيا لوجود الغيمة, بقدر نفي لغيمة تفتح خزائنها لمحنة العابرين/ أبناء البلد المهاجرين, وكذلك لا نجد نفيا لوجود المأوى بقدر وجود مأوى يسكنه هذا الصوت/ الصوت الرافض للواقع المتهالك, لم يجدوا إلا جوف الأرض مأوى, ومن خلال المعنى المحايث للنص الشعري, يتكشف لنا تنامي الشعور بالاغتراب والاستلاب الداخلي الذي مثلته المدينة/ السلطة يومذاك, وهي تضيق على أبنائها, تَجَسَدَ برفض فتح خزائن العطاء, أو تقبل صوت أبنائها, وما مثله من تشاكل بُنى متصارعة, لا يُحقق فعلا ايجابيا على ارض الواقع, كالأمل بوصول المدينة وأهلها الذين عُدوا من العابرين إلى برِّ الأمان, لكنه التهميش والاستبداد والاحتواء, لتفرد السلطة جناحيها على المشهد ككل, في تنام لاستحضار جديد لمعنى جديد.
وبذا نتلمس في المجموعة الشعرية (لا مأوى أيتها الغيمة), بأنها ذهبت بعيدا إلى قراءة الواقع المعاش وما وراء الواقع, بعدما حددت ملامح المراحل السابقة وما شهدتها من حربين قاسيتين ألهبت شاعرية الحسن ذات البعد الإنساني الشفيف, ليقف بالضد من هكذا ممارسة, عبر الرفض والإفصاح عن شعور عالٍ بالاغتراب, وعلى الرغم مما تقدم, فلم يهادن أو يساوم, بل انه اثر الإدانة لسوء ممارسة السلطة آنذاك, لما نتج عنها من دمار وحصار وانكسار في المعنويات, وهجرة جماعية, مسجلا موقفا للشاعر الحي, لما يدور حوله من نكبات, بل انه اثر إظهارها للعلن ووضع بصمته على السلبي منها الذي بدا يحتل أفق المخيلة الشعرية للشاعر ماجد الحسن.
ان من أولى اهتمامات المنهج التأويلي الوصول بالدراسة النقدية إلى فهم المعنى الحقيقي للنص الشعري, مع التنبه إلى الغواية التي قد يمارسها النص, لذا لا ننقاد خلف المعنى الأول, بعد سقوط أول أقنعة النص الذي لا يفضي إلا عن معنى فضفاض, قد يندحر بمجرد الخوض بقراءة أعمق وأكثر تمحيصا, إذا من الضروري استشراف الواقعة والمعنى للنص الشعري, وهذا من ضرورات الممارسة النقدية, فقد يبني البعض تصورا خاطئا متيقنا من قراءة أولى بأنه أدرك المعنى, وما لهذا من أثر غير محمود العواقب, لذا نعيد التأكيد على أهمية الابتعاد عن الحكم القبلي الذي يُعدُّ داءٌ خطيرٌ لا يبرح البعض عن معاقرته, والتأكيد يأتي لما له من مردودات غير محمودة العواقب, قد تودي بالدراسة النقدية إلى الإهمال والدخول في حرج كبير, لما فيه من خروج عن المنهج الأكاديمي الرصين والأمانة العلمية في توظيف المصطلح النقدي التأويلي, والإجرائي المطابق لمعنى النص, اللذين يُعدُّان قوام العملية النقدية برمتها, فما الداعي للتعجل في اقتناص معنى قد يكون زائفاً ؟!, وما الداعي للتشويش على مخيلة المتلقي؟, فالعُجالة ليست المُبتغى!
(الأماكن....
التي تتقاسم حقائبنا
ظلت تموءُ في أسفل الخرائط ص52)
في المقطع الشعري نتلمس الاغتراب يشقُّ طريقه المعبد بالهجير إلى الأماكن, التي تقاسم حقائبنا الوداع, محملا بمردود نفسي ضاغط بتنامي الشعور الدائم بتقبل فكرة هجرة الأماكن/ الأوطان, عندما تضيق به الخرائط, لا الأماكن فحسب, في ترميز عالٍ لاتساع فجوة لاتساع هوة الشعور الاغتراب, وما مواءها إلا علامة من علامات الضجر الشديد الذي طال الأشياء برمتها, (الإنسان, الأماكن, الحيوان/ بدلالة المواء), في إنتاج لمعنى الرفض عما يدور حولنا من واقع مرير, يصعب التعاطي معه.
(دائما ....
ما يترجل الليل عن صهوته
ويطيل وقوفه في المدينة
المدينة....
التي تخدعُ الياسمين
وتمجدُ الأشرعة ص54)
في النص الشعري الأنف نلمح معنى الرفض الضمني, لتكرار ترجل الليل في المدينة, الليل بما يحمل من سيمائية الظلمة والتسلط والاحتواء, يبدو انه تمكن من المدينة التي باتت تخدع الياسمين, في محاولة لتقويض نقاء الموجودات فيها, التي لم تعد تأنس بالبقاء, فالمدينة تمجد الأشرعة, في إنتاج معنى جديد لم يؤلف من قبل, فكأنما المدينة تقبلت الليل, لتكون عنصر فاعل ضمن منظومة الاستحواذ والاحتواء, بل أنها مارست دور تمكين الآخر عندما مجدت الأشرعة, بما تحمل من دلالة الدعوة لترك المدينة/ الوطن.
(حَذِرٌ....
وهو يدبُّ مخالبه في راسي
ويقضم ما تبقى من رؤاي
فلا أحدّقُ بدمي هذه اللحظة
علَّهُ يغسل قمراً....
سيكفنهُ الدخان ص55)
في قراءة فاحصة للنص الشعري, يبدو الشعور بالاغتراب في تصاعد تام, لكنه هذه المرة مشوبٌ باستسلام من نوع مختلف, بدءا من (وهو يدبُّ مخالبه في راسي), وان اتخذ الشاعر من تخفيف هول المخالب, بلفظة( يدبُّ) بدل لفظة (ينشبُ), لتتماهى مع الحذر, الذي أضفى نوعا من تقبل المخالب, لكنَّ الموتَ واحدٌ, وان سرعان ما يخرق معنى التماهي مع الموت عبر بثِّ لفظة (القضم), وما تحمل من دلالة ممارسة القتل البطيء التي تلتهم ما تبقى من أفكار ورؤى, عندها تبرز ثمية رفض التحديق بالدم التي أرادها له ذاك الغول الذي نشب مخالبه في رأسه, وان كان رفضا مشروطا هذه المرة, (علَّهُ يغسل قمراً..../سيكفنهُ الدخانُ), في إنتاج لمعنى تقبل الموت.
(ونحن على بعد حربين
الريح تبرم أجسادنا
نلتف على بعضنا ونعوي
لم نعد نقوى على حمل وسائد تشيخ ص57)
بمجرد تأويل النص ينتابنا شعور بأهمية الإشارة للحربين الطاحنتين اللتين مرتا على الإنسان العراقي, وما فاعلية الصورة الشعرية العميقة التي بثها الشاعر في النص الشعري إلا انعكاس للممارسة الخاطئة التي تبنتها مؤسسة السلطة يومذاك, ان تصوير الريح العاتية التي أمكنها من برم الأجساد, تنامت بجنبها صورة أعمق واشد إيلاما, (نلتف على بعضنا ونعوي), فكامنا الصورة الأولى (الريح تبرم أجسادنا) هي نتيجة الحرب الأولى, والصورة الثانية المجلجلة بعواء الحرب الثانية, لوطأة الفاقة والجوع والألم والمأساة, وما (لم نعد نقوى على حمل وسائد تشيخ), إلا لإعادة إنتاج لمعنى الرفض للهزال الذي رافق برم الأجساد والالتفاف على بعضنا, وفقد قدرة حمل الأشياء.
(كيف نسلخ عن أجسادنا الأنقاض؟
والمدينة معولٌ
والرثاء يركضُ حافياً فوق الشفاه ص59)
تتجلى في النص الشعري ثيمة الرفض للواقع المتهالك, مادامت المدينة/ الوطن معول, تقف دون تحقيق الخلاص على أنقاض الحروب التي مرت, وظنّاً منها أنها في استعداد دائم للخراب, مادامت, ( المدينة معول) في تكريس لدورها في الخداع وتمجيد الأشرعة, (في نص سابق ص54 ), وما قد ينتج عنهما من شعور بالاغتراب, وما ركض الرثاء حافيا على الشفاه إلا كشف عن حروب غير معلنة سكت عنها النص ولم يصرح بها, فهي حرب تدار عبر حلقات متشعبة من الباطن, تحمل سمة الاقتتال الداخلي, بدلالة المدينة معول/ الوطن معول, في إعادة قراءة للحروب التي عاف عنها الزمن, لتعيد إنتاج معناها بقراءة بعيدة عن التوصيف المعتاد.
(عندما سالَ كل شيء
اتسعت الحفرةُ
وتناسلت الوجوهُ معتمة
فانشقتِ الأرضُ عن رؤوس ذابلة ص67)
قد لا يتكشف لنا جليا المعنى الذي قصده الشاعر من النص الشعري الأنف, لكن قراءة واعية للنص, تكشف لنا المعنى الحقيقي, ويمكننا من بعدها خلق تطابق جدي وفاعل, من شأنه فكِّ الشفرات النصية, ان التجاور الدلالي بين السيل والحفرة من المسلمات التي يمكننا تخيلها, ولا تعدُّ خرقا نسقيا بالتأكيد, لكن الاسترسال مع ما يمكن ان يفصح عنه السياق النصي, من حال الوجوه التي تتناسل, كونها (معتمة), لتنشق الأرض عن رؤوس ذابلة, في توصيف لمرارة تناوب الموت على نفس الحفرة التي سيق اليها أبناء هذه المدينة/ الوطن, فكلما نشبت الحرب,( عندما سال كل شيء/ اتسعت الحفرة), ولما في هذا من إدانة بينة للحرب.
( لا غيمة ....
تفتح خزائنها لمحنة العابرين
ولا مأوى لهذا الصوت...
إلا جوف الأرض ص71)
في النص الشعري هذا, لا نجد نفيا لوجود الغيمة, بقدر نفي لغيمة تفتح خزائنها لمحنة العابرين/ أبناء البلد المهاجرين, وكذلك لا نجد نفيا لوجود المأوى بقدر وجود مأوى يسكنه هذا الصوت/ الصوت الرافض للواقع المتهالك, لم يجدوا إلا جوف الأرض مأوى, ومن خلال المعنى المحايث للنص الشعري, يتكشف لنا تنامي الشعور بالاغتراب والاستلاب الداخلي الذي مثلته المدينة/ السلطة يومذاك, وهي تضيق على أبنائها, تَجَسَدَ برفض فتح خزائن العطاء, أو تقبل صوت أبنائها, وما مثله من تشاكل بُنى متصارعة, لا يُحقق فعلا ايجابيا على ارض الواقع, كالأمل بوصول المدينة وأهلها الذين عُدوا من العابرين إلى برِّ الأمان, لكنه التهميش والاستبداد والاحتواء, لتفرد السلطة جناحيها على المشهد ككل, في تنام لاستحضار جديد لمعنى جديد.
وبذا نتلمس في المجموعة الشعرية (لا مأوى أيتها الغيمة), بأنها ذهبت بعيدا إلى قراءة الواقع المعاش وما وراء الواقع, بعدما حددت ملامح المراحل السابقة وما شهدتها من حربين قاسيتين ألهبت شاعرية الحسن ذات البعد الإنساني الشفيف, ليقف بالضد من هكذا ممارسة, عبر الرفض والإفصاح عن شعور عالٍ بالاغتراب, وعلى الرغم مما تقدم, فلم يهادن أو يساوم, بل انه اثر الإدانة لسوء ممارسة السلطة آنذاك, لما نتج عنها من دمار وحصار وانكسار في المعنويات, وهجرة جماعية, مسجلا موقفا للشاعر الحي, لما يدور حوله من نكبات, بل انه اثر إظهارها للعلن ووضع بصمته على السلبي منها الذي بدا يحتل أفق المخيلة الشعرية للشاعر ماجد الحسن.
ان من أولى اهتمامات المنهج التأويلي الوصول بالدراسة النقدية إلى فهم المعنى الحقيقي للنص الشعري, مع التنبه إلى الغواية التي قد يمارسها النص, لذا لا ننقاد خلف المعنى الأول, بعد سقوط أول أقنعة النص الذي لا يفضي إلا عن معنى فضفاض, قد يندحر بمجرد الخوض بقراءة أعمق وأكثر تمحيصا, إذا من الضروري استشراف الواقعة والمعنى للنص الشعري, وهذا من ضرورات الممارسة النقدية, فقد يبني البعض تصورا خاطئا متيقنا من قراءة أولى بأنه أدرك المعنى, وما لهذا من أثر غير محمود العواقب, لذا نعيد التأكيد على أهمية الابتعاد عن الحكم القبلي الذي يُعدُّ داءٌ خطيرٌ لا يبرح البعض عن معاقرته, والتأكيد يأتي لما له من مردودات غير محمودة العواقب, قد تودي بالدراسة النقدية إلى الإهمال والدخول في حرج كبير, لما فيه من خروج عن المنهج الأكاديمي الرصين والأمانة العلمية في توظيف المصطلح النقدي التأويلي, والإجرائي المطابق لمعنى النص, اللذين يُعدُّان قوام العملية النقدية برمتها, فما الداعي للتعجل في اقتناص معنى قد يكون زائفاً ؟!, وما الداعي للتشويش على مخيلة المتلقي؟, فالعُجالة ليست المُبتغى!