ان الأنواع الأدبية بمختلف أشكالها وأساليبها تمتلك القدرة على زجّ السخرية في مفصل من مفاصل النص ولكن قد تتفرد القصة القصيرة بالقيام بإنشاء نص سردي بمعمار ساخر معولا على القصر الذي تتسم به, مع تقبل المتلقي إلى هكذا خطاب حكائي، الذي قد لا نجد له مقبولية في الرواية الطويلة أو المتوسطة، وبذا تحقق القصة القصيرة أهدافها، لمبررات تطور الأشكال الأدبية, بشكل لافت، ومما لا شك فيه يمكننا عدّ هذا التطور دليل عافية في كافة مجالات الأدب.
لذا بمقدورنا عدّ القصة القصيرة من الأنواع الأدبية الخطرة لتماهيها ومتطلبات العصر, لما تتسم به من أحادية أو ثنائية ساندة من حيث الحدث والشخصية والمكان والزمن, وما قد تضفيه الموضوعة اليومية من ملامسة حياة شخصيات مغمورة وعدهم أبطالا من شأنها خلق الدهشة لدى المتلقي, فعندما تحرص القصة على تبني المهمل والذي يمكننا تصنيفه, على اعتبار انه مهمل لنسق اجتماعي معتاد, لا تعتبر إعادته إلى الواجهة ذا قيمة عند المتلقي العادي, لذا نجد القصة القصيرة تراعي هكذا موضوعات, بطريقة ساخرة, والسخرية ليست من باب التسطيح, بقدر كونها وعيا لموضوعات تلامس وجدان المتلقي الخبير الذي يراقب تطلعات ومشاعر الإنسان التي تهدر لأدنى الأسباب, وهذا ما سيتم معاينته في أقصوصة, (دَين- الحب في زمن الطنطل- سجائر), من مجموعة, ( الحب في زمن الطنطل), للقاص ضاري الغضبان.
1- القصة الأولى ,( دَين):
تعتمد قصة, ( دَين) في معمارها السردي على حدث ولادة طفل بالدَين, الذي يتشظى إلى إحداث تدور في فلك واحد, الرابط الرئيس بينها موضوعة الدَين على اعتبار أنها موضوعة يومية, لارتباطها بالفقر والفاقة, إذ أضحت مديونية العائلة تتفاقم منذ زمن الولادة, تحديدا من أجرة القابلة, والاعتياد على اقتراض المئونة من الجيران, وتسرب العدوى لبطل القصة الطفل, في استدانة كرة القدم التي لا تعاد لأصحابها إلا بعد ثقبها, أو بشراء ملابس المدرسة بالأجل التي لا رغبة له في ارتيادها ليتركها سريعا, كي يتربى في حجر أبيه السائق, ك( سكن), ليفقه أصول المهنة على أصولها ليس كسائق, بل أبن لمقترض حريف في عدم التسديد, في إشارة هامة لتعطيل دور الأسرة, المؤسسة الأم, نواة المجتمع وبذرته الأولى, في تقديم تربية صالحة, إذ إننا كمتلقين في مواجهة خطاب سردي صارم احتاج منا الوقوف في منتصف الحكاية, لنسأل من يا ترى المتسبب في التعطيل هنا المحيط المجتمعي وتشكيلاته الشعبية أم المؤسسة الرسمية , كي نحقق للمتلقي متعة الحياد أو لوعة الشراكة مع منظومة اجتماعية جعلت لمؤسسة السلطة اليد العليا في إشاعة الفوضى, وما لسكوتها إلا فعل العصا التي تتوكأ عليها لبسط خذلانها مرة وللاسترخاء من اللاجدوى في مرات عدة.
ويستمر القص بإهمال الوالد للحافلة وتراكم مبلغ إيجار البيت الذي لا يدفع, ثمَّ موته, وذهاب إلام إلى دار المسنين, إلا البطل/ الطفل, فأنه صار أكثر سعادة في دار سكنه الجديدة, حافلة والده بعدما صارت خردة, وبفضل عمال البلدية الذين سحبوها لطرف المدينة, غير مأسوف عليها, بيت سكن للوريث الوحيد, ومن سخريات القدر ان الطفل تقبل كلبة وجرائها من دون ان يطالبها بإيجار, كونه أكثر رأفة من البشر, فمهما عمدوا إلى هدم بنيانه داخليا, إلا انه أبى على إنسانيته ان تنصاع لحكم الغاب, ليحيا سعيدا في مكانه الجديد ومع رفقة أكثر وفاء.
2- القصة الثانية, ( الحب في زمن الطنطل):
السرد في هذه الأقصوصة يبدو اخذ منحى مختلفا حيث أننا إزاء ثيمة الحب والفراق في ان واحد بزمن ممتد لأكثر من ثلاثين عاما الذي مهد لتعدد الأمكنة والأحداث, إذ تبدأ القصة بعودة, ( سيماء) وأهلها من غربتهم, ثمَّ يبدأ الراوي العليم باسترجاع ما مضى/ الفلاش باك, كان حاضرا وبقوة في هذه القصة, مع تعدد الأشخاص, وتنامي الحوار ونشاطه في مشاهد دون غيرها, كل ما تقدم أعطى للقاص إمكانية توظيف أحداث الماضي وسحبها إلى منطقة الحدث الرئيسي, كونها أحداثا لا تقل شأنا عنه, مثل حدث ارتباطه ب(سيماء)عاطفيا وهو بسن قريبة من عقد العشرين من عمره, أو حدث التحاقه بالجيش, وما حدث اعتقال والدها وعمها الذي اضطرهم للهجرة بحدث عادٍ, إلا أننا نرجح كفة عودة محبوبته سيماء كونه حدثا رئيسيا هاما يشتغل على الزمن الحاضر, فهو حدث تتشظى عنه أحداثا على الرغم مما تداخلت معها من مشاهد تبدو اعتباطية, إلا انه أفرز لنا كمتلقين مشهدا أخيرا استثنائيا وأخص جلوس, ( غلوب ) ابنة (سيماء) بقربه وهو يقود السيارة, الذي استنهض في داخله ما أهملته (سيماء) و(تماضر), الفتى العشريني, الذي أحب فتاة عشرينية بعمر (غلوب) وجد فيها تقبلا لذاك الشاب العاشق الوله, موقظة ما أهمله ممن حوله من قبل ثلاثين عاما من أول بيت (أبوذية) لم يكتمل على يد سيماء, أو بعد الرجوع باهت المذاق,إهمال عانى منه أبا سامي, الذي يدرك تماما أن (غلوب) ليست اقل شأنا من والدتها في النكران, لكنه أحب ان يعيش اللحظة بقتل مؤقت لثرثرة سيماء وتماضر والطنطل.
3- القصة الثالثة ( سجائر):
ان قصة ( سجائر), تقدم حدثا رئيسيا تدور في فلكه أحداثا فرعية لكنها جميعا في أفق سردي بخطاب أنساني واحد عن مرض البطل أستاذ هشام ومنع الطبيب إياه من التدخين, هذا الموضوع اليومي الذي يثير شجون وآلام من اكتوى بنار السيجار ولم تطاوعه نفسه من الإقلاع عنه, لكن البطل هنا تم له ما أراد لما أبداه صديقه, وزوجته/ أي زوجة أستاذ هشام, من توفير دعم لوجستي له, وفي تبادل للأدوار لم يعرفا قيامهما به إلا في لحظة مكاشفة لم تكتمل هي الأخرى, في ترميم ما انكسر من ثقة بطل القصة في العودة للحياة عبر إرشادات الطبيب المتأخرة لترك أنيس عُمره, قد يبدو أقدم من أنس صديق وزوجة, فرغبته في مواصلة التدخين لم تنهه من تعجيل نهاية عمر لا بقية فيه, بمواصلة تعاطيه إياه.
نعم قد نهمل مثل هذا التعايش بين الإنسان وقاتله/ السيجار, جراء ما قد يبتلي به الجسد من أمراض, على تحمل نتيجة ارتشافة إضافية من سحبة واحدة لا علبة سيجار حتى, لكن بحسب ما نستشف ان الوصل ليس بسيحار بل بمحبوبة ورفيقة لوعة وفرح, أو لحظات تماهيهما و (استكان الشاي) أو (فنجان القهوة), قدسية حري به الوفاء من أجل ديمومة طقوسها, بالعمر الذي يدرك أيامه المعدودات, قد يَهمل هكذا لحظات من استساغ أوامر الطبيب وجانب لحظات السمر بحرقة عقب سيجار يتكرر لفافات من رماد يسوقها الريح إلى مثوى رجل حكيم آثر الوفاء لأنيس الصبا والشباب والكهولة بعدما استشعر انه سيودع الحياة إلى مثواه الأخير وبرفقته ذكرى صديق وزوجة بعدما خبر أنهما من يحفظ الحب.
لذا بمقدورنا عدّ القصة القصيرة من الأنواع الأدبية الخطرة لتماهيها ومتطلبات العصر, لما تتسم به من أحادية أو ثنائية ساندة من حيث الحدث والشخصية والمكان والزمن, وما قد تضفيه الموضوعة اليومية من ملامسة حياة شخصيات مغمورة وعدهم أبطالا من شأنها خلق الدهشة لدى المتلقي, فعندما تحرص القصة على تبني المهمل والذي يمكننا تصنيفه, على اعتبار انه مهمل لنسق اجتماعي معتاد, لا تعتبر إعادته إلى الواجهة ذا قيمة عند المتلقي العادي, لذا نجد القصة القصيرة تراعي هكذا موضوعات, بطريقة ساخرة, والسخرية ليست من باب التسطيح, بقدر كونها وعيا لموضوعات تلامس وجدان المتلقي الخبير الذي يراقب تطلعات ومشاعر الإنسان التي تهدر لأدنى الأسباب, وهذا ما سيتم معاينته في أقصوصة, (دَين- الحب في زمن الطنطل- سجائر), من مجموعة, ( الحب في زمن الطنطل), للقاص ضاري الغضبان.
1- القصة الأولى ,( دَين):
تعتمد قصة, ( دَين) في معمارها السردي على حدث ولادة طفل بالدَين, الذي يتشظى إلى إحداث تدور في فلك واحد, الرابط الرئيس بينها موضوعة الدَين على اعتبار أنها موضوعة يومية, لارتباطها بالفقر والفاقة, إذ أضحت مديونية العائلة تتفاقم منذ زمن الولادة, تحديدا من أجرة القابلة, والاعتياد على اقتراض المئونة من الجيران, وتسرب العدوى لبطل القصة الطفل, في استدانة كرة القدم التي لا تعاد لأصحابها إلا بعد ثقبها, أو بشراء ملابس المدرسة بالأجل التي لا رغبة له في ارتيادها ليتركها سريعا, كي يتربى في حجر أبيه السائق, ك( سكن), ليفقه أصول المهنة على أصولها ليس كسائق, بل أبن لمقترض حريف في عدم التسديد, في إشارة هامة لتعطيل دور الأسرة, المؤسسة الأم, نواة المجتمع وبذرته الأولى, في تقديم تربية صالحة, إذ إننا كمتلقين في مواجهة خطاب سردي صارم احتاج منا الوقوف في منتصف الحكاية, لنسأل من يا ترى المتسبب في التعطيل هنا المحيط المجتمعي وتشكيلاته الشعبية أم المؤسسة الرسمية , كي نحقق للمتلقي متعة الحياد أو لوعة الشراكة مع منظومة اجتماعية جعلت لمؤسسة السلطة اليد العليا في إشاعة الفوضى, وما لسكوتها إلا فعل العصا التي تتوكأ عليها لبسط خذلانها مرة وللاسترخاء من اللاجدوى في مرات عدة.
ويستمر القص بإهمال الوالد للحافلة وتراكم مبلغ إيجار البيت الذي لا يدفع, ثمَّ موته, وذهاب إلام إلى دار المسنين, إلا البطل/ الطفل, فأنه صار أكثر سعادة في دار سكنه الجديدة, حافلة والده بعدما صارت خردة, وبفضل عمال البلدية الذين سحبوها لطرف المدينة, غير مأسوف عليها, بيت سكن للوريث الوحيد, ومن سخريات القدر ان الطفل تقبل كلبة وجرائها من دون ان يطالبها بإيجار, كونه أكثر رأفة من البشر, فمهما عمدوا إلى هدم بنيانه داخليا, إلا انه أبى على إنسانيته ان تنصاع لحكم الغاب, ليحيا سعيدا في مكانه الجديد ومع رفقة أكثر وفاء.
2- القصة الثانية, ( الحب في زمن الطنطل):
السرد في هذه الأقصوصة يبدو اخذ منحى مختلفا حيث أننا إزاء ثيمة الحب والفراق في ان واحد بزمن ممتد لأكثر من ثلاثين عاما الذي مهد لتعدد الأمكنة والأحداث, إذ تبدأ القصة بعودة, ( سيماء) وأهلها من غربتهم, ثمَّ يبدأ الراوي العليم باسترجاع ما مضى/ الفلاش باك, كان حاضرا وبقوة في هذه القصة, مع تعدد الأشخاص, وتنامي الحوار ونشاطه في مشاهد دون غيرها, كل ما تقدم أعطى للقاص إمكانية توظيف أحداث الماضي وسحبها إلى منطقة الحدث الرئيسي, كونها أحداثا لا تقل شأنا عنه, مثل حدث ارتباطه ب(سيماء)عاطفيا وهو بسن قريبة من عقد العشرين من عمره, أو حدث التحاقه بالجيش, وما حدث اعتقال والدها وعمها الذي اضطرهم للهجرة بحدث عادٍ, إلا أننا نرجح كفة عودة محبوبته سيماء كونه حدثا رئيسيا هاما يشتغل على الزمن الحاضر, فهو حدث تتشظى عنه أحداثا على الرغم مما تداخلت معها من مشاهد تبدو اعتباطية, إلا انه أفرز لنا كمتلقين مشهدا أخيرا استثنائيا وأخص جلوس, ( غلوب ) ابنة (سيماء) بقربه وهو يقود السيارة, الذي استنهض في داخله ما أهملته (سيماء) و(تماضر), الفتى العشريني, الذي أحب فتاة عشرينية بعمر (غلوب) وجد فيها تقبلا لذاك الشاب العاشق الوله, موقظة ما أهمله ممن حوله من قبل ثلاثين عاما من أول بيت (أبوذية) لم يكتمل على يد سيماء, أو بعد الرجوع باهت المذاق,إهمال عانى منه أبا سامي, الذي يدرك تماما أن (غلوب) ليست اقل شأنا من والدتها في النكران, لكنه أحب ان يعيش اللحظة بقتل مؤقت لثرثرة سيماء وتماضر والطنطل.
3- القصة الثالثة ( سجائر):
ان قصة ( سجائر), تقدم حدثا رئيسيا تدور في فلكه أحداثا فرعية لكنها جميعا في أفق سردي بخطاب أنساني واحد عن مرض البطل أستاذ هشام ومنع الطبيب إياه من التدخين, هذا الموضوع اليومي الذي يثير شجون وآلام من اكتوى بنار السيجار ولم تطاوعه نفسه من الإقلاع عنه, لكن البطل هنا تم له ما أراد لما أبداه صديقه, وزوجته/ أي زوجة أستاذ هشام, من توفير دعم لوجستي له, وفي تبادل للأدوار لم يعرفا قيامهما به إلا في لحظة مكاشفة لم تكتمل هي الأخرى, في ترميم ما انكسر من ثقة بطل القصة في العودة للحياة عبر إرشادات الطبيب المتأخرة لترك أنيس عُمره, قد يبدو أقدم من أنس صديق وزوجة, فرغبته في مواصلة التدخين لم تنهه من تعجيل نهاية عمر لا بقية فيه, بمواصلة تعاطيه إياه.
نعم قد نهمل مثل هذا التعايش بين الإنسان وقاتله/ السيجار, جراء ما قد يبتلي به الجسد من أمراض, على تحمل نتيجة ارتشافة إضافية من سحبة واحدة لا علبة سيجار حتى, لكن بحسب ما نستشف ان الوصل ليس بسيحار بل بمحبوبة ورفيقة لوعة وفرح, أو لحظات تماهيهما و (استكان الشاي) أو (فنجان القهوة), قدسية حري به الوفاء من أجل ديمومة طقوسها, بالعمر الذي يدرك أيامه المعدودات, قد يَهمل هكذا لحظات من استساغ أوامر الطبيب وجانب لحظات السمر بحرقة عقب سيجار يتكرر لفافات من رماد يسوقها الريح إلى مثوى رجل حكيم آثر الوفاء لأنيس الصبا والشباب والكهولة بعدما استشعر انه سيودع الحياة إلى مثواه الأخير وبرفقته ذكرى صديق وزوجة بعدما خبر أنهما من يحفظ الحب.