ليس من السهل الإلمام بالدور الذي نهضت به المقاهي في الحياة الأدبية والفنية والسياسية للمجتمع العراقي، منذ ان ظهرت أول مرة في عهد الولاة العثمانيين ضمن سياق عفوي ووظيفة لا تكاد تتعدى اللهو والمتعة وقراءة الصحف، حتى خروجها الى وظائفها الأدبية والفنية والسياسية، بدءاً من تباشير النهضة الفكرية والأدبية والأخذ بأسباب التحضر في العقدين الأول والثاني من القرن العشرين.
ولا شك في ان الوظيفة السياسية المتمثلة في مقارعة الاستعمار البريطاني والتصدي لمخططاته كانت الوظيفة الأبرز للمقاهي، بوصفها منتدى تجمع المثقفين من شعراء وأدباء وفنانين وسياسيين، جنباً الى جنب مع ما كان يؤديه الخطباء من دور في إثارة حماس الناس في المساجد والجوامع في السر والعلانية، فضلاً عن دور المجالس الأدبية.
ويبقى لشارع الرشيد الذي افتتح في عهد الوالي العثماني خليل باشا عام 1916 حصة الأسد من هذه المقاهي الأدبية الشهيرة، إذ قامت على جانبيه كل من مقاهي: “الشابندر” و”الزهاوي” و”حسن عجمي” و”البرلمان” و”البلدية” والمقهى الفني “أم كلثوم”.
الدور السياسي (الوطني) للمقاهي
استمرت المقاومة الوطنية للعراقيين ومظاهراتهم ضد الهيمنة البريطانية والحكومات المرتبطة بالاستعمار الأجنبي طوال عقود العشرينات والثلاثينات والأربعينات حتى قيام الثورة الوطنية عام 1958. وكان شارع الرشيد ومقاهي منطقة (الحيدرخانة) تحديداً، البؤرة التي تنطلق منها تجمعات المثقفين والسياسيين ومظاهراتهم المعارضة للعثمانيين والاستعمار البريطاني.
ولعل من أبرز الشخصيات الثقافية التي غذت الحماس الوطني وألهبته مع بدء ثورة العشرين في 30 يونيو/ حزيران 1920 الشاعر والخطيب المعروف محمد مهدي البصير.
وفي الثلاثينات شهد شارع الحيدرخانة نفسه ومقهى “عارف آغا” عدداً من الاحتفالات التي كان يحييها الشاعر معروف الرصافي، لتتحول الى مظاهرات تخرج من المقهى لتنضم الى الحشود، يشترك فيها عدد من أبرز الوجوه الوطنية والثقافية في العراق.
وشبيه بهذه الاحتفالات ما كان يقوم به شاعر العراق محمد مهدي الجواهري وهو خارج من “مقهى حسن عجمي” او مقهى “البرلمان”، ليلقي قصائده العصماء التي تجر وراءها مظاهرات تبدأ ولا تنتهي على حد تعبير وارد بدر السالم.
إن هذه المقاهي هي نفسها التي شهدت انطلاقة التظاهرة الكبيرة منها عام ،1948 لتسقط حكومة صالح جبر، ملغية المعاهدة البغيضة المعروفة بمعاهدة “جبر بيفن” المبرمة بين العراق وبريطانيا.
دور ثقافي جديد
كانت المقاهي العراقية إذاً ملتقى المثقفين، فعلى تخوتها تبادل هؤلاء وجهات النظر حول الأعمال الأدبية والفنية وخططوا لمشاريع إبداعية وجماعات فنية. ومن بين جدرانها خرجت المحاولات الأولى لتطوير القصيدة العربية والبيانات الشعرية والجماعات التشكيلية ومعارض الرسم، لتحتضن الارهاصات الأولى للتحول النوعي في الأدب والفن والمنجزات الريادية التي أبرزت الأسماء التي عرفت بعطائها في فضاء الثقافة العربية. وقد كان من الطبيعي ان يدعم الجدل الثقافي الخلاق في فضاء المقاهي الحركة الثقافية والفكرية العراقية، في ظل غياب المؤسسات الثقافية والاتحادات الأدبية وأن يترك أصداءه الواضحة فيها، بل يقف وراء قيادتها وتحديد مساراتها.
وسنحاول فيما يأتي استعراض الأدوار الأدبية والثقافية لأبرز المقاهي الأدبية في بغداد، بشيء من الايجاز.
مقهى الزهاوي
يقع هذا المقهى في شارع الرشيد على رأس جسر الشهداء الذي يربط بين جانبي بغداد (الكرخ والرصافة).
كان مقهى الزهاوي ملتقى لنخبة ثقافية من وجوه المجتمع وأدبائه، منهم الشاعر والفيلسوف المعروف جميل صدقي الزهاوي والشاعر معروف الرصافي وشاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري وعالم الاجتماع الشهير علي الوردي.
شهد هذا المقهى سلسلة المقالات التي كتبها الزهاوي في نقد شعر عباس محمود العقاد وتناقلتها الصحافة العراقية والمصرية تحت عنوان المعارك الأدبية في الثلاثينات. كما شهد المقهى حلقات السجال والمناقشة الطريفة التي انعقدت بين الشاعرين الزهاوي والرصافي وشغلت الناس بأجوائها، وانقسم جمهور المقهى حول الشاعرين، يتحمس كل منهما لشاعر دون الآخر.
لكن الرصافي لم يلبث ان ترك هذا المقهى، منتقلاً الى مقهى “عارف آغا” الذي صار مقراً جديداً له، هو ومريديه الذين أحاطوا به. ولم يبق الأمر على هذا النحو، إذ جرت بعد سنوات مصالحة بين الشاعرين بحضور أعداد غفيرة من الأدباء والمثقفين والسياسيين.
وثمة من ذهب الى ان بدء الحياة الأدبية للسياب ونشره قصائده أول مرة في جريدة الاتحاد كان منطلقه من مقهى الزهاوي.
مقهى حسن عجمي
يعد مقهى حسن عجمي من أكثر المقاهي شهرة وعراقة، فقد حافظ على حضوره واستمراره عقوداً طويلة، وارتبط بشارع الرشيد الشهير، وتردد عليه معظم الأدباء والمثقفين، فضلاً عن موسري المجتمع ووجهائه. لقد وجد فيه وجوه البلد في الثلاثينات مكاناً مناسباً، إذ كانت خدماته في غاية التنظيم والجمال، وكانت أرضيته مفروشة بالسجاد الكاشاني كما يروي وارد بدر السالم.
ومن الرواد الذين ارتبط المقهى بهم الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي كان يجلس فيه قبيل القائه قصائده الوطنية المحرضة، فحين ألقى قصيدته الشهيرة “أخي جعفر”:
أتعلم أم أنت لا تعلم
بأن جراح الضحايا فم
اندفعت الجماهير في سيل عارم مأخوذة بسحر القصيدة وبلاغتها وتأثيرها من جامع الحيدرخانة لتطوف في شارع الرشيد غاضبة منددة بالاحتلال.
وفي الأربعينات والخمسينات توافد على هذا المقهى الى جانب الجواهري كمال الجبوري والسياب والبياتي وعبدالأمير الحصيري وسواهم من وجوه الفكر والأدب والإبداع، يتداولون الرأي ويعقدون حوارات في مختلف شؤون الفكر والثقافة.
ولم يتوقف هذا المقهى عن استقطاب الأجيال الأدبية التالية كجيل الستينات والسبعينات والثمانينات، تلك الأجيال التي شهدت حراكاً ثقافياً أوسع وتطويراً لآفاق التجربة الإبداعية وتوليداً للاتجاهات والرؤى والمفاهيم الجديدة. كما شهد المقهى ازدياد زخم حضور المثقفين من هذه الأجيال، إذ كانوا يتوافدون في المراحل الأخيرة عليه في كل جمعة، مناقشين ما ينشر في الصحف والمجلات وما يتلقفونه من إصدارات إبداعية في مصر ولبنان او ما يتخلق بينهم من تجارب ومشروعات.
لم يكن مقهى “حسن عجمي” محطة عابرة في حياة الأدباء العراقيين، بل كان منتدى مواراً ومسرحاً حقيقياً لذلك الحوار الفاعل والخصب بين المبدعين، فهو المحطة قبل الأخيرة التي وجدوا فيها ملاذهم، قبل ان يهجروه منذ بضع سنوات في موقف جمعي احتجاجي الى مقهى “الشابندر”، إثر حدث تعرض له أحد الأدباء على يدي صاحب المقهى الفظ.
مقهى الواق واق
يرجع تأسيس هذا المقهى الذي يقع في منطقة الأعظمية، قرب ساحة عنتر، الى عام ،1946 بعد أن أسهم في تمويله عدد من الفنانين، منهم جواد سليم ونزار سليم وآخرون.
ومن الوجوه الثقافية والإبداعية التي ارتبطت بهذا المقهى الشاعر بلند الحيدري والشاعر حسين مردان والقاص والروائي فؤاد التكرلي وشقيقه المترجم نهاد التكرلي والفنان جميل حمودي والقاص عدنان رؤوف وابراهيم اليتيم وأكرم الوتري.
جاء ظهور هذا المقهى عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وبدء تجليات نهضة جديدة تتطلع للمعطيات الثقافية الغربية ممثلة آنذاك في تياراتها الوجودية والدادائية والسريالية والأسماء الإبداعية المثيرة، أمثال: (جون كوكتو) الرسام والمسرحي و(جيمس جويس) في الأدب الروائي، اللذين كانا ظاهرة جديدة في الثقافة العراقية. ولعل من أبرز ما عرف به أدباء هذا المقهى اطلاقهم على أنفسهم تسمية “جماعة الوقت الضائع” وإصدارهم صحيفة باسم “الوقت الضائع” التي عبرت عن رؤيتهم الفنية وشكلت تيارهم الأدبي في المشهد الثقافي العراقي آنذاك.
استطاعت هذه الجماعة إصدار عدد من الأعمال الأدبية في الشعر والقصة، من أبرزها مجموعة “خفقة الطين” للشاعر بلند الحيدري والمجموعة القصصية “الفئران” لنزار سليم.
لقد كان مؤملاً لهذه الجماعة ان تحدث تجديداً في الأدب والفن العراقيين وأن تقدم ثقافة جديدة ورؤية مغايرة لولا متابعة سلطات الأمن لهم واخضاعهم للمراقبة المستمرة لما رأوه فيهم من انتظام في التردد على المقهى وانتقال الى عدد من المقاهي الأخرى في اليوم الواحد، من مقهاهم الى مقهى “النعمان” ثم “الدفاع” ف “السويسري” و”البرازيلية” فمقاهي الرشيد وشارع أبي نواس، مما خلق نوعاً من الريبة فيهم، انتهى بإغلاق صحيفتهم.
د. صالح هويدي
مقاهي بغداد.. تلاحم السياسي والثقافي :: الركن الأخضر
ولا شك في ان الوظيفة السياسية المتمثلة في مقارعة الاستعمار البريطاني والتصدي لمخططاته كانت الوظيفة الأبرز للمقاهي، بوصفها منتدى تجمع المثقفين من شعراء وأدباء وفنانين وسياسيين، جنباً الى جنب مع ما كان يؤديه الخطباء من دور في إثارة حماس الناس في المساجد والجوامع في السر والعلانية، فضلاً عن دور المجالس الأدبية.
ويبقى لشارع الرشيد الذي افتتح في عهد الوالي العثماني خليل باشا عام 1916 حصة الأسد من هذه المقاهي الأدبية الشهيرة، إذ قامت على جانبيه كل من مقاهي: “الشابندر” و”الزهاوي” و”حسن عجمي” و”البرلمان” و”البلدية” والمقهى الفني “أم كلثوم”.
الدور السياسي (الوطني) للمقاهي
استمرت المقاومة الوطنية للعراقيين ومظاهراتهم ضد الهيمنة البريطانية والحكومات المرتبطة بالاستعمار الأجنبي طوال عقود العشرينات والثلاثينات والأربعينات حتى قيام الثورة الوطنية عام 1958. وكان شارع الرشيد ومقاهي منطقة (الحيدرخانة) تحديداً، البؤرة التي تنطلق منها تجمعات المثقفين والسياسيين ومظاهراتهم المعارضة للعثمانيين والاستعمار البريطاني.
ولعل من أبرز الشخصيات الثقافية التي غذت الحماس الوطني وألهبته مع بدء ثورة العشرين في 30 يونيو/ حزيران 1920 الشاعر والخطيب المعروف محمد مهدي البصير.
وفي الثلاثينات شهد شارع الحيدرخانة نفسه ومقهى “عارف آغا” عدداً من الاحتفالات التي كان يحييها الشاعر معروف الرصافي، لتتحول الى مظاهرات تخرج من المقهى لتنضم الى الحشود، يشترك فيها عدد من أبرز الوجوه الوطنية والثقافية في العراق.
وشبيه بهذه الاحتفالات ما كان يقوم به شاعر العراق محمد مهدي الجواهري وهو خارج من “مقهى حسن عجمي” او مقهى “البرلمان”، ليلقي قصائده العصماء التي تجر وراءها مظاهرات تبدأ ولا تنتهي على حد تعبير وارد بدر السالم.
إن هذه المقاهي هي نفسها التي شهدت انطلاقة التظاهرة الكبيرة منها عام ،1948 لتسقط حكومة صالح جبر، ملغية المعاهدة البغيضة المعروفة بمعاهدة “جبر بيفن” المبرمة بين العراق وبريطانيا.
دور ثقافي جديد
كانت المقاهي العراقية إذاً ملتقى المثقفين، فعلى تخوتها تبادل هؤلاء وجهات النظر حول الأعمال الأدبية والفنية وخططوا لمشاريع إبداعية وجماعات فنية. ومن بين جدرانها خرجت المحاولات الأولى لتطوير القصيدة العربية والبيانات الشعرية والجماعات التشكيلية ومعارض الرسم، لتحتضن الارهاصات الأولى للتحول النوعي في الأدب والفن والمنجزات الريادية التي أبرزت الأسماء التي عرفت بعطائها في فضاء الثقافة العربية. وقد كان من الطبيعي ان يدعم الجدل الثقافي الخلاق في فضاء المقاهي الحركة الثقافية والفكرية العراقية، في ظل غياب المؤسسات الثقافية والاتحادات الأدبية وأن يترك أصداءه الواضحة فيها، بل يقف وراء قيادتها وتحديد مساراتها.
وسنحاول فيما يأتي استعراض الأدوار الأدبية والثقافية لأبرز المقاهي الأدبية في بغداد، بشيء من الايجاز.
مقهى الزهاوي
يقع هذا المقهى في شارع الرشيد على رأس جسر الشهداء الذي يربط بين جانبي بغداد (الكرخ والرصافة).
كان مقهى الزهاوي ملتقى لنخبة ثقافية من وجوه المجتمع وأدبائه، منهم الشاعر والفيلسوف المعروف جميل صدقي الزهاوي والشاعر معروف الرصافي وشاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري وعالم الاجتماع الشهير علي الوردي.
شهد هذا المقهى سلسلة المقالات التي كتبها الزهاوي في نقد شعر عباس محمود العقاد وتناقلتها الصحافة العراقية والمصرية تحت عنوان المعارك الأدبية في الثلاثينات. كما شهد المقهى حلقات السجال والمناقشة الطريفة التي انعقدت بين الشاعرين الزهاوي والرصافي وشغلت الناس بأجوائها، وانقسم جمهور المقهى حول الشاعرين، يتحمس كل منهما لشاعر دون الآخر.
لكن الرصافي لم يلبث ان ترك هذا المقهى، منتقلاً الى مقهى “عارف آغا” الذي صار مقراً جديداً له، هو ومريديه الذين أحاطوا به. ولم يبق الأمر على هذا النحو، إذ جرت بعد سنوات مصالحة بين الشاعرين بحضور أعداد غفيرة من الأدباء والمثقفين والسياسيين.
وثمة من ذهب الى ان بدء الحياة الأدبية للسياب ونشره قصائده أول مرة في جريدة الاتحاد كان منطلقه من مقهى الزهاوي.
مقهى حسن عجمي
يعد مقهى حسن عجمي من أكثر المقاهي شهرة وعراقة، فقد حافظ على حضوره واستمراره عقوداً طويلة، وارتبط بشارع الرشيد الشهير، وتردد عليه معظم الأدباء والمثقفين، فضلاً عن موسري المجتمع ووجهائه. لقد وجد فيه وجوه البلد في الثلاثينات مكاناً مناسباً، إذ كانت خدماته في غاية التنظيم والجمال، وكانت أرضيته مفروشة بالسجاد الكاشاني كما يروي وارد بدر السالم.
ومن الرواد الذين ارتبط المقهى بهم الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي كان يجلس فيه قبيل القائه قصائده الوطنية المحرضة، فحين ألقى قصيدته الشهيرة “أخي جعفر”:
أتعلم أم أنت لا تعلم
بأن جراح الضحايا فم
اندفعت الجماهير في سيل عارم مأخوذة بسحر القصيدة وبلاغتها وتأثيرها من جامع الحيدرخانة لتطوف في شارع الرشيد غاضبة منددة بالاحتلال.
وفي الأربعينات والخمسينات توافد على هذا المقهى الى جانب الجواهري كمال الجبوري والسياب والبياتي وعبدالأمير الحصيري وسواهم من وجوه الفكر والأدب والإبداع، يتداولون الرأي ويعقدون حوارات في مختلف شؤون الفكر والثقافة.
ولم يتوقف هذا المقهى عن استقطاب الأجيال الأدبية التالية كجيل الستينات والسبعينات والثمانينات، تلك الأجيال التي شهدت حراكاً ثقافياً أوسع وتطويراً لآفاق التجربة الإبداعية وتوليداً للاتجاهات والرؤى والمفاهيم الجديدة. كما شهد المقهى ازدياد زخم حضور المثقفين من هذه الأجيال، إذ كانوا يتوافدون في المراحل الأخيرة عليه في كل جمعة، مناقشين ما ينشر في الصحف والمجلات وما يتلقفونه من إصدارات إبداعية في مصر ولبنان او ما يتخلق بينهم من تجارب ومشروعات.
لم يكن مقهى “حسن عجمي” محطة عابرة في حياة الأدباء العراقيين، بل كان منتدى مواراً ومسرحاً حقيقياً لذلك الحوار الفاعل والخصب بين المبدعين، فهو المحطة قبل الأخيرة التي وجدوا فيها ملاذهم، قبل ان يهجروه منذ بضع سنوات في موقف جمعي احتجاجي الى مقهى “الشابندر”، إثر حدث تعرض له أحد الأدباء على يدي صاحب المقهى الفظ.
مقهى الواق واق
يرجع تأسيس هذا المقهى الذي يقع في منطقة الأعظمية، قرب ساحة عنتر، الى عام ،1946 بعد أن أسهم في تمويله عدد من الفنانين، منهم جواد سليم ونزار سليم وآخرون.
ومن الوجوه الثقافية والإبداعية التي ارتبطت بهذا المقهى الشاعر بلند الحيدري والشاعر حسين مردان والقاص والروائي فؤاد التكرلي وشقيقه المترجم نهاد التكرلي والفنان جميل حمودي والقاص عدنان رؤوف وابراهيم اليتيم وأكرم الوتري.
جاء ظهور هذا المقهى عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وبدء تجليات نهضة جديدة تتطلع للمعطيات الثقافية الغربية ممثلة آنذاك في تياراتها الوجودية والدادائية والسريالية والأسماء الإبداعية المثيرة، أمثال: (جون كوكتو) الرسام والمسرحي و(جيمس جويس) في الأدب الروائي، اللذين كانا ظاهرة جديدة في الثقافة العراقية. ولعل من أبرز ما عرف به أدباء هذا المقهى اطلاقهم على أنفسهم تسمية “جماعة الوقت الضائع” وإصدارهم صحيفة باسم “الوقت الضائع” التي عبرت عن رؤيتهم الفنية وشكلت تيارهم الأدبي في المشهد الثقافي العراقي آنذاك.
استطاعت هذه الجماعة إصدار عدد من الأعمال الأدبية في الشعر والقصة، من أبرزها مجموعة “خفقة الطين” للشاعر بلند الحيدري والمجموعة القصصية “الفئران” لنزار سليم.
لقد كان مؤملاً لهذه الجماعة ان تحدث تجديداً في الأدب والفن العراقيين وأن تقدم ثقافة جديدة ورؤية مغايرة لولا متابعة سلطات الأمن لهم واخضاعهم للمراقبة المستمرة لما رأوه فيهم من انتظام في التردد على المقهى وانتقال الى عدد من المقاهي الأخرى في اليوم الواحد، من مقهاهم الى مقهى “النعمان” ثم “الدفاع” ف “السويسري” و”البرازيلية” فمقاهي الرشيد وشارع أبي نواس، مما خلق نوعاً من الريبة فيهم، انتهى بإغلاق صحيفتهم.
د. صالح هويدي
مقاهي بغداد.. تلاحم السياسي والثقافي :: الركن الأخضر