خالد السيد - شذوذ المشاهير..

لا يلزم أن يكون كلُ عبقرىّ مشهور شاذاً فى سلوكه ونفسيّته، غير أنّ المُشاهدات التاريّخيّة تُثبت ذلك. فإسحاق نيوتن ، الرياضىّ الأعظم الذى كشف عن قوانين الجاذبيّة فى القرن السابع عشر والذىّ عدّل التقويم الميلادى الجيوجورىّ( نسبةً الى بوب جريجورى العظيم)، كان يُعانى كثيراً من انهيارات عصبيّة طيلة حياته إضافةً الى النوبات العصبيّة الشديدة التى كانت تنتابه كلما خالفه مُخالفٌ فى الرأى والذى وصفّها طبيب ٌ بأنّه إضطراب مرضى مزدوج باعث على الإكتئاب. وعلى هذا، منحت الملكة آن لنيوتن وسام الفروسيّة عام 1705 ليكون أول عالم يحصل عليه لإسهاماته العلميّة.

وهذا أيّضاً عبقرىّ الموسيقى، بيتهوفن، يُقال أنّه أُصيب أيضاً مثل نيوتن بهذا الإضطراب المرضى النفسى المزدوج الذى يبعث على الكآبة والحزن الأسود، الذى منحه القدرة الإبداعيّة على تأليف مقطوعاته الموسيقيّة التى يُقال أنّها تجاوزت مألوف الموسيقى الغربيّة وتخطتها بمراحل. لقد كان بيتهوفن طفلاً مُعجزاً حتّى أنّه ألّف أعظم سيمفونيّاته وهو فى قبضة الحزن الأسود والإضطراب العصبى والمُعاناة النفسيّة. ولقد أنفق إثنى عشرة سنة ليُكمل سيمفونيّته الثامنة لينتهى الى الصمم التام. قضى بيتهوفن بقيّة عُمره يتطبب بالعقاقير التى كانت مُتاحة آنذاك كالأفيون وغيره الى أن مات بعد ذلك بسنين عدّة بمرض كبدىّ.أخبرنا وينستون تشرشل، رئيس وزراء برطانيا العُظمى وواحد من بين الثلاثة الكبار(تشرشل وروزفلت وستالين) والذى أسهم عالميّاً فى هزيمة هتلر فى الحرب العالميّة الثانيّة، أنّه ، بحسب وصفه، كان يُعانى من داء" الكلب الأسود" وهو شدة نوبات الإكتئاب وأنّه كان يتداوى منها غالباً بالمشروبات الكحوليّة. وكباقى المشاهير ذوى الإضطرابات النفسيّة، كان تشرشل قادراً على أن يتحمل نصيبه من العبء العالمى فى الحروب بقوة العزم وتذكر المسئوليّة المُلقاة على عاتق بريطانيا لتُخلّص العالم من خطر النازييّن الذين كانوا يتهددونه. كذلك قاست فرجينيا وولف، الروائيّة البريطانيّة القرويّة، تقلبات المزاج الناجم عن الداء الأسود الباعث على الإكتئاب وانعدام الجدوى فى الحياة، كل الحياة. ولتعطى معنى لحياتها المُضطربة العبثيّة، هكذا كانت فريجينيا تشعر اتجاه الحياة، التفتت الى الكتابة ممّا أثار إعجاب من حولها لثبرها أغوار الطبيعة البشريّة. لقد تفهمها من حولها وتسامحوا معها من أجل ذلك الداء المُكئب، فأحاطوها برعايتهم فلم تحتج الى المصحّات النفسيّة المّخصصة آنذاك لعلاج مثل حالاتها. يُقال أنّها فى نوبة من نوبات ذلك الداء ، أثقلت جلبابها وجيوبها بالحجارة ومشتْ الى النهر لتُغرق نفسها وتتخلص من عذاباتها. أما شاون كولفن(Shawn Colvin) الفائزة بجائزتى الجراماز فى الموسيقى ، تُخبرنا أنّها طالما عانت من نوبات الحزن الشديد والإكتئاب الباعث على الإنتحار طيلة عشرين سنة. وتحكى أنّها ، فى أسوأ نوبات المرض، كانت تعتزل العالم وتغلق على نفسها باب حُجرتها حتّى أنّ أصغر المهام اليوميّة كانت تتهيّب منها كأنّها كارثة. وهذه أيّضاً الدكتورة كاى ريدفيلد جيمسونKay Redfield Jamison)) الطبيبة النفسىة فى جامعة جون هوبكنز ، بلتيمور، صاحبة العديد من كتب الإمراض النفسيّة، التى كانت تُصارع الإضطراب النفسىّ المزدوج ، حيث قارب بها الى حافة اللإنتحار وهى نفسها طبيبة نفسيّة خبيرة فى تلك الداءات. وكتابُها "مسّ النيرانTouched with Fire " يروى قصص الكثيرين الذى غيّر هذا الداء النفسىّ المزدوج أحوالهم. عام 1990 ألّف الكاتب" وليام ستيرونWilliam Styron " كتاباً عن اكتئابه أسماه " مُصارعة الداء الأسود: يوميّات مجنون Darkness Visible : Memoir of Madness "، مُلتمساً من خلاله العون والمداواة. والمُلاحظ أنّ كتاباته ،السابقة على معرفته بحالته وتشخيصه لها ، قد أرهصت بمرضه ذاك لما فيها من وصفٍ دقيق للأعراض والإضطرابات التى سيُعانيها مؤخراً. كتب ستيرون كذالك عن ذلك الداء الذى ابتُلى به العديد من المشاهير وشرح فيه للقُراء ما لايُمكن يُمكن شرحه من الحالات الذهنيّة التى كانت تنتابهم ، مّما أكسبه تعاطف وإعجاب الكثييرين. قاسى أيضاً " جون ناش John Nash " ، الرياضىّ الشهير الفائز بجائزة نوبل، مرض انفصام الشخصيّةSchizophrenia الذى ظلّ معه طوال حياته. عُرف ناش ب"شبح القاعة" فى برينستون حيث كان يُحلّق هيكله الشبيه بالشبح فى قاعة المُحاضرة ، تاركاً علامات عبقريّته الرياضيّة على ألواح الكتابة فى مختلف القاعات. لقدّ سجلت سيلفيا ناصر صراعه النفسىّ فى كتابٍ تحت عنوان "عقلٌ جميلBeautiful Mind "، والذى تُرجم الى فيلمٍ فيما بعد تحت نفس الإسم. عانى الكاتب المسرحىّ الأمريكىّ "يوجين أُونيلEugene O'Neil " صاحب مسرحيّة "Long Day's Journey into Night"، اضطراباً أُسَرياً منذ نشأته، مما جعله يُكابد الإكتئاب معظم حياته. كتب يوجين أشهر مسرحياته ما بين عامىّ 1934 و 1935 وهو تحت وطأة الإعتلال الذهنىّ وكان أول الأدباء الأمريكان الذين مُنحوا جائزة نوبل.

وأخيرا وليس بآخرالمُمثلة فيفين ليى Vivien Leigh فقد اشتهرت فى دورها الرئيسىّ فى رواية " ذهب مع الريح Gone With the Wind" ولقدرتها الفائقة على تجسيد ادوراها أمام الكاميرات، إلّا أنّها أُصيبت بمرض الهوس والإكتئاب وذات الرئة وضعف الصحّة طيلة حياتها ، ومن نتائج ذلك أنّها كانت تُمنح الأدوار السينمائيّة التى كانت تتطلب قدراً من القدرة على تجسيد ما كانت تُعانى منه من اضطرابٍ نفسى. وبعد علاجٍ نفسى وصدماتٍ كهربيّة، تمكنت فيفين من الشفاء التام بعد فترةٍ ، غيْر أنّها عادتْ مرّة أُخرى الى انتكاسة من جديد الذى أدّى بها الى الإنهيار العصبى وفقد حملها الأول، الأمرُ الذى أدى الى انفصال الممُثل لورانس أوليفرLawrence Olivier عنها ليظلّ صديقاً وفيّاً لها بعد ذلك. أُضطرت فيفين الى التزام مصحة نفسيّة بعد تشخيص مرضها بالهلوسات و نوبات الإكتئاب لتتعافى وتعود الى الكميرات لتمثيل دورها الأخير. تعرضت لى فى الثالثة والخمسين من العمر للسلّ بينما تؤدّى دورها فى فيلم " سفينة الحمقى" ، لتُصبح محطّ الأنظار وموضع الإعجاب لتحقيقها النجوميّة والتغلب على السل والداء الاسود.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى