إرنست همنغواي - حكاية عادية.. ترجمة: عبدالوهاب المقالح

أكل برتقالة وأخذ يلفظ بذورها ببطء.. في الخارج، استحال تساقط الثلج إلى مطر، أما في الداخل، فقد بدت المدفأة الكهربائية كما لو كانت مُطفأة، ولا تُصدِر دفئً.ا. نهض من مكتبه، وجلس على المدفأة.. شعر بالارتياح، وقال: «هاهي ذي الحياة أخيرًا»..

مدَّ يده وتناول برتقالة أخرى.. تذكر أن الملاكم (ماسكرت) أسقط (داني فُرُش) بالضربة القاضية في الجولة الثانية هناك في (باريس).. وتذكر – أيضًا – أن ثلوجًا سقطت في بلاد ما بين النهرين البعيدة، بلغت إحدى وعشرين بوصة.. أما في الطرف الآخر من الكرة الأرضية فإن لاعبي الكريكيت الانجليز يسنون عصيهم؛ استعدادًا لملاقاة الفريق الاسترالي في استراليا.. تلك هي حياة الإثارة الحقة.

وهنا، اكتشف رعاة الفن والأدب مجلة (المنتدى) التي راح يتصفحها.. إنها تعد المرشد والفيلسوف والصديق لأقلية المفكرين.. ها هي ذي تُعلن عن جائزة لكُتَّاب القصة القصيرة – ترى، هل سيكتب مؤلفو تلك القصص أفضل مبيعات كتب الغد؟

لاشك أنك ستستمتع بحكايات الحياة الأميركية الدافئة المثيرة المعبّرة عن جوانب الحياة الحقيقية في المروج الشاسعة، والأحياء المكتظة، أو البيوت المريحة الفاخرة، وستكون كلها مفعمة بالمرح الصحي الخفي.

حتمًا، لا بد أن تقرأها.

وواصل القراءة؛ أطفال أطفالنا- ماذا عنهم؟، وعن أيِّ منهم يتحدثون هنا؟، لا بد أن تُكتشف وسائل جديدة لنجد لنا مكانًا تحت الشمس؟، وهل سيتحقق هذا بالحرب، أم أنه يمكن أن يحدث بالطرق السلمية؟..

أم أنه سيتوجب علينا أن نهاجر إلى كندا؟..

ثم ماذا عن قناعاتنا العميقة – هل سيزعزعها العلم؟، وهل حضارتنا الحالية أقل شأنًا من الأنظمة القديمة العريقة؟

ها إن أشجار غابات (يوكاتان) البليلة تردد – الآن – أصوات فؤوس جامعي الصمغ.. لا بأس، هل نريد رجالاً ضخامًا أقوياء، أم نريدهم مثقفين؟، خذ (جويس) مثلاً، خذ الرئيس (كوليج).. أيّ نجم من هذين رجلين نريد لطلاب جامعاتنا أن يتخذوه؟.. إن هناك (جاك بريتون)، وهناك الدكتور (هنري فان ديك).. هل باستطاعتنا التوفيق بين الاثنين؟، ثم إن أمامك حالة (يونغ سترِبلنغ)..

وماذا عن بناتنا اللائي عليهن أن يحققن ذواتهن الخاصة؟.. لقد توجب على (نانسي هوثورن) أن تُحقق وجودها في بحر الحياة، فواجهت – بشجاعة وحنكة – الصعاب التي تعترض أية فتاة في الثامنة عشرة من عمرها..

تلك مجلة رائعة فعلاً..

هل أنتِ فتاة في الثامنة عشرة؟.. خذي، إذن، حالة (جان دارك).. أو خذي حالة (برنارد شو).. اقتدي بـ(بتسي روس).

ترى، كيف كانت عليه كل هذه الأمور في العام 1925؟.. هل كان ثمة صفحة مرحة في تأريخ التطهريين المتشددين؟، هل كان لـ(بوكا هونتاس) جانبان في شخصيتها؟، وهل كان لشخصيتها بُعد رابع؟..

هل الرسم المعاصر – والشعر أيضاً – فن؟.. نعم، ولا.. خذ بيكاسو مثلا..!

وهل للعاطلين والمشردين والفاسقات معايير سلوكية؟، فلتطلق لخيالك العنان ليخوض مغامراته.

ثمة إثارة في كل مكان.. كُتَّاب (المنتدى) يتحدثون دون لف أو دوران، وهم يتمتعون بالمرح والفطنة.. لكنهم لا يحاولون أن يتذاكوا..

فلتعش حياة الفكر إلى أقصى مدى، ابتهج بالأفكار الجديدة المفعمة المنتشية بالإثارة اللا مألوفة.. وأخيرًا، وضع المجلة جانبًا.

وتذكر أن (مانويل غارسيا مائيرا) يرقد فاقدًا الوعي في سريره بغرفة مظلمة في المنزل بـ(تريانا)، وقد ثُبّت أنبوب في كل رئة.. كل الصحف في الأندلس خصصت صفحات إضافية لتتحدث عن وفاته المتوقعة منذ بضعة أيام.. اشترى الرجال والأولاد صورًا مكبرة له ليتذكروه بها، وفقدوا صورته التي يحتفظون بها في ذاكرتهم بمجرد النظر إلى الصور المطبوعة.. تنفَّس مصارعو الثيران الصعداء لموته؛ لأنه كان يجترح في حلبة المصارعة من المهارات ما لا يقدرون عليها إلا في النادر.. مشوا – جميعًا – في المطر خلف الجنازة.. مئة وسبعة وأربعون مصارع ثيران شيعوه إلى المقبرة، حيث دفنوه بجوار (جوسليتو).. وبعد مراسم الدفن، جلس كل واحد في مقهى ما ليحتمي من المطر.. بيعت الكثير من صور (مائيرا) الملونة، وكان مشتروها يلفونها ثم يودِعونها جيوبهم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى