الوطن هو رغيف الخبز الذي ينتظرك لتمد يدك في الصباح الباكر و تتناوله ساخنا فترفع قبعتك احتراما و تقديرا لكل من بذل الجهد لأنتاجه ، تأكله بامتنان دون أي شعور يعاكس فكرة إنك انسان حر تعيش على أرض لها قيمتها على مستوى الواقع و الافكار و النظريات .
لكن مثلما كتب محمد الماغوط يوما عن الوطن ... بعد أن صار العميل والخائن والجاسوس واللص والمهرب والمزور واللوطي والقواد والعاهرة وسماسرة الأعذية الفاسدة والمخلفات الكيماوية وتجارة الأعضاء البشرية والجغرافية والتاريخية والقومية ، لا يتحدثون إلا عن الوطن وهموم المواطن والمقاومة والاحتلال وعار الاحتلال ، فعن ماذا نتحدث نحن الكتاب والشعراء ؟ عن الحمى القلاعية وجنون البقر ؟
في كتاب ( القاموس المحيط )
الوَطَنُ هو مُحرَّكةً ويُسَكَّنُ: مَنْزِلُ الإِقامَةِ، ومَرْبَطُ البَقَرِ والغَنَمِ ج: أوطانٌ.
وَوَطَنَ به يَطِنُ وأوْطَنَ: أقامَ. وأوْطَنَهُ وَوَطَّنَهُ واسْتَوْطَنَهُ: اتَّخَذَهُ وَطَناً.
وقيل: وَطـّـنَ نفسه على الشيء وله فتَوَطَّنَت: حملها عليه؛ وذَلَّتْ له،
قال كُثَيِّرٌ: فقُلْتُ لها: يا عَزَّ، كلُّ مُصيبةٍ ** إذا وُطِّنتْ يوماً لها النَّفْسُ، ذَلَّتِ .
فكرة “الوطن” هي في عقل الناس، إنتماؤهم له لا لما تُمثله من حِفناتِ التراب، الوطن " كرامة " هاجر من أجلها الرسول –صلى الله عليه و سلم- من مكة إلى المدينة على الرغم من أنه قال أنه لم يكن ليترك مكة لولا أن أهلها قد أخرجوه منها، نعم هي أحب البلاد إلى قلبه، نعم هي حياته، نعم هو الألم الذي صاحبه في هجرته و حياته ببعده عنها، لكنه ألم البُعد عن البلد . (( ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك ))
فلما توفي أبو طالب نالت قريش من رسول الله ﷺ من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا.
كرامة المواطن أساس سيادة الوطن و ما دمت تريد أن تعيش بكرامتك في مجتمع لم يعد يعرف الكرامة ، فلتكن جبارا عصيا بقوة الإجرام ، أو تنفد بجلدك ، أو فلتمت كمدا أو قهرا .
أكثر من 1252 رجلا وامرأة وطفلا لا تُعرف أسماؤهم دُفنوا في قبور بدون شواهد في 70 موقعا مختلفا من تركيا، واليونان، وإيطاليا منذ عام 2014، حسب تحقيق أجرته بي بي سي. هؤلاء ماتوا غرقا عندما حاولوا عبور البحر الأبيض المتوسط بحثا عن حياة جديدة في أوروبا.
في قصته القصيرة «تضامن»، يقدّم لنا الإيطالي «إيتالو كالفينو» حكاية شخص متّسم بالغرابة والطرافة معاً، ذكرتني بسياسيينا من كافة الجهات على اليمين أو اليسار ، مع أو ضد ، و أحزابنا المسرحية فيروي لنا بمنتهى الجديّة، أحداث مغامرة له لا يمكن لأحد أن يقابلها إلا بالضحك.
في ليلة ما، يخرج هذا الشخص الذي لا نعرف اسمه ولا ملامحه ولا عمره، ليتسكّع في أحد شوارع المدينة، واضعاً يديه في جيبَي بنطلونه، ومنطلقاً في حال سبيله بلا دافع أو غاية.
يرى في أثناء تسكّعه رجالاً يحاولون كسر باب محلّ تجاري بعتلة حديدية، فيتوقف ويراقبهم بعض الوقت، وحين يتأكّد من أنهم لم يفلحوا في كسر الباب يمضي، بكل أريحية، لمساعدتهم في ذلك… ثمّ لا يتردد- بعد أن يتمّ كسر الباب- عن إمساك الكيس لهم كي يضعوا فيه المسروقات.
وعندما يخيّل إليهم أنّهم سمعوا وقع أقدام في الخارج، يكلّفونه بالذهاب إلى آخر الشارع للتأكد ممّا إذا كان رجال الشرطة قد أقبلوا.
وبانضباط جندي ينفّذ التكليف، وهناك يلمح أفراد عدة من الشرطة مختبئين في ظِلّ أحد الأبواب، فينضمّ إليهم، ويعلم أنهم يراقبون أولئك اللصوص في المحلّ الذي جاء منه، فلا يلبث أن ينطلق معهم لمحاصرة المحلّ، ويدخل مع بعضهم للمساعدة في القبض على اللصوص!
لكنّ اللصوص ينجحون في الهرب، فيهرب معهم، وحين يتمكن أحد رجال الشرطة الذين يطاردون اللصوص من محاذاته، فإنّ صاحبنا يواصل الركض إلى جوار الشرطي، مستكملاً وإيّاه، هذه المرّة، مطاردة اللصوص!
وبعد مدّة من الجري الحثيث، يكون رجال الشرطة قد تفرقوا في جميع الاتجاهات، راكضين في أثر اللصوص الذين ذهب كل واحد منهم في ناحية، ثم لا يلبث صاحبنا أن يجد نفسه يجري لوحده.
عندئذ يتوقف وهو يتصبّب عرقاً، ثم يضع يديه في جيبَي بنطلونه، ويواصل تسكعه منفرداً، بلا دافع أو خطة أو هدف!
هذه القصة ذكرتني بالأفراد و المؤسسات الحكومية و الجماعات المسلحة و الأحزاب المعارضة و الجمعيات الخيرية و الثقافية الكاذبة و المجالس الوطنية الرخيصة في السنوات الأخيرة من عمر الوطن التي أخذت تسرق و تنهب من جيوب الوطن بحجة إنها تحمي الوطن بينما بطل القصة هنا هو (( المواطن )) .
لكن مثلما كتب محمد الماغوط يوما عن الوطن ... بعد أن صار العميل والخائن والجاسوس واللص والمهرب والمزور واللوطي والقواد والعاهرة وسماسرة الأعذية الفاسدة والمخلفات الكيماوية وتجارة الأعضاء البشرية والجغرافية والتاريخية والقومية ، لا يتحدثون إلا عن الوطن وهموم المواطن والمقاومة والاحتلال وعار الاحتلال ، فعن ماذا نتحدث نحن الكتاب والشعراء ؟ عن الحمى القلاعية وجنون البقر ؟
في كتاب ( القاموس المحيط )
الوَطَنُ هو مُحرَّكةً ويُسَكَّنُ: مَنْزِلُ الإِقامَةِ، ومَرْبَطُ البَقَرِ والغَنَمِ ج: أوطانٌ.
وَوَطَنَ به يَطِنُ وأوْطَنَ: أقامَ. وأوْطَنَهُ وَوَطَّنَهُ واسْتَوْطَنَهُ: اتَّخَذَهُ وَطَناً.
وقيل: وَطـّـنَ نفسه على الشيء وله فتَوَطَّنَت: حملها عليه؛ وذَلَّتْ له،
قال كُثَيِّرٌ: فقُلْتُ لها: يا عَزَّ، كلُّ مُصيبةٍ ** إذا وُطِّنتْ يوماً لها النَّفْسُ، ذَلَّتِ .
فكرة “الوطن” هي في عقل الناس، إنتماؤهم له لا لما تُمثله من حِفناتِ التراب، الوطن " كرامة " هاجر من أجلها الرسول –صلى الله عليه و سلم- من مكة إلى المدينة على الرغم من أنه قال أنه لم يكن ليترك مكة لولا أن أهلها قد أخرجوه منها، نعم هي أحب البلاد إلى قلبه، نعم هي حياته، نعم هو الألم الذي صاحبه في هجرته و حياته ببعده عنها، لكنه ألم البُعد عن البلد . (( ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك ))
فلما توفي أبو طالب نالت قريش من رسول الله ﷺ من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا.
كرامة المواطن أساس سيادة الوطن و ما دمت تريد أن تعيش بكرامتك في مجتمع لم يعد يعرف الكرامة ، فلتكن جبارا عصيا بقوة الإجرام ، أو تنفد بجلدك ، أو فلتمت كمدا أو قهرا .
أكثر من 1252 رجلا وامرأة وطفلا لا تُعرف أسماؤهم دُفنوا في قبور بدون شواهد في 70 موقعا مختلفا من تركيا، واليونان، وإيطاليا منذ عام 2014، حسب تحقيق أجرته بي بي سي. هؤلاء ماتوا غرقا عندما حاولوا عبور البحر الأبيض المتوسط بحثا عن حياة جديدة في أوروبا.
في قصته القصيرة «تضامن»، يقدّم لنا الإيطالي «إيتالو كالفينو» حكاية شخص متّسم بالغرابة والطرافة معاً، ذكرتني بسياسيينا من كافة الجهات على اليمين أو اليسار ، مع أو ضد ، و أحزابنا المسرحية فيروي لنا بمنتهى الجديّة، أحداث مغامرة له لا يمكن لأحد أن يقابلها إلا بالضحك.
في ليلة ما، يخرج هذا الشخص الذي لا نعرف اسمه ولا ملامحه ولا عمره، ليتسكّع في أحد شوارع المدينة، واضعاً يديه في جيبَي بنطلونه، ومنطلقاً في حال سبيله بلا دافع أو غاية.
يرى في أثناء تسكّعه رجالاً يحاولون كسر باب محلّ تجاري بعتلة حديدية، فيتوقف ويراقبهم بعض الوقت، وحين يتأكّد من أنهم لم يفلحوا في كسر الباب يمضي، بكل أريحية، لمساعدتهم في ذلك… ثمّ لا يتردد- بعد أن يتمّ كسر الباب- عن إمساك الكيس لهم كي يضعوا فيه المسروقات.
وعندما يخيّل إليهم أنّهم سمعوا وقع أقدام في الخارج، يكلّفونه بالذهاب إلى آخر الشارع للتأكد ممّا إذا كان رجال الشرطة قد أقبلوا.
وبانضباط جندي ينفّذ التكليف، وهناك يلمح أفراد عدة من الشرطة مختبئين في ظِلّ أحد الأبواب، فينضمّ إليهم، ويعلم أنهم يراقبون أولئك اللصوص في المحلّ الذي جاء منه، فلا يلبث أن ينطلق معهم لمحاصرة المحلّ، ويدخل مع بعضهم للمساعدة في القبض على اللصوص!
لكنّ اللصوص ينجحون في الهرب، فيهرب معهم، وحين يتمكن أحد رجال الشرطة الذين يطاردون اللصوص من محاذاته، فإنّ صاحبنا يواصل الركض إلى جوار الشرطي، مستكملاً وإيّاه، هذه المرّة، مطاردة اللصوص!
وبعد مدّة من الجري الحثيث، يكون رجال الشرطة قد تفرقوا في جميع الاتجاهات، راكضين في أثر اللصوص الذين ذهب كل واحد منهم في ناحية، ثم لا يلبث صاحبنا أن يجد نفسه يجري لوحده.
عندئذ يتوقف وهو يتصبّب عرقاً، ثم يضع يديه في جيبَي بنطلونه، ويواصل تسكعه منفرداً، بلا دافع أو خطة أو هدف!
هذه القصة ذكرتني بالأفراد و المؤسسات الحكومية و الجماعات المسلحة و الأحزاب المعارضة و الجمعيات الخيرية و الثقافية الكاذبة و المجالس الوطنية الرخيصة في السنوات الأخيرة من عمر الوطن التي أخذت تسرق و تنهب من جيوب الوطن بحجة إنها تحمي الوطن بينما بطل القصة هنا هو (( المواطن )) .