فنون بصرية خيرة جليل - الفنان محمد العربي زيدان: تجربة تشكيلية تحكي قصص الهامش المنسي بجمالية فن التراث المغربي

يرسم مؤرخ الفن دانيال آراس حدودا بين ما يسميه ( موضوع اللوحة ) و( الموضوع في اللوحة ) ... كما يصنف اللوحة إلى ثلاث مراحل ( ميلاد سيرورة وصيرورة ) أي اللوحة الأولى هي اللوحة حديثة التنفيذ، ثم تتحول إلى لوحة ثانية مع مرور الزمن وتأثرها به، وأخيرا اللوحة الثالثة التي طالها الترميم
ماذا قد يعني هذا بالنسبة للفنان التشكيلي محمد العربي زيدان؟ ومن هو هذا الفنان ؟ وكيف حاول ان يشتغل على موضوع اللوحة والموضوع في اللوحة؟
وكيف حاول ان يرسم اللوحة الحديثة كلوحة واحدة بابعادها او مراحلها الثلاث؟ واين يتجلى انزياحه الفني ؟
حين نقوم بدراسة لاعمال الفنان فاننا نخضعها لآلية التذوق الفني. وهذا التذوق الفني يدرك من قبل الأنسان من خلال أربع نواحٍ أساسية : تفسر عناصر التشكيل الفني والعلاقات الجمالية والعلاقات التعبيرية والشكل والمضمون والأداء والتقنية4 وبما ان “الفرد لا يعيش في فراغ، فشخصيته تتأثر (بالسياق الاجتماعي) الذي يوجد فيه، والشخصية في مفهوم علم النفس هي جملة الصفات الجسمية، والعقلية، والمزاجية، والاجتماعية، والخلفية التي تميز الشخص عن غيره تميزاً واضحاً "1وورد في مدارس علم النفس “ان وصفاً او تعريفاً مبسطاً وحيداً للنفس البشرية هو كونها نظاماً ربطياً يكيف الاستجابات الفكرية والانفعالية التي يقوم بها مع الاوضاع التي يصادفها”2 وقد وضع عالم النفس الانجليزيBullough، تصنيفاً للنمط الادراكي، بحيث يمثل كلاً من هذه الانماط طريقة مختلفة في ادراك الموضوعات الجمالية والاستجابة لها. وهذا التصنيف يكشف عن مدى الضخامة التي يمكن ان تكون عليه الفوارق بين مدركي الجمال. أي بمقدار التعاطف والتنزه عن الغرض في تجربة كل منها. وبذلك جاءت اعمال الفنان مراحل ولوحات تعكس تجربته كذاكرة جماعية للتراث المغربي . و لوحات الفنان هي ليست لوحات فقط إنما هي مشاعر ساخنة طازجة لبيوت مغربية تقليدية عامة وطنجوية خاصة، هي تاريخ لتحولات اجتماعية وسياسية وثقافية وفنية. هي لوحات تشكل اهتزازات وجدانية ضد الجمود البصري، لوحات في حاجة إلي وعي إنساني شديد وفهم كبير للمجتمع المغربي والموروث الثقافي الفني، تحتاج إلى إنسان يطرح أسئلة دقيقة في مسار الإبداع المغربي الحالي سواء قلنا المعاصر او ما بعد الحداثة او سميها ما شىت . وليس الغرض منها الشعبوية او التهريج او التسويق السياحي كما يفعل البعض في اعماله.
نحن أمام جمالية الحرف وصناعة المجال اللوني على اسندة مختلفة في عالم يكتمل فيه حضور كبير للذات المبدعة للفنان محمدالعربي زيدان مع اختلاف مستويات الرؤية والتموقع الفني في كل عمل فني. فالفنان شكل في عالمه الفني عوالم لذات مبدعة ما لازلت فى مرحلة اللون المؤكد تتلمس حقيقة العوالم الخفية والأفكار الضمنية لا صدفة بل تجريبا وفكرة بمرسمه.... فهو ادخل الفن التشكيلي لمختبر دقيق بين العمق الفلسفي للعمل الفني والموروث الفني والحضاري والاجتماعي الراهن بعيدا عن التهريج الشعبوي، فهو بذلك يمتلك سلطة البناء الفني التي تستدعي مخيال (الحرية-الاجتماعية) والمبني على الاشتغال على المادة في المنشاء الفني و المجسر في الفن التشكيلي كمدخل لإعادة هيكلة اللغة التشكيلية والتشفير بأدوات غير مبهمة قابلة للمس والملاحظة في الوضوح والمقاومة من أجل وجود صياغة تتجاوز البنى القمعية للرؤيا الفنية وللإنسانية .
الفنان نشأ بمدينة طنجة التي شكلت ملتقى عالمي للمبدعين والفنانين الذين بحثوا واحدثوا ثورة فكرية وادبية وفنية مثل الكاتب شكري والتشكيلي الحمري والد التشكيلي عبد اللطيف العبدي وغيرهم... ، فتربى على الذوق الفني الهادف والذي يخضع كل شيء للمساءلة والنقد باسلوب فني مميز، وهو من خلال عمله يقوم بتفعيل للفن التشكيلي المغربي في مواقع المرئي للامرئي المسكوت عنه ( الهامشي -الاجتماعي) لقتل البياض حول إشكالية المرأة داخل دواليب الوعي الرسمي الديني والاجتماعي والسياسي المغربي وإعادة فتح تغور في الأمكنة التي تتشقق بفعل قوة الصراع بين الحق واللاحق في زوايا المنتوج الإيديولوجي الديني واللاديني والسياسي للدارس لوضعية المراة المغربية المعاصرة في علاقتها بمروثها الثقافي والاجتماعي. وبذلك تصبح اعماله واحدة من تاريخ الحضور الفني في الدمج بين حرية المرأة وحرية المجتمع عبر تشريط المساءلات الفنية والقيمية بالمفهوم الطقس الحاضر في اللاوعي الذي تتخذه رمزا للدولة. وبذلك تصبح الامكانيات الفنية التي يصيغها الفنان زيدان هي التعبير عن كل هموم المرأة الام والاخت والزوجة والابنة وتقييم مشاعرها وعلاقتها بالفعل السياسي والمحيط الاجتماعي في القيام بالعديد من الاعمال المتعبة بخلفية الترابط بين التطريح لجدلية قيمة الحزن والفرح بإمكانية حضور العدالة الاجتماعية بصيغة الانسانية .
فمحورية الفكرة التي منها يعالج نصوص -اللوحات في العديد من التعامل هي مساقة إلى عناصر العنف المتعدد الذي تواجهه النساء باستمرار، ونقصد العنف المادي والمعنوي ، اذ ان رؤيتها تكمن في المقاومة كفعل تاريخي أمام عملية التضييق التي تخنق الوجود الإنساني للمرأة التقليدية وربات البيوت البسيطات وهي نفس الرؤيا التي تصلب في فكرة سلاح التمرد على الاستبداد.
عموما اني استطيع ان اقول ان الفنان محمد العربي زيدان إنسان بدرجة مبدع ،فنان صادق لدرجة الجنون لانه كسر الشكل المتعارف عليه للسند واشتغل على خامات متعدد ومتنوعة ،فنان ثبت اسمه في دفتر التشكيل المغربي لموجة الشباب المجدد.فهو في اشتغاله على المادة استطاع ان يعمل على اواني معدنية عتيقة مضغوطة واتخذ من الة التصبين" الفراكة " المتعارف عليها في البيوت المغربية العتيقة والبسيطة سندا خشبيا متاكلا بفعل الزمان ليرمم وجهها بالفن ،كما انه حاول رسم معاناة المراة واحاسيسها بتثبيث اسلاك شاىكة تدمي اليدين وهو رمز للالم اليومي ومعاناة المراة في التنظيف ، وهذا الخلط والمزج بين مواد مختلفة والكتابة عليها بالخط العربي بالحبر الصيني الاسود وادخال مجموعة من الالوان الجميلة عليها وزخاريف الزليج البلدي او صنبور الماء النحاسي ، هو في حد ذاته جراة فنية لدى الفنان يستحق التنويه عليها وتاريخ لذاكرة التراث المغربي من خلال لوحاته التي تناولت العديد من المواضع الاجتماعية مغلفة بلمسة فنية تراثية ... .....خيرة جليل

بعض الايحالات :

1_راجح ،احمد ،اصول علم النفس 1976 )
2_(عاقل ،فاخر،مدارس علم النفس 1977)
3_عوامل تفعيل حركة التذوق الفني التشكيلي ج 5
د. ماضـي حســن نعمــة ، الصدى نيت 9 سبتمبر، 2018
4_ الية التذوق الفني : الربيعي نضال كاظم 2003
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

هذا النص

ملف
خيرة جليل
المشاهدات
1,844
التعليقات
1
آخر تحديث
أعلى