مصطفى معروفي - الاسم المستعار والاهتمام بالأنثى في الكتابة

مسألة الاسم المستعار ليست جديدة في عالم الكتابة ، فهي قديمة جدا، ونحن نعرف شعراء وكتابا عربا كتبوا بأسماء غير أسمائهم وألقاب غير ألقابهم. بيد أن كاتبا يستعير اسم أنثى ليوقع به ما يكتبه أو كاتبة تستعير اسم ذكر لتوقع به ما تكتبه هنا تكمن الطرافة والغرابة معا. وقد حكى لي أحد أصدقائي الشعراء مرة أنه استعار اسم أنثى للكتابة في جريدة نسائية، وأخذ يهاجم بعض الكتاب المرموقين تحت ذلك الاسم، ولا أحد علم بالأمر، وكان هجومه النقدي عنيفا على أولئك الكتاب، ولو كتب باسمه الصريح المعروف به لما كان نقده وهجومه على تلك الدرجة من العنف والقساوة ، وللقي من أولئك الكتاب ردودا ربما هي أعنف وأقسى مما كتب .
الأسئلة التي تطرح نفسها هنا حسب تجربتي في الشبكة العنكبوتية هي كالتالي:
- لماذا الاهتمام بالكتابة النسائية يأتي على حساب الاهتمام بالكتابة الرجالية ؟
- هل الأمر يتعلق بنوعية الكتابة لدى الأنثى أم بشيء هو خارج هذه الكتابة؟
لماذا يلقى الكاتب اهتماما بكتابته في المنتديات و المواقع الثقافية حينما يستعمل اسما مستعارا لأنثى ، بينما لا يلقى نفس الاهتمام حينما يستعمل اسمه الحقيقي أو يستعمل اسما ذكوريا، مع أن نوعية الكتابة لديه هي نفسها لم تتغير في كلتا الحالتين؟
إن الإجابة عن الأسئلة أعلاه سيسلط الضوء على قضية من جملة القضايا التي تطرحها الكتابة في الأنترنت.
في رأيي الشخصي أعتقد أن الكاتب ليس في حاجة لاسم مستعار كي يتعامل به مع القارئ ، وإذا كنت أجد العذر للمرأة الكاتبة في هذا ، فأنا لا أجده للرجل الكاتب، فأنا كقارئ أحيانا أريد الاقتباس من كاتب فكرة أو أفكارا أعجبتني ، لكنني أجد نفسي أمام شبح يتخفى وراء اسم مستعار ، فأعدل عن الاقتباس ، وفي نفسي ما فيها من تذمر ، وخاصة إذا كان الكاتب يستعمل اسما مستعارا هو أقرب ما يكون إلى السخافة منه إلى اسم أدبي لكاتب يحترم نفسه، فهذا اسمه المارد ، وذاك اسمه شارب البحر ، وذلك اسمه المصقوع وما إلى ذلك من الأسماء التي تثير الضحك وأحيانا الاشمئزاز في نفس القارئ.
إذا كان لدى الكاتب ما يقوله فلا بأس أن يعلن اسمه على الملأ ، حتى يضع القارئ اسمه في الخانة التي يستحقها ، وحتى تكون له المصداقية التي يتغياها كل كاتب يؤمن بنبل الرسالة التي يحملها.
إن استعمال الاسم المستعار في الكتابة له دواعيه وأسبابه ، وإن كانت هذه الأسباب والدواعي عند تمحيصها والتأمل فيها تبدو واهية وضعيفة ، لكن من سوء استعمال الاسم المستعار هو أن صاحبه قد يقول ما يشاء كيف ما يشاء ، دون أن يخشى تعرض اسمه الحقيقي للتجريح ، وهنا تبرز معاناة الكتاب أصحاب الأسماء الحقيقية مع ذوي الأسماء المستعارة ، بحيث إن الأولين خصوصا عند النقاش يراعون أمورا لا يراعيها الآخرون ، مادام هؤلاء ليس لديهم ما يخسرونه ، فهم اليوم بأسماء وغدا هم بأخرى ، بينما أولئك تبقى أسماؤهم ثابتة لا تتغير اليوم وغدا .
إن صاحب الاسم المستعار بإمكانه أن يهاجم من يشاء بكل حرية ، فتخفيه تحت اسم وهمي يضمن له مساحة من التحرك غير متاحة لصاحبه ذي الاسم الحقيقي ، لذا ففي النقاشات الحادة يبدو أحيانا عدم التكافؤ بين الجانبين واضحا. وقد فطنت بعض المواقع و المنتديات لهذه المشكلة فوضعت من بين شروط العضوية فيها استعمال الاسم الحقيقي ، وفعلا لقد فعلت خيرا في نفسها ، وفي الكتاب الأعضاء الذين يحترمون أنفسهم ويقدرون مسؤوليتهم، أقول هذا و أنا أعي أن المرأة الكاتبة قد تجد التحرج او بعض التحرج في استعمال اسمها الصريح لاعتبارات اجتماعية في مجتمع يتوق إلى الانعتاق من موروثات عفّى عليها الزمان.
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

تحية طيبة وسلام تام اخي السي مصطفى معروفي

قضية الاسماء المستعارة عمت حتى همت . واصبحت قناعا يتقنع به بعض الاشخاص خاصة في مواق الاتصال الادتماعي اما للشتم والسب او تمرير امر جبان لا يستطيعون الجهر به صراحة
اما في ميدان الكتابة فيلجا اليه المبتدؤون لاستعارة اسماء وهمية مخافة النقد ، وقد سبق ان تعرضنا معا لهذه الاسماء المستعارة لادباء مغاربة مشاهير ،
ولكل منا حكاية مع اسم مستعار .. وقد نشرت من قبل باسمين مختلفين في جريدة المحرر والطليعة الادبية ، وان كنت قد نلت من محرري الطليعة من نقد عنيف وصريح أفادني كثيرا للناقد باسم عبد الحميد حمودي، مثلما نلت مثله من مديح على يد محرري المحرر على يد العياشي ابو الشتاء.. وذلك قبل المجازفة بالكتابة باسمي الصريح
في ميدان النشر اذكر رواية الاوبة وهي رواية مكتوب عليها انها لوردة الصولي .. واسمها الحقيقي وردة عبد الملك ويشاع أن كاتبها رجل
والكتابة الروائية النسوية في المجتمع السعودي على الخصوص حول طابو الجنس شائعة لعدة أسباب منها الاخلاقية اساسا ..
يذكر الاديب الطبيب السي عبد القادر وساط في احدى مناظراته القيمة ، - وهي مناظرات شائقة فيها من الادب الجميل اكثر ما فيها من النقاء مع الاديبين السي احمد بوزفور والسي محمد علي الرباوي - قائمة بالاسماء المستعارة لبعض القدماء من الادباء

( حدثنا شيخنا أبو الفضل، قال:
حضرتُ يوماً مجلسَ الطاغية، عند تعيين الوزراء الجُدد في حكومة نجدان، وهم:
- كبير الوزراء، الشيخ أبو عبدالله المنجم، الملقب بضمير الغيب .
- وزير الشعر، الشيخ أبو عثمان الجهمي، الملقب بنسيم الصبا .
- وزير الأحلام، الشيخ عمر المهلبي، الملقب بلَمْع السراب.
- وزير الشمس والقمر ، الشيخ يوسف الأصبهاني، الملقب بواسطة القلادة.
- وزير البرق والرعد المطر، الشيخ سعيد البلخي، الملقب ببَرْد العجوز.
- وزير الحب والمرأة والغزَل، الشيخ أبو الحسن الكوفي التميمي، الملقب بقُطْب السرور .
- وزير العَروض والقوافي، الشيخ أبو فُرات العجْلي، الملقب بقافِ رُؤْبَة .
- وزير الأصمعيات والمفضليات وباقي مختارات أشعار العرب، الشيخ أبو أحمد الحلواني، الملقب بنطاق الجوزاء.
- وزير الزمن، الشيخ عبدالحميد القرافي، الملقب بصاعقة ثمود .
- وزير السجون والبناء والعمران، الشيخ قيس بن شراحيل، الملقب برُقْية الأفاعي .
- وزير المروءة، الشيخ أبو شبل الكناني، الملقب بسَجْع الحَمام.
- وزير الفقر، الشيخ مقداد الطائي، الملقب بقَرْن الكركدن.
- وزير الشرطة، الشيخ المستهل الغَنوي، الملقب بلعاب المَنيّة .
- وزير الطغيان، الشيخ خالد الجَرْمي، الملقب بحَيّة الوادي.
- وزير النوائب، الشيخ نوفل بن مالك السلولي، الملقب بخَبْط عشواء.
- الوزير المنتدب لدى وزير الشعْر، المكلف بالضرورات الشعرية، الشيخ أبو الحسين العسقلاني، الملقب بظل الحجَر.
- الوزير المنتدب لدى وزير الزمن، المكلف بالحدثان، الشيخ أبو جعفر العتّابي، الملقب بعَيْن الديك .)



محبات
 
تحية طيبة لك السي المهدي،
عندما فتحت عيني على القراءة و اقتناء الكتاب وجدتني أمام اسمين كانا يبهرانني حتى قبل أن اقرأ لهما و هما سميرة بنت الجزيرة العربية و بنت الشاطئ لأكتشف في ما بعد أن الأولى اسمها الحقيقي هو سميرة خاشقجي و الثانية عائشة عبد الرحمن، و هما كاتبتان أصيلتان تنطلقان من أن الكتابة إذا لم تكن إضافة نوعية فليست بكتابة.
عبد ربه هذا كتب باسم مستعار حتى صرت لا أنادى إلا به إلى أن أقنعني صديق قاص و روائي بالعدول عنه إلى اسمي الصريح ،و صديقي العزيز نجيب خداري لحد الآن لا يتذكرني إلا بذلك الاسم ،و أنا لم أكن أخشى النقد فالصديق مسلك ميمون انتقدني و أنا تحت اسمي المستعار و كذلك صديقي العزيز الشاعر الراحل محمد عبده بوزوبع و مثله فعل الشاعر عبد الرحمن بوعلي.و أذكر أنني لما انفصلت عن اسمي المستعار كنت في حالة رضيع فطموه للتو.
تتبعت المناظرة أو الحوار الذي دار بين الأدباء الثلاثة في إبانه لكنني لم أكن متحمسا رغم وجود الصديقين العزيزين بوزفور و الرباوي...
التحيات الزكيات لك مولانا.
 
نعم صديقي الاعز
الاسماء المستعارة حاضرة بقوة في اامشهد الادبي سواء لدى الغربيين او العرب. واعترف ايضا بان قراءاتي المبكرة بدات مع بنت الجزيرة العربية ورواياتها الانيقة الطبع المزينة صورها بالورق الشفاف الذي يزيدها بداعة ورونقا.. هذا الى جانب كتابات المنفلوطي العظبم جبران وجورجي زيدان وكل كتب سلامة موسى ااتنويرية
من الاسماء النسوية المستعارة اذكر باحثة البادية والمطوقة الاسم الذي كانت تمهر به فدوى طوقان الشابة اشعارها

كل التقدير
 
التعديل الأخير:
تحية جميلة للجميل السي المهدي،
معك حق ،فالآن تحضرني George Eliot و هو الاسم المستعار للكاتبة الانكليزية الشهيرة Mary Ann Evans ،و لا أخفي عنك سرا إذا قلت لك بأنني عندما قرأت روايتها الجميلة Silas Marner كنت أعتقد أن كاتبها رجل .
عندما كنا نتلمس طريق القراءة كان روادنا في ذلك هم المنفلوطي و جبران و زيدان و سلامة موسى و غيرهم ،و يكفي أن نجيب محفوظ كان من تلاميذ المنفلوطي ،هذا الرجل الذي حاول كثيرون من الاستئصاليين إلغاءه فاستعصى عليهم،و بالمناسبة أذكر أن الوالدة أعطتني درهمين لشراء كتابين لجورجي زيدان هما:"الأمين و المأمون" و "عروس فرغانة" من سوق الكتب المستعملة (اشطيبة)فكانا فاتحة مقتنياتي من الكتب.
دامت لك السلامة مولانا.
 
التعديل الأخير:
اهلا اخي السي مصطفى

الحقيقة ان بعض الكتاب لا يموتون برغم اصرار القارئ على إبادتهم.. وقد يموت القارئ ويبقى الكاتب حيا على الدوام .. وعلى ذكر المنفلوطي فلا اعتقد ان كاتبا آخر سيملأ فراغ غيابه او مماته ، لان كتب المنفلوطي هي النواة الاولى لقراءة اي واحد منا مهما علا شأنه.. بعد كامل كيلاني و القصص المدرسية لاحمد عطية الابراشي ومحمد سعيد العريان ، وكانت قصص المنفلوطي الوعظية انجيلنا و زادنا المعرفي الاول في اللغة والتعبير والعاطفة والعشق ، حتى اني تاثرت بأسلوبه الانشائي الرصين .. الذي لم استطع الفكاك من محسناته البديعية والاسلوبية الا بالحاح من اساتذة المستوى الاعدادي .. والتوجه لقراءة كتب سلامة موسى وروايات سميرة بنت الجزيرة العربية التي لم اعرف الا مؤخرا انها ام الفايد عشيق الاميرة ديانا ، ومعذبو طه حسين الارضيين وغربال نعيمة وأرواح جبران المتمردة ، و الذين اكتشفت فيهم نوعا مغايرا من الكتابة التي غيرت ذائقتي الادبية.
و المنفلوطي للحقيقة نظم الشعر وكتب المقالة والقصة وعرب الرواية وترجم رباعيات عمر الخيام شعرا ، وهو الكاتب الوحيد الذي ابكتني كتاباته ، خاصة روايته الفضيلة ( بول وفرجيني لبرنار دو سان بيير) .. الوحيد اقول الذي ابكاني كما كان يبكي هو تماما .. حتى موت ابي لم يستطع ان يعنصر دمعة واحدة من مآقي
والصراحة اني كنت اغتاظ من يمس المنفلوطي بسوء ، ومن يتعرض له بأذى ، لأنه لن يرقى الى مستوى المنفلوطي لا في اللغة ولا على مستوى الصياغة البيانية ، واشبهه بمن يتجرا على شتم والديه وولي نعمته.. وهذا السلوك العاق سمة من ياكلون النعمة ويسبون الملة
وليس اجمل من ايات الاعجاب والمحبة التي حملها نجيب محفوظ رسالته الافتراضية للمنفلوطي هذه الرسالة التي حفزني كلامك للبحث عنها وادراجها ضمن ملف خاص بهذه الرسائل التي لن تصل


تحياتي لك ايها الانسان النبيل
 
التعديل الأخير:
تحية طيبة لك السي المهدي،
الواقع أن المنفلوطي كان مبهرا في أسلوبه و ما يزال ،لكنه جاء في وقت كان المد الاشتراكي و الشيوعي في عنفوانه ،فكانت كتاباته و كتابات أمثاله لا تلقى الصدى الذي كان ينبغي أن يكون لها إلا عند المبتدئين و من يبحث عن البيان العربي.لقد كان المنفلوطي ضحية الأيديولوجية...إن جاز التعبير.
أما أخوك هذا فقد بكى في مناسبتين أثناء القراءة و الاندماج فيها ،أثناء قراءتي للأجنحة المتكسرة لجبران و كوخ العم توم لهارييت بيتشر ستو و خاصة عندما ألقت تلك المرأة السوداء بنفسها في البحر من السفينة خين انتزعوا منها ابنها الصغير.
أعود فأقول أن تلك الفترة شهدت تبخيس مجموعة من الكتاب و الأدباء الأساسيين لا لشيء إلا لأنهم كانوا يغردون خارج السرب،فشاعر في قامة أحمد شوقي كان يقال فيه ما لم يقله مالك في الخمر ،و المنفلوطي قيل عنه أنه سطحي و الرافعي رجعي و هلم تبخيسا و تقزيما...و لما انكشف الغطاء أدركنا الأمر لم يكن يتعلق بالأدب و الفكر بقدر ما كان يتعلق برفض أولئك المفكرون و الكتاب الانخراط في مشروع أيديولوجي معين كان ينظر إليه على أنه مشروع فيه الخلاص الاجتماعي.
دامت لك الأفراح و المسرات مولانا.
 
أعلى