عام يمر على رحيله المصادف للعاشر أوت 2018
هوى نجم و غربت الشمس و غاض البحر هي كلمات كان القدماء يصفون بها من فقدوه من الأعزاء، لقد فقدت الجزائر منذ سنة صاحب الــ: 18 رصاصة و الملقب بأكبر جريح ثورة الجزائر التحريرية، إنه العقيد محمد الصالح يحياوي، و نحن اليوم في ذكرى وفاته الأولى المصادفة للعاشر من شهر أوت ألفان و تسعة عشرة نسترجع بعض من خصال هذا الرجل في أفق التاريخ بعدما قرن اسمه باسماء الشهداء الأحياء عند ربهم يرزقون، لا نبالغ لو قلنا أن تتبع مسيرة المجاهد محمد الصالح يحياوي رحمه الله في سياقها السوسيوتاريخي تبين كيف يصنع الرجال التاريخ بمواقفهم و تضحياتهم، و ليست هذه الورقة في كونها مَدْحًا و لا تمجيدًا لشخصية من الشخصيات التاريخية، و لا عيب في تمجيدها لتميزها الفكري و النضالي متفردة في ساحة الجهاد
إن أحدنا تمر عليه أيام و شهور بل سنوات مثل النبات يتطور، كذلك شخصية العقيد محمد الصالح يحياوي، هي بمثابة تراكم الخبرات، و نحن لا نفهم حركة التاريخ إلا من خلال تحركات الزعماء، و موتهم يختلف عن موت الطغاة، لأن الزعماء يشبهون الشجرة الباسقة ذات الطلع الهظيم، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، و أما الطغاة فهم يشبهون الشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فموت الطاغية هو نهاية نظام و نخبه، و موت الزعيم هو حياة جيل جديد، و مخطئ من يقول أن العقيد محمد الصالح يحياوي و كغيره من قادة الثورة و زعمائها أصبحوا نسيا منسيا، لأن كفاحهم يتردد على كل لسان، و بخاصة هذا الرجل ، فقد ترك رصيدا فكريا و سياسيا موثقا في خطبه و مداخلاته، و المتأمل في أسلوبه الخطابي يقف على أن الرجل رحمه الله كان مفكرا و ناقدا، كما يصنف في قائمة المثقف الملتزم بقضايا أمته، و ليس هناك مبالغة في تقدير الرجل في تغيير حركة النضال داخل حزب جبهة التحرير الوطني، بل هي في الحقيقة تعتبر دروسا لكل مناضل مهما كان انتماؤه الحزبي، هي دروسا من خلالها تتحرك الطاقات الكامنة في داخل كل إنسان، يُحَوِّلُ السلبية إلى إيجابية و السكون إلى حركة، و يُحَرِّضُ على البذل و التضحية و العطاء اللامشروط، فخطبه ترسم للناس الطريق و تضع لهم الأهداف، فيحدث التغيير.هوى نجم و غربت الشمس و غاض البحر هي كلمات كان القدماء يصفون بها من فقدوه من الأعزاء، لقد فقدت الجزائر منذ سنة صاحب الــ: 18 رصاصة و الملقب بأكبر جريح ثورة الجزائر التحريرية، إنه العقيد محمد الصالح يحياوي، و نحن اليوم في ذكرى وفاته الأولى المصادفة للعاشر من شهر أوت ألفان و تسعة عشرة نسترجع بعض من خصال هذا الرجل في أفق التاريخ بعدما قرن اسمه باسماء الشهداء الأحياء عند ربهم يرزقون، لا نبالغ لو قلنا أن تتبع مسيرة المجاهد محمد الصالح يحياوي رحمه الله في سياقها السوسيوتاريخي تبين كيف يصنع الرجال التاريخ بمواقفهم و تضحياتهم، و ليست هذه الورقة في كونها مَدْحًا و لا تمجيدًا لشخصية من الشخصيات التاريخية، و لا عيب في تمجيدها لتميزها الفكري و النضالي متفردة في ساحة الجهاد
ليس مجاملة لو قلنا أن العقيد محمد الصالح يحياوي كما وصفه البعض يعتبر رمز الشخصية الملتزمة بقضايا الأمة و مسائل كثيرة تتعلق بالنضال، و الديمقراطية و الفكر السياسي، فهو المنضال العربي الذي دافع بقوة عن اللغة العربية، و دعا إلى احترام المرأة، و ترقية الشباب، و تبجيل العلماء و الكوادر لأنهم العمود الفقري للبلاد، ما جعله موضع إعجاب، لدرجة أن الكثير أحبّه لوطنيته و غيرته على الحزب و الوطن، حيث كان يحرص في خطبه على توثيق الصلة بالوطن و الإصلاح الفكري و النضالي، لكن البعض حتى لا نقول كثيرون أيضا من ظلموه و لم ينصفوه لمّا كان على قيد الحياة، و هذا طبعا أمرٌ عادي، لأن في السياسة موالون و خصوم، فما يمكن قوله أن الفقيد شخصية تدرجت على النضال في وقت مبكر، كانت له قدرة كافية على ابتكار الحلول و الإستراتيجيات الذكية للتواصل مع الجماهير، و نلمس ذلك في خطبه، لكن على عادة الزعماء و الوطنيين الحقيقيين أن يكون مصيرهم التهمويش و الإقصاء، و من هذا المنطلق نقول أن الكتابة عن رموز الثورة في الجزائر و تدوين مواقفهم مهم جدا، بل بات حتمية، حتى لا تبقى أعمالهم فريسة لقوى معادية للثورة ، هذه القوى التي أرادت يوم ما التخلص منهم و اغتيالهم، حتى تظل الأجيال جاهلة، لا تعرف شيئا عن ماضيها، و العقيد محمد الصالح يحياوي رحمه الله كان واحدا ممن تعرضوا للإغتيال، ثم عانى من الحصار، بل القتل المعنوي، حتى يظل حبيس نفسه ، و حتى لا يتمكن من مواجهة سلطان و جبروت بعض القوى السياسية المتنفذة التي تدبر الإنحراف و الفسوق السياسي و الإجتماعي في المجتمع.
فقد عاش الفقيد في زمن تميز بالإدبار و ذهاب هيبة الشخصية الجزائرية و تربص أعدائها بها و لم تكتب له الأقدار ان يعايش الحراك الشعبي و انتفاظة الجماهير الشعبية، فرحيل رموز ثورية عن الحياة في ظروف تميزت بغلبة الإقصائية و رفض الآخر و إلغاء الإختلاف، حيث ساد التطور الكمي للحراك الشعبي دون التطور النوعي، يؤكد على محدودية الوعي السياسي للجماهير الشعبية و بدائية تجربة مناضلي الحريات، لاسيما الحريات الفكرية، حيث ظل هذا الوعي شأنا نخبويا، ما جعله عرضة للقمع، و لعل هذا يدفعنا إلى الحديث عن المثقف الثوري و المثقف السياسي معا، و الفقيد ينتمي إلى هذان الصنفان و طالب بتوفير الحريات، هي رسالة لجيل الصحوة الوطنية كما سماها الأديب الطاهر يحياوي مؤسس دار الأوطان للنشر و التوزيع، و هو من بادر إلى طبع كتابه "المسيرة" ، و كتاب بعنوان :"رحلة في زمن الحزب الواحد" هي شبه مذكرات للفقيد.
كما جمعت دار الأوطان خطبه في كتاب منفرد بعنوان: "خطابات ، تدخلات و مواقف"، و قد كان لي الشرف أن أصدرتُ كتابا عن هذه الشخصية التاريخية، و الذي كان بعنوان: "محمد الصالح يحياوي رجل بوزن أمّة ظلمه رفاقه" عن نفس الدار ، و قد شجعتني مواقفه لإصدار كتاب جديد عنه هو عبارة عن قراءة تحليلية لكتابه المسيرة و هو قيد الطبع، و لا شك أن هذه الكتب ستبقى مرجعية تاريخية يعود إليها جيل بعد جيل، لا سيما الطلبة الجامعيون لتكون لهم جسرا يمرون من خلاله على درب أجيال الحركة الوطنية لفستفادة من تجارب و خبرات هؤلاء الرواد، و لعل جيل الحراك في حاجة ماسة إلى وعي هذه الحقائق و استيعاب الخبرات الناضجة و استثمارها في حركته النضالية من أجل التغيير الحقيقي، و نحن نحيي ذكرى وفاته الأولى، فالسؤال الذي يمكن أن نطرحه في هذا المقام هو : ماهي ثروتنا الحقيقية؟ إنها طبعا عزتنا و كرامتنا و حبنا للإسلام و الوطن و للغة العربية.
علجية عيش