علجية عيش - القذافي و دولة "التوارق"

كان موقف الجزائر من الأحداث الليبية هو إيجاد حل سلمي يقي ليبيا من خطر التدويل و ما يتبعه من تدخل اجنبي، فضمت صوتها إلى الإتحاد الإفريقي، لكن النتيجة هي أن الثوار الليبيون وجهوا للجزائر اتهامات بأنها أرسلت مرتزقة جزائريين ليقاتلوا في صفوف الميليشيات الموالية للقذافي، الأمر الذي كذبته الجزائر، و ظلت العلاقات بين الجزائر و ليبيا يشوبها التوتر إلى حين سقط القذافي فعادت العلاقات إلى سائر عهدها

تتقاطع الجزائر بالساحل الإفريقي بفضل انفتاحها الجغرافي بحيث يجمعها بالساحل الإفريقي أكثر من 2837 كلم بنسبة 44 بالمائة من مجموع حدودها البرية الممتدة على 6343 كلم ، فضلا عن امتدادها الطبيعي فهي تتقاطع عبر متغيرين اساسييتن هما امتددات قبائل “التوارق” و تزايد النشاط الإرهابي بالمنطقة، فالنظام الليبي مبني على أنه النظام الذي يحكم فيه الناس أنفسهم من دون وصاية عن طريق المؤتمرات الشعبية التي تتولى اللجان الشعبية تنفيذ قراراتها ، فكان نظاما فريدا من نوعه مبني على شبه مؤسسات شعبية، يبقى المجتمع الليبي مجتمع الدولة المارقة، ففي تقرير له منشور على صحيفة إلكترونية slate afrique للدكتور منصور لحضاري من جامعة المسيلة ، فسياسة القذافي ارتكزت على دعم التوارق و دعوتهم إلى تمكينهم من بناء وطن قومي لهم في الجزائر، و هو ما أثار امتعاض الدول المعنية بتواجدهم على أراضي كالجزائر، فكانوا موالون له و انضموا للقتال في صفوف ميليشياته، و بعد سقوطه عادوا إلى قبائلهم بصحراء الساحل الإفريقي فاندمجوا في الفصائل المحاربة لحركات الأزواد، علما أن الأوضاع في ليبيا عرفت بحركة 17 فبراير، بدأ فيها الحديث عن حقبة ما بعد القذافي، و ظهرت سيناريوهات متعددة في حال انهيار النظام، و قيام آخر على أنقاذه ، تمثل ذلك في سلسلة من اللقاءات في العواصم العربية ( قطر) و الغربية ( لندن، باريس و روما)، ما حصل في ليبيا هو تحالف بين السلطة و الثروة، اي النظام الذي استولى على الحكم و وزع مفاتيحه على ابناء عائلة القذافي، و هو شبيه إلى حد ما بالمرحلة البوتفليقية و كيف استولت جماعة من الأشرار على السلطة و اقتسمت الريع.
تقول دراسات أن منطقة المغرب العربي هي الآن في مفترق الطرق بفعل الأحداث الجارية في ليبيا التي تحولت من ثورة شعبية إلى نزاع مسلح في شكل حرب أهلية شاملة، و هذا يثير تخوف كبير لدى الجزائريين من أن تنتقل هذه الشرارة إلى الجزائر في ظل الحراك الشعبي و مطالب تغيير النظام من جذوره، و لا شك أن الحرب الأهلية في ليبيا ستحمل معها في حالة استمرارها الكثير من المخاطر قبليا، لقد عرف الزعيم القذافي أكثر سندا للقضايا العربة خاصة الظروف التي عاشتها مصر و تونس و خلع الرئيس حسني مبارك و بن علي، و كان يعبر عن قوميته بالقول: “معمر القذافي ليس له منصب حتى يستقيل منه كما فعل الرؤساء” و كان يقول ايضا: ” معمر القذافي ليس رئيسا بل هو قائد.. هو الثورة، هو التضحية، هو المجد، هو التاريخ” ثم يقول: “أنا ليبيا”، و كان يصف نفسه في القمم العربية و المحافل الدولية بأنه عميد الحكام العرب و ملك ملوك افريقيا ، كما كان يصف نفسه بإمام المسلمين و صاحب المكانة العالمية، و مثلما جاء في تقرير adrien hart صحفي متخصص في الشؤون الإفريقية، بعد سقوط القذافي عرفت ليبيا انفلاتا أمنيا ، مكن من انتشار ما كانت تحوزه ليبيا من أسلحة الأمر الذي انعكس على منطقة الساحل التي كانت سوقا لترويج السلاح المتطور و الخطير.
فقد أعطت الأزمة الليبية نفسا جديدا للجهاديين في الساحل الإفريقي، ليس على ليبيا فقط بل على المغرب العربي كله بما فيها الجزائر، حسبما جاء في تقرير خبراء مغاربة آمنوا بفكرة اندماج المغرب العربي و توحيد قضاياه، فخير وصف لهذه الأوضاع الرسالة التي كتبها الرئيس التونسي لحبيب بورقيبة بعثها إلى الملك إدريس السنوسي عند سفره إلى طرابلس، عندما وصل الرئيس الأسبق جعفر النميري إلى الحكم في السودان عن طريق انقلاب عسكري في ماي 1969 و جاء فيها: بلادكم الشاسعة التي حباها الله بثروات كبيرة تشكو من فراغات ثلاثة: فراغ ديمغرافي، سياسي و فراغ ثقافي، و هذه الفراغات هي التي مهدت لمجيئ القذافي إلى السلطة في ديسمبر 1969، و التعامل مع هذه الفراغات يتطلب جهدا كبيرا، و بحكم الحدود المشتركة ( 982كلم) تعتبر الجزائر ما يحدث في ليبيا تهديدا لأمنها القومي، و التخوف من انتقال الأسلحة إلى عناصر إرهابية في أراضيها و في الساحل، و لمواجهة ذلك يرابط الجيش الوطني الشعبي و حرس الحدود في المناطق الحدودية مع ليبيا، لمواجهة الإرهاب و جرائم التهريب من و إلى ليبيا، مع التزامها الحياد حيال الأطراف المتصارعة و تعارض في نفس الوقت أيّ تدخل أجنبي و دعمها طرف ضد طرف آخر يعرض ترابها لمخاطر أمنية عكس المغرب الذي له هامش الحرية أكثر من الجزائر ، بحيث لا يعتبر المغرب الوضع في ليبيا تهديدا مباشرا لأمنه القومي.
علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى