تحركت مشاعر الحب في وجداني مبكرة جداً ، لا أبالغ إذا قلت أنني كنت في الثانية عشرة عندما خفق قلبي الصغير بحب ( سمية ) ذات العيون الملونة ، التي تصغرني بنحو عامين ، ولكن حدث تطور ملحوظ في أعقاب تلك العاطفة المبكرة : هي التعلق بالأدب ، وغواية القراءة دون انقطاع ، إلى أن حصلت على ابتدائية الأزهر ، وفي الصف الأول الثانوي بمعهد المنصورة الديني ، جلس بجواري طالب من مدينة قريبة لقبه ( الغندور ) – وهو اسم الجد ، كما كان اسمي في المرحلة الثانوية ( عامر ) وهو اسم الجد كذلك . الغندور لاحظ أنني شاطر في كتابة موضوعات الإنشاء ، والدخول في الحوار مع المدرسين ، وأحيانا الإضافة إلى معلوماتهم ( لا تتهمني بالمبالغة ، فقد حدث ذلك بدرجة ما ) وبعد أن تأكدت المعرفة بالغندور صارحني بأن فتاة جميلة شغلت قلبه ، ولكنه لا يستطيع مخاطبتها ، لأنها تسير بين زميلاتها ، وكذلك هو أيضا يسير بين زملائه ، غير انه يستطيع أن يدفع إليها بورقة ( رسالة ) لا يلاحظها أحد . قلت له : إذا افعل هذا الممكن !! قال : بل تفعله أنت !! اكتب على لساني من كلامك المعسول ، وسيساعدك اسمها – ووجد صعوبة شديدة في أن يصارحني باسمها تحت هذا الوازع الاضطراري ، قال : اسمها ( ظبية ) !! أثارني الاسم ، ولم أكن سمعته من قبل ،وسرح خيالي مع الظبية التي أقرأ عنها في كتب المطالعة ، ولم أشاهدها في حياتي ، فكيف تكون هذه الظبية الإنسية التي سلبت عقل الغندور ؟!
بدأت أكتب لظبية رسائل الحب ، التي يوقعها الغندور ، ويتلقى جوابها ، ولكنه لم يطلعني عليه مطلقا ، فلم أر خطها ، فضلا عما عبرت به عن مشاعرها ، لكنه – في كل مرة – يحكي لي خلاصة الرد لأقوم بكتابة رد جديد . استمر خط الرسائل ذاهبة وعائدة حتى شكل لي ذلك نوعا من المراقبة اللذيذة لأحوال المحبين ، ولكن الاستمرار في تبادل عبارات الحب دون إضافة فعل أو كشف ، أو اقتراح ، ما لبث أن انعكس عندي نوعا من الألفة المؤدية بالضرورة إلى الملل ، ومن هنا " ركنت " ذاكرة مفردات العشق في رأسي على ناحية ، وفكرت في الاستعانة بالشعر ، ساعدني على هذا أبيات وجدتها بمجلة ( الرسالة ) التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات ، حتى عام (1953) وهو العام الذي عاصرته هذه الحكاية .
كانت الأبيات تقول :
حبك بين الحشا مقيم يا أيها الشادن الرخيم
أما وخدٌّ عــــلاه وردٌ أبدع في طيبه النعيــم
لقد تمكنت من فـــؤاد أسقمه طرفك السقيـمُ
حمل الغندور الرسالة ، ودفع بها إلى ظبية على الطريقة التي تعوداها ( ولم أفكر في كشفها ، أو التجسس عليها ) ولم يكن من عادته أن يقرأ ماذا كتبت !! ولهذا لم يقرأ الأبيات ، وإذا كان قرأها منفردا فإنني لست على يقين من مدى أو نوع فهمه لها ، غير أنني فوجئت به مقبلا ، مكفهر الوجه ، مقلوب السحنة ، وجذبني من ياقة ( الكاكولة ) الوحيدة التي ارتديتها في زمني الأزهري ، وقبل أن أتمالك نفسي من قبضته ، قال بحقد : ضيعت مني البنت الله يخرب بيتك !! لم أعرف كيف أنني " ضيعت البنت " وأنا لم أتجاوز المهمة التي ائتمنني عليها ، ولكني تمالكت نفسي وسألته : أنا عملت إيه ؟ لك أو للبنت ؟ قال : ظبية قرأت الشعر ، وكانت تظنه في الغزل ولكنك تقول عنها إنها رخمة ، وأنها مريضة !! قلت بدهشة حقيقية : لم يحدث هذا على الإطلاق !! قال : هكذا هي فهمت كلمة الرخيم ، ومعناها أنها رخمة ، وفي الآخر تقول : طرفك السقيم ، والسقم هو المرض ، فأنت تقول عنها إنها ( عمشة ) !! لم أعجب من انحراف فهمها إلا بقدر عجبي من عجز زميلي في الفرقة الأولى الثانوية ( بالأزهر الشريف ) عن فهم هذه المفردات الشعرية ، ولم يكن أمامي إلا أن أضمر تقديم طلب إعفاء من المهمة التي ألقاها على عاتقي أكثر من شهرين !!
غير أنه وفر عليّ هذا الاعتذار أيضا ، بأن قال : شوف يا عامر أنت صديقي وأنا مسامحك ، ورب ضارة نافعة ، لأنها عندما قرأت هذا الكلام ( الشتيمة ) بكت أمامي فتجرأت ولمست يديها أطيب خاطرها ، وهكذا ابتسمت وبدأنا نتكلم صراحة وعن قرب ، وبذلك قررنا الاستغناء عن الرسائل !!
بدأت أكتب لظبية رسائل الحب ، التي يوقعها الغندور ، ويتلقى جوابها ، ولكنه لم يطلعني عليه مطلقا ، فلم أر خطها ، فضلا عما عبرت به عن مشاعرها ، لكنه – في كل مرة – يحكي لي خلاصة الرد لأقوم بكتابة رد جديد . استمر خط الرسائل ذاهبة وعائدة حتى شكل لي ذلك نوعا من المراقبة اللذيذة لأحوال المحبين ، ولكن الاستمرار في تبادل عبارات الحب دون إضافة فعل أو كشف ، أو اقتراح ، ما لبث أن انعكس عندي نوعا من الألفة المؤدية بالضرورة إلى الملل ، ومن هنا " ركنت " ذاكرة مفردات العشق في رأسي على ناحية ، وفكرت في الاستعانة بالشعر ، ساعدني على هذا أبيات وجدتها بمجلة ( الرسالة ) التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات ، حتى عام (1953) وهو العام الذي عاصرته هذه الحكاية .
كانت الأبيات تقول :
حبك بين الحشا مقيم يا أيها الشادن الرخيم
أما وخدٌّ عــــلاه وردٌ أبدع في طيبه النعيــم
لقد تمكنت من فـــؤاد أسقمه طرفك السقيـمُ
حمل الغندور الرسالة ، ودفع بها إلى ظبية على الطريقة التي تعوداها ( ولم أفكر في كشفها ، أو التجسس عليها ) ولم يكن من عادته أن يقرأ ماذا كتبت !! ولهذا لم يقرأ الأبيات ، وإذا كان قرأها منفردا فإنني لست على يقين من مدى أو نوع فهمه لها ، غير أنني فوجئت به مقبلا ، مكفهر الوجه ، مقلوب السحنة ، وجذبني من ياقة ( الكاكولة ) الوحيدة التي ارتديتها في زمني الأزهري ، وقبل أن أتمالك نفسي من قبضته ، قال بحقد : ضيعت مني البنت الله يخرب بيتك !! لم أعرف كيف أنني " ضيعت البنت " وأنا لم أتجاوز المهمة التي ائتمنني عليها ، ولكني تمالكت نفسي وسألته : أنا عملت إيه ؟ لك أو للبنت ؟ قال : ظبية قرأت الشعر ، وكانت تظنه في الغزل ولكنك تقول عنها إنها رخمة ، وأنها مريضة !! قلت بدهشة حقيقية : لم يحدث هذا على الإطلاق !! قال : هكذا هي فهمت كلمة الرخيم ، ومعناها أنها رخمة ، وفي الآخر تقول : طرفك السقيم ، والسقم هو المرض ، فأنت تقول عنها إنها ( عمشة ) !! لم أعجب من انحراف فهمها إلا بقدر عجبي من عجز زميلي في الفرقة الأولى الثانوية ( بالأزهر الشريف ) عن فهم هذه المفردات الشعرية ، ولم يكن أمامي إلا أن أضمر تقديم طلب إعفاء من المهمة التي ألقاها على عاتقي أكثر من شهرين !!
غير أنه وفر عليّ هذا الاعتذار أيضا ، بأن قال : شوف يا عامر أنت صديقي وأنا مسامحك ، ورب ضارة نافعة ، لأنها عندما قرأت هذا الكلام ( الشتيمة ) بكت أمامي فتجرأت ولمست يديها أطيب خاطرها ، وهكذا ابتسمت وبدأنا نتكلم صراحة وعن قرب ، وبذلك قررنا الاستغناء عن الرسائل !!