يمكن لعبير رائحة القهوة، التي أعدت من حب حديث التحميص، أن ينتزع النائمين من أسرتهم، وأن يغري المارة بدخول المقاهي لاحتسائها. وحول هذا الفنجان البسيط المصنوع من الخزف الصيني الأبيض الرخيص يجتمع ملايين البشر في سائر أنحاء العالم. وهم يجدون صعوبة في بدء يومهم دون متعة الصفاء الذهني، التي يمنحها لهم فنجان القهوة. وزيادة في الامتاع والمؤانسة استحضروا قارئة الفنجان والتي كتب عنها نزار قباني قصيدته الشهيرة التي صدح بها صوت العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.
1
حبوب البُن الطازجة هي بذور نباتات دائمة الخضرة تنتمي إلى فصيلة تشتمل على أكثر من ستين نوعاً من جنس البُن، أما الصنفان اللذان يستثمران تجارياً فهما: البُن العربي، الذي يشكل ثلثي إنتاج العالم، ويزرع في أمريكا الجنوبية وشرق إفريقيا والجزيرة العربية وآسيا. والبُن الخشن، الذي يشكل الثلث الآخر، ويزرع في غرب إفريقيا ووسطها وجنوب شرق آسيا وبعض مناطق البرازيل. ويأتي البُن في المرتبة الثانية بعد النفط من حيث قيمة تداولهما في الأسواق العالمية.
2
حتى أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر بقيت حبوب البن احتكاراً عربياً، وقد جلبت إلى تركيا ومصر وسورية بوساطة الحجاج المسلمين العائدين من مكة. وقد فُتحت المقاهي العربية في استنبول ودمشق وغيرها من مدن الشرق الأوسط، حيث تعرف إليها التجار الأوربيون. يعود أصل شجرة البن العربي إلى المرتفعات الإثيوبية. والقهوة المصنوعة من البن العربي ذات رائحة نفاذة تذكرنا بالزهور والفاكهة والعسل والشوكولا والسكر المحروق.
3
تعتمد الجودة النهائية لحبوب البن الناتجة على الصفات الوراثية للنبات وعلى التربة التي تنمو فيها، وكذلك المناخ الذي يضم بعض العوامل مثل الارتفاع عن سطح البحر وكمية الهطل المطري وضوء الشمس وتغير درجات الحرارة . لا بد من معالجة ثمار البن، بعد جمعها مباشرة، لمنع تلفها. ويستخدم المنتجون طريقتين للمعالجة التجفيف الشمسي أو الغسيل, ويجري التجفيف الشمسي الناجح بنشر الثمار في فناء مكشوف وتقليب المجففة منها بشكل متكرر بقصد تسخينها وتهويتها بصورة متجانسة، ويجري بعد ذلك إدخال الثمار الجافة في آلة تقوم بتكسير القشور ومن ثم إزالتها مع الطبقة الغشائية الرقيقة التي تحيط بالحبوب من أجل فرزها وتعبئتها. الطريقة الأخرى البديلة، فإنها تتمثل في نزع لب الثمرة آلياً، وغسل الحبوب الناتجة، ومن ثم تجفيفها وتخليصها من أغلفتها الرقيقة.
4
يتمثل أكبر التحديات في إنتاج بن عالي الجودة في التأكد من أن المرء يبدأ من حبوب خضر متميزة، ويستخدم المنتجون تقنية متقدمة لمراقبة عمليات المعالجة بهدف تقليص نسبة حبوب البن المعيبة إلى أقل حد ممكن. تحميص البن يزيد التعقيد الكيميائي للبن زيادة كبيرة، ويحتوي شذا البن الأخضر على نحو 250 نوعاً من الجزيئات الطيارة، في حين يعطي البن المحمص ما يزيد على 800 نوع من هذه الجزيئات. وعند تعريض البن إلى التسخين المتدرج في آلة التحميص، وهي أسطوانة كبيرة دوارة، يتحول الماء المتبقي في كل خلية إلى بخار يستحث قيام تفاعلات كيميائية معقدة ومتنوعة بين السكريات والبروتينات والمعادن الموجودة داخل الخلايا. وتكون النواتج النهائية بنيَّة اللون ذات طعم يتصف بالحلو المر.
5
في الوقت نفسه تتولد تشكيلة واسعة من جزيئات عطرية أقل كتلة، وتمنح هذه المركبات المتطايرة تلك الرائحة الزكية المألوف للقهوة. ويرتفع الضغط داخل كل خلية إلى حد يتراوح بين 20 و25 ضغطاً جوياً، فيما يحاول البخار وثاني أكسيد الكربون الانطلاق من الخلايا، دون أن يتمكنا من ذلك، بسبب انحباسهما داخل الجدر الخلوية السميكة القليلة الثقوب. وتنفجر في نهاية الأمر بعض الخلايا، محدثة صوت الفرقعة المميز، الذي نسمعه أثناء تحميص البن.
6
تدوم عملية التحميص فترة تتراوح بين دقيقة ونصف وأربعين دقيقة، بحسب درجات الحرارة والطرق المستخدمة. وعلى العموم، فإن 12 دقيقة فترة تقليدية لعملية التحميص التجارية. أما فترة التحميص الطويلة، المستخدمة في الدول الفقيرة، التي لا يملك الكثير من المستهلكين فيها سوى ثمن حبوب البن الرخيصة والمعيبة، فإنها ترغم جميع النكهات والأريج الفواح على الخروج من حبوب البن. ومن المؤسف أن المذاق والروائح المرغوب فيها تتلاشى كذلك، مما يخلف فنجان قهوة يميل طعمه إلى المرارة، كي يواكب مرارة عيش فقراء العالم.
1
حبوب البُن الطازجة هي بذور نباتات دائمة الخضرة تنتمي إلى فصيلة تشتمل على أكثر من ستين نوعاً من جنس البُن، أما الصنفان اللذان يستثمران تجارياً فهما: البُن العربي، الذي يشكل ثلثي إنتاج العالم، ويزرع في أمريكا الجنوبية وشرق إفريقيا والجزيرة العربية وآسيا. والبُن الخشن، الذي يشكل الثلث الآخر، ويزرع في غرب إفريقيا ووسطها وجنوب شرق آسيا وبعض مناطق البرازيل. ويأتي البُن في المرتبة الثانية بعد النفط من حيث قيمة تداولهما في الأسواق العالمية.
2
حتى أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر بقيت حبوب البن احتكاراً عربياً، وقد جلبت إلى تركيا ومصر وسورية بوساطة الحجاج المسلمين العائدين من مكة. وقد فُتحت المقاهي العربية في استنبول ودمشق وغيرها من مدن الشرق الأوسط، حيث تعرف إليها التجار الأوربيون. يعود أصل شجرة البن العربي إلى المرتفعات الإثيوبية. والقهوة المصنوعة من البن العربي ذات رائحة نفاذة تذكرنا بالزهور والفاكهة والعسل والشوكولا والسكر المحروق.
3
تعتمد الجودة النهائية لحبوب البن الناتجة على الصفات الوراثية للنبات وعلى التربة التي تنمو فيها، وكذلك المناخ الذي يضم بعض العوامل مثل الارتفاع عن سطح البحر وكمية الهطل المطري وضوء الشمس وتغير درجات الحرارة . لا بد من معالجة ثمار البن، بعد جمعها مباشرة، لمنع تلفها. ويستخدم المنتجون طريقتين للمعالجة التجفيف الشمسي أو الغسيل, ويجري التجفيف الشمسي الناجح بنشر الثمار في فناء مكشوف وتقليب المجففة منها بشكل متكرر بقصد تسخينها وتهويتها بصورة متجانسة، ويجري بعد ذلك إدخال الثمار الجافة في آلة تقوم بتكسير القشور ومن ثم إزالتها مع الطبقة الغشائية الرقيقة التي تحيط بالحبوب من أجل فرزها وتعبئتها. الطريقة الأخرى البديلة، فإنها تتمثل في نزع لب الثمرة آلياً، وغسل الحبوب الناتجة، ومن ثم تجفيفها وتخليصها من أغلفتها الرقيقة.
4
يتمثل أكبر التحديات في إنتاج بن عالي الجودة في التأكد من أن المرء يبدأ من حبوب خضر متميزة، ويستخدم المنتجون تقنية متقدمة لمراقبة عمليات المعالجة بهدف تقليص نسبة حبوب البن المعيبة إلى أقل حد ممكن. تحميص البن يزيد التعقيد الكيميائي للبن زيادة كبيرة، ويحتوي شذا البن الأخضر على نحو 250 نوعاً من الجزيئات الطيارة، في حين يعطي البن المحمص ما يزيد على 800 نوع من هذه الجزيئات. وعند تعريض البن إلى التسخين المتدرج في آلة التحميص، وهي أسطوانة كبيرة دوارة، يتحول الماء المتبقي في كل خلية إلى بخار يستحث قيام تفاعلات كيميائية معقدة ومتنوعة بين السكريات والبروتينات والمعادن الموجودة داخل الخلايا. وتكون النواتج النهائية بنيَّة اللون ذات طعم يتصف بالحلو المر.
5
في الوقت نفسه تتولد تشكيلة واسعة من جزيئات عطرية أقل كتلة، وتمنح هذه المركبات المتطايرة تلك الرائحة الزكية المألوف للقهوة. ويرتفع الضغط داخل كل خلية إلى حد يتراوح بين 20 و25 ضغطاً جوياً، فيما يحاول البخار وثاني أكسيد الكربون الانطلاق من الخلايا، دون أن يتمكنا من ذلك، بسبب انحباسهما داخل الجدر الخلوية السميكة القليلة الثقوب. وتنفجر في نهاية الأمر بعض الخلايا، محدثة صوت الفرقعة المميز، الذي نسمعه أثناء تحميص البن.
6
تدوم عملية التحميص فترة تتراوح بين دقيقة ونصف وأربعين دقيقة، بحسب درجات الحرارة والطرق المستخدمة. وعلى العموم، فإن 12 دقيقة فترة تقليدية لعملية التحميص التجارية. أما فترة التحميص الطويلة، المستخدمة في الدول الفقيرة، التي لا يملك الكثير من المستهلكين فيها سوى ثمن حبوب البن الرخيصة والمعيبة، فإنها ترغم جميع النكهات والأريج الفواح على الخروج من حبوب البن. ومن المؤسف أن المذاق والروائح المرغوب فيها تتلاشى كذلك، مما يخلف فنجان قهوة يميل طعمه إلى المرارة، كي يواكب مرارة عيش فقراء العالم.