انطلقت تجربته الصحفية في المنفى، من خلال نشرة "23 مارس"، الصادرة عن تنظيم "23 مارس" السري، في سبعينيات القرن الماضي، لتستمر بعد عودته من المنفى في جريدة "أنوال"، ويواصل الكتابة، بعد توقفها، في "العربي"، و"الخليج" ، ثم في "المغربية"، و"المشهد".إنه العربي مفضال، أو أحمد السنبالي، أو العربي الرحالي، صحفي دفعه تواضعه، وكذا ظروف التنظيم السري، الذي كان ينتمي إليه، إلى التوقيع باسم أحمد السنبالي، أو عدم توقيع أغلب مقالاته، لتنسب لأشخاص آخرين. كما فضل عدم الإعلان عن اسمه كرئيس تحرير على صفحات "أنوال"، لعدم توفره على هندام يتناسب مع مسؤوليته، وحبه للعمل الجماعي.
العربي مفضال تجاوز خجله وتواضعه، وفتح قلبه ل"لمغربية"، ليتحدث عن تجربته الصحافية، وعن أخطائه، وكذا عن نجاحاته.
في الواقع، تجربتي الصحفية، إذا أمكن أن نعتبر هذا النعت، هي تجربة "أنوال"، التي انطلقت بعد تجربة "23 مارس"، التي يمكن أن نعتبرها الأم الشرعية ل"أنوال"، وهي التي رفعت الصوت الوطني عاليا، في الهجرة، إذ كانت تصل إلى مراكز القرار في الشرق العربي، والمغرب العربي، وفي ديار الهجرة. وكان موضوع الصحراء المغربية ضمن اهتمامها، وبطبيعة الحال، مواضيع ذات العلاقة بالصراع السياسي والديمقراطي.
كانت هذه التجربة قوية، إذ كان وراءها نخبة من المناضلين المعروفين، وكانت تجربة مميزة. وفي الواقع مهدت "23 مارس" ل"أنوال"، والفرق بينهما أن "أنوال" كانت تتمتع بالشرعية القانونية، وعرفت انتشارا واسعا، وعبرت عن جيل بأكمله، جيل كان يحمل الهم السياسي والديمقراطي، ولكن كان الهم الأساسي والأسمى، الذي كان عندنا، هو هم نهضوي.
"أنوال" لم تكن فقط منبرا سياسيا، بل كانت منبرا فكريا، من فكر وحوار، وجدالات ومناظرات. كما كانت منبرا اجتماعيا، وكانت منبرا ثقافيا، يمكن أن أقول، لحد الآن، ليس له مثيل. وكمثال واحد على ذلك، أفردت "أنوال"، في إحدى فترات عمرها، بابا خاصا للفنون التشكيلية، إذ خصصت لها صفحة تشكيلية التزمت بها لمدة طويلة، كان على رأسها الفنان التشكيلي الراحل محمد القاسمي. كما أن "أنوال" هي الجريدة الوحيدة، التي أفردت صفحة للموسيقى، وكان على رأسها الراحل الرايسي، والأستاذ عبدو، وكذلك السينما، وكان على رأس الصفحة الخاصة بها الأستاذ نور الدين الصايل، أضف إلى ذلك صفحة الشطرنج.
يعني هذا أن هم "أنوال" ليس، فقط، سياسيا تحريضيا، بل كان هما شموليا، فيه ما هو اجتماعي، وما هو فني وسياسي، باستثناء الرياضة، التي كان لدينا فيها نقص، نظرا لطبيعة حجم الجريدة، الذي كان صغيرا.
أما تجربة "أنوال" فليست تجربة فردية، بل كانت جماعية، كل واحد ساهم فيها بنصيب. ولحسن الحظ، أنه كانت نخبة، ربما بصفة استثنائية جمعت، في تلك الفترة من الثمانينيات، أناسا أدباء، وإعلاميين، كطالع السعود الأطلسي، وسعيد يقطين، ومحمد نجيب كومينة، وحسن السوسي. كما أنها لم تكن جريدة حزبية ضيقة، بل فيها الجانب الحزبي، لكنها مفتوحة على مصراعيها للآراء المختلفة، والمناظرات وحتى الأخبار.
وقتها، كان عيب على جريدة حزبية، تتحدث باسم حزب، أن تنشر أخبار أحزاب أخرى، خاصة في الضفة الأخرى، أو المعارضة لها. ونحن لم يكن لدينا هذا المشكل، إذ قمنا بتغطية مؤتمرات الحركة الشعبية، ومؤتمرات أحزاب أخرى.
عموما، كانت "أنوال" تجربة سابقة لأوانها، لم يكن لديها إمكانيات مادية، لكنها قدمت أشياء كثيرة.
كان اهتمامكم الأول، آنذاك، هو السياسة، ما هي المضايقات التي واجهتكم في تلك الفترة، خاصة أن الإعلام كان تحت وصاية وزارة الداخلية؟
لما حسمنا أمر الدخول من المنفى، وأصدرنا "أنوال"، سنة 1979، في ذاك الوقت، قررنا ألا نمارس إلا ما نقول. وطبعا، بقيت دوائر السلطة تتشكك، وهذا من حقها، كون ذلك يدخل في مسؤولياتها، لكننا، من جهتنا، قررنا نهج الوضوح، والوضوح الكامل. كنا نطرح آراءنا ولو أنها لم تكن تعجب السلطة، أحيانا. وعلى سبيل المثال، قررنا، ذات مرة، أنا وطالع السعود الأطلسي "تحريك" العدد، نظرا لانخفاض المبيعات، وتدني الاهتمام بالجريدة، فأنجزنا ملفا حول المعتقلين السياسيين، ووضعنا في غلاف العدد صورة مركبة لمنظمة العفو الدولية وباب السجن المركزي بالقنيطرة. كانت المسألة عادية، لكن، في الليل أخذوا مدير الجريدة، عبد اللطيف عواد، واعتقل لمدة 24 ساعة.
بطبيعة الحال، كانت هناك تهديدات، والمهم أننا كنا نمارس الأمور، التي نعتقد أنها ممكنة، وكنا نقدر ونراعي الحريات الممكنة، خاصة أن المقدس هو الملك والوطن، الذي كنا شركاء فيه، وربما نحن دافعنا عنه أكثر. في الواقع كنا نراعي، لكن آراءنا نقولها بالكامل، وكنا نعي المرحلة، التي يمر منها المغرب، وفي إطارها كنا نتحرك.
ألم يشكل لكم اعتقال عواد نوعا من الخوف وعدم المجازفة بالكتابة في الملفات الحساسة؟
أولا، مؤسسو "أنوال"، كان بعضهم جاء من السجون، والبعض الآخر جاء من المنفى. كما أن الاعتقال، في الثمانينيات من القرن الماضي، كان أمرا سهلا، إذن، إمكانية ردعنا أو تخويفنا لم تكن واردة بالنسبة لنا.
والحق يقال، حتى السلطة بدأت تتغير، وفهمت أنه من المفيد لها أن تظهر في الصورة آراء مختلفة، وهامش الثمانينيات من القرن الماضي ليس هو هامش السبعينيات.
لما أصبحت مبيعات "أنوال" تنخفضن، وأصبح عدد قرائها يقل، ألم تفكر في التغيير إلى وجهة أخرى، أو منبر آخر أكثر مقروئية؟
كنا نعمل في مشروع، وهذا التفكير لم يكن واردا، فالذات الفردية لم تكن تطرح بقوة، فأنا خارج المجموعة لا أساوي شيئا. كما أنه كان لدي التزام في التنظيم، وفي القيادة في الخارج، كما أنني هيأت لمشروع "أنوال".
طبعا، في منتصف التسعينيات، بدأت أكتب في "العربي"، لكن بقي هذا دائما هامشيا والأساسي هو "أنوال".
ولماذا لم يقع التفكير في جعل "أنوال" مؤسسة إعلامية، لاستثنائها من الصراعات التي عرفها الحزب، والتي أدت إلى توقفها عن الصدور؟
نحن غير معزولين عن الصراع الحزبي، ونحن، أيضا، جزء من ذاك الصراع، والمشروع بنى قاعدته الحزبية والسياسية، ومن الصعب الخروج به من خانة الحزب.
والتجاوز الإيجابي، الذي كان هو ما عبرت عنه بعض المحاولات المستقلة، من الذين حاولوا إخراج الجريدة من نطاق الصراع الحزبي، داخل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، ورغم المشاكل، ورغم كل ما يحيط بهذه المنابر المستقلة، لم يكن لدينا ذلك الأفق والواسع، فنحن أبناء التنظيم وجزء من ذلك الصراع، وكان من الصعب الانفصال عنه.
والآن، ألا يمكن التفكير في إعادة إصدار "أنوال" من جديد؟
أنا الآن بعيد عن مجال تدبير الصحف، لكن، حسب الأصداء التي تصل، ليس من السهل إصدار أسبوعية أو يومية، بذلك المفهوم الواسع المستقل والمتجرد من الحساسيات الصغيرة، وعن الإصدارات الرخيصة. ومثل هذا المشروع تلزمه إمكانيات كبيرة، كما يجب أن تكون لدى الأشخاص، الذين يريدون أن ينشئوا هذا المشروع، القناعة بأنهم سينشئون مشروعا نهضويا، ومستعدون للتضحية في سبيله ماديا، ولا تظهر بوادر إعادة إصدار "أنوال" في الأفق القريب على الأقل.
هناك أفكار أخرى تتعلق بمجلات تنويرية، وهناك حديث ونقاش، ولكن إصدار جريدة ليس بالأمر السهل. وأحيانا أتساءل: هل يمكن إعادة تجربة "أنوال" بنفس التجرد والتضحية ونكران الذات، والجانب المادي غير مهم؟
هل نفهم من حديثك أن تجربتك في "أنوال" كانت دون مقابل مادي؟
كان لدينا مشروع سياسي، وهذا يعني أننا كنا أقرب إلى نوع من أنواع المجاهدين، والجانب المادي لدينا لم يكن مهما، خاصة أن عنصر العمر آنذاك، إذ كنا شبابا، ساعدنا، مع عدم وجود مسؤوليات كثيرة.
كنت بالكاد غادرت المجال الطلابي، وبالتالي، كان لدي استعداد لكل تضحية، مع إهمال الجوانب المادية، التي لم أكن أعيرها اهتماما كبيرا. ومع المدة وتقدم في السن، ومع وجود أسرة، تتغير المعايير. مثلا، أذكر أنني بدأت في "أنوال" بمبلغ 1500 درهم، إذ دخلت من المنفى سنة 1981، والتحقت في سنة 1982 ب"أنوال"، ولم يتعد أجري، منذ ذلك الوقت وحتى 1984، مبلغ 1500 درهم، ليصبح بعدها 2500 درهم.
وهذا جانب مهم، إذ تكون تشتغل في مشروعك، ولا يكون الحساب مهما كثيرا، عكس الاشتغال مع طرف آخر بعرق جبينك، حيث تطالب بحقوقك.
لم نكن نطرح هذه الأمور، لأننا أصحاب مشروع، وما يهمنا هو إنجاح المشروع. كما أنه، في بعض الأحيان، لم تكن الموارد متوفرة لدينا، وكنا نعي هذه الأمور، ونصر على الاستمرار في العمل.
لو أتيحت لكم الفرصة للعودة إلى عالم الصحافة، ما هو المنبر الذي ستختاره؟
ولو أن هذا لا يعجبني، وأمقت مثل هذه الأسئلة: إذا أتيحت لكم فرصة إعادة تجربتكم.
أقر أن تجربتي فيها أخطاء، وفيها مشاكل، وارتكبت أخطاء مثل كل الناس. لكن جانب الندم على الجانب المادي غير وارد، وأنا لم أندم قط. من يمكنه أن ينتقد في تجربتي، وارتكبت فيها أخطاء كثيرة، لكن على المستوى المادي، لست نادما. فنحن كنا محظوظين لكوننا لما تمتعنا بالعفو سنة 1980، اعتقدنا أن يكون العفو كاملا، على الأقل، نعود لوظائفنا، لكن لم يسمح لنا بالرجوع إليها.
وحتى سنة 1998، وخلال هذه الفترة، كانت تراودنا أسئلة مرة وهموم، من قبيل أنه ليس لدينا تقاعد ولا ضمان صحي، ولكن كنا نغض البصر بسرعة، ونتجاوز الأمر. والتغيير، الذي حدث نهاية التسعينيات، ومع حكومة عبد الرحمان اليوسفي، واهتمامه بهؤلاء الناس، ضحايا الانتهاكات الجسيمة، استفدنا منه، إذ ورجعنا إلى عملنا، وضمنا تقاعدنا مثل بقية خلق الله. كما كان هناك تعويض لا بأس به.
العربي مفضال تجاوز خجله وتواضعه، وفتح قلبه ل"لمغربية"، ليتحدث عن تجربته الصحافية، وعن أخطائه، وكذا عن نجاحاته.
في الواقع، تجربتي الصحفية، إذا أمكن أن نعتبر هذا النعت، هي تجربة "أنوال"، التي انطلقت بعد تجربة "23 مارس"، التي يمكن أن نعتبرها الأم الشرعية ل"أنوال"، وهي التي رفعت الصوت الوطني عاليا، في الهجرة، إذ كانت تصل إلى مراكز القرار في الشرق العربي، والمغرب العربي، وفي ديار الهجرة. وكان موضوع الصحراء المغربية ضمن اهتمامها، وبطبيعة الحال، مواضيع ذات العلاقة بالصراع السياسي والديمقراطي.
كانت هذه التجربة قوية، إذ كان وراءها نخبة من المناضلين المعروفين، وكانت تجربة مميزة. وفي الواقع مهدت "23 مارس" ل"أنوال"، والفرق بينهما أن "أنوال" كانت تتمتع بالشرعية القانونية، وعرفت انتشارا واسعا، وعبرت عن جيل بأكمله، جيل كان يحمل الهم السياسي والديمقراطي، ولكن كان الهم الأساسي والأسمى، الذي كان عندنا، هو هم نهضوي.
"أنوال" لم تكن فقط منبرا سياسيا، بل كانت منبرا فكريا، من فكر وحوار، وجدالات ومناظرات. كما كانت منبرا اجتماعيا، وكانت منبرا ثقافيا، يمكن أن أقول، لحد الآن، ليس له مثيل. وكمثال واحد على ذلك، أفردت "أنوال"، في إحدى فترات عمرها، بابا خاصا للفنون التشكيلية، إذ خصصت لها صفحة تشكيلية التزمت بها لمدة طويلة، كان على رأسها الفنان التشكيلي الراحل محمد القاسمي. كما أن "أنوال" هي الجريدة الوحيدة، التي أفردت صفحة للموسيقى، وكان على رأسها الراحل الرايسي، والأستاذ عبدو، وكذلك السينما، وكان على رأس الصفحة الخاصة بها الأستاذ نور الدين الصايل، أضف إلى ذلك صفحة الشطرنج.
يعني هذا أن هم "أنوال" ليس، فقط، سياسيا تحريضيا، بل كان هما شموليا، فيه ما هو اجتماعي، وما هو فني وسياسي، باستثناء الرياضة، التي كان لدينا فيها نقص، نظرا لطبيعة حجم الجريدة، الذي كان صغيرا.
أما تجربة "أنوال" فليست تجربة فردية، بل كانت جماعية، كل واحد ساهم فيها بنصيب. ولحسن الحظ، أنه كانت نخبة، ربما بصفة استثنائية جمعت، في تلك الفترة من الثمانينيات، أناسا أدباء، وإعلاميين، كطالع السعود الأطلسي، وسعيد يقطين، ومحمد نجيب كومينة، وحسن السوسي. كما أنها لم تكن جريدة حزبية ضيقة، بل فيها الجانب الحزبي، لكنها مفتوحة على مصراعيها للآراء المختلفة، والمناظرات وحتى الأخبار.
وقتها، كان عيب على جريدة حزبية، تتحدث باسم حزب، أن تنشر أخبار أحزاب أخرى، خاصة في الضفة الأخرى، أو المعارضة لها. ونحن لم يكن لدينا هذا المشكل، إذ قمنا بتغطية مؤتمرات الحركة الشعبية، ومؤتمرات أحزاب أخرى.
عموما، كانت "أنوال" تجربة سابقة لأوانها، لم يكن لديها إمكانيات مادية، لكنها قدمت أشياء كثيرة.
كان اهتمامكم الأول، آنذاك، هو السياسة، ما هي المضايقات التي واجهتكم في تلك الفترة، خاصة أن الإعلام كان تحت وصاية وزارة الداخلية؟
لما حسمنا أمر الدخول من المنفى، وأصدرنا "أنوال"، سنة 1979، في ذاك الوقت، قررنا ألا نمارس إلا ما نقول. وطبعا، بقيت دوائر السلطة تتشكك، وهذا من حقها، كون ذلك يدخل في مسؤولياتها، لكننا، من جهتنا، قررنا نهج الوضوح، والوضوح الكامل. كنا نطرح آراءنا ولو أنها لم تكن تعجب السلطة، أحيانا. وعلى سبيل المثال، قررنا، ذات مرة، أنا وطالع السعود الأطلسي "تحريك" العدد، نظرا لانخفاض المبيعات، وتدني الاهتمام بالجريدة، فأنجزنا ملفا حول المعتقلين السياسيين، ووضعنا في غلاف العدد صورة مركبة لمنظمة العفو الدولية وباب السجن المركزي بالقنيطرة. كانت المسألة عادية، لكن، في الليل أخذوا مدير الجريدة، عبد اللطيف عواد، واعتقل لمدة 24 ساعة.
بطبيعة الحال، كانت هناك تهديدات، والمهم أننا كنا نمارس الأمور، التي نعتقد أنها ممكنة، وكنا نقدر ونراعي الحريات الممكنة، خاصة أن المقدس هو الملك والوطن، الذي كنا شركاء فيه، وربما نحن دافعنا عنه أكثر. في الواقع كنا نراعي، لكن آراءنا نقولها بالكامل، وكنا نعي المرحلة، التي يمر منها المغرب، وفي إطارها كنا نتحرك.
ألم يشكل لكم اعتقال عواد نوعا من الخوف وعدم المجازفة بالكتابة في الملفات الحساسة؟
أولا، مؤسسو "أنوال"، كان بعضهم جاء من السجون، والبعض الآخر جاء من المنفى. كما أن الاعتقال، في الثمانينيات من القرن الماضي، كان أمرا سهلا، إذن، إمكانية ردعنا أو تخويفنا لم تكن واردة بالنسبة لنا.
والحق يقال، حتى السلطة بدأت تتغير، وفهمت أنه من المفيد لها أن تظهر في الصورة آراء مختلفة، وهامش الثمانينيات من القرن الماضي ليس هو هامش السبعينيات.
لما أصبحت مبيعات "أنوال" تنخفضن، وأصبح عدد قرائها يقل، ألم تفكر في التغيير إلى وجهة أخرى، أو منبر آخر أكثر مقروئية؟
كنا نعمل في مشروع، وهذا التفكير لم يكن واردا، فالذات الفردية لم تكن تطرح بقوة، فأنا خارج المجموعة لا أساوي شيئا. كما أنه كان لدي التزام في التنظيم، وفي القيادة في الخارج، كما أنني هيأت لمشروع "أنوال".
طبعا، في منتصف التسعينيات، بدأت أكتب في "العربي"، لكن بقي هذا دائما هامشيا والأساسي هو "أنوال".
ولماذا لم يقع التفكير في جعل "أنوال" مؤسسة إعلامية، لاستثنائها من الصراعات التي عرفها الحزب، والتي أدت إلى توقفها عن الصدور؟
نحن غير معزولين عن الصراع الحزبي، ونحن، أيضا، جزء من ذاك الصراع، والمشروع بنى قاعدته الحزبية والسياسية، ومن الصعب الخروج به من خانة الحزب.
والتجاوز الإيجابي، الذي كان هو ما عبرت عنه بعض المحاولات المستقلة، من الذين حاولوا إخراج الجريدة من نطاق الصراع الحزبي، داخل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، ورغم المشاكل، ورغم كل ما يحيط بهذه المنابر المستقلة، لم يكن لدينا ذلك الأفق والواسع، فنحن أبناء التنظيم وجزء من ذلك الصراع، وكان من الصعب الانفصال عنه.
والآن، ألا يمكن التفكير في إعادة إصدار "أنوال" من جديد؟
أنا الآن بعيد عن مجال تدبير الصحف، لكن، حسب الأصداء التي تصل، ليس من السهل إصدار أسبوعية أو يومية، بذلك المفهوم الواسع المستقل والمتجرد من الحساسيات الصغيرة، وعن الإصدارات الرخيصة. ومثل هذا المشروع تلزمه إمكانيات كبيرة، كما يجب أن تكون لدى الأشخاص، الذين يريدون أن ينشئوا هذا المشروع، القناعة بأنهم سينشئون مشروعا نهضويا، ومستعدون للتضحية في سبيله ماديا، ولا تظهر بوادر إعادة إصدار "أنوال" في الأفق القريب على الأقل.
هناك أفكار أخرى تتعلق بمجلات تنويرية، وهناك حديث ونقاش، ولكن إصدار جريدة ليس بالأمر السهل. وأحيانا أتساءل: هل يمكن إعادة تجربة "أنوال" بنفس التجرد والتضحية ونكران الذات، والجانب المادي غير مهم؟
هل نفهم من حديثك أن تجربتك في "أنوال" كانت دون مقابل مادي؟
كان لدينا مشروع سياسي، وهذا يعني أننا كنا أقرب إلى نوع من أنواع المجاهدين، والجانب المادي لدينا لم يكن مهما، خاصة أن عنصر العمر آنذاك، إذ كنا شبابا، ساعدنا، مع عدم وجود مسؤوليات كثيرة.
كنت بالكاد غادرت المجال الطلابي، وبالتالي، كان لدي استعداد لكل تضحية، مع إهمال الجوانب المادية، التي لم أكن أعيرها اهتماما كبيرا. ومع المدة وتقدم في السن، ومع وجود أسرة، تتغير المعايير. مثلا، أذكر أنني بدأت في "أنوال" بمبلغ 1500 درهم، إذ دخلت من المنفى سنة 1981، والتحقت في سنة 1982 ب"أنوال"، ولم يتعد أجري، منذ ذلك الوقت وحتى 1984، مبلغ 1500 درهم، ليصبح بعدها 2500 درهم.
وهذا جانب مهم، إذ تكون تشتغل في مشروعك، ولا يكون الحساب مهما كثيرا، عكس الاشتغال مع طرف آخر بعرق جبينك، حيث تطالب بحقوقك.
لم نكن نطرح هذه الأمور، لأننا أصحاب مشروع، وما يهمنا هو إنجاح المشروع. كما أنه، في بعض الأحيان، لم تكن الموارد متوفرة لدينا، وكنا نعي هذه الأمور، ونصر على الاستمرار في العمل.
لو أتيحت لكم الفرصة للعودة إلى عالم الصحافة، ما هو المنبر الذي ستختاره؟
ولو أن هذا لا يعجبني، وأمقت مثل هذه الأسئلة: إذا أتيحت لكم فرصة إعادة تجربتكم.
أقر أن تجربتي فيها أخطاء، وفيها مشاكل، وارتكبت أخطاء مثل كل الناس. لكن جانب الندم على الجانب المادي غير وارد، وأنا لم أندم قط. من يمكنه أن ينتقد في تجربتي، وارتكبت فيها أخطاء كثيرة، لكن على المستوى المادي، لست نادما. فنحن كنا محظوظين لكوننا لما تمتعنا بالعفو سنة 1980، اعتقدنا أن يكون العفو كاملا، على الأقل، نعود لوظائفنا، لكن لم يسمح لنا بالرجوع إليها.
وحتى سنة 1998، وخلال هذه الفترة، كانت تراودنا أسئلة مرة وهموم، من قبيل أنه ليس لدينا تقاعد ولا ضمان صحي، ولكن كنا نغض البصر بسرعة، ونتجاوز الأمر. والتغيير، الذي حدث نهاية التسعينيات، ومع حكومة عبد الرحمان اليوسفي، واهتمامه بهؤلاء الناس، ضحايا الانتهاكات الجسيمة، استفدنا منه، إذ ورجعنا إلى عملنا، وضمنا تقاعدنا مثل بقية خلق الله. كما كان هناك تعويض لا بأس به.