أسماء حسين - نحن روح ما نكتبه..

يقول أحدهم " نحن ما نكتبه" وأتوقف لأفكر كثيرًا فى هذه الجملة التى ربما تصلح كأسلوب حياة.. غير أننى أجد بالتفكير كم أعارضها. تأمل مثلا ما سيأتى :
- " نحن روينا القصة وأنت عليك أن تختار هى حقيقية أم لا"
* قال ذلك شىء لطيف وأخضر وجدته يقفز بالصدفة على قناة للأطفال.
فى الحقيقة ثمة خيط رهيف يفصل بين الإنسان وما يكتب.... أستطيع أن أروى قصة كائن آخر لا يمت لى بصلة اطلاقًا ولكن من خلال ذاتى. حينها سأكون أنا الروح التى تكتب القصة.. أنا العين التى ترى التفاصيل كما تعودت أن تراها، وليس كما يراها الآخرون.. أنا العاطفة التى حلت فى مجرد حكاية متناقلة وسرت بالحياة فيها.. وأنا الأفكار التى غذت النص وانطلقت عبره.. ولكننى لست أبدًا ما كتبته.
الانسان ليس دائمًا ما يكتبه.. انما ما اختار أن يكتب "عنه" بنفسه.
اننا نكتب دائمًا عن الأشياء التى نتضاءل أمامها.. نكون أطفالًا صغارًا تائهين حين نقف أمام معانيها ونقع في غرامها ونحاول احتواءها فى عناق عابر. نكتب عن الأشياء التى نرفضها ونعارض وجودها ونرفض ما تفعله بوجودنا نحن.
الانسان ليس دائمًا هو القصة.. انما الروح التى امتلأت بها، والتفاصيل التى أعلنت عنها سطورها.
نحن روح كتاباتنا، ولسنا الحدث بالضرورة.. كلماتنا لن تصور حياتنا دومًا انما بإمكانها أن تشف عن أرواحنا !
يقولون إن كل رسام يمنح ملامحه عادة للرسمة حتى وإن لم يقصد.. الحال نفسه مع ما نكتبه. الكاتب يمنح نصوصه شيئًا من روحه. حينما تقرأ لأحدهم.. لا تبحث فيما يكتبه عما جرى له هو؛ بل فتش عن روحه.
لكن ثمة قيد يطوق روح الانسان أحيانًا حينما يكتب؛ إنه حيرته التي لا تنتهى؛ فما أن يوشك أن يقول ارتحت حين يفضى للكلمات بالأمر، حتى تنبت على ظهره صخرة سيزيف أخرى أثقل وأشد غرورًا هى عاطفته التى لا تتوقف عن الخفق وتطالبه باطلاق سراح المزيد، فيزداد قلبه شحوبًا.
حينها سيعرف أن من يعرف الكتابة جيدًا وتعرفه الكتابة حقًا لن يعد بإمكانه التوقف عنها بسهولة.. لأنها ستعرف كيف تتسلل خلاله حين تريد. الكتابة هى الأخرى قيد من قيود سيزيف التى تربطه بالصخرة.. قيد آخر غير حديدى قد تحتاج للهرب منه يومًا ولا تعرف كيف.
والقيود التى لم تصنع من الحديد.. هى كل مايقيدنا فى الحقيقة وليس سواها.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى