عقّب الأديب الجزائري الطاهر يحياوي على تصريحات الروائي الجزائري أمين الزاوي حيث قال هذا الأخير في مقال له أن "القارئ باللغة العربية يخوّف أكثر من الشرطة والأئمة"، و قد أكد الأديب الطاهر يحياوي أن اللغة العربية هي التي أنجبت صلاح الدين وهواري بومدين وجمال عبد الناصر والملك فيصل وعمر المختار والعربي بن مهيدي وفاطمة نسومر وعميـروش ومولود قاسم وعبد الحميد بن باديس، فهل سيرد الزاوي على يحياوي أم أنه سيلزم الصمت و يعمل بمقولة " أكتب و ضع بصمتك واترك النقاد ينتقدون"
و في هذا التعقيب جدد الأديب الطاهر يحياوي موقفه من أدب الطابو الذي يقوم كما يقول هو على ثلاثية: "المقدس والسياسة والجنس"، و قال الأديب الطاهر يحياوي أن "أدب الطابو" تيار دار عليه الزمن أو كما قال هو أكلته الأيام، لأن ما يحدث اليوم في كل الأوطان العربية تجاوز كل الحدود و لا حاجة للشعوب اليوم إلى (طابو السياسة) ، و قد بدا تعقيب الأديب الطاهر يحياوي في البداية على مقال الزاوي بلغة عتاب، ليتحول إلى حرب كلامية شنّها عليه، لاسيما و الروائي امين الزاوي معروف بجرأته في الطرح و اعتيادة على تكسير كل الحواجز، و تجاوزه الخطوط الحمراء اثناء الكتابة، ربما أمين الزواي كباقي الكتاب المتحررين، قد يخرج عن دائرة الوعي و هو يكتب بحرية، بحيث يصف الأشياء على طبيعتها، و كأنه يرحل بالقارئ إلى العصر الذي ظهر في أول البشر آدم و حواء و هما بدون غطاء يستر عوراتهما، و لذا يرى أن الكتابة وجب لأن تكون عارية، و الحقيقة أن الكاتب عندما يريد التعمق في الكتابة فهو قد يختار الوقت الملائم لكي يتحرر من كل شيئ حتى المقدسات.
و قد استعمل الأديب الطاهر يحياوي مصطلح المقدسيين من أنبياء وأطهار وصالحين وشرفاء؟!، حيث ربط ما يكتبه هذا الروائي بالقضية الفلسطينية، حتى يثير مشاعر القارئ العربي ( المحافظ و المتحفظ)، هذا القارئ الذي يجعل من كل كتابة متحررة على انها خارجة عن المألوف، أو عارٌ إن صح القول، إذ نجد الأديب الطاهر يحياوي يدعو إلى عدم الخوض في هذا النوع من الكتابات، لدرجة أنه خاطب الزاوي باسلوب الردع، عندما قال له في تعقيبه: " وأنت يا دكتور ممن يقيمون للمصطلح اصطلاحه، وإلا فبأي حق أن تكتب في أدب الطابو كما يحلو لك وتجعل من نفسك ومن كتابتك (طابو) وترفض أن يكتب الناس عنك أو عن غيرك"، و يعتبر الأديب الطاهر يحياوي قضية الكتابة ضد المقدس والكتابة دفاعا عن المقدس ليست قضية جديدة في الفكر وفي الثقافة وفي الإبداع وليست قضية مقتصرة على أمّة من أمم العالم من أقصاه إلى أقصاه قديما وحديثا، فهذا هو الفكر وهذه هي جدلية العطاء والإبداع القائمة على الرأي والرأي الآخر وعلى الأخذ والعطاء، كما أضاف.
و المتتبع لتعقيب الأديب الطاهر يحياوي خاصة عندما قال : لم يحدث في تاريخ الإنسانية أن طلع دكتور دكتاتور يقول للناس أنا أكتب كما أشاء وأنتم لن أسمح لكم بأن تكتبوا عني أو عن أدبي، يقف على أنه يحذر من "الدكتاتورية الفكرية" ، و يريبذلك القول أن من حق الناقد أن ينتقد و بالطريقة التي يراها هو، و من حقه أن يدافع عن القارئ و احترام ذوقه و إيديولوجيته، و أن لا يلصق به وصف مسيئ و مشين، و هنا نجد أن صاحب الرد أي الأديب الطاهر يحياوي محق ، لأنه ليس من حق أي كاتب مهما كان مستواه ( دكتور/ ليس دكتور) أن يتهم القارئ باللغة العربية بالإرهابي، كما ليس من حق أي كاتب ان يصف القارء باللغة الفرنسية أو بلغة أخرى أجنبية بالخائن أو العميل أو الداعي إلى التطبيع، لأن الكتابة لا دين لها و لا جنسية، و نلاحظ أن الأديب الطاهر يحياوي في تعقيبه على الروائي امين الزاوي اشار إلى نقطة مهمة جدا ، و هي جرائم الإستعمار الفرنسي، ما زال الجزائريون يعيشونها إلى اليوم .
نعم..، فتاريخ فرنسا كما قال الطاهر يحياوي منذ أن عرف المجتمع الدولي دولة اسمها فرنسا وهي تستعمر الشعوب، وتفتك بالبشرية الإنسانية دون أي اعتبار، وتاريخ استعمارها الإجرامي في الجزائر على مرأى من أعيننا وفي عقر دارنا لا يحتمل الشك والاحتمال، وما تزال فرنسا إلى هذا العهد متمسكة بالاستعمار التقليدي القديم في جنوب إفريقيا بالرغم من أن كل العالم أقلع عن الاستعمار التقليدي ولكن لا أحد قال عن اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية أنها لغة استعمارية ويربطها بصفة الاستعمار والاستعمارية، و إسرائيل تمارس الاحتلال والقمع والإرهاب، وتمارس قتل المدنين والأبرياء والأطفال والنساء وتدمر حتى المدارس والمستشفيات وتحرق المزارع نهارا جهارا أمام العالم وأمام كميرات العالم، ولكن لا أحد قال عنها أنها لغة استعمار وظلم وأنها لغة تنتج ثقافة الحقد الإنساني وثقافة الاستعمار، وألمانيا النازية كانت جريمة كبرى في تاريخ الإنسانية وتهديدا لكل العالم ولا أحد اليوم يقول عن الألمانية أنها لغة نازية وفي الاتحاد السفياتي حقد خمسة وعشرون مليونا في (الثورة الحمراء) ثورة الشيوعيين الذين أرادوا أن يطبقوا الماركسية بالقوة، وهي اقتتال شعبي واسع ولا أحد يربط بين اللغة الروسية وتاريخ الجريمة التي وقعت.
نؤيد هذا الرأي الذي لا يأتي إلا من مثقف جزائري حرّ، الذي وصف التطرف بأنه سلوك إنساني قديم لدى كل شعوب المعمورة، هذا التطرف كما قال تغذيه أسباب سياسية اجتماعية وتربوية، فكل شعب في أيّ دولة مؤهل لأن تظهر فيه نزعة التطرف سواء الديني أو الأخلاقي أو السياسي أو الاجتماعي، إذا غابت ضوابط المجتمع، ، وغابت ثقافة التربية الدينية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية وغابت العدالة، و نضيف نحن "التطرف الفكري" ، فالفكر أضحى بحاجة إلى الأمن، و من يحميه و يدافع عنه من العقلانيين، و رفع عن أصحابه نزعة التعصب، و مما لا شك فيه أنه لا أحد يدعم موقف الزّاوي في جعل اللغة العربية لغة إرهاب، لأنها لغة القرآن قبل كل شيئ، إلا أننا نعيب على الأديب الطاهر يحياوي و هو يتحدث عن التطرف بكل أشكاله بأنه لم يتطرق إلى وضعية الجزائر و ما عاشته في بداية التسعينيات، فيما سمي بالعشرية السوداء، اغتيل فيها مثقفون و كُتَّاب و إعلاميون، دافعوا عن حرية الرأي و التعبير، و نادوا بالتغيير، لا يهم إن كانوا يمثلون التيار الفرنكفوني أو العروبي، و هو الذي قال: إن التطرف دائما يأتي ردا لفعل، فالصراع بين المثقفين ليس بالجديد، وفي كل دولة نسمع عن ميلاد ألفريد دريفوس جديد ALFRED DREYFUS، و كان هذا الظهور بداية الصراع بين المثقف و السلطة.
الإختلاف فقط في الجنسيات ( أوروبي، عربي أو أفريقي)، و ألفريد دريفوس كان ضابطا فرنسا من أصل يهودي برتبة قبطان، أدانته المحكمة الفرنسية لتسريبه معلومات عسكرية إلى ألمانيا ، في 22 ديسمبر 1894 ، بحيث تم نفيه إلى الجزر الغابرة، رغم غياب أدلة تثبت تورطه..، وقد حولت هذه المحاكمة إلى إشعال نارا سياسية كبرى عصفت بالحياة الاجتماعية والسياسية في فرنسا، وبينما سكت رجال السياسة عن هذه القضية آنذاك وقف عدد كبير من المفكرين والفلاسفة للدفاع عن دريفوس ومن بينهم الروائي "إميل زولا"ZOLA في رسالة له إلى رئيس الجمهورية الفرنسي التي عنونها " إني أتهم"، زولا الذي اتسم بنزعة تفاؤلية كبيرة وبقناعة كاملة على انتصار الفكر على السلطة، فقد كان كتاب زولا بمثارة الشرارة الأولى في تبرئة دريفوس، وهكذا نشأ مفهوم المثقف أول ما نشأ بفرنسا مع انفجار هذه القضية.
ما يعيب على المثقف العربي، أن صراعه ليس مع السلطة فقط، و إنما الصراع الحقيقي هو صراع بين المثقف و المثقف نفسه، صراع بين الأنا و الآخر، صراع بين الثابت و المتغير، و يظهر ان هناك تنافس كبير بين الكتاب و الأدباء و المفكرين و حتى النقاد، تنافس بين من يكتب أكثر، و من له الجرأة في طرح المشكلات، و من هو الأفضل، و أصبح الصراع على الألقاب لا أقل و لا أكثر، و من له الأحقية في حمل صفة هذا أديب و ذاك مفكر ، و ينظرون إلى الكاتب المبتدئ بأنه ما زال في الخشبة الأولى من السُلَّمِ، فقضية دريفوس سجلت باعتبارها صراعا ثقافيا انتصارا "للإنتلجانسيا الدنيا " على "الإنتلجانسيا العليا"، أي انتصار صغار المثقفين على كبار المثقفين...
السؤال الذي يمكن أن نوجهه للأديب الطاهر يحياوي هو: هل يوجد كاتب كبير و كاتب صغير، أم أنه يريد الحديث عن "الإنتلجانسيا " كما تمت الإشارة إليه آنفا، و قد يُطْرَحُ السؤال بصيغة أخرى، كيف نحكم على الكاتب و نقول يوجدذ كاتب كبير و كاتب صغير، و الكتابة هي نفسها كتابة، و ماهي مقاييس الكتابة عند الكاتب ، هل بعدد الإصدارات، أم بالشهادات ( دكتور/ ليس دكتور)، أم أنه كاتب بالفطرة، أي أنه ولد و في يده قلم ذهب ، أم أنه يشبه سيدنا عيسى الذي تكلم في المهد، أم سيدنا يوسف الذي علمه الله تأويل الرؤيا و..و..الخ، ثم أن هذا الأمر يقودنا إلى معرفة إذا ما كانت الكتابة سلوك فطري في الإنسان أم سلوك مكتسبٌ، تتطور مع الوقت عن طريق القراءة و البحث و التنقيب في أمهات الكتب؟، و كما قال: الفيلسوف الفرنسي جول لانيو، نحن نبحث عن مثقف أو مفكر يلعب بالسياسي دون أن تحرقه نار السياسة، و في الأخير نقول أن اللغة العربية تظل المعيار الحقيقي للمسلمين، لأنها لغة القرآن، أما تعلم اللغات الأجنبية فهي من أجل مواكبة التطور العلمي و العصرنة، و الصراع بين المعربين و المفرنسين له ظروفه التاريخية و السياسية.
علجية عيش بتصرف
و في هذا التعقيب جدد الأديب الطاهر يحياوي موقفه من أدب الطابو الذي يقوم كما يقول هو على ثلاثية: "المقدس والسياسة والجنس"، و قال الأديب الطاهر يحياوي أن "أدب الطابو" تيار دار عليه الزمن أو كما قال هو أكلته الأيام، لأن ما يحدث اليوم في كل الأوطان العربية تجاوز كل الحدود و لا حاجة للشعوب اليوم إلى (طابو السياسة) ، و قد بدا تعقيب الأديب الطاهر يحياوي في البداية على مقال الزاوي بلغة عتاب، ليتحول إلى حرب كلامية شنّها عليه، لاسيما و الروائي امين الزاوي معروف بجرأته في الطرح و اعتيادة على تكسير كل الحواجز، و تجاوزه الخطوط الحمراء اثناء الكتابة، ربما أمين الزواي كباقي الكتاب المتحررين، قد يخرج عن دائرة الوعي و هو يكتب بحرية، بحيث يصف الأشياء على طبيعتها، و كأنه يرحل بالقارئ إلى العصر الذي ظهر في أول البشر آدم و حواء و هما بدون غطاء يستر عوراتهما، و لذا يرى أن الكتابة وجب لأن تكون عارية، و الحقيقة أن الكاتب عندما يريد التعمق في الكتابة فهو قد يختار الوقت الملائم لكي يتحرر من كل شيئ حتى المقدسات.
و قد استعمل الأديب الطاهر يحياوي مصطلح المقدسيين من أنبياء وأطهار وصالحين وشرفاء؟!، حيث ربط ما يكتبه هذا الروائي بالقضية الفلسطينية، حتى يثير مشاعر القارئ العربي ( المحافظ و المتحفظ)، هذا القارئ الذي يجعل من كل كتابة متحررة على انها خارجة عن المألوف، أو عارٌ إن صح القول، إذ نجد الأديب الطاهر يحياوي يدعو إلى عدم الخوض في هذا النوع من الكتابات، لدرجة أنه خاطب الزاوي باسلوب الردع، عندما قال له في تعقيبه: " وأنت يا دكتور ممن يقيمون للمصطلح اصطلاحه، وإلا فبأي حق أن تكتب في أدب الطابو كما يحلو لك وتجعل من نفسك ومن كتابتك (طابو) وترفض أن يكتب الناس عنك أو عن غيرك"، و يعتبر الأديب الطاهر يحياوي قضية الكتابة ضد المقدس والكتابة دفاعا عن المقدس ليست قضية جديدة في الفكر وفي الثقافة وفي الإبداع وليست قضية مقتصرة على أمّة من أمم العالم من أقصاه إلى أقصاه قديما وحديثا، فهذا هو الفكر وهذه هي جدلية العطاء والإبداع القائمة على الرأي والرأي الآخر وعلى الأخذ والعطاء، كما أضاف.
و المتتبع لتعقيب الأديب الطاهر يحياوي خاصة عندما قال : لم يحدث في تاريخ الإنسانية أن طلع دكتور دكتاتور يقول للناس أنا أكتب كما أشاء وأنتم لن أسمح لكم بأن تكتبوا عني أو عن أدبي، يقف على أنه يحذر من "الدكتاتورية الفكرية" ، و يريبذلك القول أن من حق الناقد أن ينتقد و بالطريقة التي يراها هو، و من حقه أن يدافع عن القارئ و احترام ذوقه و إيديولوجيته، و أن لا يلصق به وصف مسيئ و مشين، و هنا نجد أن صاحب الرد أي الأديب الطاهر يحياوي محق ، لأنه ليس من حق أي كاتب مهما كان مستواه ( دكتور/ ليس دكتور) أن يتهم القارئ باللغة العربية بالإرهابي، كما ليس من حق أي كاتب ان يصف القارء باللغة الفرنسية أو بلغة أخرى أجنبية بالخائن أو العميل أو الداعي إلى التطبيع، لأن الكتابة لا دين لها و لا جنسية، و نلاحظ أن الأديب الطاهر يحياوي في تعقيبه على الروائي امين الزاوي اشار إلى نقطة مهمة جدا ، و هي جرائم الإستعمار الفرنسي، ما زال الجزائريون يعيشونها إلى اليوم .
نعم..، فتاريخ فرنسا كما قال الطاهر يحياوي منذ أن عرف المجتمع الدولي دولة اسمها فرنسا وهي تستعمر الشعوب، وتفتك بالبشرية الإنسانية دون أي اعتبار، وتاريخ استعمارها الإجرامي في الجزائر على مرأى من أعيننا وفي عقر دارنا لا يحتمل الشك والاحتمال، وما تزال فرنسا إلى هذا العهد متمسكة بالاستعمار التقليدي القديم في جنوب إفريقيا بالرغم من أن كل العالم أقلع عن الاستعمار التقليدي ولكن لا أحد قال عن اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية أنها لغة استعمارية ويربطها بصفة الاستعمار والاستعمارية، و إسرائيل تمارس الاحتلال والقمع والإرهاب، وتمارس قتل المدنين والأبرياء والأطفال والنساء وتدمر حتى المدارس والمستشفيات وتحرق المزارع نهارا جهارا أمام العالم وأمام كميرات العالم، ولكن لا أحد قال عنها أنها لغة استعمار وظلم وأنها لغة تنتج ثقافة الحقد الإنساني وثقافة الاستعمار، وألمانيا النازية كانت جريمة كبرى في تاريخ الإنسانية وتهديدا لكل العالم ولا أحد اليوم يقول عن الألمانية أنها لغة نازية وفي الاتحاد السفياتي حقد خمسة وعشرون مليونا في (الثورة الحمراء) ثورة الشيوعيين الذين أرادوا أن يطبقوا الماركسية بالقوة، وهي اقتتال شعبي واسع ولا أحد يربط بين اللغة الروسية وتاريخ الجريمة التي وقعت.
نؤيد هذا الرأي الذي لا يأتي إلا من مثقف جزائري حرّ، الذي وصف التطرف بأنه سلوك إنساني قديم لدى كل شعوب المعمورة، هذا التطرف كما قال تغذيه أسباب سياسية اجتماعية وتربوية، فكل شعب في أيّ دولة مؤهل لأن تظهر فيه نزعة التطرف سواء الديني أو الأخلاقي أو السياسي أو الاجتماعي، إذا غابت ضوابط المجتمع، ، وغابت ثقافة التربية الدينية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية وغابت العدالة، و نضيف نحن "التطرف الفكري" ، فالفكر أضحى بحاجة إلى الأمن، و من يحميه و يدافع عنه من العقلانيين، و رفع عن أصحابه نزعة التعصب، و مما لا شك فيه أنه لا أحد يدعم موقف الزّاوي في جعل اللغة العربية لغة إرهاب، لأنها لغة القرآن قبل كل شيئ، إلا أننا نعيب على الأديب الطاهر يحياوي و هو يتحدث عن التطرف بكل أشكاله بأنه لم يتطرق إلى وضعية الجزائر و ما عاشته في بداية التسعينيات، فيما سمي بالعشرية السوداء، اغتيل فيها مثقفون و كُتَّاب و إعلاميون، دافعوا عن حرية الرأي و التعبير، و نادوا بالتغيير، لا يهم إن كانوا يمثلون التيار الفرنكفوني أو العروبي، و هو الذي قال: إن التطرف دائما يأتي ردا لفعل، فالصراع بين المثقفين ليس بالجديد، وفي كل دولة نسمع عن ميلاد ألفريد دريفوس جديد ALFRED DREYFUS، و كان هذا الظهور بداية الصراع بين المثقف و السلطة.
الإختلاف فقط في الجنسيات ( أوروبي، عربي أو أفريقي)، و ألفريد دريفوس كان ضابطا فرنسا من أصل يهودي برتبة قبطان، أدانته المحكمة الفرنسية لتسريبه معلومات عسكرية إلى ألمانيا ، في 22 ديسمبر 1894 ، بحيث تم نفيه إلى الجزر الغابرة، رغم غياب أدلة تثبت تورطه..، وقد حولت هذه المحاكمة إلى إشعال نارا سياسية كبرى عصفت بالحياة الاجتماعية والسياسية في فرنسا، وبينما سكت رجال السياسة عن هذه القضية آنذاك وقف عدد كبير من المفكرين والفلاسفة للدفاع عن دريفوس ومن بينهم الروائي "إميل زولا"ZOLA في رسالة له إلى رئيس الجمهورية الفرنسي التي عنونها " إني أتهم"، زولا الذي اتسم بنزعة تفاؤلية كبيرة وبقناعة كاملة على انتصار الفكر على السلطة، فقد كان كتاب زولا بمثارة الشرارة الأولى في تبرئة دريفوس، وهكذا نشأ مفهوم المثقف أول ما نشأ بفرنسا مع انفجار هذه القضية.
ما يعيب على المثقف العربي، أن صراعه ليس مع السلطة فقط، و إنما الصراع الحقيقي هو صراع بين المثقف و المثقف نفسه، صراع بين الأنا و الآخر، صراع بين الثابت و المتغير، و يظهر ان هناك تنافس كبير بين الكتاب و الأدباء و المفكرين و حتى النقاد، تنافس بين من يكتب أكثر، و من له الجرأة في طرح المشكلات، و من هو الأفضل، و أصبح الصراع على الألقاب لا أقل و لا أكثر، و من له الأحقية في حمل صفة هذا أديب و ذاك مفكر ، و ينظرون إلى الكاتب المبتدئ بأنه ما زال في الخشبة الأولى من السُلَّمِ، فقضية دريفوس سجلت باعتبارها صراعا ثقافيا انتصارا "للإنتلجانسيا الدنيا " على "الإنتلجانسيا العليا"، أي انتصار صغار المثقفين على كبار المثقفين...
السؤال الذي يمكن أن نوجهه للأديب الطاهر يحياوي هو: هل يوجد كاتب كبير و كاتب صغير، أم أنه يريد الحديث عن "الإنتلجانسيا " كما تمت الإشارة إليه آنفا، و قد يُطْرَحُ السؤال بصيغة أخرى، كيف نحكم على الكاتب و نقول يوجدذ كاتب كبير و كاتب صغير، و الكتابة هي نفسها كتابة، و ماهي مقاييس الكتابة عند الكاتب ، هل بعدد الإصدارات، أم بالشهادات ( دكتور/ ليس دكتور)، أم أنه كاتب بالفطرة، أي أنه ولد و في يده قلم ذهب ، أم أنه يشبه سيدنا عيسى الذي تكلم في المهد، أم سيدنا يوسف الذي علمه الله تأويل الرؤيا و..و..الخ، ثم أن هذا الأمر يقودنا إلى معرفة إذا ما كانت الكتابة سلوك فطري في الإنسان أم سلوك مكتسبٌ، تتطور مع الوقت عن طريق القراءة و البحث و التنقيب في أمهات الكتب؟، و كما قال: الفيلسوف الفرنسي جول لانيو، نحن نبحث عن مثقف أو مفكر يلعب بالسياسي دون أن تحرقه نار السياسة، و في الأخير نقول أن اللغة العربية تظل المعيار الحقيقي للمسلمين، لأنها لغة القرآن، أما تعلم اللغات الأجنبية فهي من أجل مواكبة التطور العلمي و العصرنة، و الصراع بين المعربين و المفرنسين له ظروفه التاريخية و السياسية.
علجية عيش بتصرف