10 رسائل شعرية بين الشاعرتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف

* من سارة عابدين

إلى مروة أبو ضيف

تعرفين؟
لم أعد أملك ما أقوله بصحبة الأصدقاء
صحبتي باتت مملة
ونسيت كل النكات البذيئة
في الصباح انكفأت رقبتي على صدري
سقطت الأفكار والكلمات من رأسي على الصغيرة
كانت حوافها حادة
ارتعبت من أن تجرح الصغيرة
لكنني كنت منهكة كنحلة
بعد ليلة طويلة من السهر
تدور الأحداث فيها بشكل ميكانيكي
على ضوء الأباجورة الضئيل
أرضع الصغيرة..
أربت على ظهرها الصغير للتجشؤ
ثم أعاود إرضاعها من جديد
عندما سقطت فوقها الكلمات
لم أستطع جمعها وإدخالها في رأسي من جديد
دون أن اقصد، اخترقت أفكاري رأسها الهش
اختلطت بالحليب المتدفق من ثديي
وابتلعتها الصغيرة
ربتت على ظهرها الصغير مرات كثيرة
لتتجشأ أفكاري وحروفي التي ابتلعتها
لكنها بدأت في البكاء
المعرفة ثقيلة ومؤلمة
لم تخرج مع الهواء
كم هو مؤلم أن تكتشف سفالة الحياة
عند إتمام شهرها الأول
ترى، هل أدركت أن الحياة بنت قحبة بشكل فج
أم عرفت انها ستكبر وتصبح مثل الحياة...
فبكت.


***



الكاتب: مروة أبوضيف

* إلى سارة عابدين

أعرف الكثير من الأشياء،
كيف تسقط ورقة الخريف علي الرصيف
فتغني فيروز علي الفور في رأسي
كيف يرسب الحب في كل الاختبارات
وسذاجة الحب الاول
وسرعة مرور الحب الأخير
الطريق الخفيف وثقل الروح على حوافه
والنور الذي يأخذني إلى سكينة بعيدة
لكن قلبي لا يحتمل كل هذا الحب
الطوفان الذي يعلو كلما رأيتهم
الرقصة التلقائية التي تأتي مع صحكاتهم
أنا أخاف المحبة
أخاف النور
العتمة أمينة يا سارة
لا تخون صاحبها ولا تشي به أبداً
ماذا أصنع بكل هذا النور
كيف أحيك ثوبا يحميهم من العالم
كيف أجعلهم يصدقون قوس قزح خلف بلورة مسحورة
وكلنا نعرف أن البللورة كاذبة
وتنكسر يوما مخلفة الكثير من الدماء


****



من سارة عابدين

* إلى مروة أبوضيف

خمس درجات تفصلني عن الأربعين يا مروة
خمس خطوات لأصل لمنتصف حديقة العمر
أقف في منتصف الحديقة كنخلة قديمة
نخلة عالمة بأسرار الحديقة الكامنة
خمس سنوات وأتوقف عن طرح البلح يامروة
أراقب تمراتي الثلاث تنضج
وأنا أشيخ
خمس سنوات وأصل لقمة الجبل
أراقب العصافير والصقور في السماء
قبل أن أبدأ في الانحدار من جديد
قبل أن أبدأ تدريجيا
في التخفف من الحياة
والتوقف عن زيارة طبيب النساء
وزيارة أطباء القلب والأوعية الدموية
خمس خطوات .....
قبل أن يبدأ وحش الاستجداء
في التهامي
خمس خطوات فقط يامروة


****



* من مروة أبوضيف

إلى سارة عابدين

مثل الجميع
خططت لتغيير العالم
وانتهيت بجملة ملهمة من فيلم جميل
"I am nothing"
نعم لا شيء في عالم من الكوارث والتفاصيل العادية

نحن عاديون يا سارة
وهذا ما يؤلمنا
أن نمر علي العالم دون أثر واحد
ألا يشير إلينا احد بانبهار
ألا نكون جميلات
أجمل من ثقل الامومة وخفة رفضها
حتي الصغار
لن ينظر إلينا أي منهم بإعجاب أو تمنٍ
أتصور يوما يقول لي أحدهم
"أوف لماذا أنت
لماذا ليست السيدة العظيمة هناك"
نحن مصابون بالثرثرة
أو ربما عطل عن الفعل نعوضه بسطور خائبة
أنا مثلا لا أصلح لشيء على الإطلاق
لن أقدر على إيقاف حرب
أو شن أخرى جديدة
لن أنقذ أحدهم من الموت
و لن أقوى علي قتل أحد
من لا يصنع كارثة لا يذكره التاريخ
والكلام الجميل صعب علي العاديين يا سارة
لا أظن أني حزينة الآن
لكني لست سعيدة ايضا
مشاعري حيادية تماما مثل حياتي
ماذا أفعل حيال ذلك؟


***


* من سارة عابدين

إلى مروة أبو ضيف

سأحكي لك حكاية امرأة الظلال
التي تثقب الأرض كلما خطت خطوة:
"امرأة من الظلال
مع كل خطوة تصنع ثقباً
وتفقد ظلاً من ظلالها
تخطو أخرى حتى لا تسقط في الثقب ، فتصنع ثقباً جديداً
وتفقد ظلاً آخر
عالقة في الهواء، الأرض حولها سجادة قضمتها القوارض،
القوارض تسكن الثقوب
تقفز على الظلال
المرأة لا تستطيع التراجع عن خطواتها
تخشى السقوط
تخاف أن تطول القوارض أصابعها فتقرضها
أو تصنع منها سلماً، أو حلوى أو شطائر
تخشى أن تنفد ظلالها
فلا تكون هنا أو هناك
هي لا تتوقف عن القفز وصنع الثقوب
وفقد الظلال
هوب هوب هوب



***


* من مروة أبو ضيف

رسالتان إلى سارة

1
لقد تغيرنا كثيراً
اليس كذلك؟
استطاعت الحياة أن تلوننا
ونمت طحالبها فوق جلودنا الرقيقة
تعلمنا المهادنة والانحناء
والرقص مثل الأفاعي على حبالها البالية
انت محقة
سيكبرون و يصيرون مثلها يوماً ما
وسنراهم ونبكي
لأن هذا ما قضينا عمراً نحميهم منه
سنحاول أن نملأ الثقوب دون جدوى
المحبة خفيفة كالهواء
والتجربة أثقل من حجر
تذكرين نفسك طفلة؟
أول يوم للانوثة
وأول تنورة
وأول أحمر شفاه
تذكرين أول حب
ماذا تبقى الآن؟
عجين التجربة خط تجاعيده
وضحكات الحياة الرقيعة
علمتنا القسوة
نحن نشبهها الآن
نساء حائرات بثديين من الأمومة
وكثير من الخوف والقسوة

2
كما أن الحب سكين ناعم
الأمومة مرعبة
مثل حكايات النوم المخيفة التي يقصونها علي الصغار
لكن هذا لا يعنيني الآن
أنا أبحث عن شيء ما مفقود بالداخل
يختبئ تحت الشراشف
ويرسم علامات استفهام على سقف الغرفة
كلما حاولت النوم
تعرفين
دائما ما أحببت البطل الشرير
دراكيولا المسكين الملعون بوحدته
البطل المجبر علي الانصياع للون الدماء
أو امرأة كسروها قديما ً
فأحرقت قرية بأكملها
لكني مجبرة علي الطيبة
علي محبة وخوف لا أعرف لهما مصدراً
بالأمس تحول السرير إلى مقبرة
قيدتني روحي إلى أطرافه
وحاولت أن تعلمني الموت
ثم رأيت حلما عجيبا عن راقصة جميلة جدا
تلد ظبيتين وذئبة صغيرة
لماذا نحزن يا سارة
ولماذا نركض خلف إجابات أنا علي يقين
أننا لسنا بحاجة إليها؟
جدتي لم تسال يوماً عن شيء
كانت سلطانة في بيت يعمل كخلية نحل
الصغار يتسلقون الحوائط
والبئر ترسل جنياتها للحراسة كل مساء
النوم رحلة للبحث في ذاكرة متقيحة
وجوه لا أريد لأبنائي أن يشبهونها
عقوبة علي أشياء أحاول جاهدة أن أذكرها
أنا حزينة يا سارة


***

من سارة عابدين

إلى مروة ابو ضيف

الأشياء لا تحدث يا مروة
الزمن يتضاءل حولي
ليشبه بالوناً
بالون شهد احتفالات وأفراحاً
تشرب من الموسيقى
رقص على أنغام الأغنيات
لكنه الآن ..
ملقى في ركن الغرفة
فارغاً تماماً
وحيداً يتسول بعض الأحداث ليكون
لينافس الأزمنة الأخرى
زمني
وحيد مقفر
بلا حياة على ضفافه
كنيسة مهجورة
بلا مصلين
الآلهة لا تكون الهة
إلا إذا عبدناها
كذلك الزمن يامروة
لا يكون زمناً
إلا إذا حوى بعض الأحداث
لو سجلت تواريخه
في كراسات الحصص
زمني يا مروة
شيخ بلا ذاكرة
يهرم .. يهرم.. يهرم
ثم يغيب





***


* من مروة أبوضيف

إلى سارة عابدين


1
الناس محيرون جداً
عيال الله المساكين
يجرون الحياة بعربات عمرهم
ويركضون بسرعة وينتهون دائماً بالبكاء
ولكن هل جربتي أن تكوني مضغة على ألسنتهم التافهة
يلوكون أخبارك ثم يبصقونك دون أية رحمة
آلامك التي تنحت صدرك
الأمومة التي تصنع منك مجرد هامش
العالم الذي يرسل دواماته إلى الروح
ويلتقطها على حافة الغرق
كل هذا مجرد وجبة سريعة
بصقة لا قيمة لها من أفواههم
أنا لا أكره الناس
أحيانا أرى عرباتهم المكسورة خلفهم
أرواحهم التي نهشتها الحياة
شروخاً كثيرة ربما يحاولون ترميمها
دوامات تظهر فقاقيعها علي السطح
لكنني لا أحب أن أكون مضغة أخرى على ألسنة التافهين

2
الأيام الطويلة المتكررة؟
سأهديك الآن ابتسامة خفيفة وممطوطة
أظن أن يومي يا سارة لم ينته منذ ما يقارب الست سنوات
بدأ بسرطان في الكبد وغرق في أحداث ووجوه
ورغم عبوره أحزانا و أفراحا وقارات
لم ينته بعد
جاء اليوم وذهبت أنا
ذهبت لأغتسل من وقاحتي وأتطهر
لكني فقدت هناك
تعرفين،
لا أظن هناك قضايا كبرى بالأساس
لقد جن العالم يا سارة
ليس من المنطقي الآن أن نتحدث عن حرية أو عدالة أو ثورة
لقد حولوا كل شئ لوجهة نظر
آلة حربية
حذاء عسكري
قتل مشاع
دم مقبول
وبطريقة ما تقبلت الجماهير الوضع
صار عاديا أن نشاهد الهول ونبكي دقيقتين
ثم نمارس الحب والحياة
ربما الوحدة التي أطلقوا وحشها علينا سبب في هذا
تشغلنا أشياء أخرى
مثلا، أعطني ثلاثة أسباب لماذا أنا وحيدة جداً
وأنا محاطة بحديقة من الأحبة والونس
أخبرني كيف أخاطب الله ويدي مغموسة في الخطيئة والشك
علمني كيف أحب اطفالي دون حساب الخذلان والقسوة
أنا مسروقة هنا
يوم طويل لا ينتهي لكنه يتسرب من بين يدي يا سارة
لا أعرف أيهما اثقل يا سارة
الصباح أم المساءات الطويلة
أنا محظوظة جداً
لدي منزل وابناء وعائلة
وخيال أكثر رعبا ًمن فرانكشتين
في الحرب الصغيرة التي عرفتها مدينتنا
اختبرت الرصاص والدبابات والخوف
ولم أختبر الموت او الفقد
لكنني شربت قهوة جنائزية
وسرت في مهابة الابطال
الربيع الذي تلاها علمني العديد كما يليق
إلا أنني مازلت أحتفظ بمحبة للزهور
عندي كبرياء يشبه خيال مآتة محروق
و قلب من قش يحترق سريعاً
نعم لقد مر الجنود من هنا كثيراً
اختبأت المقاومة وامتلأت الشوارع بالعاهرات والخونة
نعم هنا في قلبي القش
بجوار الوظيفة الحكومية التي تركتها
ورداء الطبيب الذي مزقته
والأمومة التي وضعت بيضها في الهدنة الاخيرة
كل هذا لا يهم حقيقة
إنها ثرثرة فارغة لأن اليوم عيد الراحلين
الذين كانوا يحملون جمالا شديدا فارتفعوا إلى السماء
فضلهم الرب علينا
نحن الأولى بالمزبلة يا سارة

3
تعرفين أيضا
كان لي حبيب يفتتح المساء كل يوم
يمتلك دفتراً يسجل فيه أسماء الحاضرين والغائبين
عدد القبلات والمساحات المسموحة للأمان في علاقتنا
ويخصص عطلات أسبوعية يمارس فيها ساديته
ويستمتع بالخوف والالم في عيني
كان طيباً جدا
ولما كبرت اسميته افعي
وكانت لي يد تستطيع تغيير الفصول
مثلا في الحب تصنع ربيعا
في الوحدة تأتي بشتاء وهكذا
لكنها صارت مملة فقطعتها
ولما صرت أما استبدلتها بأخرى صناعية
أسهل في التحكم وأكثر امانا على الاطفال
وعندي أيضل شارع يحمل اسمي
في مدينة ما رأيتها مرة في حلم
أحلامي كلها حقيقية
هل أخبرتك بهذا من قبل؟
وعندي مسبحة سحرية
أخبئها في مقبرتي
سأحتاج السحر حينها لأتذكر من أنا تحديدا عند السؤال

4
تعرفين يا سارة
خبأت الله في قلبي
كنت أحبه كل يوم بطريقتي
أرى النور في كل شيء
عشقت حتي ذابت عظامي تماما
لكنني ضيعت قلبي يا سارة
حزن كبير جاء مرة
واختفى به
راح النور ، والاطفال الذين ملؤوا صدري كبروا
شيخوخة قفزت من داخلي
و ثقل عاق الطيران تماما
الله أجمل ما كان بي
اليقين الذي صاحبته قديما علمني الطيران
أو للدقة انا صدقت ذلك حينها
كل شيء الآن يشبه فيلما قديما بالألوان
اشاهده و في يدي منديل وانا اذرف الدموع
أكنس المنزل و ابحث عن ملائكة عجوزة
اتصنت علي الصمت و ابحث عن هسيس أجنحتهم
هل يمكن ان اجد السلام مرة أخري دون العثور علي قلبي؟
لا حاجة لي به الان
لقد فرغت تماما من أمور القلب السخيفة و المؤلمة



***

* من سارة عابدين

إلى مروة أبوضيف

صباح اليوم جمعت ذكرياتي
المتساقطة حولي
أسفل الوسائد وبين أرفف الدواليب
كنت أخشى أن يراها من حولي
ويكتشفوا أسراري الصغيرة
حبي لبرجر الدجاج بالجبن والمايونيز
وأنا ماما التي تختار فقط الطعام الصحي
وقوفي لساعات تحت المطر
دخان سجائري الذي يتسرب من النوافذ
مثالية الأمهات التي أحاول تقمصها
جمعت كل تلك الأسرار وتوقفت كثيرا على البلاط البارد
لا أعرف كيف اخفيهم..
هل أضعهم في غسالة الملابس ليتلاشوا في مواسير الصرف
ام اضعهم في اناء كبير وأصهرهم على الشعلة الكبيرة للبوتجاز
لكني أشفقت عليهم فوضعتهم في صندوق ملون
وأرسلتهم لجمعية خيرية
ربما تلتقطهم فتاة صغيرة وحيدة
لا أضطر أن أبدو أمامها بصورة الأم المثالية التي ترهقني
والتي كما يبدو ترهقك يا مروة ..


***


* من مروة أبو ضيف

إلى سارة عابدين


لا أريد لهذا الصباح ان يبدأ
ساقية لا تكف يا صديقتي
ولا أدري من وضعني هنا
لكنه نسي أن يغطي عيني
اليوم أود أن أقف في الشرفة
كل ساعات الصباح و الليل
أترك الهواء بخترق عظامي
وأسمعها و هي تتكسر بداخلي
فكرت أن أكتب مثلك رسائل إلى الله
لكني لا أجد ما أقوله
لا أسئلة لدي
وأخاف أن أرغب شيئاً فيكسرني
وأظن الحزن كفارة للذنوب
وأن كفي بيضاء
ربما حاولت النوم
تصوري أن يبتلع النوم يوما بأكمله
يسقط في الكوابيس ويذوب مثل قرص دواء مر
لكنني لا أود أن يبدأ اليوم يا سارة.

بيننا حديقة.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى