عادل الأسطة - كلاب في الذاكرة: الكلب في أعمال أدبية (2 من 2)

في العام 1993 أصدرت روايتي "تداعيات ضمير المخاطب" وكتبت فيها عن أربع سنوات من حياتي في ألمانيا.
في هذه السنوات، كنت أشاهد كلابا مدللة ومنزلية، لا كلابا سائبة ومشردة، ولهذا لم تكن تنبح نباحا يخيف ويرعب. ولما أقمت أربعة أشهر في بون مع عائلة ألمانية، فقد عرفت الكلب عن قرب، وحدث بخصوص الكلب حدث طريف كان له حضوره في روايتي، بل إن الحدث، لطرافته، ألح علي فعدت إليه لأخصه بقصة قصيرة راقت لبعض قصاصينا مثل خليل السواحري الذي امتدحها يوم نشرتها في جريدة الأيام الفلسطينية في العام 1996.
لم ألتفت لكلب العائلة كثيرا إلا يوم مرضه، ففي الأيام السابقة كنت أراه مع سيدة البيت (جيردة) دون أن أخوض في أمره.
كان الكلب رفيقها كل صباح في جولتها اليومية، وكانت تقص عنه بعض طرائف لم تشدني.
مرض الكلب فذهبت به العائلة إلى الطبيب البيطري لتعالجه وعادت إلى المنزل حزينة دونه فقد رأى الطبيب أن الأفضل دقه إبرة لينفق، فالكلب إن عاش فسيعيش عامه الثاني عشر وسيموت.
حزنت (جيردة) وأحضرت زجاجة نبيذ جديدة وفتحتها وصبت النبيذ لنشربه حزنا على موت الكلب، ثم أحضرت لي ألبومي صور لحضرته منذ اشتروه في بلجيكا جروا لم يتجاوز العام.
قامت القصة في ذهني على أساس المفارقة بين حياة الكلب في عالمين مختلفين؛ الغرب والشرق، وبالتأكيد لم تغب الكلاب السابقة عن ذهني، فأنا كنت قرأت القصص والروايات والسير الذاتية التي حضرت فيها قبل سفري إلى ألمانيا في العام 1987.
هل غبطت كلب (جيردة) والكلاب الألمانية على حياتها؟
غالبا ما أذكر قصة كلب العائلة في محاضراتي وأنا أدرس مقطعا من معلقة توفيق صايغ في مساق الأدب الفلسطيني، فالشاعر الذي كتب عن غربته في لندن أتى على كلاب أهلها التي تنبح، حين تراه، نباحا لم تعتده أذن.
حين كتبت القصة لم أكن قرأت قصة رشاد أبو شاور "من سنوات الكلاب" ولم أقرأها إلا الجمعة 29 آذار 2019 حيث أرسلها لي بعد أن قرأ أنني أنوي الكتابة عن أربعة كلاب. ولما كان عنوان مقالي "كلاب في الذاكرة "فقد آثرت أن أخص قصة رشاد بخربشة من خربشاتي على صفحة الفيس بوك.
في العام 2003، أصدر محمود شقير مجموعته القصصية "صورة شاكيرا" وفيها قصة عنوانها "كلب بريجيت باردو" والقصة طريفة عموما.
ينزعج عبد الغفار من نباح الكلاب الضالة في حيه، فيكتب مذكرة إلى (كوفي عنان) ينشد فيها مساعدة الأمم المتحدة.
تقرأ (بريجيت باردو) المذكرة فتكتب إلى عبد الغفار رسالة تدعوه فيها إلى باريس على نفقتها لتقنعه أن احترام الكلاب ضرورة ويسافر إليها ويلاحظ كلابها وكيف تعاملهم ويقتنع بما يراه وتهديه كلبا وتعده بإرسال مبلغ من المال حتى يرعى كلاب حيه.
القصة تقوم على نوع من الفكاهة وبعث الضحك لدى القارئ، ولكنها لا تخلو من مغزى يتمثل في الفرق بين حال الكلاب في بلادنا وحال الكلاب في الغرب، وتنتهي القصة بفقدان عبد الغفار كلبه وتكثر الإشاعات حول هذا.
واللافت في القصة طبعا الإتيان على كلبي الرئيس بوش.
"وقيل إن الكلب ملّ اللعب بالكرة مع عبد الغفار، فمضى يضرب في الأرض عائدا إلى باريس، إلى حضن بريجيت باردو بالذات، وقيل إن الرئيس بوش شوهد ذات مساء يتمشى في حديقة البيت الأبيض، وخلفه ثلاثة كلاب صغيرة تتبعه بتؤدة ووقار".
كلابنا ضالة وشرسة وهائجة ومشردة وتنبح وتزعج الناس وكلاب (بريجيت باردو) خلوقة ومهذبة ونظيفة وتحسن الإصغاء وذات نسب ومثلها كلبا الرئيس بوش. ولا يختلف مغزى القصة عن المغزى الذي رميت إليه في قصتي ولكن الأسلوب يختلف.
في العام 2003، أصدر نصار إبراهيم مجموعة قصصية عنوانها لافت "اغتيال كلب" وفيها قصة كتبت في العام 1996 حمل عنوانها عنوان المجموعة.
كتب نصار قصته في دمشق وملخصها أن ثمة كلبا لا اسم له قيد بسلسلة حديدية يبلغ مداها ثلاثة أمتار ولم يكن يعطف عليه سوى رجل وامرأة. وقد حقد الكلب على الآخرين إلا هذين.
مرة حاول الراعي سلمان أن يلعب مع الكلب، فبدأ يستفزه بالحصى والحجارة، واستاء الكلب منه، وواصل سلمان اللعب والكلب يغتاظ.
غالبا ما كان الكلب يحن إلى حريته وحياة البراري وكان يحزن لتقييد حركته ويزداد حزنه كلما عبث سلمان به ومعه، وذات يوم تنفك حلقة في السلسلة فيصبح حرا ويهيم في البراري ويقرر تصفية الحساب مع سلمان ويحاول مرتين لا ينجو سلمان فيهما إلا بمساعدة الرعاة، وفي المرة الثانية كاد يفتك بغريمه لولا إطلاق النار عليه وإصابته إصابة مميتة.
لا تخلو القصة من مغزى ومن دلالات رمزية تتمثل في البحث عن الحرية أولا، وفي أن الآخر المضطهد المسجون سوف يصفي حسابه ذات يوم مع من يلهو به ويسلبه حريته ويحتقره.
من أطرف النصوص التي قرأت عن الكلاب ما كتبته سعاد العامري في كتابها "شارون وحماتي: مذكرات رام الله" وقد نشرت الترجمة العربية له في 2007 وفيه نص عنوانه "حياة كلب" 1987-1995.
تقص سعاد العامري عن كلبها عنتر منذ حصلت عليه. كانت سعاد مع زوجها سليم تماري في زيارة إلى مدينة أريحا، وفي الطريق لاحظا جروين فقررت أن تهتم بواحد منهما وهذا ما لم يعجب زوجها.
تهتم سعاد بالكلب وتنعته بعنتر علما بأنه أنثى لا ذكر كما تخبرها الطبيبة الإسرائيلية لاحقا، فسعاد لا دراية لها بالكلاب أصلا.
يمرض الكلب فتقرر معالجته ولا يروق لها البيطري العربي الذي تعرفه في رام الله. إنه ببساطة طبيب متحذلق، وهكذا تقرر أن تعالج كلبها لدى طبيبة بيطرية إسرائيلية في القدس وهو ما كان.
تلحظ سعاد اهتمام الطبيبة بالكلب وتدفع لها الأجرة المرتفعة بالدولار، وفي النهاية تمنح الطبيبة الكلبة التي تطلق عليها سعاد اسم نمورة، تمنحها جواز سفر مقدسيا خاصا.
"أتعلمين يا حبيبتي أن هذه الوثيقة تمكنك من عبور الحواجز والوصول إلى القدس، في حين أحتاج أنا والسيارة إلى تصريحين مختلفين للعبور" تخاطب سعاد كلبتها نمورة.
في أثناء العودة من القدس، بخلاف الذهاب، يسأل جندي إسرائيلي سعاد عن التصريح فتعطيه الوثيقة التي حصلت عليها نمورة. ويسأل الجندي:
"مازيه" ماذا"؟" وبدت على وجهه تعابير ضاحكة ومستغربة، فهو يسأل سعاد عن التصريح الخاص بها وهنا تجيبه سعاد:
"أنا سائقة الكلبة. وهي كما ترى بأم عينك من القدس، ولا تستطيع قيادة السيارة أو الذهاب إلى القدس بمفردها".
وقال ضاحكا، "وأنت سائقها؟".
"نعم، لا بد أن يكون أحد سائقها"، أجبت ضاحكة أيضا.
والقصة التي تطفح بالسخرية ترمي في النهاية إلى السخرية من الاحتلال الإسرائيلي الذي يهتم بالكلاب ويعامل الفلسطينيين معاملة قاسية.
أعتقد أن الموضوع طريف ويستحق مزيدا من الحفر، لا فيما يتعلق بالكلاب وإنما في الحيوان بشكل عام، ففي الأدب الفلسطيني مثلا كان هناك حضور للفرس والخيل والبغال والقطط والدجاج في روايات يخلف ونصر الله ومحمود شاهين واسحق الحسيني.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى