د. يوسف إدريس - المهزلـة الأرضيــة!!.. قصة قصيرة

صفر: "انت خدعته والا هو اللي خدعك؟" .. محمد الثالث: "أنا، أنا نفسي كنت عايز أروح المستشفي واستعملته كوسيلة" .. صفر: "انت؟!" .. محمد الثالث: "أيوه أنا" .. صفر: "طب وتعمل كدة ليه؟ حد يعمل كدة؟ حد يحب يخش مستشفي امراض عقلية هنا؟" .. محمد الثالث: "أنا" .. صفر: "ليه علشان أيه؟" .. محمد الثالث: "لأن أنا الجاني الحقيقي انتوا مش بتدوروا علي الجاني .. أنا الجاني" .. صفر: "جاني جنايتك أيه؟ يا تري أنت راخر عملت أيه؟ الظاهر ياما لسة هنشوف من أولاد قارون" .. محمد الثالث: "أنا جنايتي كبيرة أوي شاملة بعدد كل حرف اتعلمته وكل قانون من قوانين الكون عرفته وكل سطر من كل كتاب اطلعت عليه".

صفر: "إيه ده كله أنت عملت أيه؟" .. محمد الثالث: "هربت .. ساعة الجد هربت من دوري ومنكم .. في وسط المعركة بدل ما أضرب فريت واستخبيت جوه نفسي" .. صفر: "بس لو مكنتوش تستعملوا الكلام اللي ما بيفهموش حد ده؟ وحتي إذا الناس فهمته عبال ما توصل لمعناه يكون طار .. ما تقولنا ببساطة يا أخي قضيتك أيه؟" .. محمد الثالث: "ما هي المصيبة أن ما لياش قضية حتي ولو خسرانة .. حتي ولو قضية باطل أنا جريمتي كبيرة أوي أنا العين اللي الحياة قعدت عشرة مليون سنة علشان تعملها فلما عملتها أختارت أنها تغمض وإذا فتحت تدعي أنها مش شايفة وإذا شافت تدعي انها مش عارفة وإذا عرفت تشكك في اللي عرفته .. أنا اللي حاطط الكلمة فوق الأنسان والقانون فوق الحياة والقيمة المثالي بمعني اني عايز كل الناس تبقي مثلي أنا اللي مش عاجبه حد والنتيجة انه مش عاجب حد أنا اللي من كتر لومي لنفسي أدمنت الغلط ومن كثر ما أنا عايز أعمل حجات مبعملش حاجة خالص ومن شدة تصميمي عايش متردد".

صفر: "أيوه بس أيه اللي حصل وخلاك تفر وتستخبي زي ما بتقول؟" .. محمد الثالث: "الحريقة زادت" .. صفر: "حريقة أيه؟" .. محمد الثالث: "اللي أنا دخانها" .. صفر: "برضه مش فهمتش" .. محمد الثالث: "الحريقة بين الأرض الكبيرة والناس الصغار بين الحاكم والمحكوم والمحكومين والحكام بين الظالمين لأنهم مظاليم والخايفين من ناس خايفين بين العلم والدجل بين الحقيقة والكذب، الكذب عيني عينك وفي وشك وبالبنط العريض ويا ويلك لو قلت تلت التلاته كام" .. صفر: "برضه وحياتك انت ما فهمت" .. محمد الثالث: "المهزلة الأرضية! .. كنت عايز أبقي المتفرج الوحيد علي المهزلة الأرضية بس أندمجت أوي وولعت النار .. أنا مأساتي" .. صفر: "مأساتك أيه بقي ما أنت لسة مسميها مهزلة" .. محمد الثالث: "ما هي مهزلة الناس وإنما مأساتي أنا".

صفر: "إيه الحكاية اللي بوشين دي؟" .. محمد الثالث: "حياتنا" .. صفر: "بيعجبني والله لعبكم بالكلام ده .. حريفة كلام بشكل الواحد منكم ما يسبش المعني الا وهو ماسكه في خانة اليك تقدر تقولي من غير حرفنة كدة إيه اللي قومها في دماغك وخلاك تعمل العملة دي" .. محمد الثالث: "ما قدرتش أصمد أعمل أيه؟ لا قادر أعملها زي ما أنا عايز ولا عارف أعيش فيها زي ما هي لا أنا بطل علشان أغيرها ولا أنا أرضي أنها تغيرني" .. صفر: "والنبي تسهلها علينا وعلي نفسك يا شيخ" .. محمد الثالث: "أقول لكم إيه بس أقول لكم كنت عايش مغمض فتحت مرة وسألت لقيت طريق السؤال صعب إنما في نفس الوقت لقتني موش عارف أرجع واغمض تاني لا أنا عارف أرضي ضميري ولا قادر أسكته وارشيه ما عادليش مكان بينكم ومكاني الحقيقي عالي عايز صفر لا انا شجاع علشان أقدر أنتحر ولا جبان علشان أقدر أعيش ولا جرئ علشان أسأل ولا عبيط علشان ما اسألش فكل اللي قدرت أعمله اني أروح مع اللي ما بيسألوش موش عن خوف أو جبن إنما عن مرض مع المحرومين مع القدرة علي السؤال أروح من غير شماته .. لا أنا شمتان فيكم ولا عايزكم تشمتوا في .. لا أنا باعايركم بخيبتكم ولا أنتم تعايروني بقصر ديلي ليكم حياتكم السعيدة المزعومة ولي ديني".

صفر: "تعرفش تقولي باختصار كدة وانت محيرنا كلنا حتي الدكتور الغلبان محيره معاك .. أنت عاقل ولا مجنون؟!" .. محمد الثالث: "بعد كل ده معرفتش" .. صفر: "يمين الله ما عرفت" .. محمد الثالث: "يبقي تقدر تسميني العاقل جدا لدرجة أن الناس فاهمة أنه مجنون أوي المجنون جدا لدرجة أنه فاهم انه عاقل.!!".
أعلى