أكثر من غبي وأقل من صبي مُدْرِّك لحجم الكارثة ... إنَّه السلطان العثماني الأخير أردوغان، هذا الشبح الذي عَنوَّن جحافله المعتدية على كُّرد سوريا بلافتة(الجيش المحمدي). ويمكن تسميته بــ (جيش السلطان) على وزن عبارة المطرب الشعبي أحمد عدوية (بنت السلطان). عبارة وردت في إحدى أغانيه شادياً بالرجاء لمحبوبته والحنُو عليه بما تجود، بينما جيش السلطان على منوالها لإشعار المتلقي بالهيبة وأنَّ هناك باباً عالياً كما كان في الخلافة العثمانية الغابرة. ويبدو من باب السخرية أنَّ الاغاني الشعبية تُعاد– حين تظهر أنياب اللاهوت السياسي وعماء الجغرافيا- لدى الأردوغان بشكل دموي وعسكري. والمغزى هو استعمال جيش الدولة التركية بصورة قميئة في حروب لتصفية الحسابات التاريخية مع الكرد. فالإيقاع الشعبي للإجرام باسم الدين والقومية والدولة- كحال الأحداث بشمال سوريا- يستثير رائحة الموت ويحوِّل الأرض إلى برك من الدماء.
لكن هل نبي الإسلام بحاجةٍ راهنة لجيش محمدي ينتهك المناطق الكردية التي تعاني فقراً وقلة موارد ووهناً سياسياً؟ هل ينقص تاريخ المسلمين مزيداً من الدماء والقتل حتى يعلن السلطان شعاره؟ لقد ماتَ من الكرد- في الحروب الاقليمية والاعتداءات عليهم- ما لم يمُت أيُّ أناس في معارك أسطوريةٍ طوال التاريخ البشري. كان الكرد هم (الحيطة الواطئة) التي يعتليها كلُّ من يقفز فوق سطح الجيران ويتم تدميرهم مراراً باسم الدين سواء من الدواعش والإخوان أم من الدول التي ينتمون إليها. هل يجب إلحاق قتل الكرد بالسيرة النبوية حتى تنال قبولاً من نقيق الجماعات الارهابية وأرتال المسلمين المغيبين عن الحياة؟ علماً أنَّ بين الكرد مسلمين يشاطرون السلطان العثماني ديانته، وما المغزى من فعل الدمار والإرهاب بزخيرة الإسلام؟
إنَّ الاستغلال السياسي للإسلام لم ينتهِ بدولةٍ رسمية كتركيا تزعم دائماً أخذ (مواقف إسلامية حانية) حول مشاكل المسلمين وقضاياهم. هل يعني ذلك إضافة أيديولوجيا الحروب الدينية إلى صراعه مع الكرد؟ إنَّه نوع من الزج الوقح بالرصيد الرمزي للدين في معارك خاسرة وقاتلةٍ لكل الحياة! ولن يخرج منها صاحب الأيديولوجيا ظافراً بالنتائج على مستوى استعمال الدين، لأن القتل والدمار سيكون لهما الصورة الكبرى من مساحة المشاهد.
كم مرة علَّق السلطان العثماني- من منطلق الدين- على أحداث الربيع العربي إزاء ليبيا ومصر وتونس وأخيراً سوريا. كان السلطان يتباكى على الإنسان ويذَّكر قادة الدول العربية بتقاليد الإسلام!! وها هو يخرج مجدداً ليلوك عبارات دينية وشعارات سياسية في محاربته الكذوبة للإرهاب. إنَّ لديه تمويهاً خبيثاً باعتبار تركيا تحمل أغصان الزيتون إلى جارته الشقيقة(سوريا). هو يفعل ويعلم أيضاً أنه يرتدي عباءة الكلمات الفاضحة لنواياه. كيف يقتل جيشه الكرد ويزعم أن حربه "نبع السلام؟ أيُّ نبع للسلام يقصد، والسلام لمن تحديداً؟
"نبع السلام" ... عنوان غير بريء آخر لجحافل السلطان نفسه، هل السلام هو تشريد الأهالي واعتبار الكرد مصدراً للتهديد؟! وللنكاية في السلطان، فهذا العنوان يحمل هدم دلالته وخطابه من الأساس. لأنَّ "نبعاً" للسلام معناه أنَّ أردوغان يرى الكرد خطراً أصيلاً على خلافته وعلى الدولة التركية. لذلك يحاول اجهاض أيِّ حلم للأكراد بإنشاء دولة مستقلة تنادي – بمجرد اشتداد كيانها- بحقها في كرد تركيا. أي هو يخاف من انضمام أكراد تركيا لكيان الكرد في سوريا، ويخشى من تحقيق حلم أكراد العراق بدولة كردستان، وبالتالي يتحسب لأن تصبح لُحمة العرق أقوى من التقسيم الجغرافي، وأنْ تغدو حرية الكرد أقوى من القمع السياسي اللاهوتي الذي يقوم به.
هذا النبع هو المقصود وراء جميع المشاكل الإقليمية للسلطان العثماني، لكنه يكذب ويقول لإمارة قطر- التي تعرف الكذب- بأنَّه لا يحمل عداءً لإخوته الكرد. كاذب بأشباح الخلافة يقول لكاذب إقليمي آخر( قطر) بترسانة قناة الجزيرة. وهذا أمر لافت للإسلام السياسي الراهن أنَّه لم يعد يملك من الواقع غير الكذب بحجم الاعلام. لكن المؤسف أن يكون الكذب هو لغة المكاشفة بين فصائله الدولية( قطر– تركيا). ربما ما يقوله أردوغان نوع من همس التواطؤ الواضح كبرنامج دعائي للرد على الانتقادات المحتملة. لأنَّ قطر هي الأخرى كانت ومازالت تكذب وتكذب وراء جحافل الجماعات الإرهابية أثناء الربيع العربي، بل كانت تدير بدلاً عنها أية صفقات سياسية وتجارية للقوى الكبرى في المنطقة!!
وبخاصة أنَّ الكذبَ ليس بمسماه الديني إلاَّ حين يكون تزويراً لواقع يخالفه. فما يفقده الكلام الكذوب من حقائق يلقيه على جانب آخر لا يمت لما يحدث بصلةٍ. ويسعى جاهداً لتطبيق مضامينه الخادعة بكل قوة وعنفٍ بمقدار ما يكون الكلام باهتاً ولا قيمة له. ربما حينما كان أردوغان يقول عبارة ( إخوتنا الكرد) كانت قواته الجاهلة تهدم المنازل وترجم مزارعهم وأطفالهم بالقاذفات ولا تبرح الأرض الكردية دون إحراقها.
أما السلام الوارد، فهو انهاء الوجود الكردي على مساحة مرماها خمسين كيلو متراً مربعاً بالعمق السوري، وهو ما يؤدي إلى افراغ المنطقة الحدودية من الكرد وتهجير العائلات وهدم البيوت ونزع الممتلكات واسكان أُناس مختلفين وموالين للسلطان بخلاف الكرد. لأن أردوغان قال في أحد خطاباته إنه سيفسح تلك المنطقة لحماية الحدود التركية وكذلك لإعادة اعمارها وتوطين المهجرين لدى الدولة التركية. وهذا معناه التلاعب بالتركيبة السكانية على الأرض وإبعاد من يريد إبعادهم. وسيقتضي الأمر نزع ملكيات كردية وحقوق إنسانية واعطائها دون وجه حق لأناس آخرين، وهو أمر بمثابة تدمير لفكرة الحقوق والأهلية التي يتمتع بهما الشعب السوري. وطالما دخل التوظيف السياسي للدين، فإن جحافل السلطان ستقتل الوعي الكردي بالأرض أيضاً وستفرض نمطاً من التعليم والمظاهر التي تكرس الوجود العثماني الجديد كما حدث في عفرين حين اقام مدارس ووضع مناهج تعليمية وزرع في أدمغة الأطفال الثقافة العثمانية الدائنة بالولاء للسلطان.
الغريب أن تبرير السلطان العثماني لقرار الحرب على شمال سوريا تبرير هازئ بالقيم وبعقول المسلمين وبالساسة والإنسانية.
أولاً: أعلن أردوغان أفكاراً ساذجة حول أهمية المعركة، روَّج إلى كونها ستصفي جيوب الارهاب المترصدة بالدولة التركية. وهذا أمر مردود عليه، لأنَّ ذلك لم يظهر أبان مساعدة أمريكا لجيش سوريا الديمقراطية، حيث لم يتحدث السلطان العثماني عن أي تهديد من قبل الجيش المذكور. وكان متربصاً كالقط( الخائن) الذي ينتظر سقوط الفريسة من أعلى ليأخذها متوارياً خلف الأشجار.
ثانياً: تسييس الجيش العمومي للدولة لا يختلف عما كان يفعله الإخوان وما يفعله الدواعش في البقاع التي شهدت دمويتهم. وهذا فحواه أنه عمل من جنس الإرهاب وإن كان خارج الدولة دفاعاً عنها كما يقال. ألم يدرك أردوغان أنَّ الجيوش مؤسسات عامة لا يمكن إقحامها في صراعات استراتيجية بناء على معايير خاصة؟!!
وهذا أضخم عمل يمكن أن يسطو عليه رئيس دولة باسم السياسة والدين معاً. كما أن اضفاء الصبغة الإسلامية على الجيش هو سمه مناقضة لكل من الجيش والسياسة والدين في تركياً تخصيصاً. لأننا نعرف الصراع بين كيان الإخوان المتمثل في أردوغان كـ(طربوش عثمانلي قديم) يحمل حفريات الخلافة وبين المؤسسة العسكرية التركية والتي تحافظ على علمانية الدولة وحياديتها إزاء الدين والمجتمع.
ثالثاً: ما ذكره أردوغان بالجيش المحمدي هو تدمير للدولة التركية قبل أي شيء وتلك نقطة تستحق فكرة خاصة بها. لأن الوضع يشرح لنا طبيعة الاسلام السياسي الذي يحرق المراحل ونحن نظن كونه قادراً على التطهر، لكنه سرعان ما يعود إلى سيرته الأولى. ولو كان السلطان العثماني ذكياً لأدرك أنَّ ما أعلنه يسلب قدرات منصبه ويكشف مدى خداعه طوال السنوات للشعب التركي والكردي معاً. لأنه يحكم وفقاً لمرجعية غير منصوص عليها في مؤسسات الدولة وما كان ليعتلي بها كرسي الحكم لو أنه أبانها من أول وهلةٍ.
رابعاً: أنَّ أفعال أردوغان موجهةٌ بالمقام الأول إلى كرد الداخل، هم المقصودون بضرب كرد الخارج. فهو يريد أن يعريهم من الدولة التركية وباسم الدولة. ولكي يقطع شوكتهم تجاه المطالبة بالحرية والحقوق الاجتماعية والسياسية، لم يفعل إزاء ذلك إلا التقييد على الحريات والاعتقالات والاضطهاد كما رأينا مراراً. لكنه ريثما يريد توجيه ألما مباشراً لهم، فنهض يدمر جسد الكرد الحي على الحدود. الصفعات تتوجه إلى الداخل كلما كانت موجعةً للجسد نفسه الممتد خارج الدولة.
خامساًً: أردوغان يتاجر بجواره لسوريا في معونات أوروبا والغرب. فقد أخذ مليارات الدولات لرعاية المهاجرين السوريين ومنعهم من بلوغ أوروبا. لكنه يهدد الآن إذا ما ادرجت معاركه ضد الكرد على قائمة التنديد والقرارات الدولية بأنه سيرسل لأوروبا ملايين المهاجرين وقد يكون منهم المتطرفون الذين سيدمرون الحياة الأوروبية. وهذا نوع من تكتيك العصابات الدولية، ليست المسألة مسألة مبادئ لكنها مصالح وسياسات قذرة ليس أكثر.
المهم أن ذلك يكشف شيئاً خطيراً لم يكن من سبيل إلى اثباته في حينه. أن نظام السلطان العثماني هو من يستعمل الدواعش في مناطق العالم العربي بمساعدة قطر المدججة برموز التطرف والإرهاب. من ثم- طالما يستطيع أوردغان شحن المهاجرين السوريين إلى أوروبا- فهو من يقدر على إرسال الارهابيين إلى سيناء المصرية مزودا إياهم بخطط وأسلحة وأهداف وخرائط دموية من إمارة قطر ومن خلافته الراشدة. وهو من يستطيع أن يرسل جنوده الاستراتيجيين (الدواعش والإخوان) إلى ليبيا ليحاربوا بجوار حكومة الإخوان هناك. وهو من يقف بجوار الجيش السوري الحر ويدعم الجماعات الجهادية بكل مكان. إذن تبعاً لكلام أردوغان نفسه لم يعد الأمر تكهنات ولا نوايا بصدد تدخل قطر وتركياً في أكثر من دولة عربية.
سادساً: الجيش المحمدي ورقة كلينكس يمسح بها اردوغان شوائب قد تعلق بأنظار المسلمين الجاهلين بنوايا السلطان، وهي نوع من شراء الوعي لصالح مشروعاته العثمانية في المنطقة. فالجيش الحر وبعض الجماعات الممولة من السلطان لم تكن لتدخل تحت مظلته الإقليمية إلاَّ بشعار (جيوش محمد) بصرف النظر عن النتائج الخطيرة.
سابعاً: لعبة أمريكا وتركيا لعبة باتت فاضحة. حين تريد أمريكا استعمال تركيا تستطيع، وحين تسنح لها بذبح الشعب الكردي توافق ولو بعد تنديد. في البداية نوَّه ترامب إلى أنه سيدمر الاقتصاد التركي لو أقدم أردوغان على عملية نبع السلام. وحين فعل السلطان بدا ترامب محذراً من التمادي، ثم أعلن أنه يتفهم الصراع بين الكرد والأتراك منذ سنوات وأنه سيحاول عقد صفقات وساطة بين الطرفين. لكن ماذا سيفيد ذلك التخبط الأمريكي؟ لقد اجتاح الأردوغان شمال سوريا بعدما تركت أمريكا له المجال فسيحاً وهي من سلحت جيش الكرد للقضاء على الدواعش من قبل. ثم تخلت عنهم في النهاية وليس بعيداً أن تبتاع وجودهم لصالح السلطان ولو وساطة واتفاقاً فيما بعد!!
ثامناً: مازال العرب غير عابئين ما يفعل السلطان العثماني، هم غارقون في غمرة الأحداث الداخلية ضمن كل دولة على حدة. مثل السعودية ومصر والعراق والإمارات وسوريا، جاءت ردود أفعالهم بمقدار ما يسدد قادتها إلى أردوغان نقداً إزاء ما فعله في دولهم على حدة. لم تكن الحالة الاستراتيجية العامة للعرب هي الداعية إلى ذلك، من باب ترميم الخريطة السياسية المهترئة من كل قناص إقليمي أو دولي.
والأنكى أنَّ السلطان العثماني لم يهتم بردود أفعال العرب شرقاً وغرباً، لأنه يعلم الوزن النوعي لهم( جسد مشلول بلا رأس ولا روح ويتحرك على عربة تُدفع بقوة خارجية). ولذلك لم يرد ذكرهم على لسانه ولو مرة واحدة. وهو ما يعني أنَّ غياب المشروعات الاستراتيجية الكبرى لصالح العرب دفع كلَّ طامع لاختراق الحدود والاعتداء على كيانهم. هذا الكيان التي أضحى كالعُرجون القديم( تقوَّس على نفسه) لكنه لن يُعدَّل وإلا كُّسِرَ، ولن يلوح منه شيء في الظلام الحالك.
لكن هل نبي الإسلام بحاجةٍ راهنة لجيش محمدي ينتهك المناطق الكردية التي تعاني فقراً وقلة موارد ووهناً سياسياً؟ هل ينقص تاريخ المسلمين مزيداً من الدماء والقتل حتى يعلن السلطان شعاره؟ لقد ماتَ من الكرد- في الحروب الاقليمية والاعتداءات عليهم- ما لم يمُت أيُّ أناس في معارك أسطوريةٍ طوال التاريخ البشري. كان الكرد هم (الحيطة الواطئة) التي يعتليها كلُّ من يقفز فوق سطح الجيران ويتم تدميرهم مراراً باسم الدين سواء من الدواعش والإخوان أم من الدول التي ينتمون إليها. هل يجب إلحاق قتل الكرد بالسيرة النبوية حتى تنال قبولاً من نقيق الجماعات الارهابية وأرتال المسلمين المغيبين عن الحياة؟ علماً أنَّ بين الكرد مسلمين يشاطرون السلطان العثماني ديانته، وما المغزى من فعل الدمار والإرهاب بزخيرة الإسلام؟
إنَّ الاستغلال السياسي للإسلام لم ينتهِ بدولةٍ رسمية كتركيا تزعم دائماً أخذ (مواقف إسلامية حانية) حول مشاكل المسلمين وقضاياهم. هل يعني ذلك إضافة أيديولوجيا الحروب الدينية إلى صراعه مع الكرد؟ إنَّه نوع من الزج الوقح بالرصيد الرمزي للدين في معارك خاسرة وقاتلةٍ لكل الحياة! ولن يخرج منها صاحب الأيديولوجيا ظافراً بالنتائج على مستوى استعمال الدين، لأن القتل والدمار سيكون لهما الصورة الكبرى من مساحة المشاهد.
كم مرة علَّق السلطان العثماني- من منطلق الدين- على أحداث الربيع العربي إزاء ليبيا ومصر وتونس وأخيراً سوريا. كان السلطان يتباكى على الإنسان ويذَّكر قادة الدول العربية بتقاليد الإسلام!! وها هو يخرج مجدداً ليلوك عبارات دينية وشعارات سياسية في محاربته الكذوبة للإرهاب. إنَّ لديه تمويهاً خبيثاً باعتبار تركيا تحمل أغصان الزيتون إلى جارته الشقيقة(سوريا). هو يفعل ويعلم أيضاً أنه يرتدي عباءة الكلمات الفاضحة لنواياه. كيف يقتل جيشه الكرد ويزعم أن حربه "نبع السلام؟ أيُّ نبع للسلام يقصد، والسلام لمن تحديداً؟
"نبع السلام" ... عنوان غير بريء آخر لجحافل السلطان نفسه، هل السلام هو تشريد الأهالي واعتبار الكرد مصدراً للتهديد؟! وللنكاية في السلطان، فهذا العنوان يحمل هدم دلالته وخطابه من الأساس. لأنَّ "نبعاً" للسلام معناه أنَّ أردوغان يرى الكرد خطراً أصيلاً على خلافته وعلى الدولة التركية. لذلك يحاول اجهاض أيِّ حلم للأكراد بإنشاء دولة مستقلة تنادي – بمجرد اشتداد كيانها- بحقها في كرد تركيا. أي هو يخاف من انضمام أكراد تركيا لكيان الكرد في سوريا، ويخشى من تحقيق حلم أكراد العراق بدولة كردستان، وبالتالي يتحسب لأن تصبح لُحمة العرق أقوى من التقسيم الجغرافي، وأنْ تغدو حرية الكرد أقوى من القمع السياسي اللاهوتي الذي يقوم به.
هذا النبع هو المقصود وراء جميع المشاكل الإقليمية للسلطان العثماني، لكنه يكذب ويقول لإمارة قطر- التي تعرف الكذب- بأنَّه لا يحمل عداءً لإخوته الكرد. كاذب بأشباح الخلافة يقول لكاذب إقليمي آخر( قطر) بترسانة قناة الجزيرة. وهذا أمر لافت للإسلام السياسي الراهن أنَّه لم يعد يملك من الواقع غير الكذب بحجم الاعلام. لكن المؤسف أن يكون الكذب هو لغة المكاشفة بين فصائله الدولية( قطر– تركيا). ربما ما يقوله أردوغان نوع من همس التواطؤ الواضح كبرنامج دعائي للرد على الانتقادات المحتملة. لأنَّ قطر هي الأخرى كانت ومازالت تكذب وتكذب وراء جحافل الجماعات الإرهابية أثناء الربيع العربي، بل كانت تدير بدلاً عنها أية صفقات سياسية وتجارية للقوى الكبرى في المنطقة!!
وبخاصة أنَّ الكذبَ ليس بمسماه الديني إلاَّ حين يكون تزويراً لواقع يخالفه. فما يفقده الكلام الكذوب من حقائق يلقيه على جانب آخر لا يمت لما يحدث بصلةٍ. ويسعى جاهداً لتطبيق مضامينه الخادعة بكل قوة وعنفٍ بمقدار ما يكون الكلام باهتاً ولا قيمة له. ربما حينما كان أردوغان يقول عبارة ( إخوتنا الكرد) كانت قواته الجاهلة تهدم المنازل وترجم مزارعهم وأطفالهم بالقاذفات ولا تبرح الأرض الكردية دون إحراقها.
أما السلام الوارد، فهو انهاء الوجود الكردي على مساحة مرماها خمسين كيلو متراً مربعاً بالعمق السوري، وهو ما يؤدي إلى افراغ المنطقة الحدودية من الكرد وتهجير العائلات وهدم البيوت ونزع الممتلكات واسكان أُناس مختلفين وموالين للسلطان بخلاف الكرد. لأن أردوغان قال في أحد خطاباته إنه سيفسح تلك المنطقة لحماية الحدود التركية وكذلك لإعادة اعمارها وتوطين المهجرين لدى الدولة التركية. وهذا معناه التلاعب بالتركيبة السكانية على الأرض وإبعاد من يريد إبعادهم. وسيقتضي الأمر نزع ملكيات كردية وحقوق إنسانية واعطائها دون وجه حق لأناس آخرين، وهو أمر بمثابة تدمير لفكرة الحقوق والأهلية التي يتمتع بهما الشعب السوري. وطالما دخل التوظيف السياسي للدين، فإن جحافل السلطان ستقتل الوعي الكردي بالأرض أيضاً وستفرض نمطاً من التعليم والمظاهر التي تكرس الوجود العثماني الجديد كما حدث في عفرين حين اقام مدارس ووضع مناهج تعليمية وزرع في أدمغة الأطفال الثقافة العثمانية الدائنة بالولاء للسلطان.
الغريب أن تبرير السلطان العثماني لقرار الحرب على شمال سوريا تبرير هازئ بالقيم وبعقول المسلمين وبالساسة والإنسانية.
أولاً: أعلن أردوغان أفكاراً ساذجة حول أهمية المعركة، روَّج إلى كونها ستصفي جيوب الارهاب المترصدة بالدولة التركية. وهذا أمر مردود عليه، لأنَّ ذلك لم يظهر أبان مساعدة أمريكا لجيش سوريا الديمقراطية، حيث لم يتحدث السلطان العثماني عن أي تهديد من قبل الجيش المذكور. وكان متربصاً كالقط( الخائن) الذي ينتظر سقوط الفريسة من أعلى ليأخذها متوارياً خلف الأشجار.
ثانياً: تسييس الجيش العمومي للدولة لا يختلف عما كان يفعله الإخوان وما يفعله الدواعش في البقاع التي شهدت دمويتهم. وهذا فحواه أنه عمل من جنس الإرهاب وإن كان خارج الدولة دفاعاً عنها كما يقال. ألم يدرك أردوغان أنَّ الجيوش مؤسسات عامة لا يمكن إقحامها في صراعات استراتيجية بناء على معايير خاصة؟!!
وهذا أضخم عمل يمكن أن يسطو عليه رئيس دولة باسم السياسة والدين معاً. كما أن اضفاء الصبغة الإسلامية على الجيش هو سمه مناقضة لكل من الجيش والسياسة والدين في تركياً تخصيصاً. لأننا نعرف الصراع بين كيان الإخوان المتمثل في أردوغان كـ(طربوش عثمانلي قديم) يحمل حفريات الخلافة وبين المؤسسة العسكرية التركية والتي تحافظ على علمانية الدولة وحياديتها إزاء الدين والمجتمع.
ثالثاً: ما ذكره أردوغان بالجيش المحمدي هو تدمير للدولة التركية قبل أي شيء وتلك نقطة تستحق فكرة خاصة بها. لأن الوضع يشرح لنا طبيعة الاسلام السياسي الذي يحرق المراحل ونحن نظن كونه قادراً على التطهر، لكنه سرعان ما يعود إلى سيرته الأولى. ولو كان السلطان العثماني ذكياً لأدرك أنَّ ما أعلنه يسلب قدرات منصبه ويكشف مدى خداعه طوال السنوات للشعب التركي والكردي معاً. لأنه يحكم وفقاً لمرجعية غير منصوص عليها في مؤسسات الدولة وما كان ليعتلي بها كرسي الحكم لو أنه أبانها من أول وهلةٍ.
رابعاً: أنَّ أفعال أردوغان موجهةٌ بالمقام الأول إلى كرد الداخل، هم المقصودون بضرب كرد الخارج. فهو يريد أن يعريهم من الدولة التركية وباسم الدولة. ولكي يقطع شوكتهم تجاه المطالبة بالحرية والحقوق الاجتماعية والسياسية، لم يفعل إزاء ذلك إلا التقييد على الحريات والاعتقالات والاضطهاد كما رأينا مراراً. لكنه ريثما يريد توجيه ألما مباشراً لهم، فنهض يدمر جسد الكرد الحي على الحدود. الصفعات تتوجه إلى الداخل كلما كانت موجعةً للجسد نفسه الممتد خارج الدولة.
خامساًً: أردوغان يتاجر بجواره لسوريا في معونات أوروبا والغرب. فقد أخذ مليارات الدولات لرعاية المهاجرين السوريين ومنعهم من بلوغ أوروبا. لكنه يهدد الآن إذا ما ادرجت معاركه ضد الكرد على قائمة التنديد والقرارات الدولية بأنه سيرسل لأوروبا ملايين المهاجرين وقد يكون منهم المتطرفون الذين سيدمرون الحياة الأوروبية. وهذا نوع من تكتيك العصابات الدولية، ليست المسألة مسألة مبادئ لكنها مصالح وسياسات قذرة ليس أكثر.
المهم أن ذلك يكشف شيئاً خطيراً لم يكن من سبيل إلى اثباته في حينه. أن نظام السلطان العثماني هو من يستعمل الدواعش في مناطق العالم العربي بمساعدة قطر المدججة برموز التطرف والإرهاب. من ثم- طالما يستطيع أوردغان شحن المهاجرين السوريين إلى أوروبا- فهو من يقدر على إرسال الارهابيين إلى سيناء المصرية مزودا إياهم بخطط وأسلحة وأهداف وخرائط دموية من إمارة قطر ومن خلافته الراشدة. وهو من يستطيع أن يرسل جنوده الاستراتيجيين (الدواعش والإخوان) إلى ليبيا ليحاربوا بجوار حكومة الإخوان هناك. وهو من يقف بجوار الجيش السوري الحر ويدعم الجماعات الجهادية بكل مكان. إذن تبعاً لكلام أردوغان نفسه لم يعد الأمر تكهنات ولا نوايا بصدد تدخل قطر وتركياً في أكثر من دولة عربية.
سادساً: الجيش المحمدي ورقة كلينكس يمسح بها اردوغان شوائب قد تعلق بأنظار المسلمين الجاهلين بنوايا السلطان، وهي نوع من شراء الوعي لصالح مشروعاته العثمانية في المنطقة. فالجيش الحر وبعض الجماعات الممولة من السلطان لم تكن لتدخل تحت مظلته الإقليمية إلاَّ بشعار (جيوش محمد) بصرف النظر عن النتائج الخطيرة.
سابعاً: لعبة أمريكا وتركيا لعبة باتت فاضحة. حين تريد أمريكا استعمال تركيا تستطيع، وحين تسنح لها بذبح الشعب الكردي توافق ولو بعد تنديد. في البداية نوَّه ترامب إلى أنه سيدمر الاقتصاد التركي لو أقدم أردوغان على عملية نبع السلام. وحين فعل السلطان بدا ترامب محذراً من التمادي، ثم أعلن أنه يتفهم الصراع بين الكرد والأتراك منذ سنوات وأنه سيحاول عقد صفقات وساطة بين الطرفين. لكن ماذا سيفيد ذلك التخبط الأمريكي؟ لقد اجتاح الأردوغان شمال سوريا بعدما تركت أمريكا له المجال فسيحاً وهي من سلحت جيش الكرد للقضاء على الدواعش من قبل. ثم تخلت عنهم في النهاية وليس بعيداً أن تبتاع وجودهم لصالح السلطان ولو وساطة واتفاقاً فيما بعد!!
ثامناً: مازال العرب غير عابئين ما يفعل السلطان العثماني، هم غارقون في غمرة الأحداث الداخلية ضمن كل دولة على حدة. مثل السعودية ومصر والعراق والإمارات وسوريا، جاءت ردود أفعالهم بمقدار ما يسدد قادتها إلى أردوغان نقداً إزاء ما فعله في دولهم على حدة. لم تكن الحالة الاستراتيجية العامة للعرب هي الداعية إلى ذلك، من باب ترميم الخريطة السياسية المهترئة من كل قناص إقليمي أو دولي.
والأنكى أنَّ السلطان العثماني لم يهتم بردود أفعال العرب شرقاً وغرباً، لأنه يعلم الوزن النوعي لهم( جسد مشلول بلا رأس ولا روح ويتحرك على عربة تُدفع بقوة خارجية). ولذلك لم يرد ذكرهم على لسانه ولو مرة واحدة. وهو ما يعني أنَّ غياب المشروعات الاستراتيجية الكبرى لصالح العرب دفع كلَّ طامع لاختراق الحدود والاعتداء على كيانهم. هذا الكيان التي أضحى كالعُرجون القديم( تقوَّس على نفسه) لكنه لن يُعدَّل وإلا كُّسِرَ، ولن يلوح منه شيء في الظلام الحالك.