محمد عبدالولي - يمـامـــة!!.. قصة قصيرة

أسموها يمامة .. ولم يكونوا مخطئين .. كانت بيضاء اللون نقية الوجه لها أنف أغريقي رائع، وفم صغير تبدو منه حبات اللؤلؤ، وعيونها بلون البن .. كانت متوسطة القامة، نحيلة برشاقة وكان جمالها حزينا .. كانت أفكارها الهادئة أكثر حزنا .. ابتسامتها كانت نادرة، وكأن الابتسامة كنز تخاف أن ينتهي.
قلت لها: لماذا أسموك يمامة؟ .. قالت: الناس تحب الأسماء الرقيقة القابلة للكسر أو الذبخ .. قلت: أحياناً تكون الأسماء مطابقة .. قالت: عندما يصلون إلى عمق الأشياء.
خرجت من سجنها العشرين قبل أيام من لقائنا .. دوهمت ذات ليلة عندما كانت مع مجموع من الرجال والنساء . قالت أنهم كانوا يحتفلون، وعندما سئلت بماذا؟ كانت إجابتها بأي شيء .. الحياة ملل وعلينا أن نحتفل كل يوم لننسى .. وكان نصيبها السجن وشدد عليها أكثر عندما رفضت أن تغادر السجن في إحدى الليالي لتحتفل مع من اعتقلها.
وبقت أكثر مما قدر لها عندما استمر رفضها .. وفي السجن تعرفت على نساء أكثر .. لكل منهن قصة .. وكانت فرصة نادرة لسماع قصص أندر.
كانت اليمامة من أجل من في السجن وكانت البراءة تموت فوق عيونهن .. وكانت هي أكثرهن براءة .. مزق التشرد حياتها وكانت عائلتها أقسى عليها من القدر صنعت مأساتها وقذفتها إلى الشارع طردتها بعد أن سحبت منها البركة والاسم واختفى اسمها الحقيقي ومات بعد أن كانت "اليمامة" تنطق بكل شفاه.
صنعت ملجأ لها بعد الخروج من السجن وفي أعماقها جرح لا يندمل .. ودم يسيل في قلبها، وسخرية من الكون كانت مع من شرد في منزل واحد يحتفلن يسخطهن على العالم وعلى من سجنها وأكثر على من أطلقها من سجنها.
وكان صوت الحارسة وهي تصرخ "مطلقة مع أداتك" تتمنى، وتتمنى في نفسها أن لا تطلق خفوا من أن ينقطع النقد مقابل خدمات ما بعد الغروب.
"يمامة" حزينة وكئيبة دائما لا تعرف شيئاً سوى جدران السجن معظم أيام العام .. كان طريق السجن في فم كل ضابط أو جندي ترفض أن تمنحه متعة لا ترغب فيها .. ولم تكن تهتم، أخذوها أكثر من مرة وحقدوا عليها مرات .. ولكنها لن تهتم.
في عينيها تظل براءة مطلقة، وفي وجهها صفاء ملائكة لم يعرفوا خطيئة .. قلت لها ذات يوم بعد أن خرجت من سجنها ألما بعد العشرين: ألا تخافين أن تنتهي هكذا .. قالت: قلت يوما أن زرقاء اليمامة قتلت لأن أهلها لم يصدقوها.
قلت: نعم أذكر .. قالت: أنا مثلها . قلت: ولكنك لا تملكين قدرتها على الرؤية .. قالت: اكتشفت الواقع بما أعانيه .. كانت تمنح اللذة هكذا، دون أن تأخذ منها شيئاً من كل ما في هذا العالم.
عندما يأتون تكون قد استعدت، وعندما تسجن لا تقول لا، الحياة عندها مهزلة سخيفة، ويجب أن لا تنظر إليها باهتمام وكانت لا تزال تملك فراشها الذي تركته ينتظرها في سجنها.
قالت ذات يوم: أتعرف أنك أبله .. قلت: لماذا؟! .. قالت: لأنك تأخذ الأمور مأخذاً جاداً .. قلت: وهذا في نظرك بلاهة .. قالت وهي تهز أكتافها بعدم اهتمام: نعم .. لا شيء في اليمن يستحق الاهتمام، حتى الحب أصبح بلا طعم.
وغابت عني أيام .. وسألت عنها فقيل لي: مسكينة .. الم تعلم .. إنها في السجن .. هكذا كانت اليمامة تمنح في السجن بإخلاص كل شبابها ولم تكن تهتم.
أعلى