محمد عبد المنعم زهران - فتنة الحقائق الصلبة والناصعة في الحكايات الخرافية

بنائياً فقط يمكن اعتبار قصة “ مفقود في الترجمة” هي حجر الزاوية في المجموعة القصصية المدهشة “ كان يا ما كان” لـ محمد عبد النبي، يمكن اعتبارها حجر زاوية فندق الحكايات الذي شيده عبد النبي على أنقاض حكايات وقصص الأطفال العالمية المشهورة. ليخلق “ عالماً موازياً من نفس مادة الحكاية”.


هذا العالم الموازي يتفلّت من التكرار الثقيل للحكايات المعروفة ليخلق منها وعبرها فتنة مغايرة وكامنة: فتنة الأسئلة الصعبة التي لا تتعلق فقط بـ “ ماذا لو” لتتجاوزها إلى أن “ كان ياما كان”. تنطوي أيضًا على ما سيكون وما هو كائن دائمًا رغماً عنا من أزمات وأسئلة تتعلق بأنا وأنت والعالم. ومن وراء هذا كله: الحقيقة.


بعض قصص المجموعة مستلهم من القصص الخرافية العالمية كما يقول عبد النبي في تنويهه، ولكنها رغم ذلك استطاعت خلق عالم يخصها وحدها، بأحداثه وطقوسه المغايرة للحكاية الأصل، مارس خلاله الكاتب ألعاباً مشوقة ومدهشة في مستوى تلقيها الأول. ولكنها رغم ذلك تنطوي على فلسفة شديدة العمق وأسئلة مفتوحة تتجاوز شخوص الحكايات لتتماس وتتقاطع مع ذواتنا وواقعنا المحدد ببساطة جميلة.


أخذ اللعب على الحكاية الأصل أبعادًا مختلفة في كل قصة، ولكنه في كل مرة يشيد حدثاً مغايرًا لا تظهر فيه الحكاية الأصلية إلا باعتبارها ماض أو ربما خلفية تاريخية، أحيانًا تبدو مجرد فضاء حكائي، أو ظل لشخصيات تظهر بطريقة مغايرة تمامًا. ففي قصة “ بالحجم الملكي” يلتقط الكاتب -من كل الحكاية الأصل- لحظة استغلال جليفر وتسخيره لخدمة المملكة، ليتحرك بها إلى آفاق جديدة ومغايرة، هي في الواقع تبني حدثًا جديدًا يدفع جليفر إلى الثورة والنهوض فجأة وكشف وجوه النساء المتحلقات حوله ليبحث عن ما يريده هو، عن ما يرغبه هو: الملكة/ المرأة الحقيقية. ولا شيء غيرها ولو كلفه هذا حياته.

القصص الأخرى لم تعتمد أصلاً من حكاية ما ولكنها استطاعت بمهارة بناء حكايات توازي في جمالها الحكايات الخرافية العالمية. كما في قصة “ كان ياما كان في بلد الجمال”، و” رحلة عازف الناي”. كما توازي أخرى جمال حكايات التراث العربي كقصة “ أمثولة العميان الثلاثة”.

يدعونا الكاتب لنعثر على أزماتنا بين غرف حكايات فندقه المتخيل. إلا أن العجيب هو أننا نعثر وراء كل باب على جانب مختفٍ ومهمل من حياتنا الصعبة. تضفي عليه الحكايات لمسة الأسطورية.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى