الحكاية الشعبية حكاية سردية خرافية قصيرة تنتمي صراحة إلى عالم الوهم من خلال اللجوء إلى الشخصيات الخيالية، والقبول بما يخالف الطبيعة «الخوارق»، وتصوير العالم غير الواقعي «الشعري، الفنتازي، الأسطوري، الخرافي»، والتقييد بالتصورات الموروثة ذلك ما نعتقد به في دول ومجتمعات الخليج على أنها حكاية خرافية للحد من حركة الصغار، لذلك اختارت الجدات أن يروينها لهم قبل أن يأوون إلى منامهم، لكنها عند الأوروبيين تتحول إلى علم يدرس وله معاهده والمتخصصون في تعليمه إلى النشء، وقد تم اختيار أبطالها من الحيوانات تفادياً للصدامات السياسية والاقتصادية في المجتمعات المختلفة ولكي يمكن بذلك تمرير الفكرة دون مشكلات تذكر، وهو أسلوب اعتمدته، في الغالب، جماعة مضطهدة في مرحلة تاريخية ما لنقد الأوضاع الاقتصادية، والسياسية بصورة رمزية حتى تتجنب العقاب.
وتتميز الحكاية الخرافية، كما يقول إمام عبدالفتاح إمام، بأنها «قصيرة، وتروى على لسان الحيوان أو بعض ظواهر الطبيعة»، وتنطوي على مضمون أخلاقي هو المغزى من الحكاية، ولهذا كانت أقرب إلى الدروس التي تريد أن تغرس في النشء بعض المفاهيم والقيم الأخلاقية، وليس من الضروري أن يكون الإنسان بدائياً أو قريباً من الحيوانات لكي يكتب هذه الحكايات الخرافية، كما يقول بعض النقاد، فقد تكون من إبداع الطبقات الدنيا والشرائح المهمشة في المجتمع، التي كانت تستخدمها في نقد علية القوم دون أن تعرض نفسها لخطر العقاب!
«كليلة ودمنة»
و«ألف ليلة وليلة»
الحكاية الخرافية شفوية في الأصل، تتميز بحضور الراوي صراحة فيها، وبتوجهه المباشر إلى القارئ.. هذا ما يفسر محافظتها على صيغة واحدة للبداية «كان يا ما كان» وللنهاية «..وعاشا في سبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات»، فموضوعاتها مقتبسة من التراث القومي، زمنها الماضي غير المحدد في قديم الزمان.. «مكانها من نسج الخيال، شخصياتها بشرية من الواقع أو خرافية تنتمي إلى أعمار وطبقات اجتماعية مختلفة، قراؤها طوائف من الناس تجمعهم قيم اجتماعية وفكرية واحدة.
تتميز القصة الخرافية بأن الراوي لا يقدم الحدث كواقعة حقيقة، وهذا الفصل بين الحقيقة والوهم يسمح للحيوان والأشياء بأن تتكلم في الخرافة، وللقوى الغيبية بأن تظهر وتعمل وتشارك الإنسان في الأعمال والنوايا، وهي تعتمد التركيز والوضوح والاكتفاء أكثر من اعتمادها الكلام والرسم القوي للشخصية، وتحرص على اكتساب ثقة القارئ حين تسير الحكاية على حدود اللامعقول والمستحيل، وتحافظ على هذه الثقة إلى أن تقفل الحكاية على نفسها الأبواب بعد أن تكون قدمت التسلية والإفادة مجتمعين.
هذه الثقة تقوم على نوع من التواطؤ بين الراوي والقارئ، رسم العرف، حدوده وغايته، أما الإفادة ففي المعرفة التي تنقلها القصة تحت ظاهرة الخرافة تبقى غاية تعليمية تقوم على تلقين الفرد ثقافة مجتمعه وتقاليده، ومفاهيمه الموروثة وتوعيته على عالم الناس والواقع.
أسلوب الخرافة
الواضح أن اللجوء إلى الخرافة، والأسطورة هو أسلوب تعتمده، في الغالب، جماعة مضطهدة في مرحلة تاريخية ما لنقد الأوضاع الاقتصادية، والسياسية بصورة رمزية حتى تتجنب العقاب، على نحو ما فعل إخوان الصفاء في روايتهم للشكوى التي تقدمت بها الحيوانات إلى ملك الجان ضد ظلم الإنسان لها وتجبره عليها! وحتى في عصرنا الراهن نجد بعض الشعراء والأدباء يستخدمون الرمز، ويوظفون الأسطورة والخرافات الشعبية لتمرير بعض الأفكار المعارضة، وذلك خشية من السلطات السياسية والدينية، وتحمل هذه الحكايات، في ثناياها، وعظاً، وتوجيهاً، ومغزى أخلاقياً كما نلاحظ ذلك في كتاب «كليلة ودمنة» التي تروى على لسان الحيوانات، والتي ترجمها ابن المقفع إلى العربية في القرن الثامن، وكذلك ما ورد في حكايات «ألف ليلة وليلة» التي تعتبر من التحف الأدبية النادرة التي أبدعتها مخيلة الإنسان.
الحكاية الخرافية
في أوروبا
لقد ازدهرت الحكايات الخرافية في أوروبا في العصور الوسطى كغيرها من صور الحكايات، وظهرت مجموعة من الحكايات في أواخر القرن الثاني عشر كتبتها «ماري دي فرانس»، لقد أدى تطور الحكاية الخرافية في العصور الوسطى إلى ظهور صورة موسعة سميت باسم «ملاحم الحيوانات»، وهي قصة طويلة تدور حول الحيوان الذي يقوم فيها بدور البطولة، وأشهرها مجموعة مرتبطة بالثعلب «رينار» وهو البطل الذي يرمز إلى دهاء الإنسان، وقد صاغ الشاعر الألماني «غوته» هذه الحكاية في ملحمة شعرية ساخرة وطويلة، كما استغل الشاعر الإنجليزي أدموند سبنسر«1552-1599م» مادة هذه الحكايات في قصة «الأم هبرد»، وبدوره فعل ذلك المسرحي الإنجليزي جون درايدن (1631-1700م في قصيدته «الأيل والنمرة» التي أحيت من جديد ملاحم الحيوان كإطار رمزي للمناقشات اللاهوتية.
غير أن الانعطافة الحاسمة في مجال الحكايات الخرافية، ظهرت في القرن السابع عشر الميلادي في أعمال الكاتب الفرنسي الأشهر جان دي لافونتين «1621-1695م» الذي تأثر بحكايات إيسوب اليوناني، وصاغ الكثير منها شعراً، كما تأثر بالتراث الشرقي من الحكايات مثل «كليلة ودمنة» و«ألف ليلة وليلة» وغيرهما، واستوحى من بعضها بعضاً حكاياته وأشعاره، إضافة إلى ما ابتدعه هو وابتكره من حكايات، وأشعار، وقصص انطوت على سخرية لاذعة من القضاء، ومن البيروقراطية، وسخرية من الكنيسة ومن الطبقة البرجوازية الصاعدة التي كانت في بداية ظهورها، وباختصار فإن حكاياته تسخر من حماقة البشر وغرورهم بأسلوب شيق وسلس، وكما يعتبر الدانماركي هانس كريستيان أندرسن «1805-1875م» أحد أبرز الكتاب الأوروبيين في مجال القصص الخرافية، برز أدباء آخرون في القارة الأوروبية بعد لافونتين، ومنهم الأديب الروسي «إيفان اندريتش كريلوف» «1768-1844م» الذي كتب حكايات خرافية نالت التقدير كما ترجم حكايات «لافونتين» إلى الروسية، وفي ألمانيا برز اسم «جوتهلد إفرايم لسنج «1729-1781م»، وكذلك «كرستيان ف. جليرت» «1715-1769م»، ولابد لنا ونحن نتحدث في هذا السياق أن نشير إلى اسم كبير ظهر في أوروبا وهو الروائي الإنجليزي الشهير «جورج أورويل «1903-1950م» الذي كتب «الأسد ووحيد القرن» عام 1941م، ثم نقد الأيديولوجيا الشيوعية في روايته الشهيرة «مزرعة الحيوان» التي اعتمد فيها على الحكاية الخرافية، وراح ينقد المجتمع السوفييتي في عهد جوزيف ستالين، وهو صاحب الرواية الأشهر في تاريخ الأدب الإنجليزي ونقصد بذلك روايته «1984» التي تعد من العلامات الأدبية البارزة ليس في مسيرة هذا الكاتب فحسب، بل في تاريخ الأدب عموماً.
الحكايات عند هرمان هيسه
ليست حكايات هيرمان هيسه خرافية بالمعنى التقليدي للمصطلح، ومع ذلك هي متأصلة في كل من التقليد الغربي والشرقي للحكايات الخرافية، إنها قصص فائقة للعادة، مكتوبة بين «1900 و1930»، وتعكس محاولاته لتجريب كتابة هذا النوع من الحكايات الخرافية، وتحويل حياته كفنان إلى حكاية من هذه الحكايات، إلا أنه فشل في ذلك لأنه لم يستطع أن يحقق الحالة المثالية التي رغب بها، لكن حكاياته نجحت بسبب هذا الفشل بالضبط «إنها حكايات مليئة بالاضطراب الداخلي لكاتب يلعب، بيأس وجدية، بمظاهر نوع أدبي كي يعثر على أثر ما للطمأنينة والانسجام التام».
يقول الباحث على مولا في ترجمته لمؤلف هيسه «حكايات هيرمان هيسه» لكي نفهم ما يرمي إليه المؤلف في كتابه يجب أن نعرف أزمة وشكوك وأحلام الفنان الشاب في ألمانيا في بداية قرن عاصف، ذلك أن هيسه فهم مثل كثير من الكتاب الأوروبيين الأحداث التي جرت حوله -التقدم التكنولوجي السريع، صعود المادية، الحروب العالمية، الثورات، التضخم والأزمات الاقتصادية- كمؤشر على تدهور الحضارة الغربية، وحاول أن يصارع بوساطة الفن، وخاصة الحكاية الخرافية، التهديد الشرير للعلم والنزعة التجارية.
وبينما استمر الموضوع المهيمن في أعمال هيسه متعلقاً بالفن والفنان، فإن قصصه الخرافية، تكشف عن تبدل من موقعه الأناني إلى احترام مسؤولية الفنان في المجتمع.
إن قراءة حكايات هيرمان هيسه الخرافية تنبئ بالدخول في عالم خرافي من الأحلام والرؤى، والفلسفة، والهيام، وهذه المجموعة -الحدث، تحوي اثنتين وعشرين حكاية من أروع ما كتبه هيرمان هيسه في هذا النوع- وهذه الحكايات المليئة بالحالمين، والباحثة، والأميرات، والشعراء الجوّالين، تتحدث عن مكان ما في ذاتنا يلهمنا بتوق روحي عميق، ويدفعنا إلى مغادرة الوطن، وإلى العودة المحتمة، وهذا ينطوي على أكبر المتع وأكثر الجراح إيلاماً في قلوبنا.
تتناول هذه الحكايات الخرافية جميع الموضوعات الشائعة في روايات هيسه العظيمة «سيد هارتا، ذئب البطاح، ودميان»وتعكس أحداثاً تتعلق بحياته الشخصية، وتنطوي على الدوافع الصوفية والرومانسية نفسها التي تغني التألق في أعماله الرئيسية، وفي هذا الكتاب حكايات تسبر مأزق الفنان، الممزق بين الدافع إلى الكمال وإغراءات المتعة والنجاح الاجتماعي.
ويكمل مولا «في هذه الحكايات يستخدم هيسه بوعي عميق، تقاليد الحكايات الخرافية لكي يحظى بمسافة تبعده عن مشكلاته الشخصية، ولقد عثر على الأشكال الرمزية، والموتيفات المفيدة لتعميم تجاربه ومنحها معاني متعددة عبر حبكات تذكر بالحكايات الرومانسية الشرقية والجرمانية القديمة».
وتكشف حكايات هيسه أنه كان مقتنعاً بأن قوى التكنولوجيا، المسببة للنزاعات، والقومية، والكليانية، والرأسمالية، ألحقت ضرراً كبيراً بالحرية الفردية والتعايش السلمي، وبالتالي تشير حكاياته الخرافية مراراً وتكراراً إلى إمكانيات الرفض الفردي وهدف السلام الداخلي.
وتسجل هذه الحكايات رحلة الكاتب الفردية والصراعات السياسية والاجتماعية في أوروبا في تلك الفترة، وهو يفضل أن يتخلص من حبكات وتقاليد الحكايات الخرافية الكلاسيكية ليجرب الخيال العلمي، الخيالي والمروع، الواقعية الرومانسية، والأحلام، مولداً شكله وأسلوبه الخاصين والفريدين، وهنا كذلك سلك هيسه طريق الرفض الرومانسي، وفي كثير من حكاياته توق عميق إلى وطن هو النظير اليوتوبي للأهوال التي نواصل رؤيتها في عصرنا الحاضر.
حفظ التراث يحتاج تقنية متطورة
لكن كيف ينظر المهتمون بالبحث في شؤون الحكاية الشعبية بالبحرين والمنطقة الخليجية. يقول الباحث إبراهيم سند عن الحكايات الشعبية بالبحرين في ورقة عمل، تقدم بها إلى ملتقى الحكاية الشعبية شارك فيها في إمارة الشارقة، جملة من المعوقات التي تعترض هذا الجنس الأدبي، تحت عنوان «الحكايات الشعبية في البحرين.. صراع الأخيار والأشرار والنهايات السعيدة للأحداث»، ولفت سند في هذا الصدد إلى عدم وجود المراكز البحثية المتخصصة والمهتمة بدراسة وتوثيق التراث الشعبي والمحافظة عليه من الاندثار والضياع، وأغلب الجهود المبذولة في الجمع والتوثيق هي جهود تتحرك بفعل الدافع الذاتي والاهتمام الفردي، وقال إن «أكبر مشكلة يقع فيها الكثير من الباحثين في جمعهم للحكاية الشعبية هو عدم معرفتهم التمييز بين أجناس الحكاية الشعبية، وصعوبة التصنيف بين لونٍ وآخر – وهناك خلط واضح بين الحكاية الخرافية والقصة الواقعية والسير الذاتية، وقصص الحيوان والنوادر والمعتقدات»، داعياً إلى «ضرورة تسلح الباحث بمنهج علمي يساعده في عملية البحث والتوثيق، إضافة إلى التمرن باستعمال الفهارس المختصة بالحكاية الشعبية مثل فهرست الحكايات الشعبية للعالم الفنلندي آرني - كانت الفنلندية غنية بالتراث الشعبي منذ القرون الوسطى، مئات القصائد الشعبية القديمة والقصص وما شابهها تم جمعها منذ عشرينات القرن التاسع عشر إلى مجموعة قد تكون الأكبر في العالم، منذ ذلك الحين نـشر العديد منها كقصائد الشعب الفنلندي القديمة، وهي عبارة عن مجموعة ضخمة تتألف من 27000 صفحة في 33 مجلداً، وقد أعد آرني أنتي مورفولوجية القصص لأول مرة «آرني تومسون، أنواع الحكاية الشعبية»، واستخدم على نطاق واسع مثلاً الولايات المتحدة حتى الآونة الأخيرة - أو الاستعانة بغيره من التصنيفات العالمية المختصة بالحكاية الشعبية، وطالب سند في ورقته بـ»العناية والاهتمام بالرواة الشعبيين باعتبارهم كنوزاً بشرية ينبغي توجيه الدعم والمساندة الدائمة لهم، وينبغي إعطاوهم الدور الذي يستحقونه، وإبرازهم إعلامياً، وتقديم المكافآت المجزية لهم، إضافة إلى تشجيعهم على تدريب الجيل الحديث في التعامل مع الموروثات الإبداعية، خصوصاً عالم الحكايات الشعبية»، كما أشار إلى «الاهتمام بإعداد الكوادر البشرية المؤهلة للتعامل مع التراث الشعبي عن طريق إقامة الدورات التدريبية والملتقيات والورش التثقيفية، واستخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في مجال المأثور الشعبي»، وشدد في ورقته على «تشجيع المؤسسات الرسمية التربوية على تضمين المناهج الدراسية بمواد تراثية، من أهمها الحكايات الشعبية في مراحل التعليم الأساسي. وقد بادرت بعض الدول العربية بإدخال بعض مواد التراث الشعبي ضمن المناهج الدراسية، لكن تلك المبادرات لاتزال في البدايات الأولى وتحتاج إلى مزيد من الدفع باتجاه تبني مواد الثقافة الشعبية، واختيار الأصوب والأصلح منها في تعليم وتدريس النشء الحديث».
توظيف الموروث
في الفنون
واستهل سند ورقته بمقدمة عن الحكاية الشعبية، حيث تعتبر من أهم عناصر المأثور الشعبي، وهي اليوم محط اهتمام باحثي علم الفولكلور نظراً إلى ثراء مادتها وارتباطها بالقيم الفنية والجمالية التي يعكسها الوجدان الشعبي والإبداع الجمعي. فمن خلال الحكاية الشعبية استطاع الإنسان أن ينقل كل تصوراته ومعتقداته وعاداته وتجاربه وخبراته في الحياة، ويقدمها في أسلوب وبناء قصصي محكمين، من هذا المنطلق نجد أن الحكاية الشعبية تستوعب ملامح المأثور الشعبي أكثر مما تستوعبه المرويات التراثية الأخرى. ونتيجة سهولتها اللغوية وبساطتها من ناحية الشكل والأسلوب، فقد تم انتشارها على نطاق واسع وانتقالها بحرية من شخصٍ إلى آخر ومن جيلٍ إلى جيل عن طريق الرواية الشفوية. فالحكاية تسمع، ثم تكرر بقدر ما تعيها الذاكرة، وقد يضيف إليها الراوي الجديد شيئاً أو يحذف منها، وقد تروى مرة أخرى كما هي من دون حذفٍ أو إضافة، وإن أصابها بعض التغيير في تأخير بعض الفقرات، وقد تدوَّن هذه المرويات ويتناقلها بعض الناس عن طريق الكتابة أو القراءة، كما حدث بالنسبة للكثير من النصوص الأدبية مثل «ألف ليلة وليلة» و»كليلة ودمنة»، ولاتزال الحكايات الشعبية تحكى إلى اليوم وإن تراجعت بعض الشيء أمام أشكال قصصية فرضتها طبيعة الحياة المتطورة ، إلا أن هناك الكثير من الناس مازالوا يرددونها ويجدون متعة وتسلية في روايتها، وهو ما يدل على أن هذا النوع الأدبي الضارب في أعماق التاريخ لايزال باقياً في ذاكرة الشعب، ومؤثراً في الحياة الثقافية الشعبية، ولهذه الأسباب كلها لابد من أن يجمع ويصنف ويدرًس وفقاً للأساليب والمناهج العلمية في الدراسة والتحليل، وقد وظفت الحكاية الشعبية في أمور شتى من مجالات الفن والأدب والإبداع عموماً، وهي مادة تتمتع بالخيال والفكرة والتشويق الشديد، وقد استلهم منها الكتاب والمهتمون بالإبداع الكثير من الأفكار لصوغ وتشكيل إبداعاتهم في القصص والروايات والإنتاج التلفزيوني والإذاعي، حيث تم تبسيط العديد من الحكايات وأعيد إخراجها بشكلٍ فني يتناسب مع التقنيات الفنية الجديدة والاعتبارات الاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع. وقد عرض كم وافر من الحكايات الشعبية على شاشة التلفزيون، سواء كانت تلك الحكايات ذات طابع محلي أو عربي أو عالمي، وكان لعرضها تأثير متميز في جذب المشاهدين وشد انتباههم.
الموروث الشعبي
في المسرح
ويعول سند على أن المسرح يعتبر من أكثر الفنون الإنسانية إفادة للموروث الشعبي، فهو منذ نشأته الأولى تعامل مع الحكاية الخرافية والأساطير الشعبية، لما تزخر به تلك الحكايات والأساطير من ملاحم بطولية ومواقف درامية، ثم صوغها على النحو التراجيدي أو الكوميدي، وقد استفاد المسرح البحريني كثيراً من الحكايات الشعبية مثلما استفادت منه الفنون الإبداعية الأخرى، فعالم الحكايات واسع جداً ورحب الخيال، وهذه الحكايات لا تهدف إلى بعث البهجة في قلوب المتلقين فقط، بل تحاول أن تفسر عدداً من الظواهر الاجتماعية والثقافية في المجتمع. كما تقدم رؤية نقدية للصفات غير المحببة في الإنسان، مثل الجشع والتسلط والقسوة والاحتيال والطمع، وهي من جانب آخر تبرز الصفات الحميدة مثل الشجاعة والكرم والتسامح والتواضع، وقد وفق المسرح البحريني كثيراً في عرضه للنماذج الشعبية من خلال النصوص المسرحية التي قدمت منذ بداية العشرينات على مسارح المدارس والأندية الأهلية والمسارح المتخصصة فيما بعد، لكن المسرح البحريني لم يبدأ في تقديم عروضه المتميزة إلا مع بداية السبعينات عندما تم تأسيس «مسرح الاتحاد الشعبي» (1970) و»مسرح أوال» و»مسرح الجزيرة» (1973)، وترافق مع هذه البدايات عرض الكثير من المسرحيات كان من ضمنها مسرحية «سرور» التي قدمت في العام 1975، من تأليف إبراهيم بوهندي وإخراج عبدالرحمن بركات، وهذه المسرحية مستوحاة من الحكاية الشعبية «سرور» التي تعتبر من أكثر الحكايات انتشاراً في الثقافة الشعبية على مستوى البحرين والخليج العربي، وتحكي عن الصراع الأزلي القائم بين عنصري الخير والشر، حيث تلعب زوجة الأب دور المرأة الشريرة التي تحاول بأبشع الطرق التخلص من ابن زوجها «سرور» بتقطيع أوصاله ودفنه في إسطبل الخيل، وتدخل قوى غيبية متمثلة في شخصية الأم الحقيقية المتوفاة ويأتي صوتها من العالم الآخر هاتفاً بمكان اختفائه، فيستدل عليه ويعاد تجميع عظامه المتناثرة فتعود إليه الحياة، وينتقم من زوجة الأب شر انتقام حيث يطبخ لحمها في القدر ويرسله إلى بيت أهلها، وتنتهي الحكاية بقول القطة: «كلو من لحم بنتهم وما عطوني منه»، وتردد هذه العبارة أكثر من مرة إلى أن يكتشف الأهل أنهم أكلوا من لحم ابنتهم، وبالرغم من بشاعة بعض الأحداث التي حوتها الحكاية خاصة في وقائعها الختامية إلا أن المسرحية تعاملت مع الحكاية بشكل يتماشى مع الواقع الاجتماعي والنفسي الذي كان يسود المجتمع في ذلك الوقت. وإذا كان للحكايات الشعبية تأثير راسخ وجلي في تأصيل الإبداع الفني والأدبي، فإن تأثير هذه الحكايات أكثر قوة ونفاذاً في تأطير وتأسيس الأدب الموجه للصغار. ويعود الفضل إلى هذه الحكاية الموغلة في القدم في نشأة أدب الأطفال الذي نعاصره كقراء ومربين وكتاب، وهو ثمرة ونتاج طبيعي لما أبدعته مخيلة الشعوب من قصص وحكايات خرافية عبرت إلينا من أزمان سحيقة ومازال صداها يؤثر فينا.
قصص الجان والعفاريت
ويؤكد سند على أن المجتمع البحريني قد عرف مجموعة كبيرة من قصص الجان والعفاريت والتي كانت في يوم ما تشكل مصدر خوف ورعب للكثير من الناس، لقد استخدمت تلك القصص بشكل مباشر في بث وإشاعة الخوف في النفوس. لقد كان العالم السابق مسكوناً بقصص الأشباح والعفاريت. ولما كان الناس يعيشون على الفطرة والبساطة في التفكير. فكانوا على استعداد تام لتصديق وتأليف الحكايات الخيالية، التي يكون أبطالها عادة من العفاريت الخارقين للعادة، وبمرور الوقت أخذت هذه القصص تردد على السنة الجميع صغاراً وكباراً، وراح الناس يختارون الشخصيات الخرافية، ويوزعونها على الأزمنة والأمكنة. ففي النهار خصوصاً عند اشتداد حرارة الشمس في وقت الظهيرة هناك أشباح تستغل هذه الفترة الهادئة لتخرج وتؤذي الناس. وفي الليل هناك مجموعة من العفاريت تفضل الخروج في الليل مفضلة الظلام الدامس لتقوم بإشاعة الخوف وسحر الناس.. أما أماكن تواجدهم فهم عادة ما يسكنون الخرائب والآبار والعيون والبساتين. ولو حاولنا تتبع الموضوع من الناحية النفسية حول الهدف الذي يسعى إليه العديد من الناس في انجذابهم نحو سماع وترديد حكايات الجان والعفاريت لتبين لنا أن ذلك الميل والانجذاب كان يخفف من انفعالاتهم ومخاوفهم الداخلية لأنهم بالحديث عن الساحرات والأشباح، إنما يخففون عما يشعرون به في دواخلهم من احتدامات نفسية. فالخوف منشؤه من الداخل وإنما يخرج على هيئة رموز يتم إسقاطها على الخارج. وتلك الأخيلة والتصورات تقوم برسم وتشكيل النماذج والشخوص الخرافية. وعندما تجد تلك النماذج نوعاً من القبول لدى الشعور الجمعي يتم تداولها بين عامة الناس، وتصبح جزءاً أساسياً من المعتقد الشعبي. وهذا المعتقد بدوره يملك سلطاناً قوياً يؤثر في عقلية من يؤمنون بالحكاية الخرافية. ولكن يبقى السؤال الأكثر أهمية هل تم استخدام حكايات الزمن الماضي لأجل التخويف فقط؟
بين الواقع والخرافة
هناك أنواع عدة من الحكايات الشعبية التي عرفها المجتمع البحريني وقام بتداولها والتفاعل معها عبر حقب زمنية متواصلة.. وأول تلك الحكايات هي:
- الحكاية الخرافية: وهي حكاية عادة ما تكون طويلة مليئة بالمغامرات وتعتمد اعتماداً كلياً على الخيال وتتمركز أحداث الحكاية الخرافية حول بطل أو بطلة، ويكون البطل فقيراً وحيداً في بداية الحكاية وبعد سلسة من المخاطر تلعب فيها الخوارق دوراً ملموساً يستطيع البطل أن يصل إلى غرضه فيعيش حياةً سعيدة إلى النهاية وتتميز الحكاية الخرافية بكثرة استخدمها للشخصيات الخارقة كالجان والغول والحيوانات الممسوخة والاعتماد على السحر وأدواته وتحكى بقصد التسلية والترفيه.
– الحكاية الشعبية «الواقعية»: تتشابه الحكاية الشعبية مع الحكاية الخرافية غير أنها تعتمد على الخوارق التي من الممكن حدوثها أو التي يعترف بها المجتمع ومعظم القصص في «ألف ليلة وليلة» تقترب من هذا النوع الواقعي المبالغ فيه. وتستمد الحكاية الشعبية أحداثها من واقع الناس وحياتهم ويغلب عليها الصفة المحلية والإقليمية من ناحية الشخوص وإبراز الواقع البيئي، وتحكى بهدف التسلية أو تفسير بعض الظواهر المستعصية على الفهم.
- الحكاية المرحة: تقترب الحكاية المرحة كثيراً من الحكاية الشعبية إلا أنها أقصر منها وذات بنية بسيطة تعتمد على سرد نادرة أو حدث مضحك. ولا يهم صحة الحدث فيها من عدمه، لأن الراوي للحكاية المرحة يهدف إلى التأثير على المتلقي وإدخال المتعة إلى نفسه. ويقاس نجاح هذه الحكاية أو فشلها بقدر ما تحققه من إشاعة للمرح. ويتواجد هذا النوع من الحكايات في قصص جحا وأبي نواس وغيرهما من الشخصيات المرحلة التي تجمع بين قطبي الذكاء البارع أو السذاجة المبالغ فيها، وكل شعب له حكاياته المرحة التي يتندر من خلالها على بعض الشخصيات التي تكون في موقع نموذجي للتهكم والإضحاك.
- حكاية الحيوان: يقوم الحيوان في هذا النوع من الحكايات بدور أساسي في سرد الحدث للحكاية، حيث يصبح الحيوان شخصاً أساسياً من شخوص الحكاية فيتصرف تصرف الإنسان العاقل، وتستخدم هذه الأنواع من الحكاية في الوعظ والإرشاد عن طريق الرمز بالحيوان، أو أن حيواناً يتصرف على أنه إنسان مع الاحتفاظ بصفاته الأساسية كالدهاء للحية، والمكر للثعلب. والقوة للأسد والوداعة للحمامة. والخوف للأرنب، وقد تبدأ حكاية الحيوان بأن يفهم الإنسان ما يتحدث به الحيوان. ونجد هذا النوع من الحكايات كثير الاستخدام في قصص «كليلة ودمنة» حيث يلعب الحيوان الدور الأساسي في القصة.
- حكاية السيرة الذاتية:هي نمط آخر من الحكايات تم إدخاله في الفترة زمنية حديثة ويشيع استخدامه في البحرين وفي كثير من المجتمعات الخليجية الأخرى. حيث يتندر الرجال والنساء بسرد قصصهم وبطولاتهم الخاصة على مسمع المتلقين في المجالس الشعبية وليالي السمر، وقد تم رصد الكثير من هذا النوع من القصص، خصوصاً في مجال البحر والغوص، حيث يتعرض البحارة إلى كثير من المصاعب والأخطار.
وبعد عودة البحارة والغاصة من رحلات الغوص تكون أحداث رحلتهم الشاقة مادة خصبة للتعبير عن المعاناة الجسدية والنفسية التي تعرضوا لها في أعماق البحار وصراعهم مع الأهوال والصعاب وهناك الكثير من محبي الاستماع إلى هذا اللون القصصي وتحكى هذه الحكايات بهدف التسلية وإبراز بعض الصفات البطولية.
وتتميز الحكاية الخرافية، كما يقول إمام عبدالفتاح إمام، بأنها «قصيرة، وتروى على لسان الحيوان أو بعض ظواهر الطبيعة»، وتنطوي على مضمون أخلاقي هو المغزى من الحكاية، ولهذا كانت أقرب إلى الدروس التي تريد أن تغرس في النشء بعض المفاهيم والقيم الأخلاقية، وليس من الضروري أن يكون الإنسان بدائياً أو قريباً من الحيوانات لكي يكتب هذه الحكايات الخرافية، كما يقول بعض النقاد، فقد تكون من إبداع الطبقات الدنيا والشرائح المهمشة في المجتمع، التي كانت تستخدمها في نقد علية القوم دون أن تعرض نفسها لخطر العقاب!
«كليلة ودمنة»
و«ألف ليلة وليلة»
الحكاية الخرافية شفوية في الأصل، تتميز بحضور الراوي صراحة فيها، وبتوجهه المباشر إلى القارئ.. هذا ما يفسر محافظتها على صيغة واحدة للبداية «كان يا ما كان» وللنهاية «..وعاشا في سبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات»، فموضوعاتها مقتبسة من التراث القومي، زمنها الماضي غير المحدد في قديم الزمان.. «مكانها من نسج الخيال، شخصياتها بشرية من الواقع أو خرافية تنتمي إلى أعمار وطبقات اجتماعية مختلفة، قراؤها طوائف من الناس تجمعهم قيم اجتماعية وفكرية واحدة.
تتميز القصة الخرافية بأن الراوي لا يقدم الحدث كواقعة حقيقة، وهذا الفصل بين الحقيقة والوهم يسمح للحيوان والأشياء بأن تتكلم في الخرافة، وللقوى الغيبية بأن تظهر وتعمل وتشارك الإنسان في الأعمال والنوايا، وهي تعتمد التركيز والوضوح والاكتفاء أكثر من اعتمادها الكلام والرسم القوي للشخصية، وتحرص على اكتساب ثقة القارئ حين تسير الحكاية على حدود اللامعقول والمستحيل، وتحافظ على هذه الثقة إلى أن تقفل الحكاية على نفسها الأبواب بعد أن تكون قدمت التسلية والإفادة مجتمعين.
هذه الثقة تقوم على نوع من التواطؤ بين الراوي والقارئ، رسم العرف، حدوده وغايته، أما الإفادة ففي المعرفة التي تنقلها القصة تحت ظاهرة الخرافة تبقى غاية تعليمية تقوم على تلقين الفرد ثقافة مجتمعه وتقاليده، ومفاهيمه الموروثة وتوعيته على عالم الناس والواقع.
أسلوب الخرافة
الواضح أن اللجوء إلى الخرافة، والأسطورة هو أسلوب تعتمده، في الغالب، جماعة مضطهدة في مرحلة تاريخية ما لنقد الأوضاع الاقتصادية، والسياسية بصورة رمزية حتى تتجنب العقاب، على نحو ما فعل إخوان الصفاء في روايتهم للشكوى التي تقدمت بها الحيوانات إلى ملك الجان ضد ظلم الإنسان لها وتجبره عليها! وحتى في عصرنا الراهن نجد بعض الشعراء والأدباء يستخدمون الرمز، ويوظفون الأسطورة والخرافات الشعبية لتمرير بعض الأفكار المعارضة، وذلك خشية من السلطات السياسية والدينية، وتحمل هذه الحكايات، في ثناياها، وعظاً، وتوجيهاً، ومغزى أخلاقياً كما نلاحظ ذلك في كتاب «كليلة ودمنة» التي تروى على لسان الحيوانات، والتي ترجمها ابن المقفع إلى العربية في القرن الثامن، وكذلك ما ورد في حكايات «ألف ليلة وليلة» التي تعتبر من التحف الأدبية النادرة التي أبدعتها مخيلة الإنسان.
الحكاية الخرافية
في أوروبا
لقد ازدهرت الحكايات الخرافية في أوروبا في العصور الوسطى كغيرها من صور الحكايات، وظهرت مجموعة من الحكايات في أواخر القرن الثاني عشر كتبتها «ماري دي فرانس»، لقد أدى تطور الحكاية الخرافية في العصور الوسطى إلى ظهور صورة موسعة سميت باسم «ملاحم الحيوانات»، وهي قصة طويلة تدور حول الحيوان الذي يقوم فيها بدور البطولة، وأشهرها مجموعة مرتبطة بالثعلب «رينار» وهو البطل الذي يرمز إلى دهاء الإنسان، وقد صاغ الشاعر الألماني «غوته» هذه الحكاية في ملحمة شعرية ساخرة وطويلة، كما استغل الشاعر الإنجليزي أدموند سبنسر«1552-1599م» مادة هذه الحكايات في قصة «الأم هبرد»، وبدوره فعل ذلك المسرحي الإنجليزي جون درايدن (1631-1700م في قصيدته «الأيل والنمرة» التي أحيت من جديد ملاحم الحيوان كإطار رمزي للمناقشات اللاهوتية.
غير أن الانعطافة الحاسمة في مجال الحكايات الخرافية، ظهرت في القرن السابع عشر الميلادي في أعمال الكاتب الفرنسي الأشهر جان دي لافونتين «1621-1695م» الذي تأثر بحكايات إيسوب اليوناني، وصاغ الكثير منها شعراً، كما تأثر بالتراث الشرقي من الحكايات مثل «كليلة ودمنة» و«ألف ليلة وليلة» وغيرهما، واستوحى من بعضها بعضاً حكاياته وأشعاره، إضافة إلى ما ابتدعه هو وابتكره من حكايات، وأشعار، وقصص انطوت على سخرية لاذعة من القضاء، ومن البيروقراطية، وسخرية من الكنيسة ومن الطبقة البرجوازية الصاعدة التي كانت في بداية ظهورها، وباختصار فإن حكاياته تسخر من حماقة البشر وغرورهم بأسلوب شيق وسلس، وكما يعتبر الدانماركي هانس كريستيان أندرسن «1805-1875م» أحد أبرز الكتاب الأوروبيين في مجال القصص الخرافية، برز أدباء آخرون في القارة الأوروبية بعد لافونتين، ومنهم الأديب الروسي «إيفان اندريتش كريلوف» «1768-1844م» الذي كتب حكايات خرافية نالت التقدير كما ترجم حكايات «لافونتين» إلى الروسية، وفي ألمانيا برز اسم «جوتهلد إفرايم لسنج «1729-1781م»، وكذلك «كرستيان ف. جليرت» «1715-1769م»، ولابد لنا ونحن نتحدث في هذا السياق أن نشير إلى اسم كبير ظهر في أوروبا وهو الروائي الإنجليزي الشهير «جورج أورويل «1903-1950م» الذي كتب «الأسد ووحيد القرن» عام 1941م، ثم نقد الأيديولوجيا الشيوعية في روايته الشهيرة «مزرعة الحيوان» التي اعتمد فيها على الحكاية الخرافية، وراح ينقد المجتمع السوفييتي في عهد جوزيف ستالين، وهو صاحب الرواية الأشهر في تاريخ الأدب الإنجليزي ونقصد بذلك روايته «1984» التي تعد من العلامات الأدبية البارزة ليس في مسيرة هذا الكاتب فحسب، بل في تاريخ الأدب عموماً.
الحكايات عند هرمان هيسه
ليست حكايات هيرمان هيسه خرافية بالمعنى التقليدي للمصطلح، ومع ذلك هي متأصلة في كل من التقليد الغربي والشرقي للحكايات الخرافية، إنها قصص فائقة للعادة، مكتوبة بين «1900 و1930»، وتعكس محاولاته لتجريب كتابة هذا النوع من الحكايات الخرافية، وتحويل حياته كفنان إلى حكاية من هذه الحكايات، إلا أنه فشل في ذلك لأنه لم يستطع أن يحقق الحالة المثالية التي رغب بها، لكن حكاياته نجحت بسبب هذا الفشل بالضبط «إنها حكايات مليئة بالاضطراب الداخلي لكاتب يلعب، بيأس وجدية، بمظاهر نوع أدبي كي يعثر على أثر ما للطمأنينة والانسجام التام».
يقول الباحث على مولا في ترجمته لمؤلف هيسه «حكايات هيرمان هيسه» لكي نفهم ما يرمي إليه المؤلف في كتابه يجب أن نعرف أزمة وشكوك وأحلام الفنان الشاب في ألمانيا في بداية قرن عاصف، ذلك أن هيسه فهم مثل كثير من الكتاب الأوروبيين الأحداث التي جرت حوله -التقدم التكنولوجي السريع، صعود المادية، الحروب العالمية، الثورات، التضخم والأزمات الاقتصادية- كمؤشر على تدهور الحضارة الغربية، وحاول أن يصارع بوساطة الفن، وخاصة الحكاية الخرافية، التهديد الشرير للعلم والنزعة التجارية.
وبينما استمر الموضوع المهيمن في أعمال هيسه متعلقاً بالفن والفنان، فإن قصصه الخرافية، تكشف عن تبدل من موقعه الأناني إلى احترام مسؤولية الفنان في المجتمع.
إن قراءة حكايات هيرمان هيسه الخرافية تنبئ بالدخول في عالم خرافي من الأحلام والرؤى، والفلسفة، والهيام، وهذه المجموعة -الحدث، تحوي اثنتين وعشرين حكاية من أروع ما كتبه هيرمان هيسه في هذا النوع- وهذه الحكايات المليئة بالحالمين، والباحثة، والأميرات، والشعراء الجوّالين، تتحدث عن مكان ما في ذاتنا يلهمنا بتوق روحي عميق، ويدفعنا إلى مغادرة الوطن، وإلى العودة المحتمة، وهذا ينطوي على أكبر المتع وأكثر الجراح إيلاماً في قلوبنا.
تتناول هذه الحكايات الخرافية جميع الموضوعات الشائعة في روايات هيسه العظيمة «سيد هارتا، ذئب البطاح، ودميان»وتعكس أحداثاً تتعلق بحياته الشخصية، وتنطوي على الدوافع الصوفية والرومانسية نفسها التي تغني التألق في أعماله الرئيسية، وفي هذا الكتاب حكايات تسبر مأزق الفنان، الممزق بين الدافع إلى الكمال وإغراءات المتعة والنجاح الاجتماعي.
ويكمل مولا «في هذه الحكايات يستخدم هيسه بوعي عميق، تقاليد الحكايات الخرافية لكي يحظى بمسافة تبعده عن مشكلاته الشخصية، ولقد عثر على الأشكال الرمزية، والموتيفات المفيدة لتعميم تجاربه ومنحها معاني متعددة عبر حبكات تذكر بالحكايات الرومانسية الشرقية والجرمانية القديمة».
وتكشف حكايات هيسه أنه كان مقتنعاً بأن قوى التكنولوجيا، المسببة للنزاعات، والقومية، والكليانية، والرأسمالية، ألحقت ضرراً كبيراً بالحرية الفردية والتعايش السلمي، وبالتالي تشير حكاياته الخرافية مراراً وتكراراً إلى إمكانيات الرفض الفردي وهدف السلام الداخلي.
وتسجل هذه الحكايات رحلة الكاتب الفردية والصراعات السياسية والاجتماعية في أوروبا في تلك الفترة، وهو يفضل أن يتخلص من حبكات وتقاليد الحكايات الخرافية الكلاسيكية ليجرب الخيال العلمي، الخيالي والمروع، الواقعية الرومانسية، والأحلام، مولداً شكله وأسلوبه الخاصين والفريدين، وهنا كذلك سلك هيسه طريق الرفض الرومانسي، وفي كثير من حكاياته توق عميق إلى وطن هو النظير اليوتوبي للأهوال التي نواصل رؤيتها في عصرنا الحاضر.
حفظ التراث يحتاج تقنية متطورة
لكن كيف ينظر المهتمون بالبحث في شؤون الحكاية الشعبية بالبحرين والمنطقة الخليجية. يقول الباحث إبراهيم سند عن الحكايات الشعبية بالبحرين في ورقة عمل، تقدم بها إلى ملتقى الحكاية الشعبية شارك فيها في إمارة الشارقة، جملة من المعوقات التي تعترض هذا الجنس الأدبي، تحت عنوان «الحكايات الشعبية في البحرين.. صراع الأخيار والأشرار والنهايات السعيدة للأحداث»، ولفت سند في هذا الصدد إلى عدم وجود المراكز البحثية المتخصصة والمهتمة بدراسة وتوثيق التراث الشعبي والمحافظة عليه من الاندثار والضياع، وأغلب الجهود المبذولة في الجمع والتوثيق هي جهود تتحرك بفعل الدافع الذاتي والاهتمام الفردي، وقال إن «أكبر مشكلة يقع فيها الكثير من الباحثين في جمعهم للحكاية الشعبية هو عدم معرفتهم التمييز بين أجناس الحكاية الشعبية، وصعوبة التصنيف بين لونٍ وآخر – وهناك خلط واضح بين الحكاية الخرافية والقصة الواقعية والسير الذاتية، وقصص الحيوان والنوادر والمعتقدات»، داعياً إلى «ضرورة تسلح الباحث بمنهج علمي يساعده في عملية البحث والتوثيق، إضافة إلى التمرن باستعمال الفهارس المختصة بالحكاية الشعبية مثل فهرست الحكايات الشعبية للعالم الفنلندي آرني - كانت الفنلندية غنية بالتراث الشعبي منذ القرون الوسطى، مئات القصائد الشعبية القديمة والقصص وما شابهها تم جمعها منذ عشرينات القرن التاسع عشر إلى مجموعة قد تكون الأكبر في العالم، منذ ذلك الحين نـشر العديد منها كقصائد الشعب الفنلندي القديمة، وهي عبارة عن مجموعة ضخمة تتألف من 27000 صفحة في 33 مجلداً، وقد أعد آرني أنتي مورفولوجية القصص لأول مرة «آرني تومسون، أنواع الحكاية الشعبية»، واستخدم على نطاق واسع مثلاً الولايات المتحدة حتى الآونة الأخيرة - أو الاستعانة بغيره من التصنيفات العالمية المختصة بالحكاية الشعبية، وطالب سند في ورقته بـ»العناية والاهتمام بالرواة الشعبيين باعتبارهم كنوزاً بشرية ينبغي توجيه الدعم والمساندة الدائمة لهم، وينبغي إعطاوهم الدور الذي يستحقونه، وإبرازهم إعلامياً، وتقديم المكافآت المجزية لهم، إضافة إلى تشجيعهم على تدريب الجيل الحديث في التعامل مع الموروثات الإبداعية، خصوصاً عالم الحكايات الشعبية»، كما أشار إلى «الاهتمام بإعداد الكوادر البشرية المؤهلة للتعامل مع التراث الشعبي عن طريق إقامة الدورات التدريبية والملتقيات والورش التثقيفية، واستخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في مجال المأثور الشعبي»، وشدد في ورقته على «تشجيع المؤسسات الرسمية التربوية على تضمين المناهج الدراسية بمواد تراثية، من أهمها الحكايات الشعبية في مراحل التعليم الأساسي. وقد بادرت بعض الدول العربية بإدخال بعض مواد التراث الشعبي ضمن المناهج الدراسية، لكن تلك المبادرات لاتزال في البدايات الأولى وتحتاج إلى مزيد من الدفع باتجاه تبني مواد الثقافة الشعبية، واختيار الأصوب والأصلح منها في تعليم وتدريس النشء الحديث».
توظيف الموروث
في الفنون
واستهل سند ورقته بمقدمة عن الحكاية الشعبية، حيث تعتبر من أهم عناصر المأثور الشعبي، وهي اليوم محط اهتمام باحثي علم الفولكلور نظراً إلى ثراء مادتها وارتباطها بالقيم الفنية والجمالية التي يعكسها الوجدان الشعبي والإبداع الجمعي. فمن خلال الحكاية الشعبية استطاع الإنسان أن ينقل كل تصوراته ومعتقداته وعاداته وتجاربه وخبراته في الحياة، ويقدمها في أسلوب وبناء قصصي محكمين، من هذا المنطلق نجد أن الحكاية الشعبية تستوعب ملامح المأثور الشعبي أكثر مما تستوعبه المرويات التراثية الأخرى. ونتيجة سهولتها اللغوية وبساطتها من ناحية الشكل والأسلوب، فقد تم انتشارها على نطاق واسع وانتقالها بحرية من شخصٍ إلى آخر ومن جيلٍ إلى جيل عن طريق الرواية الشفوية. فالحكاية تسمع، ثم تكرر بقدر ما تعيها الذاكرة، وقد يضيف إليها الراوي الجديد شيئاً أو يحذف منها، وقد تروى مرة أخرى كما هي من دون حذفٍ أو إضافة، وإن أصابها بعض التغيير في تأخير بعض الفقرات، وقد تدوَّن هذه المرويات ويتناقلها بعض الناس عن طريق الكتابة أو القراءة، كما حدث بالنسبة للكثير من النصوص الأدبية مثل «ألف ليلة وليلة» و»كليلة ودمنة»، ولاتزال الحكايات الشعبية تحكى إلى اليوم وإن تراجعت بعض الشيء أمام أشكال قصصية فرضتها طبيعة الحياة المتطورة ، إلا أن هناك الكثير من الناس مازالوا يرددونها ويجدون متعة وتسلية في روايتها، وهو ما يدل على أن هذا النوع الأدبي الضارب في أعماق التاريخ لايزال باقياً في ذاكرة الشعب، ومؤثراً في الحياة الثقافية الشعبية، ولهذه الأسباب كلها لابد من أن يجمع ويصنف ويدرًس وفقاً للأساليب والمناهج العلمية في الدراسة والتحليل، وقد وظفت الحكاية الشعبية في أمور شتى من مجالات الفن والأدب والإبداع عموماً، وهي مادة تتمتع بالخيال والفكرة والتشويق الشديد، وقد استلهم منها الكتاب والمهتمون بالإبداع الكثير من الأفكار لصوغ وتشكيل إبداعاتهم في القصص والروايات والإنتاج التلفزيوني والإذاعي، حيث تم تبسيط العديد من الحكايات وأعيد إخراجها بشكلٍ فني يتناسب مع التقنيات الفنية الجديدة والاعتبارات الاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع. وقد عرض كم وافر من الحكايات الشعبية على شاشة التلفزيون، سواء كانت تلك الحكايات ذات طابع محلي أو عربي أو عالمي، وكان لعرضها تأثير متميز في جذب المشاهدين وشد انتباههم.
الموروث الشعبي
في المسرح
ويعول سند على أن المسرح يعتبر من أكثر الفنون الإنسانية إفادة للموروث الشعبي، فهو منذ نشأته الأولى تعامل مع الحكاية الخرافية والأساطير الشعبية، لما تزخر به تلك الحكايات والأساطير من ملاحم بطولية ومواقف درامية، ثم صوغها على النحو التراجيدي أو الكوميدي، وقد استفاد المسرح البحريني كثيراً من الحكايات الشعبية مثلما استفادت منه الفنون الإبداعية الأخرى، فعالم الحكايات واسع جداً ورحب الخيال، وهذه الحكايات لا تهدف إلى بعث البهجة في قلوب المتلقين فقط، بل تحاول أن تفسر عدداً من الظواهر الاجتماعية والثقافية في المجتمع. كما تقدم رؤية نقدية للصفات غير المحببة في الإنسان، مثل الجشع والتسلط والقسوة والاحتيال والطمع، وهي من جانب آخر تبرز الصفات الحميدة مثل الشجاعة والكرم والتسامح والتواضع، وقد وفق المسرح البحريني كثيراً في عرضه للنماذج الشعبية من خلال النصوص المسرحية التي قدمت منذ بداية العشرينات على مسارح المدارس والأندية الأهلية والمسارح المتخصصة فيما بعد، لكن المسرح البحريني لم يبدأ في تقديم عروضه المتميزة إلا مع بداية السبعينات عندما تم تأسيس «مسرح الاتحاد الشعبي» (1970) و»مسرح أوال» و»مسرح الجزيرة» (1973)، وترافق مع هذه البدايات عرض الكثير من المسرحيات كان من ضمنها مسرحية «سرور» التي قدمت في العام 1975، من تأليف إبراهيم بوهندي وإخراج عبدالرحمن بركات، وهذه المسرحية مستوحاة من الحكاية الشعبية «سرور» التي تعتبر من أكثر الحكايات انتشاراً في الثقافة الشعبية على مستوى البحرين والخليج العربي، وتحكي عن الصراع الأزلي القائم بين عنصري الخير والشر، حيث تلعب زوجة الأب دور المرأة الشريرة التي تحاول بأبشع الطرق التخلص من ابن زوجها «سرور» بتقطيع أوصاله ودفنه في إسطبل الخيل، وتدخل قوى غيبية متمثلة في شخصية الأم الحقيقية المتوفاة ويأتي صوتها من العالم الآخر هاتفاً بمكان اختفائه، فيستدل عليه ويعاد تجميع عظامه المتناثرة فتعود إليه الحياة، وينتقم من زوجة الأب شر انتقام حيث يطبخ لحمها في القدر ويرسله إلى بيت أهلها، وتنتهي الحكاية بقول القطة: «كلو من لحم بنتهم وما عطوني منه»، وتردد هذه العبارة أكثر من مرة إلى أن يكتشف الأهل أنهم أكلوا من لحم ابنتهم، وبالرغم من بشاعة بعض الأحداث التي حوتها الحكاية خاصة في وقائعها الختامية إلا أن المسرحية تعاملت مع الحكاية بشكل يتماشى مع الواقع الاجتماعي والنفسي الذي كان يسود المجتمع في ذلك الوقت. وإذا كان للحكايات الشعبية تأثير راسخ وجلي في تأصيل الإبداع الفني والأدبي، فإن تأثير هذه الحكايات أكثر قوة ونفاذاً في تأطير وتأسيس الأدب الموجه للصغار. ويعود الفضل إلى هذه الحكاية الموغلة في القدم في نشأة أدب الأطفال الذي نعاصره كقراء ومربين وكتاب، وهو ثمرة ونتاج طبيعي لما أبدعته مخيلة الشعوب من قصص وحكايات خرافية عبرت إلينا من أزمان سحيقة ومازال صداها يؤثر فينا.
قصص الجان والعفاريت
ويؤكد سند على أن المجتمع البحريني قد عرف مجموعة كبيرة من قصص الجان والعفاريت والتي كانت في يوم ما تشكل مصدر خوف ورعب للكثير من الناس، لقد استخدمت تلك القصص بشكل مباشر في بث وإشاعة الخوف في النفوس. لقد كان العالم السابق مسكوناً بقصص الأشباح والعفاريت. ولما كان الناس يعيشون على الفطرة والبساطة في التفكير. فكانوا على استعداد تام لتصديق وتأليف الحكايات الخيالية، التي يكون أبطالها عادة من العفاريت الخارقين للعادة، وبمرور الوقت أخذت هذه القصص تردد على السنة الجميع صغاراً وكباراً، وراح الناس يختارون الشخصيات الخرافية، ويوزعونها على الأزمنة والأمكنة. ففي النهار خصوصاً عند اشتداد حرارة الشمس في وقت الظهيرة هناك أشباح تستغل هذه الفترة الهادئة لتخرج وتؤذي الناس. وفي الليل هناك مجموعة من العفاريت تفضل الخروج في الليل مفضلة الظلام الدامس لتقوم بإشاعة الخوف وسحر الناس.. أما أماكن تواجدهم فهم عادة ما يسكنون الخرائب والآبار والعيون والبساتين. ولو حاولنا تتبع الموضوع من الناحية النفسية حول الهدف الذي يسعى إليه العديد من الناس في انجذابهم نحو سماع وترديد حكايات الجان والعفاريت لتبين لنا أن ذلك الميل والانجذاب كان يخفف من انفعالاتهم ومخاوفهم الداخلية لأنهم بالحديث عن الساحرات والأشباح، إنما يخففون عما يشعرون به في دواخلهم من احتدامات نفسية. فالخوف منشؤه من الداخل وإنما يخرج على هيئة رموز يتم إسقاطها على الخارج. وتلك الأخيلة والتصورات تقوم برسم وتشكيل النماذج والشخوص الخرافية. وعندما تجد تلك النماذج نوعاً من القبول لدى الشعور الجمعي يتم تداولها بين عامة الناس، وتصبح جزءاً أساسياً من المعتقد الشعبي. وهذا المعتقد بدوره يملك سلطاناً قوياً يؤثر في عقلية من يؤمنون بالحكاية الخرافية. ولكن يبقى السؤال الأكثر أهمية هل تم استخدام حكايات الزمن الماضي لأجل التخويف فقط؟
بين الواقع والخرافة
هناك أنواع عدة من الحكايات الشعبية التي عرفها المجتمع البحريني وقام بتداولها والتفاعل معها عبر حقب زمنية متواصلة.. وأول تلك الحكايات هي:
- الحكاية الخرافية: وهي حكاية عادة ما تكون طويلة مليئة بالمغامرات وتعتمد اعتماداً كلياً على الخيال وتتمركز أحداث الحكاية الخرافية حول بطل أو بطلة، ويكون البطل فقيراً وحيداً في بداية الحكاية وبعد سلسة من المخاطر تلعب فيها الخوارق دوراً ملموساً يستطيع البطل أن يصل إلى غرضه فيعيش حياةً سعيدة إلى النهاية وتتميز الحكاية الخرافية بكثرة استخدمها للشخصيات الخارقة كالجان والغول والحيوانات الممسوخة والاعتماد على السحر وأدواته وتحكى بقصد التسلية والترفيه.
– الحكاية الشعبية «الواقعية»: تتشابه الحكاية الشعبية مع الحكاية الخرافية غير أنها تعتمد على الخوارق التي من الممكن حدوثها أو التي يعترف بها المجتمع ومعظم القصص في «ألف ليلة وليلة» تقترب من هذا النوع الواقعي المبالغ فيه. وتستمد الحكاية الشعبية أحداثها من واقع الناس وحياتهم ويغلب عليها الصفة المحلية والإقليمية من ناحية الشخوص وإبراز الواقع البيئي، وتحكى بهدف التسلية أو تفسير بعض الظواهر المستعصية على الفهم.
- الحكاية المرحة: تقترب الحكاية المرحة كثيراً من الحكاية الشعبية إلا أنها أقصر منها وذات بنية بسيطة تعتمد على سرد نادرة أو حدث مضحك. ولا يهم صحة الحدث فيها من عدمه، لأن الراوي للحكاية المرحة يهدف إلى التأثير على المتلقي وإدخال المتعة إلى نفسه. ويقاس نجاح هذه الحكاية أو فشلها بقدر ما تحققه من إشاعة للمرح. ويتواجد هذا النوع من الحكايات في قصص جحا وأبي نواس وغيرهما من الشخصيات المرحلة التي تجمع بين قطبي الذكاء البارع أو السذاجة المبالغ فيها، وكل شعب له حكاياته المرحة التي يتندر من خلالها على بعض الشخصيات التي تكون في موقع نموذجي للتهكم والإضحاك.
- حكاية الحيوان: يقوم الحيوان في هذا النوع من الحكايات بدور أساسي في سرد الحدث للحكاية، حيث يصبح الحيوان شخصاً أساسياً من شخوص الحكاية فيتصرف تصرف الإنسان العاقل، وتستخدم هذه الأنواع من الحكاية في الوعظ والإرشاد عن طريق الرمز بالحيوان، أو أن حيواناً يتصرف على أنه إنسان مع الاحتفاظ بصفاته الأساسية كالدهاء للحية، والمكر للثعلب. والقوة للأسد والوداعة للحمامة. والخوف للأرنب، وقد تبدأ حكاية الحيوان بأن يفهم الإنسان ما يتحدث به الحيوان. ونجد هذا النوع من الحكايات كثير الاستخدام في قصص «كليلة ودمنة» حيث يلعب الحيوان الدور الأساسي في القصة.
- حكاية السيرة الذاتية:هي نمط آخر من الحكايات تم إدخاله في الفترة زمنية حديثة ويشيع استخدامه في البحرين وفي كثير من المجتمعات الخليجية الأخرى. حيث يتندر الرجال والنساء بسرد قصصهم وبطولاتهم الخاصة على مسمع المتلقين في المجالس الشعبية وليالي السمر، وقد تم رصد الكثير من هذا النوع من القصص، خصوصاً في مجال البحر والغوص، حيث يتعرض البحارة إلى كثير من المصاعب والأخطار.
وبعد عودة البحارة والغاصة من رحلات الغوص تكون أحداث رحلتهم الشاقة مادة خصبة للتعبير عن المعاناة الجسدية والنفسية التي تعرضوا لها في أعماق البحار وصراعهم مع الأهوال والصعاب وهناك الكثير من محبي الاستماع إلى هذا اللون القصصي وتحكى هذه الحكايات بهدف التسلية وإبراز بعض الصفات البطولية.