البحث في الأدب الإريتري المكتوب باللغة العربية، تحديات كبيرة ومعضلات قاسية، كالبحث عن بقعة ضوء في ثقب أسود، نسبة لشح المصادر والغموض الذي يكتنف كل ما هو إريتري. فمنذ أن كتب الروائي الإريتري الأكثر شهرة والمناضل محمد سعيد ناود (1926 ـ 2010) روايته الموسومة بـ«رحلة الشتاء- صالح» التي تعتبر أول رواية إريترية مكتوبة باللغة العربية. انطلق نهر الإبداع الروائي في إرتيريا، ولكن بصمت تام وبعيد عن الآلة الإعلامية العربية والعالمية، لأسباب تكاد أن تكون معروفة لكل الذين يتابعون الشأن الإريتري عن كثب، وأهمها كما يقول الروائي والقاص الإريتري جمال همد: «محاربة الاستعمار الإثيوبي للغتين العربية والتجرينية في زمن الاحتلال، وهما أوعية الأدب والثقافة في إرتيريا، كما أن شعار المقاتلين الإريتريين في تلك المرحلة كان: كل شيء من أجل المعركة. أما بعد التحرير فقد استهلك الكتاب والمثقفون الإريتريون أنفسهم في السياسي واليومي».
ولكن لكوارث الحرب، المهجر، اللجوء، الشتات، النزوح آثارا كبيرة لا يمكن إغفالها، وما زال عدد اللاجئين الإريتريين في العالم كبيراً، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقــــرار الســــياسي في إرتــيريا ما بعد الاستقلال، كما أن الغالب من التحققات الإبداعية لم تجد مساحة قــراءة بشكل واسع حتى تساهم بدورها في إضاءة الواقع الأدبي الإريتري.
بنظرة سريعة، يمكن أن نذكر بعض الأسماء التي لا يمكن إغفالها في ظلمة جهلنا بالأدب الإريتري المعاصر المكتوب باللغة العربية، ففي جانب الرواية، بالإضافة إلى شيخ الروائيين الإريتريين محمد سعيد ناود، والشاعر محمد عثمان كجراي، هنالك الروائي المعروف أبوبكر كهال الذي قضى شطراً كبيراً من حياته في ليبيا، من أعماله: «رواية رائحة السلاح 2001»، «رواية بركنتيا 2004»، «رواية تيتانيكات افريقية 2008»، الشاعر والمسرحي أحمد محمد سعد ( 1945 ـ1978) الشاعر الذي لم يحظ بالكثير من الاهتمام الإعلامي بأعماله المتنوعة في الأدب، توفي في ريعان شبابه تاركاً خلفه، ديوان شعر واحدا «عاشق إرتيريا « احتوى على معظم ما كتبه في الشعر من قصائد، بجانب أعماله المسرحية الثلاث: «من أجل إرتيريا»، «رياح الفجر» و«طريق البطل»، اثنان من هذه الأعمال المسرحية غير مكتمل وترك أيضاً الكثير من الدراسات والمشاريع الكتابية الأخرى غير المنشورة. ومن الأسماء التي نُقشت في ذاكرة الأدب الإريتري أيضاً، القاص جمال عثمان هُمَّد، القاص إدريس سعيد أبعري صاحب المجموعة القصصية «عظام من خزف»، عبد القادر حكيم، القاص سلمون ترقي، والشاعر والروائي أحمد عمر شيخ، الكاتب المسرحي فسهاي يوهنس «جوشوا»، الكاتب الإعلامي فتحي عثمان، القاص حامد ضرار، محمد إسماعيل أنقا، والشعراء محمد مدني، يبات فايد، حنان محمد صالح، أحمد عمر شيخ، حنان مران، فاطمة موسى، محمد عبد الحليم حمودة، محمد الحاج، منى محمد صالح، عبد الحكيم محمود الشيخ، عبد القادر ميكال، أحمد شريف، حسين موسى، عبد الرحيم شنقب، جميل أحمد، خالد محمد طه، محجوب حامد، محمود لوبينت، والروائي عبد القادر مسلم، عبدالوهاب حامد.
ومما يجدر ذكره أيضاً، أن الأدب الإريتري بصفة عامة لم يكن منسياً لدى المهتمين في أوروبا وبعض البلاد العربية، إذ كان من ضمن أنشطة الجزائر عاصمة للثقافة العربية عام2007 تَمَّ نشر أنطولوجيا الأدب الإريتري، وقد قام بإعدادها الإعلامي الإريتري محمد أبو بكر، تحت عنوان «مرايا الصوت»، شملت الأنطولوجيا عدداً مقدراً من الشعراء وكتاب القصة القصيرة والروائيين، عبر الأجيال المختلفة، إضافة إلى مجلة دراسات أدبية افريقية، الفرنسية في عددها رقم 33 حيثُ أعدت ملفاً متميزاً عن الأدب الإريتري، وكتب في الملف المستشرق البلجيكي والمترجم أجزافية لوفان، مع كوكبة أخرى من النقاد والباحثين الأوروبيين والروائي الإريتري أبوبكر كهال. وهنالك دراسة مهمة أيضا للأدب الإريتري في جامعة أكسفورد للربع الأخير من عام 2017 تناولت التقاليد الروائية العربية Handbook of Arab Novelistic Traditions Oxford، وغير ذلك من الدراسات والمراجعات في الصحف والدوريات الأكاديمية.
وقد تُوِّج السرد الإريتري مؤخراً بفوز الروائي الإريتري الشاب حجي جـــابر بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الخامسة لعام 2019، واستطاع الروائي جابر في سنوات قليلة أن يضع بصمة مميزة في فن الرواية المكتوبة باللغة العربية.
وُلد جابر عام 1976 في مدينة مصوَّع الساحلية في إرتيريا، ثم انتقلت أسرته إلى المملكة العربية السعودية أبان الحرب الإثيوبية الإريترية، حيث نشأ في مدينة جدة الساحلية أيضاً، ثم تخاطفته أسئلة الهُويات، ما بين كونه إرتيريا ثم سعوديا ثم سعوديا إرتيريا، وقد شرح تلك الحالة في مقابلة مع الأديبة بديعة زيدان: «نشأت في جدّة سعودياً، وبدأت أتشرّب حالتي كسعودي شيئاً فشيئاً، إلى أن وصلت إلى حالة أهلتني لأن أكون «جدّاويا بالكامل»، وأتحدث اللهجة «الجدّواية» أكثر مما يفعل كثيرون من أهل المدينة.. أصبحت أرتدي الثوب السعودي، وأستمع لطلال مداح وعبادي الجوهر، وأطرب لهما، وأشجع النادي الأهلي بشكل كبير، والمنتخب السعودي بطبيعة الحال، وبدأت أستزيد من هذه الحالة إلى تاريخ شكل بالنسبة لي بداية تحول ما». ونتيجة لذلك التحول الذي كان عنيفا ومصيرياً، لم يكن أمامه سوى أن يهرب إلى كتابة الرواية عن بلده إريتريا في محاولة شاسعة للارتباط بالأرض ومصائر شعوبه وتأكيد ذاته، تماما كما فعل مواطنه أبوبكر كهال.
كتب حجي جابر رواية «سمراويت» التي نالت جائزة الشارقة للإبداع الأدبي في عام 2012 ثم رواية «لعُبة المغزل» ثم تلتها روايته «مرسى فاطمة» حيث تناولت معظم هذه الروايات قضايا الهُوية والهجرة. واحتفت الأوساط الأدبية مؤخراً بفوز روايته «رغوة سوداء»2019 . في تقديرنا أن ذلك يعتبر تدجينا للرواية الإريترية التي نهضت بمجهود نفر ممن كانوا يمسكون القلم بيد والبندقية باليد الأخرى.
٭ كاتب سوداني
ولكن لكوارث الحرب، المهجر، اللجوء، الشتات، النزوح آثارا كبيرة لا يمكن إغفالها، وما زال عدد اللاجئين الإريتريين في العالم كبيراً، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقــــرار الســــياسي في إرتــيريا ما بعد الاستقلال، كما أن الغالب من التحققات الإبداعية لم تجد مساحة قــراءة بشكل واسع حتى تساهم بدورها في إضاءة الواقع الأدبي الإريتري.
بنظرة سريعة، يمكن أن نذكر بعض الأسماء التي لا يمكن إغفالها في ظلمة جهلنا بالأدب الإريتري المعاصر المكتوب باللغة العربية، ففي جانب الرواية، بالإضافة إلى شيخ الروائيين الإريتريين محمد سعيد ناود، والشاعر محمد عثمان كجراي، هنالك الروائي المعروف أبوبكر كهال الذي قضى شطراً كبيراً من حياته في ليبيا، من أعماله: «رواية رائحة السلاح 2001»، «رواية بركنتيا 2004»، «رواية تيتانيكات افريقية 2008»، الشاعر والمسرحي أحمد محمد سعد ( 1945 ـ1978) الشاعر الذي لم يحظ بالكثير من الاهتمام الإعلامي بأعماله المتنوعة في الأدب، توفي في ريعان شبابه تاركاً خلفه، ديوان شعر واحدا «عاشق إرتيريا « احتوى على معظم ما كتبه في الشعر من قصائد، بجانب أعماله المسرحية الثلاث: «من أجل إرتيريا»، «رياح الفجر» و«طريق البطل»، اثنان من هذه الأعمال المسرحية غير مكتمل وترك أيضاً الكثير من الدراسات والمشاريع الكتابية الأخرى غير المنشورة. ومن الأسماء التي نُقشت في ذاكرة الأدب الإريتري أيضاً، القاص جمال عثمان هُمَّد، القاص إدريس سعيد أبعري صاحب المجموعة القصصية «عظام من خزف»، عبد القادر حكيم، القاص سلمون ترقي، والشاعر والروائي أحمد عمر شيخ، الكاتب المسرحي فسهاي يوهنس «جوشوا»، الكاتب الإعلامي فتحي عثمان، القاص حامد ضرار، محمد إسماعيل أنقا، والشعراء محمد مدني، يبات فايد، حنان محمد صالح، أحمد عمر شيخ، حنان مران، فاطمة موسى، محمد عبد الحليم حمودة، محمد الحاج، منى محمد صالح، عبد الحكيم محمود الشيخ، عبد القادر ميكال، أحمد شريف، حسين موسى، عبد الرحيم شنقب، جميل أحمد، خالد محمد طه، محجوب حامد، محمود لوبينت، والروائي عبد القادر مسلم، عبدالوهاب حامد.
ومما يجدر ذكره أيضاً، أن الأدب الإريتري بصفة عامة لم يكن منسياً لدى المهتمين في أوروبا وبعض البلاد العربية، إذ كان من ضمن أنشطة الجزائر عاصمة للثقافة العربية عام2007 تَمَّ نشر أنطولوجيا الأدب الإريتري، وقد قام بإعدادها الإعلامي الإريتري محمد أبو بكر، تحت عنوان «مرايا الصوت»، شملت الأنطولوجيا عدداً مقدراً من الشعراء وكتاب القصة القصيرة والروائيين، عبر الأجيال المختلفة، إضافة إلى مجلة دراسات أدبية افريقية، الفرنسية في عددها رقم 33 حيثُ أعدت ملفاً متميزاً عن الأدب الإريتري، وكتب في الملف المستشرق البلجيكي والمترجم أجزافية لوفان، مع كوكبة أخرى من النقاد والباحثين الأوروبيين والروائي الإريتري أبوبكر كهال. وهنالك دراسة مهمة أيضا للأدب الإريتري في جامعة أكسفورد للربع الأخير من عام 2017 تناولت التقاليد الروائية العربية Handbook of Arab Novelistic Traditions Oxford، وغير ذلك من الدراسات والمراجعات في الصحف والدوريات الأكاديمية.
وقد تُوِّج السرد الإريتري مؤخراً بفوز الروائي الإريتري الشاب حجي جـــابر بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الخامسة لعام 2019، واستطاع الروائي جابر في سنوات قليلة أن يضع بصمة مميزة في فن الرواية المكتوبة باللغة العربية.
وُلد جابر عام 1976 في مدينة مصوَّع الساحلية في إرتيريا، ثم انتقلت أسرته إلى المملكة العربية السعودية أبان الحرب الإثيوبية الإريترية، حيث نشأ في مدينة جدة الساحلية أيضاً، ثم تخاطفته أسئلة الهُويات، ما بين كونه إرتيريا ثم سعوديا ثم سعوديا إرتيريا، وقد شرح تلك الحالة في مقابلة مع الأديبة بديعة زيدان: «نشأت في جدّة سعودياً، وبدأت أتشرّب حالتي كسعودي شيئاً فشيئاً، إلى أن وصلت إلى حالة أهلتني لأن أكون «جدّاويا بالكامل»، وأتحدث اللهجة «الجدّواية» أكثر مما يفعل كثيرون من أهل المدينة.. أصبحت أرتدي الثوب السعودي، وأستمع لطلال مداح وعبادي الجوهر، وأطرب لهما، وأشجع النادي الأهلي بشكل كبير، والمنتخب السعودي بطبيعة الحال، وبدأت أستزيد من هذه الحالة إلى تاريخ شكل بالنسبة لي بداية تحول ما». ونتيجة لذلك التحول الذي كان عنيفا ومصيرياً، لم يكن أمامه سوى أن يهرب إلى كتابة الرواية عن بلده إريتريا في محاولة شاسعة للارتباط بالأرض ومصائر شعوبه وتأكيد ذاته، تماما كما فعل مواطنه أبوبكر كهال.
كتب حجي جابر رواية «سمراويت» التي نالت جائزة الشارقة للإبداع الأدبي في عام 2012 ثم رواية «لعُبة المغزل» ثم تلتها روايته «مرسى فاطمة» حيث تناولت معظم هذه الروايات قضايا الهُوية والهجرة. واحتفت الأوساط الأدبية مؤخراً بفوز روايته «رغوة سوداء»2019 . في تقديرنا أن ذلك يعتبر تدجينا للرواية الإريترية التي نهضت بمجهود نفر ممن كانوا يمسكون القلم بيد والبندقية باليد الأخرى.
٭ كاتب سوداني