الذين رفعوا شِعار (خارجون عن القانون) مُطالبين بالحرية الفردية في مناطق من الجسد غافلين عن مناطق أخرى قريبا من العقل البشري، لا أعرف هل يستطيعون مُجاراة حماقاتي الصغيرة في الخروج عن القانون، فأنا أريد العودة لزمن الشُّعراء الصعاليك الذين صاروا يُنْعتون بتعبير أهل زمني اليوم قُطَّاع الطرق، آخُذ من الأغنياء الذين يحْتكرون الثروات مُتحكِّمين بيد من حديد في توزيع الأرزاق وأعطي للفقراء، ولكن هيهات فهذا القانون الذي أُفِّكر في الخروج عنه، هو الذي يحْميهم بالحُراس والدَّوريات ليل نهار، ويُحاكمني بالزندقة والعصيان لمجرد أني أمد عنقي بإطلالة من النافذة !
لو يستطيعون مُجاراة حماقاتي الصغيرة في الخروج عن القانون، فأنا أُفكِّر في رفع دعوى قضائية على الحكومة، كمواطن اعْتَبِرُوه لِبَلادته فَطن مُتأخرا بعد أن قرأ الفضائح التي أفسدتْ حياتي وصِحَّتي معيشياً والواردة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، لكن هذا القانون الذي أفكِّر في الخروج عنه أليس هو نفسه في زيْغٍ خارج القانون، وإلا لماذا يُخْلي لحد كتابة هذه الأحرف سبيل من وردتْ وزاراتهم في التقرير طُلقاءً دون حساب أو عقاب، حقّاً يُخطئ من يضع في يد كلِّ مُنْحرفٍ المِسطرة!
خارجون عن القانون، ولِمَ لا، ويكفي أن ترهف السَّمْع من بعيد لأقرب مواطن دون استعمال مِجسِّ الطبيب، لتجد أن كل جوارحه تريد الخروج من جوفه للتظاهر في الشارع مطالبةً بحقوقها في العيش الكريم، ولا أعرف ونحن ننادي بحرية الجسد، من أين لِلَّذة أن تصل لِنِصابها أو انتصابها مع الأواني التي تغْلي فارغة تحت البطن، من أين تأتي هذه اللذة والإنسان يعاني جوعا اقتصاديا مزمنا في الفكر والبطن، فالغناء لا تُمْليه على الرأس إلا الكرش إذا شبعتْ، أما وقد بلغ الحرمان بسكينته العظم بهضم الحقِّ في التعليم والشُّغل والصِّحة، فأقوى من الخروج عن القانون الذي يُذكِّرني بأفْلام الكاوبوي الكارطونية (لاكي لوك - LUCKY LUKE)، هو الخروج إلى الشارع ولن تجد فرْقاً كبيرا فالسَّواد الأعتم للمجتمع مع معاناته من غياب كل التَّغْطيات الإنسانية، هو أصلا في مخيم كبير منصوبٍ علينا جميعاً في الشارع!
أريد الخروج عن القانون، ولكن جيبي لا يسعفني، ولن يُلبِّي كل نداءات قلبي، فرغائبه التي تجعلني سلطانا على الحريم لا تُحصى، والأجر الهزيل قد يضمن لي متعة متقشِّفة لليلة أو ليلتين على أقصى بندير، ولا يمكنني أن أمْعن في السَّهر كما في غيِّي متجاوِزاً منتصف الليل في أحد سراديب المتعة، أخاف أن أصل بإدماني الليل بالنهار ضائعا في نشوتي، ويشْتدُّ اكتئابي مع شروق شمس تلفح وجهي حين ألْمس بأصابعي الحضيض وأنا أتحسَّس جيبي، كيف أكمل الشهر ولست إقطاعيا من ذوي الأملاك والأرصدة، فتنقلب السُّكرة على عقبيها طائرة من رأسي وتأتي الفكرة تتلو على مسامعي آيات الندم، فما جدوى أن أرفع شعارا لا يليق إلا ببورجوازية طفيلية تقْضي عمرها في التفسُّخ والشراب، دون أن ينوبها ما يحيق بي بعد ليلة أنفقْتُها فرحاً بحريتي وشبابي من فقر وسراب، حقا إنهم يبيعون القرد وحتى من روَّضَهُ ويضحكون على من اشْتراه!
ألا وبعد أن اتَّسعتْ الشُّقة بالفوارق الاجتماعية الصارخة وانهيار الطبقة المتوسطة، بدأت تلُوح في الأفق بوادر وخيمة تنذر بالصراع الطبقي، وأول بوادرها تغييب مطالب معيشية لصالح الطبقة المسْحوقة بافتعال مطالب مشفوعة بكبش أو نعْجة فداء، وهي في شعاراتها البورجوازية كالقِشْدة فوق العفونة، تصلح لتهييج الذباب وليست في صالح من يعانون ضنك العيش، وتحاول ما أمكنها الانحراف أن تشغل تفكير الناس بما يجري سرا وعلانية تحت الحزام، لينصرفوا عن الصراع الطبقي إلى الصراع الشَّبقي!
كل هذه الحركات التَّسْخيينة في فلكلوريتها، أشْبه ما تكون بإطلاق أسراب الكلاب السَّلوقية مصحوبةً بعيارات البارود دخاناً في السماء، مع قرع الطبول لاستنفار الطرائد وحثِّها على التَّراكض دون وعي إلى مُستقرِّها في الكمائن، ويبدو بهذا التَّهييج والضجيج الذي يختلق قضايا انفعالية تُدغْدغ غرائز الناس ولا تُخاطب العقول، أنَّ جهات مُتنفِّذة حتى لا أقول الدولة العميقة لأني لا أومن بالأشباح، تنهج سياسة التشويش وهي تختار مواسم الصيد التي تناسب أجندتها السياسية للتعتيم على ملفات مصيرية، وهي مواسم لا نحْتاج لمن يُذكِّرنا في طقوسها الرَّعوية بالأغنية الشعبية التي مطلعُها: أَ ورِّني وحْشَكْ يَا لْغَابَة، وهي أيضاً ملاحم لن تُحقق فعَّاليتها في فقدان شرائح المجتمع للوعي إلى أصغر قطعة ثوب عالقة بالحَلَمة، إلا بتسْخِير أبواق الهيَّاتة: فهَيْتَ لك.. هَيْتَ لكْ!
...............................................................................
ملحوظة: ليس المقصود هنا بالهيَّاتة اللون الموسيقي والغنائي المعروف في تراثنا الشعبي المغربي، إنما الهيَّات حسب معاجم اللغة هو الصَّائح، ونقول هَيَّتَ به وهَوَّتَ به، أي صاح به ودعاه. وقولهم: هَيْتَ لك، أي هلمَّ لك.
* (افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليومه الخميس 10 أكتوبر 2019)
لو يستطيعون مُجاراة حماقاتي الصغيرة في الخروج عن القانون، فأنا أُفكِّر في رفع دعوى قضائية على الحكومة، كمواطن اعْتَبِرُوه لِبَلادته فَطن مُتأخرا بعد أن قرأ الفضائح التي أفسدتْ حياتي وصِحَّتي معيشياً والواردة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، لكن هذا القانون الذي أفكِّر في الخروج عنه أليس هو نفسه في زيْغٍ خارج القانون، وإلا لماذا يُخْلي لحد كتابة هذه الأحرف سبيل من وردتْ وزاراتهم في التقرير طُلقاءً دون حساب أو عقاب، حقّاً يُخطئ من يضع في يد كلِّ مُنْحرفٍ المِسطرة!
خارجون عن القانون، ولِمَ لا، ويكفي أن ترهف السَّمْع من بعيد لأقرب مواطن دون استعمال مِجسِّ الطبيب، لتجد أن كل جوارحه تريد الخروج من جوفه للتظاهر في الشارع مطالبةً بحقوقها في العيش الكريم، ولا أعرف ونحن ننادي بحرية الجسد، من أين لِلَّذة أن تصل لِنِصابها أو انتصابها مع الأواني التي تغْلي فارغة تحت البطن، من أين تأتي هذه اللذة والإنسان يعاني جوعا اقتصاديا مزمنا في الفكر والبطن، فالغناء لا تُمْليه على الرأس إلا الكرش إذا شبعتْ، أما وقد بلغ الحرمان بسكينته العظم بهضم الحقِّ في التعليم والشُّغل والصِّحة، فأقوى من الخروج عن القانون الذي يُذكِّرني بأفْلام الكاوبوي الكارطونية (لاكي لوك - LUCKY LUKE)، هو الخروج إلى الشارع ولن تجد فرْقاً كبيرا فالسَّواد الأعتم للمجتمع مع معاناته من غياب كل التَّغْطيات الإنسانية، هو أصلا في مخيم كبير منصوبٍ علينا جميعاً في الشارع!
أريد الخروج عن القانون، ولكن جيبي لا يسعفني، ولن يُلبِّي كل نداءات قلبي، فرغائبه التي تجعلني سلطانا على الحريم لا تُحصى، والأجر الهزيل قد يضمن لي متعة متقشِّفة لليلة أو ليلتين على أقصى بندير، ولا يمكنني أن أمْعن في السَّهر كما في غيِّي متجاوِزاً منتصف الليل في أحد سراديب المتعة، أخاف أن أصل بإدماني الليل بالنهار ضائعا في نشوتي، ويشْتدُّ اكتئابي مع شروق شمس تلفح وجهي حين ألْمس بأصابعي الحضيض وأنا أتحسَّس جيبي، كيف أكمل الشهر ولست إقطاعيا من ذوي الأملاك والأرصدة، فتنقلب السُّكرة على عقبيها طائرة من رأسي وتأتي الفكرة تتلو على مسامعي آيات الندم، فما جدوى أن أرفع شعارا لا يليق إلا ببورجوازية طفيلية تقْضي عمرها في التفسُّخ والشراب، دون أن ينوبها ما يحيق بي بعد ليلة أنفقْتُها فرحاً بحريتي وشبابي من فقر وسراب، حقا إنهم يبيعون القرد وحتى من روَّضَهُ ويضحكون على من اشْتراه!
ألا وبعد أن اتَّسعتْ الشُّقة بالفوارق الاجتماعية الصارخة وانهيار الطبقة المتوسطة، بدأت تلُوح في الأفق بوادر وخيمة تنذر بالصراع الطبقي، وأول بوادرها تغييب مطالب معيشية لصالح الطبقة المسْحوقة بافتعال مطالب مشفوعة بكبش أو نعْجة فداء، وهي في شعاراتها البورجوازية كالقِشْدة فوق العفونة، تصلح لتهييج الذباب وليست في صالح من يعانون ضنك العيش، وتحاول ما أمكنها الانحراف أن تشغل تفكير الناس بما يجري سرا وعلانية تحت الحزام، لينصرفوا عن الصراع الطبقي إلى الصراع الشَّبقي!
كل هذه الحركات التَّسْخيينة في فلكلوريتها، أشْبه ما تكون بإطلاق أسراب الكلاب السَّلوقية مصحوبةً بعيارات البارود دخاناً في السماء، مع قرع الطبول لاستنفار الطرائد وحثِّها على التَّراكض دون وعي إلى مُستقرِّها في الكمائن، ويبدو بهذا التَّهييج والضجيج الذي يختلق قضايا انفعالية تُدغْدغ غرائز الناس ولا تُخاطب العقول، أنَّ جهات مُتنفِّذة حتى لا أقول الدولة العميقة لأني لا أومن بالأشباح، تنهج سياسة التشويش وهي تختار مواسم الصيد التي تناسب أجندتها السياسية للتعتيم على ملفات مصيرية، وهي مواسم لا نحْتاج لمن يُذكِّرنا في طقوسها الرَّعوية بالأغنية الشعبية التي مطلعُها: أَ ورِّني وحْشَكْ يَا لْغَابَة، وهي أيضاً ملاحم لن تُحقق فعَّاليتها في فقدان شرائح المجتمع للوعي إلى أصغر قطعة ثوب عالقة بالحَلَمة، إلا بتسْخِير أبواق الهيَّاتة: فهَيْتَ لك.. هَيْتَ لكْ!
...............................................................................
ملحوظة: ليس المقصود هنا بالهيَّاتة اللون الموسيقي والغنائي المعروف في تراثنا الشعبي المغربي، إنما الهيَّات حسب معاجم اللغة هو الصَّائح، ونقول هَيَّتَ به وهَوَّتَ به، أي صاح به ودعاه. وقولهم: هَيْتَ لك، أي هلمَّ لك.
* (افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليومه الخميس 10 أكتوبر 2019)
