أحمد صبحي النبعوني - معطف المغترب.. قصة قصيرة

في فصل الشتاء نبحث عن الدفء ، فلا حياة طبيعية مع البرد الذي هو عدو كل الكائنات الحية و مع ذلك وجوده في الطبيعة ضرورية للمناخ .
لذا و قبل كل شيء نفكر في شراء معطف سميك و ذو بطانة دافئة تغطي اجسادنا في حنو ممتع فننعم بالدفء و نعتاده و كأن قطعة هذا القماش و الصوف قد حيكت و فصلت لأجلنا دون سوانا ..
لكن ماذا لو سرق منك هذا المعطف فجأة و أنت في أمس الحاجة له ، و قد عانيت كثيرا و ادخرت المال من مصروفك اليومي لتستطيع شراءه مثلما حدث تماما مع بطل رواية المعطف لغوغول ..
عندما يسرق معطفك منك أمام عينك و لا تستطيع أن تفعل أي شيء مع السارق . فتشعر بقسوة البرد و مرارة الهزيمة و بأنك غريب في مجتمع تركك تواجه صعوبة و برودة أيام الشتاء لوحدك ..
تأسف لحال واقعك اللامنتمي و اللااخلاقي أبدا .
فتنزوي في مكان ما في وطنك ، وتلجأ إلى لعبة الأحلام ، تشعل عود ثقاب فتخال نفسك جالس في غرفة كبيرة و دافئة مع الأهل و الأصدقاء و الأحبة أو ربما مع امرأة تعشقك و تشعرك بالحنان و الدفء معا . او ربما تعود بك الأحلام لأيام الصبا فتجد نفسك تلعب مع اقرانك و الفرح و الحماسة لا تفارق قلبك . في الغربة تشعر كأنك طفل صغير مشرد لا تستطيع أن تقارن نفسك بالأطفال الأخرين الذين يتمتعون بالدفء و الحلويات في ايام اعياد الميلاد .
فيتبادر للذهن ذاك السؤال الذي طرحه دوستويفسكي في أحدى رواياته عن الاطفال في زمن الحروب ..
يا إلهي لماذا يموت الأطفال ؟ لماذا لا ترفعهم إلى السماء مؤقتًا ريثما تنتهي الحرب ، ثم تعيدهم إلى بيوتهم آمنين ؟ وحين يسألهم الأهل محتارين: "أين كُنتم؟" يقولون مرحين ”كنا نلعب مع الغيوم!“.
لكن الأحلام قصيرة يا سادة لا تدوم و ما كان يجعلنا ننعم بالدفء قد سرق منا عنوة ، ذاك المعطف يا سادة هو الوطن تماما ..
كتب رسول حمزتوف عن وطنه داغستان فقال :
أتطلع إلى وطني من شباك قفصي !
لا يمكن أن يكون كاتب بدون وطن !
لسنا نحن الذين نختار أوطاننا .. بل الوطن هو الذي اختارنا منذ البداية .
الاوطان معاطف ملونة و دافئة بقياسات مختلفة . تحميك من برد الشتاء . لا تشعر بقيمتها سوى في بلاد الغربة .. حيث يختزل الوطن في ذهنك بأغنية لفيروز أو برائحة الشاي مع القرفة ... تستطيع الشمس أن تذيب النجوم كلها في نجم واحد.. ولكنها تدع النجوم تتلألأ هي الأخرى.. وليكن لكل إنسان نجمه . و وطنه الخاص الذي ولد فيه و أحبه .. إذا لماذا لم يتركونا نعيش في اوطاننا سالمين ؟!
،تتسع سماء المفردات اللغوية و تتضيق بك جدران غربتك شيئا فشيئا مع تقادم السنوات لينتهي بك المطاف مع ساعات الفجر الأولى لتبحث عن وسيلة تجعل بها جفونك تخلد للنوم لكن دون جدوى .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى