كما أن ثم اعتقاد الآن، أن سطوع تكنولوجيا الصورة الممثلة في الحواسب الشخصية، ستقضي على الكتاب الورقي، كان هناك اعتقاد أن ظهور التلفزيون، سوف يقضي على الإذاعة. غير أن مثل هذه التصورات، تتجاهل الطبيعة الإنسانية، فالإنسان هو الكائن الوحيد على وجه الأرض، الذي يستطيع أن يوظف حواسه كافة، للحفاظ على نوعه وترقية وعيه بذاته. تمكن الإنسان منذ البداية، أن يحول هذه الحواس، إلى مفاعلات ثقافية، عن طريق نقلها بتلقائية وسرعة إلى المخ، حيث تتم علميات التحليل والتلاقح المعرفي، واستخلاص المشاعر والقيم الجمالية منها. يما يعني أن عمليات التلقي، تصبح أكثر نشاطا وفاعلية، بتوسيع دور الحواس الإنسانية. والواقع أن ما تقوم به تكنولوجيا الصوت والصورة، هو مضاعفة فرص التلقي، بحيث تشمل محيطًا شاسعًا في أقل وقت ممكن. وهو نفس الدور الذي قامت به المطبعة عند ظهورها.
في هذا المعنى يقول نجيب محفوظ عن ظهور الراديو والتلفزيون في حياتنا: ” كنت أتمنى أن يظهرا ويوجدا في شباب الإنسانية. تصوروا لو أن كل هذه الأسماء التي بهرتنا وغيرت وجه العالم، لها أشرطة مسجلة تحفظ كل ما قالوه وكل شاردة وواردة، كيف يكون حجم وكم المعرفة المذهلة التي تصلنا عنهم”.
وفي روايته ( خان الخليلي) يصور المأساة التي عاشها مطربو ومنشدو المقاهي الشعبية بعد ظهور الراديو، لكن إشارته الذكية، بوضع الراديو على رف عال في صدارة المقهى، علامة بليغة، على المكانة التي سوف يحتلها الراديو في حياة الناس. ربما كان يدرك أن ظهور الراديو، كان بمثابة مارش الوداع لنهاية الثقافة الفردية، التي تنتقل من الشيخ لمريده، ومن الأستاذ لتلميذه، ومن المعلم لصبيه. إنها ثقافة شيخ العمود التي حافظت على ثوابتها، لكنها في نفس الوقت، تجمدت، ولم تعد قادرة على الاستمرار بعد الثورة المعرفية التي تجلت مع ظهور المطبعة وانتشار الصحافة.
كالعادة، مع كل اختراع جديد، أثار ظهور الراديو مخاوف الكثيرين من الناس، ونظروا بريبة إلى ذلك الصندوق السحري المسكون بشياطين تفسد الأخلاق وتشيع الرذيلة. في الواقع، كانوا على حق. لأن النشأة الأولى للراديو لم تكن واعية بالدور الجماهيري والتنموي الذي تستهدفه الإذاعات الآن. إذ كان أصحاب المحطات وقتها من التجار، وكلاء توزيع أجهزة الراديو أمثال: عزيز بولس صاحب محطة راديو فؤاد، وإلياس شقال صاحب محطة راديو فاروق. لهذا، لم يروا في الإذاعة سوى وسيلة للترويج لبضاعتهم. ويبدو أن المنافسة التجارية أدت إلى نوع من المبالغة، في الطابع الترفيهي المبتذل لإرضاء الزبائن، على سبيل خدمات ما بعد البيع، فكان لمشتري الأجهزة الحق في الاستماع لما يريدون. مثلا: يطلبون أغاني الغرام ويهدونها إلى عشيقاتهم، أو يتبادلون معهن الرسائل والمواعيد الغرامية. لم يدم هذا طويلا، الحكومة المصرية ألغت المحطات الأهلية، وأنشأت الإذاعة المصرية في عام 1934م.
ويذكر أن البث الأول كان نقلا خارجيا وليس من داخل الاستديو، وكان عبارة عن حفل افتتاح الإذاعة الحكومية في حضور الملك فؤاد، بدأ الحفل بتلاوة قرآنية للشيخ محمد رفعت، ثم وصلتين غنائيتين للآنسة أم كلثوم. ليبدو الأمر وكأنه إعلان عن الأداء الملتزم أخلاقيًا وفنيًا للإذاعة الحكومية، بقيادة مجلس أعلى، يأتي على رأسه الدكتور على إبراهيم، الذي كان ذواقة في الشعر والموسيقى والفنون. كما توسعت الإذاعة في عدد ساعات البث ومساحته، وأصبح الطابع الإرشادي والتنويري هو الأساس في العمل الإذاعي. غير أن احتكار الدولة للإذاعة، جعلها في خدمة الأنظمة الحاكمة، ومع الوقت تحولت إلى مؤسسة سيادية، ففي عام 1958م أصدر جمال عبد الناصر قرارًا جمهوريًا بتبعية الإذاعة المصرية إلى رئاسة الجمهورية. وفي هذا السياق، يذكر أن البث المعروف بإذاعة أم كلثوم، كان في خدمة المخابرات لتوجيه رسائل مشفرة إلى عملائها والسفارات المصرية في الخارج. و بغض النظر عن صحة هذه الرواية من عدمه، فقد تحولت إذاعة أم كلثوم إلى أيقونة إذاعية مازالت ماثلة في أذهان الملايين.
في حياة الراديو نقلة مهمة لايعرفها غير الذين عاشوها. أعنى انتشار الراديو الترانسيستور بين أيادي الناس، إذ تحول الراديو إلى رفيق شخصي لفئات اجتماعية، لم تمكنها ظروف عملها من المواظبة على متابعته في البيوت، فالفلاحين والصيادين وعمال المحاجر وحتى البدو الرحل يمكنهم الاستماع إلى الراديو منفردين مع أنفسهم. وهي حالة شعورية خاصة جدًا. أنا شخصيًا، لا أستطيع أن أنسى ذلك الشعور الرائع الذي كنت أعيشه على سطح بيتنا، وبعيدًا عن كل البشر، منفردا طوال الليل بمذياعي الصغير. كان شعورًا بالخصوصية، ودهشة الاكتشاف التي أمارسها، وأنا أدير المؤشر ببطء لألتقط بثًا شاردًا وخجولًا يأتي من بلاد المغرب أو من الخليج العربي، أو يعبر البحر المتوسط قادمًا من مالطا أو اليونان.
وعلى الرغم من التحولات الكبيرة التي مرت بها الإذاعة وظهور التلفزيون كمنافس قوي لها، إلا أنها ظلت راسخة في وجدان الناس، ولاسيما الذين تربوا عليها ورافقتهم في مشوار حياتهم عبر علامات مازالت تثير قدرًا من النوستالجيا الجميلة. علامات مثل: هتاف(هنا القاهرة) في افتتاحية البث الصباحي، دقات ساعة الجامعة، المقدمة الموسيقية لنشرة أخبار الثامنة مساء، صوت الشيخ محمد رفعت قبيل انطلاق مدفع الإفطار في رمضان… إلخ.
والواقع، أن مثل هكذا علامات كانت تضبط إيقاع الحياة اليومية بين الناس. فكان أبي يحرص على متابعة الأيام والمواعيد التي حددتها الإذاعة لبث القرآن الكريم عبر صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ويعتبرها من أسعد اللحظات التي يعيشها بعد يوم عمل طويل ومجهد، وحتى الآن. لا أنسى ملامح وجهه وهى تتشكل مع الإيقاعات والتنغيمات التي كان الشيخ يبهر بها عشافه. وفي الخامسة مساء، كانت جارتنا تدق بابنا، وهي تحمل عدة القهوة على صينية نحاسية، تعدها وتشربها مع أمي وهما تستمعان للمسلسل اليومي. يلعب راديو الجيران دورًا مؤثرًا في ذكريات الكثيرين من أبناء الجيل الأكبر مني، الذين لم تساعدهم الظروف على اقتناء راديو. غالبًا كانت تبدأ بعلاقات حب وتنتهي إلى زواج ونسب، أو طلاق وشجارات غيرة زوجية. أما بالنسبة لولد في سني وقتها، فقد كان صوت أم كلثوم وهي تشدو (يا صباح الخير يا للي معانا) يثير في نفسي حزنًا وقلقًا عميقين، فذلك يعني لي، أنه قد آن الأوان لأترك دفء السرير، وأتاهب للذهاب إلى المدرسة.
لقد أشاع الراديو الكثير من الأداءات الطقوسية في حياة الناس، تجلت في ضبط إيقاعهم النفسي والمزاجي، ومكنتهم من احتمال الحياة اليومية ومعاناتها. فحتى في غمار الهزيمة النفسية المؤلمة بعد نكسة 1967م، لم يتوقف الناس يومًا واحدًا عن إدارة مؤشر الراديو إلى إذاعة أم كلثوم. أذكر: في هذه الأيام، ظهرت بعض النكات التي تتندر بالعلاقة العاطفية المتأججة للمصريين بالفول والحشيش وأم كلثوم. والواقع، أن الناس في هذه الأيام فقدت الثقة في الإذاعة المصرية وسخرت من دور الإذاعي أحمد سعيد في تضليل الرأي العام بإذاعته لأخبار كاذبة عن وقائع الحرب في سيناء. وكثير من الناس تحولوا لسماع نشرات الأخبار عبر الإذاعات الأجنبية مثل: صوت أمريكا والبي بي سي، بما في ذلك إذاعة إسرائيل من أورشليم. لكنهم لم يتحولوا عن إذاعة أم كلثوم، التي أصبح لحظة انطلاقها، إشارة إلى انتهاء نصف اليوم بكل ما فيه من عناء وعمل، وبداية النصف الثاني الأكثر راحة وجمالًا. فما أن تبدأ (الست) حتى تبدأ الحياة تتغير، فيبدأ صبيان المقاهي برص الكراسي وإعداد المقهى لاستقبال الزبائن، الذين يفرون من صخب البيوت الضيقة إلى براح الشارع. وينهض موظفوا الحكومة من نوم القيلولة لصلاة المغرب، وتأجيل العشاء لما بعد انتهاء إذاعة الست، وتفتح شرفة بنت الجيران لتؤكد لابن الجيران أنها تشاركه هذه اللحظة، وتستمع في نفس الوقت، إلى الست وهي تغني: أنت عمري.
سيد الوكيل
في هذا المعنى يقول نجيب محفوظ عن ظهور الراديو والتلفزيون في حياتنا: ” كنت أتمنى أن يظهرا ويوجدا في شباب الإنسانية. تصوروا لو أن كل هذه الأسماء التي بهرتنا وغيرت وجه العالم، لها أشرطة مسجلة تحفظ كل ما قالوه وكل شاردة وواردة، كيف يكون حجم وكم المعرفة المذهلة التي تصلنا عنهم”.
وفي روايته ( خان الخليلي) يصور المأساة التي عاشها مطربو ومنشدو المقاهي الشعبية بعد ظهور الراديو، لكن إشارته الذكية، بوضع الراديو على رف عال في صدارة المقهى، علامة بليغة، على المكانة التي سوف يحتلها الراديو في حياة الناس. ربما كان يدرك أن ظهور الراديو، كان بمثابة مارش الوداع لنهاية الثقافة الفردية، التي تنتقل من الشيخ لمريده، ومن الأستاذ لتلميذه، ومن المعلم لصبيه. إنها ثقافة شيخ العمود التي حافظت على ثوابتها، لكنها في نفس الوقت، تجمدت، ولم تعد قادرة على الاستمرار بعد الثورة المعرفية التي تجلت مع ظهور المطبعة وانتشار الصحافة.
كالعادة، مع كل اختراع جديد، أثار ظهور الراديو مخاوف الكثيرين من الناس، ونظروا بريبة إلى ذلك الصندوق السحري المسكون بشياطين تفسد الأخلاق وتشيع الرذيلة. في الواقع، كانوا على حق. لأن النشأة الأولى للراديو لم تكن واعية بالدور الجماهيري والتنموي الذي تستهدفه الإذاعات الآن. إذ كان أصحاب المحطات وقتها من التجار، وكلاء توزيع أجهزة الراديو أمثال: عزيز بولس صاحب محطة راديو فؤاد، وإلياس شقال صاحب محطة راديو فاروق. لهذا، لم يروا في الإذاعة سوى وسيلة للترويج لبضاعتهم. ويبدو أن المنافسة التجارية أدت إلى نوع من المبالغة، في الطابع الترفيهي المبتذل لإرضاء الزبائن، على سبيل خدمات ما بعد البيع، فكان لمشتري الأجهزة الحق في الاستماع لما يريدون. مثلا: يطلبون أغاني الغرام ويهدونها إلى عشيقاتهم، أو يتبادلون معهن الرسائل والمواعيد الغرامية. لم يدم هذا طويلا، الحكومة المصرية ألغت المحطات الأهلية، وأنشأت الإذاعة المصرية في عام 1934م.
ويذكر أن البث الأول كان نقلا خارجيا وليس من داخل الاستديو، وكان عبارة عن حفل افتتاح الإذاعة الحكومية في حضور الملك فؤاد، بدأ الحفل بتلاوة قرآنية للشيخ محمد رفعت، ثم وصلتين غنائيتين للآنسة أم كلثوم. ليبدو الأمر وكأنه إعلان عن الأداء الملتزم أخلاقيًا وفنيًا للإذاعة الحكومية، بقيادة مجلس أعلى، يأتي على رأسه الدكتور على إبراهيم، الذي كان ذواقة في الشعر والموسيقى والفنون. كما توسعت الإذاعة في عدد ساعات البث ومساحته، وأصبح الطابع الإرشادي والتنويري هو الأساس في العمل الإذاعي. غير أن احتكار الدولة للإذاعة، جعلها في خدمة الأنظمة الحاكمة، ومع الوقت تحولت إلى مؤسسة سيادية، ففي عام 1958م أصدر جمال عبد الناصر قرارًا جمهوريًا بتبعية الإذاعة المصرية إلى رئاسة الجمهورية. وفي هذا السياق، يذكر أن البث المعروف بإذاعة أم كلثوم، كان في خدمة المخابرات لتوجيه رسائل مشفرة إلى عملائها والسفارات المصرية في الخارج. و بغض النظر عن صحة هذه الرواية من عدمه، فقد تحولت إذاعة أم كلثوم إلى أيقونة إذاعية مازالت ماثلة في أذهان الملايين.
في حياة الراديو نقلة مهمة لايعرفها غير الذين عاشوها. أعنى انتشار الراديو الترانسيستور بين أيادي الناس، إذ تحول الراديو إلى رفيق شخصي لفئات اجتماعية، لم تمكنها ظروف عملها من المواظبة على متابعته في البيوت، فالفلاحين والصيادين وعمال المحاجر وحتى البدو الرحل يمكنهم الاستماع إلى الراديو منفردين مع أنفسهم. وهي حالة شعورية خاصة جدًا. أنا شخصيًا، لا أستطيع أن أنسى ذلك الشعور الرائع الذي كنت أعيشه على سطح بيتنا، وبعيدًا عن كل البشر، منفردا طوال الليل بمذياعي الصغير. كان شعورًا بالخصوصية، ودهشة الاكتشاف التي أمارسها، وأنا أدير المؤشر ببطء لألتقط بثًا شاردًا وخجولًا يأتي من بلاد المغرب أو من الخليج العربي، أو يعبر البحر المتوسط قادمًا من مالطا أو اليونان.
وعلى الرغم من التحولات الكبيرة التي مرت بها الإذاعة وظهور التلفزيون كمنافس قوي لها، إلا أنها ظلت راسخة في وجدان الناس، ولاسيما الذين تربوا عليها ورافقتهم في مشوار حياتهم عبر علامات مازالت تثير قدرًا من النوستالجيا الجميلة. علامات مثل: هتاف(هنا القاهرة) في افتتاحية البث الصباحي، دقات ساعة الجامعة، المقدمة الموسيقية لنشرة أخبار الثامنة مساء، صوت الشيخ محمد رفعت قبيل انطلاق مدفع الإفطار في رمضان… إلخ.
والواقع، أن مثل هكذا علامات كانت تضبط إيقاع الحياة اليومية بين الناس. فكان أبي يحرص على متابعة الأيام والمواعيد التي حددتها الإذاعة لبث القرآن الكريم عبر صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ويعتبرها من أسعد اللحظات التي يعيشها بعد يوم عمل طويل ومجهد، وحتى الآن. لا أنسى ملامح وجهه وهى تتشكل مع الإيقاعات والتنغيمات التي كان الشيخ يبهر بها عشافه. وفي الخامسة مساء، كانت جارتنا تدق بابنا، وهي تحمل عدة القهوة على صينية نحاسية، تعدها وتشربها مع أمي وهما تستمعان للمسلسل اليومي. يلعب راديو الجيران دورًا مؤثرًا في ذكريات الكثيرين من أبناء الجيل الأكبر مني، الذين لم تساعدهم الظروف على اقتناء راديو. غالبًا كانت تبدأ بعلاقات حب وتنتهي إلى زواج ونسب، أو طلاق وشجارات غيرة زوجية. أما بالنسبة لولد في سني وقتها، فقد كان صوت أم كلثوم وهي تشدو (يا صباح الخير يا للي معانا) يثير في نفسي حزنًا وقلقًا عميقين، فذلك يعني لي، أنه قد آن الأوان لأترك دفء السرير، وأتاهب للذهاب إلى المدرسة.
لقد أشاع الراديو الكثير من الأداءات الطقوسية في حياة الناس، تجلت في ضبط إيقاعهم النفسي والمزاجي، ومكنتهم من احتمال الحياة اليومية ومعاناتها. فحتى في غمار الهزيمة النفسية المؤلمة بعد نكسة 1967م، لم يتوقف الناس يومًا واحدًا عن إدارة مؤشر الراديو إلى إذاعة أم كلثوم. أذكر: في هذه الأيام، ظهرت بعض النكات التي تتندر بالعلاقة العاطفية المتأججة للمصريين بالفول والحشيش وأم كلثوم. والواقع، أن الناس في هذه الأيام فقدت الثقة في الإذاعة المصرية وسخرت من دور الإذاعي أحمد سعيد في تضليل الرأي العام بإذاعته لأخبار كاذبة عن وقائع الحرب في سيناء. وكثير من الناس تحولوا لسماع نشرات الأخبار عبر الإذاعات الأجنبية مثل: صوت أمريكا والبي بي سي، بما في ذلك إذاعة إسرائيل من أورشليم. لكنهم لم يتحولوا عن إذاعة أم كلثوم، التي أصبح لحظة انطلاقها، إشارة إلى انتهاء نصف اليوم بكل ما فيه من عناء وعمل، وبداية النصف الثاني الأكثر راحة وجمالًا. فما أن تبدأ (الست) حتى تبدأ الحياة تتغير، فيبدأ صبيان المقاهي برص الكراسي وإعداد المقهى لاستقبال الزبائن، الذين يفرون من صخب البيوت الضيقة إلى براح الشارع. وينهض موظفوا الحكومة من نوم القيلولة لصلاة المغرب، وتأجيل العشاء لما بعد انتهاء إذاعة الست، وتفتح شرفة بنت الجيران لتؤكد لابن الجيران أنها تشاركه هذه اللحظة، وتستمع في نفس الوقت، إلى الست وهي تغني: أنت عمري.
سيد الوكيل
راديو الجيران بقلم: سيد الوكيل
كما أن ثم اعتقاد الآن، أن سطوع تكنولوجيا الصورة الممثلة في الحواسب الشخصية، ستقضي على الكتاب الورقي، كان هناك اعتقاد أن ظهور التلفزيون، سوف يقضي على الإذاعة. غير أن مثل هذه التصورات، تتجاهل الطبيع…
sadazakera.wordpress.com