رفعت سلام - الشذرات..

سَأَعرِفُ مَا سَأَعرِف
بَعدَ فَوَاتِ الأَوَان .
فَلاَ بَأس .
**
أَنَا أَرَقُ الأَرض ،
أَنَا قَلَقُ السَّمَاء .
**
أَرسُمُهَا عُصفُورًا ؛
أُلَوِّنُه بِالأَحمَرِ وَالأَزرَقِ وَالأَخضَرِ وَالأَصفَر .
أُطلِقُه فِي الفَضَاء ؛
يُسَافِرُ فِي سَمَاوَاتٍ بُرتُقَالِيَّة .
وَفِي المَسَاءِ ،
يَحُطُّ عَلَى شَعرِي ،
وَيُزَقزِق .
**
وَقَالَت : لاَ تَلتَفِت إِلَى الوَرَاء.
فَالتَفَتُّ ؛
فَصِرتُ حَجَرًا مِن مِلحٍ يَسعَى فِي الأَسوَاق مَرحًا :
رَأسِي عُشٌّ لِلغِربَانِ ،
وَأَعضَائِي حَيَّاتٌ تَهفُو لِلجُحر .
**

مَـرُّوا فِي مَوكِبٍ بَهِيج ؛
فَصَفَّقتُ ،
وَرَفَعتُ عَقِيرَتِي رَايَةً خَفَّاقَةً ؛
وَمَضَيتُ إِلَى حَالِ سَبِيلِي .
**
وَكَانَ أَن دَقَّ بَابِي
دَقَّـةً ،
دَقَّتَيـن .
وَطَـار؛
قَبلَ أَن يَحِينَ الحَين.

أَنفَتِحُ لَك ؛
فَيَدخُلَنِي الصَّبَاح ،
وَزَقزَقَةُ العَصَافِير ،
وَرَفرَفَةُ الفَرَاشَاتِ الملَوَّنَة ،
وَهَدِيلُ الحَمَام .
أُرَفرِف ،
وَأَطِير .
**
أنَا.. لَستُ أَنَا
**
وَلَمَّا اختَلَت بِي، تَعَرَّت، وَقَالَت: هَا أَنَذَا ؛
قُلتُ: أَنَا لَستُ أَنَا .
**

وَلَمَّا مِتُّ ،
جَاءَت الحِدءَاتُ وَالغِربَانُ ؛
فَقَأُوا عَينَيَّ ، وَنَهَشُونِي بِلَا مُقَاوَمَة .
وَلَمَّا صَحَوتُ : طَارُوا .

**
وَقَالَت إِنَّهَا كَانَت تُحَلِّقُ خِلسَةً فِي اللَّيل ، ذَاتَ مَرَّةٍ، فَقَنصَت أَحَدَ القَنَّاصِين .
أَخَذَته إِلَى الوَكر .
فَلَمَّا رَأَته عَارِيًا ، فَسدَت؛
وَقَتَلَته.
**
“شَفَتَا حَبِيبَتِي بُرعُمُ لُوتَس ،
وَنَهدَاهَا رُمَّانَتَان ؛
ذِرَاعَاهَا كَرمَة ،
عَينَاهَا تُوتٌ أَسوَد ،
وَحَاجِبَاهَا فَخ .
وَأَنَا الطَّائِرُ البَرِّي
يَلتَقِطُ طُعمَ شَعرِهَا الفَاحِم ،
مَجذُوبٌ إِلَى فَخِّهَا بِلاَ تَرَدُّد”.
**
وَحِينَ قَتَلُونِي ، قُلتُ لِنَفسِي :
لاَ بَأسَ ، لاَ يَأس..
فَلَن تَكُونَ الأَخِيرَة..
**
وَهَا أَنَذَا
أَنتَظِر .
**

تَدخُلُنِي ؛
تَشبُّ بِي أَشجَارُ الجُنُونِ وَالهَذيَان ؛
يَقُولُ الحَرِيق :
لاَ تُطفِئُونِي .

**
وَلَمَّا أَدَرتُ ظَهرِي ،
جَاءَتنِي الطَّعنَةُ ،
فَاتِنَةً كَيَاسَمِينَةٍ فِي رَبِيع .

وَلمَّا احتَدَّ الجَدَلُ ، قَالَ لِي “الفَارُوقُ”: “عَلَيكَ بِالسَّيفِ، فِي عُنُقِ مَن لَم يُبَايِع”.
لَكِنَّ الدَّمَ فَاضَ نَهرًا يَقطَعُ البَلَادَ ، فَأَصَابَنِي الملَل.
رَمَيتُ نَفسِي فِيه ، وَسَبَحتُ إِلَى الضِّفَّةِ الأُخرَى ،
أَقطَعُ الوَقتَ بِالغِنَاء .
**

أَيَّتُهَا النَّجمَةُ البَعِيدَةُ البَعِيدَة :
مُنتَظِرٌ عَلَى قَارِعَةِ الأَوقَاتِ
لِمَا لَا يَجِيء .
مُنتَظِـر .
تَحتَ المطَر .
أَيَّتُهَا النَّجمَةُ البَعِيدَةُ ، البَعِيدَة .
**

“إِذَا مَا كُنتَ عَطشَانًا ،
فَهَاكَ صَدرِي ؛
نَهدَايَ يَفِيضَان إِلَيك ؛
فَتَعَال ،
وَتَمَتَّع بِجَمَالِي .
فَإِذَا حَظَيتَ بِقُربِي ،
فَلَن تَجِدَ وَقتًا
حَتَّى لِتَرتَدِي مَلاَبِسَك”.
**

وَأَفَقتُ؛
فَوَجَدتُنِي أَتَعَلَّقُ بِالقَشَّةِ التِي قَصَمَت ظَهرَ البَعِير، وَقَد غَرقَ الجَمِيع؛
فَانتَشَلَنِي الرُّخُّ بَينَ مَخَالِبِه، وَطَارَ بِي إِلَى مَدِينَةٍ تَعبُدُ الدَّنَاصِيرَ ؛
فَنَصَّبُونِي “الدِّينَاصُورَ الأَعظَم”، وَقَدَّمُوا لِي القَرَابِين .
**
أَيَّتُهَا المُغلَقَةُ بِالرِّتَاجَات وَالمصَارِيع ؛
أَيَّتُهَا الرَّاكِضَةُ فِي مَتَاهَاتِ النِّسيَان .
**
وَحِينَ صَحَوتُ مِن مَوتِي ،
لَملَمتُ أَشلاَئِي ، وَصَرخَاتِي المبَعثَرَة ؛
أَعَدتُهَا إِلَى مَوَاضِعِهَا السِّرِّيَّة ،
وَمَضَيتُ ،
أُصَفِّرُ النَّشِيدَ الوَطَنِي .
**
فَمَا الّذِي يَطرُقُ البَابَ الآن ،
بَعدَ فَوَاتِ الأَوَان ؟
**
لَستُ الفِينِيق ، وَلاَ البَطرِيق .
لاَ ،
لَستُ طَائِرًا .
لَستُ طَائِرًا .

**
أَشُقُّهَا كَسِكِّينٍ تَشُق غَيمَةً زَرقَاء .
وَفِي الطَّرِيق ،
أَنسَى الإِشَارَاتِ وَالرُّمُوز ؛
أَنسَى الأَبجَدِيَّة .
**
نَسِي النِّسيَانُ أَن يَأوِي إِلَيْ .
وَنَصَّبَنِي الخَفِيرَ الشَّرِهَ
عَلَى نُعَاسِ العَالَم .
**

علَى خَطٍّ فَاصِلٍ بَينَ نُورٍ وَظَلاَم ،
بَينَ صَحوٍ وَمَنَام ،
أَطفُو خَفَِيفَةً مُتَأَرجِحَةً خَارِجَ المَوَاقِيت .
تَنمُو فِي ذِرَاعَيَّ أَجنِحَةٌ قَزَحِيَّةٌ ، مُرَفرِفَةً إِلَى سَمَاوَاتٍ مَجهُولَة ،
فَتُلاَعِبُهَا رِيَاحٌ نَارِيَّة .
تَنمُو أَغصَانٌ خَضرَاءُ ، تَمتَدُّ ، تُثقِلُهَا الثِّمَار ،
فَتَسفَعَهَا شُمُوسٌ استِوَائِيَّة .
**
وَعلَى خَطٍّ فَاصِلٍ بَينَ نُورٍ وَظَلاَم ،
بَينَ صَحوٍ وَمَنَام ،
يَشتَعِلُ الكَلاَم .
**

فَهَل مَرَّت- خِلاَلَ نَومِي- قَوَافِلُ الزَّمَن؟
أَيُّهَا الأَسَن :
أَنسَيتَنِي الأَوقَاتَ وَالفُصُول ؛
وَرَمَيتَنِي فِي مَفرقِ المجهُول ،
بِلاَ ثَمَن .
**

جِنَازَاتٌ وَكَوَابِيسُ وَحُرُوبٌ أَهلِيَّــة ؛
أَشلاَءٌ تَتَمَشَّى- بِلاَ رَأسٍ- فَوقَ الأَرصِفَة ؛
وَرُؤُوسٌ تَطفُو- بِلاَ دِمَاءٍ- فِي سَمَاءِ المدِينَة ؛
هَشِيمُ كَلاَمٍ يَتَنَاثَرُ فِي الشًَّوَارِع ؛
وَعَوِيلٌ فِي مَكَانٍ مَا .
لا شَيءَ جَرَى .
لا شَيء .


رفعت سلام
أعلى