حين ضربني سلك الشعر بدأت بكتابة الأغاني، لكن لأن حظي فقري، لم أستطع التواصل مع ملحن أو مطرب أو مطربة في سن تسمح لي بالاستمرار في سكة الدلع والمنجهة، حيث مجاورة أجمل فنين مارستهما الإنسانية الموسيقى والغناء، ولأني "مدلع" لم أصبر على مرمتة القاهرة خاصة أني سرت حلما وراء بعض لافتاتها واكتشف نصبها علي مرة، وسرقتي مرة أخرى، كما عُرض عليّ الكتابة من الباطن، لكن لأني كنت عبيطا لا أعرف قيمة القرش وهائما بأجنحة القيم؛ فرفضت رفض الملائكة لفعل إبليس!.
المهم رجعت إلي بلدي حيث لا فائدة من كتابة كلمات تحاول أن تمنحها حياة فتلحنها وتغنيها لنفسك، أو بمعنى أصح تبهدلها بصوتك الذي لا يصلح إلا لجمع الجنود في ميدان، وألحانك التي كزئير الأسود في الغابات.
أشار عليّ البعض بالذهاب لقصر الثقافة في المركز، وكان وقتها عامرا بمبدعين كبار، غير أني اكتشفت أنهم أهل قصة ورواية وشعر حديث، وفلسفة.... ولو أنه لا بد من الغناء فلابد أن يكون مثل أغنيات فيروز! والصراحة أنا فلاح مصري ابن مرسي جميل عزيز والأبنودي وعبد الرحيم منصور........، ليس لي في الجبال والجليد وأجواء اللعب في السفوح وتحت أشجار الأرز، أنا طالع دين أهلي في حواري وشوارع مصر؛ لهذا لم أعرض عليهم إنتاجي واكتفيت بالاستماع لهم، لكن سرعان ما أصابتني عدواهم، وساعد على ذلك رغبتي العارمة في التعبير عن تجربة إنسانية مررت بها، خاصة أني مسكون بالرغبة في التعبير.
هذه الفترة أعطتني الكثير، فكما عرفت أن الفطرة وحدها لا تنتج مبدعا، ولا بد من الثقافة والقراءة في كل شيء وأي شيء، عرفت أنه عليّ تعلم العروض، وتوسيع معارفي النحوية، والقراءة لأسماء كثيرة لم أكن أعرفها أو سمعت عنها، ومتابعة مجلات وإصدارات معينة....الخ . وقد مررت بمرحلة يمكن كتابة كتاب عنها قبل كتابة أول نص أسميته قصيدة وألقيته في ندوة قصر ثقافة ملوي....
وبالطبع في البدايات تكون خبراتنا ليست في حجم تجاربنا، وقد نتأثر بسابقين نرى في إبداعهم ما يعبر عنا. وقد تأثرت وقتها بالرمزية البسيطة في بعض قصائد نزار كما أسرتني بساطة مفرداته وانسيابه الموسيقي ، وأظن أن هذا كان طبيعيا لقادم من عالم الأغنية للتو. لكن ما حدث أني ألقيت نصي في ليلة كان يحضرها أستاذ تم تقديمه على أنه مبدع وناقد أدبي كبير. ؛ ما إن ألقيت نصي حتى انفلت في وجهي كطلقة بندقية مليئة بالبلْي والشظايا وهو يتساءل مستهزئا
- "إيه اللي بتقوله دا يا استاذ؟ دا لا شعر ولا لغة ولا عروض ولا موضوع." نزل الكلام مثل حلة مياه قذرة ألقتها علىّ سيدة عمياء من البلكونة، ولم أستطع الرد، وسمعت محاضرة طويلة، حاولت مناقشته بعدها لأستفيد، لكنه رفض رفضا تاما بعدما رماني بكل صفات الجهل والغيبوبة ...! ألقى من بعدي كاتب آخر قصة وإذ به يعلق
- يا أستاذ هو كل واحد يفشل في السرير مع مراته ييجي يقرفنا إحنا بقصة كتبها ويقنعنا إنها رمزية، وانقض عليه ممزقا فيه وفي عمله. الصراحة خفف من سوء حالتي انضمام أحد الإصدقاء لركن الخيبة الذي أنا فيه...
وظل الأصدقاء يلقون، والأستاذ يتهم كل منهم بتهمة تخرجه من دائرة البشر، وتخرج عمله من دائرة الإبداع،
حتى ألقى أحد أصدقائنا نصه، وكان من الذين سبق لهم النشر في دوريات، وصاحب خبرة لا بأس بها، لكن الأستاذ لم يتركه قبل أن يتهمه بأن الإبداع لا بد أن يعبر عن الوضع السياسي والاجتماعي، وأن الشعر لا بد أن يكون عموديا، والقصة لا بد أن تتوافر فيها شروط خاصة هي ....، ... واتهمنا جميعا أننا لا نعرف شيئا عن الإبداع ووظيفته، ولا نملك شيئا من أدواته وهنا انفجر صديقنا قائلا
- هو يا أستاذ ربنا إمتى أرسل إليك بلوايح الإبداع؟
- تقصد إيه يا أستاذ؟
- أصل حضرتك متلبس توب إله الكتابة ونازل فينا طرد من ملكوتك وأمّال تقول قواعد من غير ما تراعي لكبير خبرة وقيمة، ولا لصغير حق التبني
- يا أستاذ إتأدب معايا أنا فلان الفلاني
- وأنا مالي، ما يعملوهش كده
- أمال يعملوه ازاي؟
- طب هاسألك سؤال إنت أمال تسألنا قريتوا إيه؟ نشرتم فين؟
- اسأل
- حضرتك متجوز
- لأ
- طب اتجوز واتربى وابقى تعالى اشتغل ناقد.
عجت الساحة بالضحك وفي الضوضاء اختفى الأستاذ، وخرجنا مبسوطين نشد على يد صديقنا المنقذ، رغم أنني لم أفهم ما علاقة سؤاله وجواب الأستاذ بهذه النهاية إلا بعدها بسنوات بعدما تزوجت.
سفيان صلاح هلال
المهم رجعت إلي بلدي حيث لا فائدة من كتابة كلمات تحاول أن تمنحها حياة فتلحنها وتغنيها لنفسك، أو بمعنى أصح تبهدلها بصوتك الذي لا يصلح إلا لجمع الجنود في ميدان، وألحانك التي كزئير الأسود في الغابات.
أشار عليّ البعض بالذهاب لقصر الثقافة في المركز، وكان وقتها عامرا بمبدعين كبار، غير أني اكتشفت أنهم أهل قصة ورواية وشعر حديث، وفلسفة.... ولو أنه لا بد من الغناء فلابد أن يكون مثل أغنيات فيروز! والصراحة أنا فلاح مصري ابن مرسي جميل عزيز والأبنودي وعبد الرحيم منصور........، ليس لي في الجبال والجليد وأجواء اللعب في السفوح وتحت أشجار الأرز، أنا طالع دين أهلي في حواري وشوارع مصر؛ لهذا لم أعرض عليهم إنتاجي واكتفيت بالاستماع لهم، لكن سرعان ما أصابتني عدواهم، وساعد على ذلك رغبتي العارمة في التعبير عن تجربة إنسانية مررت بها، خاصة أني مسكون بالرغبة في التعبير.
هذه الفترة أعطتني الكثير، فكما عرفت أن الفطرة وحدها لا تنتج مبدعا، ولا بد من الثقافة والقراءة في كل شيء وأي شيء، عرفت أنه عليّ تعلم العروض، وتوسيع معارفي النحوية، والقراءة لأسماء كثيرة لم أكن أعرفها أو سمعت عنها، ومتابعة مجلات وإصدارات معينة....الخ . وقد مررت بمرحلة يمكن كتابة كتاب عنها قبل كتابة أول نص أسميته قصيدة وألقيته في ندوة قصر ثقافة ملوي....
وبالطبع في البدايات تكون خبراتنا ليست في حجم تجاربنا، وقد نتأثر بسابقين نرى في إبداعهم ما يعبر عنا. وقد تأثرت وقتها بالرمزية البسيطة في بعض قصائد نزار كما أسرتني بساطة مفرداته وانسيابه الموسيقي ، وأظن أن هذا كان طبيعيا لقادم من عالم الأغنية للتو. لكن ما حدث أني ألقيت نصي في ليلة كان يحضرها أستاذ تم تقديمه على أنه مبدع وناقد أدبي كبير. ؛ ما إن ألقيت نصي حتى انفلت في وجهي كطلقة بندقية مليئة بالبلْي والشظايا وهو يتساءل مستهزئا
- "إيه اللي بتقوله دا يا استاذ؟ دا لا شعر ولا لغة ولا عروض ولا موضوع." نزل الكلام مثل حلة مياه قذرة ألقتها علىّ سيدة عمياء من البلكونة، ولم أستطع الرد، وسمعت محاضرة طويلة، حاولت مناقشته بعدها لأستفيد، لكنه رفض رفضا تاما بعدما رماني بكل صفات الجهل والغيبوبة ...! ألقى من بعدي كاتب آخر قصة وإذ به يعلق
- يا أستاذ هو كل واحد يفشل في السرير مع مراته ييجي يقرفنا إحنا بقصة كتبها ويقنعنا إنها رمزية، وانقض عليه ممزقا فيه وفي عمله. الصراحة خفف من سوء حالتي انضمام أحد الإصدقاء لركن الخيبة الذي أنا فيه...
وظل الأصدقاء يلقون، والأستاذ يتهم كل منهم بتهمة تخرجه من دائرة البشر، وتخرج عمله من دائرة الإبداع،
حتى ألقى أحد أصدقائنا نصه، وكان من الذين سبق لهم النشر في دوريات، وصاحب خبرة لا بأس بها، لكن الأستاذ لم يتركه قبل أن يتهمه بأن الإبداع لا بد أن يعبر عن الوضع السياسي والاجتماعي، وأن الشعر لا بد أن يكون عموديا، والقصة لا بد أن تتوافر فيها شروط خاصة هي ....، ... واتهمنا جميعا أننا لا نعرف شيئا عن الإبداع ووظيفته، ولا نملك شيئا من أدواته وهنا انفجر صديقنا قائلا
- هو يا أستاذ ربنا إمتى أرسل إليك بلوايح الإبداع؟
- تقصد إيه يا أستاذ؟
- أصل حضرتك متلبس توب إله الكتابة ونازل فينا طرد من ملكوتك وأمّال تقول قواعد من غير ما تراعي لكبير خبرة وقيمة، ولا لصغير حق التبني
- يا أستاذ إتأدب معايا أنا فلان الفلاني
- وأنا مالي، ما يعملوهش كده
- أمال يعملوه ازاي؟
- طب هاسألك سؤال إنت أمال تسألنا قريتوا إيه؟ نشرتم فين؟
- اسأل
- حضرتك متجوز
- لأ
- طب اتجوز واتربى وابقى تعالى اشتغل ناقد.
عجت الساحة بالضحك وفي الضوضاء اختفى الأستاذ، وخرجنا مبسوطين نشد على يد صديقنا المنقذ، رغم أنني لم أفهم ما علاقة سؤاله وجواب الأستاذ بهذه النهاية إلا بعدها بسنوات بعدما تزوجت.
سفيان صلاح هلال
