كما سبقت الإشارۃ في العديد من مقالتي السابقۃ، التشكيل بجميع أشكاله ومدارسه وأنواعه إبداع وخلق وابتكار لتلبية ذائقة مؤطرة لمفهوم الجمال الذي يختلف في مرجعيته الفلسفية حسب العديد من المتغيرات كالقارات والدول والحضارات ، وبذلك تعددت مرجعيته الفلسفية والفنية في تفكيرنا المعاصر ، و في إطار هذا التعدد وصل الوضع حالٌٍيا الى تغييب أية مرجعية فكرية وفلسفية للفن وتحريره من أي رابط كيفما كان. وهذا التحرر ما جعله عالميا يسقط بين الفينة والأخرى في التفاهة والسخرية والإستخفاف من المتلقي . لكن بالعالم العربي و الساحة المغربية خاصة لا تخرج عن إطار هذا النسق الحركي بل عرفت نشاطا ملحوظا للحركة التشكيلية وبروز فئة شابة تسعى جاهدا الى تغيير المشهد الفني الوطني وتغنيه من حيث الحجم والكم والنوع والجودة الفنية بالإبتعاد عن كل عمل فارغ يستخف بالمتلقي والعودة للنبش بالذاكرة التراثية للخروج بأعمال تعج بالحرية والعمق الحضاري والفن ، ومن بين هذه الفئة التشكيلية التشكيلي زكريا المسليك.
فمن يكون هذا المزخرف والخطاط الشاب؟ وكيف تعامل مع الحروفيات والزخارف الفنية ؟ وهل استطاع التوليف بين التجريد الفني والزخارف المغربية ” تزواقت الفنية العريقة “ والتشكيل كأرضية تجمع بينهما؟
لقد برع الفنان في إحياء زخارف فنية تسافر بالمتأمل الى عوالم الأندلس بزخارفها اللونية والفنية والحروفية وأن يفتح له بوابات زمانية ليطل على أوج مرحلة نشاط فن الخط المغربي وتزواقت بجامعة القرويين بمدينة فاس قديما حيث لعبت فيها شخصية الفقيه العالم و” المًعَلَّمً“ الحرفي دورا هاما لتبرز مكانة الخطاط المغربي و جمالية الخط المغربي في علاقتهما بالزخرفة” تزوَّاقًتً“ على جميع الأسندة بمختلف أشكالها وأنواعها .
يقول الباحث التشكيلي والناقد محمد عبد العزيز المنيف في احدى تغريداته: " هناك اختلاف بين الحرفي والفنان فالأول يقلد ويكرر والآخر يبتكر .. الأول يعمل على الجانب النفعي والآخر يعتمد على فكرة ترتكز على وعيه بإبداعه ثقافيا وتاريخيا .. فالرسام يعد من الحرفيين أما الفنان فهو صاحب قدرات تحتاج لمتلقي قادر على استيعابها ..." وفنانا اليوم تنطبق عليه هذه المقولة بشكل مطلق. لكنه جمع بين أن يكون حرفيا فنانا ومبتكرا شابا.
لقد تشكلت مسيرته الشابة الإبداعية من مرحلة التكوين لدى الحرفيين ، إلى مرحلة التكوين العلمي التقني بحيث انهيار حامل لبكالوريا تقنية متخصصة بالفنونها التطبيقية ومرحلة معانقة الريشة والألوان ليشكل لغة إبداعية تزاوج بين عالمي الزخرفة المغربية في فن " تزواقت" على الخشب والورق و النحت على المواد الصلبة من خشب وجبص..، منتصرا لثقافة الإمتلاء الروحي الصوفي التي تلقاها على يد مجموعة من الصناع التقليديين بالتكوين التقني إلى الثقافة التشكيلية المغربية الحديثة التي تستمد مشروعيتها من الإرث الحضاري والتي يشكل الكائن الإنساني بؤرتها المركزية مروضا مفاهمها التقنية من خلال دراسته التي تلقاها خلال مساره التعليمي المتخصص بشعبة الفنون التطبيقية، بحيث حاز على جائزة محمد السادس للتميز في الإبداع الزخرفي وهي جائز من الطراز العالي التي تتطلب قمة الاجتهاد والإبتكار . لقد بحث عن ذاته الفنية وسط تكوينه العلمي الدراسي فأبدع لوحات واقعية وأخرى بلمسات حروفية وزخرفية في بعض الأحيان ليستطيع في الأخير أنّ يكتشف حقيقة الفنان الذي يسكنه.
جاءت لوحاته وفق معطيات متعددۃ ترابط بين جماليات الخط المغربي المثمرة لسيمفونية التاريخ الذهبي للخط المغربي في حراك الحركة الفنية التشكيلية المغربية وبين تشكيلات زخرفية فنية وحروفية تؤطر لوحات واقعية . كما جعل من معطيات لوحاته الجمالية صورة للتقاليد الفنية الأصيلة المغربية التي تزخر بها المساجد المغربية والعمران المغربي عامة . عادة في سيرورة العمل ينزل الفنان الزخرفة الأولية بشكل دقيق ومتقن لينزل ألوانها بعناية فائقة وكرم روحي كبير وفيض وجداني شفاف وعميق بحيث تفرد اسلوبيته بشكل فني راق.
يمثل الاحتكاكات الجمالية مابين الماضي الزخرفي المغربي الغني بالرموز الاسلامية والتوريق والحاضر المنفتخ على العالم بألوانه العريقة للمدن العتيقة مثل فاس ومراكش ومكناس .. وسمت اعماله المجملة من رسم وبحث وكتابة بتاثرها باعمال الحرفيين بمجال الزخرفۃ والنحت الجبصي والخشبي بفاس فجاءت لوحاته بما يشبه حديقة الأفكار المبدعة التي أسست لموسوعة الفن الحرفي التشكيلي المغربي والتي تمزج بين أكثر من ستة ألوان يطعمها الماء المذهب الذي يمنحها رزمة ضوئية قوية تشد بصر المتأمل لأعماله فتدخله لمتاهۃ لونيۃ وخطية وزخرفية تمتاز بالبسيطة والمعقدة المركبة في الان نفسه من خلال تصاميم بسيطة البنية الشكلية كالتوريق مثلا ، لكن بتراكبها وتداخلها مع بعضها تعطي هيئة المركب المعقد بصيغة رائعة لا يستطيع فك بدايتها من نهايتها إلا معلم محترف او متأمل عالم بخبايا العمل الفني والذي يملك حسا فنيا مرهفا، مما يولد حالة من التماهي بين المتلقي واللوحة ، وهذا ما فسرته المؤلفة Christine N. Brinckmann حالة التماهي واندماج المشاهد في نوع من المشاركة العاطفية بأنها بشكل عام تلك القدرة على محاكاة التخدير التي تصيب المشاهد ليندمج مع حالة فعل لشخص آخر .
إن ما هو معروف أن الخط يكون دائما فى حالة سكونه أو امتداده، لكن هذا الفنان الشاب سقط في حب الألوان واستطاع انتقاء الأصباغ ، وقام بخلطها ومزجها في ورشته التي تشبه في بعض زواياها الفكرية مختبر التجريب الكيميائي الذي يمضي فيه الفنان الباحث الكثير من وقته ليستكشف قدرات اللون المتحولة ويبحث عن أسرار الوجود المتغير والغامض بشكل فني صوفي روحي محض. ثم يسعي إلى أنّ يمزج بين حروفياته والزخارف الفنية وألوانه بشكل روحه المفعمة بالحياة والإرادة وحبه لعمله قبل كل شيء، فتنساب ” الاشكال آتية من الذاكرة المنسية او من ترجمة اشكال ما هو مرئي في الحياة اليومية، كما اشكال القواقع البحرية، التي تتجول في مخيلتنا بهندستها اللولبية ، فتوفر هياكل هندسية يمكنها استقبال الحروف، لعمل تكوينات“1
في عملية انجاز لوحاته عادة ما يمر من مرحلة التصميم للأشكال بتجارب كثيرة يما مر بها في حياته، ويتعرض في عملية تنفيذه للألوان لمواقف متنوعة شبيهة لمواقفه مع الحرفيين والفنانين، فتتحرك في داخله خبرات سابقة قد ترتبط بإنفعالاته، وقد ويشعر هو كمصمم لأشكاله البسيطة والمعقدة بالحاجة إلى إيجاد مخرج لهذه الانفعالات حتى يحاول استعادة اتزانه بابتكار أشكال لا تمثل إلا ذاته وتمثلاته للأشياء وللجمال. يتجه نحو الناس لكي ينقل لهم صدى الخبرات التي اكتسبها على شكل لواحات هي في حد ذاتها سفر في الزمن والاحساس والثقة بالنفس تستمد جذورها من تاريخ المغرب الحضاري بتعدد روافده الفنية والعرقية . اليوم، ومع التطور الهائل في عالم الاتصال وما تبعه من تطور في شتى المجالات، تتضح الصورة أمامه أكثر من اي وقت مضى فيما يتعلق بأهمية التصميم الزخرفي والحرفي وضرورة التكوين التقني والفني للفرد وأهميته في ربط جسور الإبداع المغربي ليبني قاطرة وجسر فني يربط بين الفن والمتعة الجمالية والموروث الخطى المغربي والإرث الزخرفي الموروث عن فن تزواقت بماء الذهب والألوان المنتقاة بعناية فائقة ودقة متناهية في تنفيد أشكاله المتمیزة وما تقدمه كتحف فنية و لوحات قد تكون أرضية لكافة الأنشطة الحياتية اليومية في عالم يعج بالمنافسة والسرعة. في الجهة المقابلة نلاحظ أن هناك تطور مستمر في صناعة الزخارف الفنية مما يفرض على هذا الفنان الشاب الاستمرار في الابتكار وركوب موجة التحدي التي لا تتوقف بفعل العولمة ودخول الألة وعملية برمجتها لابتكار زخارف فنية وطبعها بسرعة،
من خلال دراسة مجموعة من أعماله بشكل دقيق ومتأن والتي أخذت مني أكثر من ثلاثة أشهر للتأمل فقط ، نجده قد برهن وبشكل واضحاً وصريح على تمكنه الفني بدخوله لعبة التمكن والتي تتكون من سلسلة التحدي والكثافة الخطية واللونية في العمل الواحد. تاركا العنان لفرشته لتبدع بخامات لونية مختلفة ومتعددة وأسندة متنوعة متحديا الذين يعلنون أنها كلما كان التصميم بأقل ألوان أو لون بدرجاته تكون أكثر جمالية وجاذبية مشكلا من الكثافة الخطية التحويرية الهندسية الدقيقة واللونية لأعماله لوحات فنية مميزة.
عموما هناك فرق كبير وشاسع بين مبدع ينشيء مدرسة ومبدع يسير على مدرسة سابقة إلا أن يحدثها أو يضيف إليها الجديد، وهذا الفنان أستطاع أن يضخ دماء جديدة في موروث فني عريق من خلال إزدواجية التكوين العلمي والعشق الفني مبرهنا أنّ الفن العريق يستمد مشروعيته الفنية من عراقته التاريخية لمجتمع ما واجتهادات عاشقه ولذلك نعتبر كل لوحة للفنان نصا سرديا فنيا لمرحلة من حياته ومن عصره بحيث مهما كانت اللوحة مرتبطة بالجانب الفني الجمالي فإنها نصا ” مهما کانت مرتبطة بالجوهر ” وبهذا الذي جاءت من أجله “ كان قد كتب ، إنما تتم دائما من داخل أمة وتقاليد أمة من داخل تيار فكر ي حي“2
بعض المراجع والمصادر المستأنس بها .
1- حسن المسعود - رؤى الخيال في الخط العربي.
انطلوجیا 22 دجنبر 2019
2- بول ریکور : صراع التأویلات . ص31 ترجمة د منذر عیاشی ومراجعة د جورج زیناتی . دار الکتاب الجدیدة ط 2005
3- الرسم والنمنمة في المغرب إبان العصرين المريني والسعدي. دراسة تاريخية - فنية من خلال مخطوطات: الكواكب الثابتـة - بيــاض وريــاض - سلـوان المطـاع".مطبوعات أمينة الأنصاري - فـــاس - الطبعـة الأولــى: 2014م ---- (154 صفحة).
4- اللغة العربیة . د. عصام عسيري ربيع آخر 1441هـ/ دجنبر 2019.السعودية جامعة جدة/ كلية التصاميم والفنون
5- الواقع العربي وتجارب ما بعد الحداثة في الفن التشكيلي من الصورة إلى المفهوم. بشرى بن فاطمة
6 بعض کتابات الباحث التشكيلي والناقد محمد عبد العزيز المنيف في قضایا التشکیل
7- Nathalie Heinich Le Paradigme de l'art contemporain، Structures d'une révolution artistique 2014. Gallimard.
فمن يكون هذا المزخرف والخطاط الشاب؟ وكيف تعامل مع الحروفيات والزخارف الفنية ؟ وهل استطاع التوليف بين التجريد الفني والزخارف المغربية ” تزواقت الفنية العريقة “ والتشكيل كأرضية تجمع بينهما؟
لقد برع الفنان في إحياء زخارف فنية تسافر بالمتأمل الى عوالم الأندلس بزخارفها اللونية والفنية والحروفية وأن يفتح له بوابات زمانية ليطل على أوج مرحلة نشاط فن الخط المغربي وتزواقت بجامعة القرويين بمدينة فاس قديما حيث لعبت فيها شخصية الفقيه العالم و” المًعَلَّمً“ الحرفي دورا هاما لتبرز مكانة الخطاط المغربي و جمالية الخط المغربي في علاقتهما بالزخرفة” تزوَّاقًتً“ على جميع الأسندة بمختلف أشكالها وأنواعها .
يقول الباحث التشكيلي والناقد محمد عبد العزيز المنيف في احدى تغريداته: " هناك اختلاف بين الحرفي والفنان فالأول يقلد ويكرر والآخر يبتكر .. الأول يعمل على الجانب النفعي والآخر يعتمد على فكرة ترتكز على وعيه بإبداعه ثقافيا وتاريخيا .. فالرسام يعد من الحرفيين أما الفنان فهو صاحب قدرات تحتاج لمتلقي قادر على استيعابها ..." وفنانا اليوم تنطبق عليه هذه المقولة بشكل مطلق. لكنه جمع بين أن يكون حرفيا فنانا ومبتكرا شابا.
لقد تشكلت مسيرته الشابة الإبداعية من مرحلة التكوين لدى الحرفيين ، إلى مرحلة التكوين العلمي التقني بحيث انهيار حامل لبكالوريا تقنية متخصصة بالفنونها التطبيقية ومرحلة معانقة الريشة والألوان ليشكل لغة إبداعية تزاوج بين عالمي الزخرفة المغربية في فن " تزواقت" على الخشب والورق و النحت على المواد الصلبة من خشب وجبص..، منتصرا لثقافة الإمتلاء الروحي الصوفي التي تلقاها على يد مجموعة من الصناع التقليديين بالتكوين التقني إلى الثقافة التشكيلية المغربية الحديثة التي تستمد مشروعيتها من الإرث الحضاري والتي يشكل الكائن الإنساني بؤرتها المركزية مروضا مفاهمها التقنية من خلال دراسته التي تلقاها خلال مساره التعليمي المتخصص بشعبة الفنون التطبيقية، بحيث حاز على جائزة محمد السادس للتميز في الإبداع الزخرفي وهي جائز من الطراز العالي التي تتطلب قمة الاجتهاد والإبتكار . لقد بحث عن ذاته الفنية وسط تكوينه العلمي الدراسي فأبدع لوحات واقعية وأخرى بلمسات حروفية وزخرفية في بعض الأحيان ليستطيع في الأخير أنّ يكتشف حقيقة الفنان الذي يسكنه.
جاءت لوحاته وفق معطيات متعددۃ ترابط بين جماليات الخط المغربي المثمرة لسيمفونية التاريخ الذهبي للخط المغربي في حراك الحركة الفنية التشكيلية المغربية وبين تشكيلات زخرفية فنية وحروفية تؤطر لوحات واقعية . كما جعل من معطيات لوحاته الجمالية صورة للتقاليد الفنية الأصيلة المغربية التي تزخر بها المساجد المغربية والعمران المغربي عامة . عادة في سيرورة العمل ينزل الفنان الزخرفة الأولية بشكل دقيق ومتقن لينزل ألوانها بعناية فائقة وكرم روحي كبير وفيض وجداني شفاف وعميق بحيث تفرد اسلوبيته بشكل فني راق.
يمثل الاحتكاكات الجمالية مابين الماضي الزخرفي المغربي الغني بالرموز الاسلامية والتوريق والحاضر المنفتخ على العالم بألوانه العريقة للمدن العتيقة مثل فاس ومراكش ومكناس .. وسمت اعماله المجملة من رسم وبحث وكتابة بتاثرها باعمال الحرفيين بمجال الزخرفۃ والنحت الجبصي والخشبي بفاس فجاءت لوحاته بما يشبه حديقة الأفكار المبدعة التي أسست لموسوعة الفن الحرفي التشكيلي المغربي والتي تمزج بين أكثر من ستة ألوان يطعمها الماء المذهب الذي يمنحها رزمة ضوئية قوية تشد بصر المتأمل لأعماله فتدخله لمتاهۃ لونيۃ وخطية وزخرفية تمتاز بالبسيطة والمعقدة المركبة في الان نفسه من خلال تصاميم بسيطة البنية الشكلية كالتوريق مثلا ، لكن بتراكبها وتداخلها مع بعضها تعطي هيئة المركب المعقد بصيغة رائعة لا يستطيع فك بدايتها من نهايتها إلا معلم محترف او متأمل عالم بخبايا العمل الفني والذي يملك حسا فنيا مرهفا، مما يولد حالة من التماهي بين المتلقي واللوحة ، وهذا ما فسرته المؤلفة Christine N. Brinckmann حالة التماهي واندماج المشاهد في نوع من المشاركة العاطفية بأنها بشكل عام تلك القدرة على محاكاة التخدير التي تصيب المشاهد ليندمج مع حالة فعل لشخص آخر .
إن ما هو معروف أن الخط يكون دائما فى حالة سكونه أو امتداده، لكن هذا الفنان الشاب سقط في حب الألوان واستطاع انتقاء الأصباغ ، وقام بخلطها ومزجها في ورشته التي تشبه في بعض زواياها الفكرية مختبر التجريب الكيميائي الذي يمضي فيه الفنان الباحث الكثير من وقته ليستكشف قدرات اللون المتحولة ويبحث عن أسرار الوجود المتغير والغامض بشكل فني صوفي روحي محض. ثم يسعي إلى أنّ يمزج بين حروفياته والزخارف الفنية وألوانه بشكل روحه المفعمة بالحياة والإرادة وحبه لعمله قبل كل شيء، فتنساب ” الاشكال آتية من الذاكرة المنسية او من ترجمة اشكال ما هو مرئي في الحياة اليومية، كما اشكال القواقع البحرية، التي تتجول في مخيلتنا بهندستها اللولبية ، فتوفر هياكل هندسية يمكنها استقبال الحروف، لعمل تكوينات“1
في عملية انجاز لوحاته عادة ما يمر من مرحلة التصميم للأشكال بتجارب كثيرة يما مر بها في حياته، ويتعرض في عملية تنفيذه للألوان لمواقف متنوعة شبيهة لمواقفه مع الحرفيين والفنانين، فتتحرك في داخله خبرات سابقة قد ترتبط بإنفعالاته، وقد ويشعر هو كمصمم لأشكاله البسيطة والمعقدة بالحاجة إلى إيجاد مخرج لهذه الانفعالات حتى يحاول استعادة اتزانه بابتكار أشكال لا تمثل إلا ذاته وتمثلاته للأشياء وللجمال. يتجه نحو الناس لكي ينقل لهم صدى الخبرات التي اكتسبها على شكل لواحات هي في حد ذاتها سفر في الزمن والاحساس والثقة بالنفس تستمد جذورها من تاريخ المغرب الحضاري بتعدد روافده الفنية والعرقية . اليوم، ومع التطور الهائل في عالم الاتصال وما تبعه من تطور في شتى المجالات، تتضح الصورة أمامه أكثر من اي وقت مضى فيما يتعلق بأهمية التصميم الزخرفي والحرفي وضرورة التكوين التقني والفني للفرد وأهميته في ربط جسور الإبداع المغربي ليبني قاطرة وجسر فني يربط بين الفن والمتعة الجمالية والموروث الخطى المغربي والإرث الزخرفي الموروث عن فن تزواقت بماء الذهب والألوان المنتقاة بعناية فائقة ودقة متناهية في تنفيد أشكاله المتمیزة وما تقدمه كتحف فنية و لوحات قد تكون أرضية لكافة الأنشطة الحياتية اليومية في عالم يعج بالمنافسة والسرعة. في الجهة المقابلة نلاحظ أن هناك تطور مستمر في صناعة الزخارف الفنية مما يفرض على هذا الفنان الشاب الاستمرار في الابتكار وركوب موجة التحدي التي لا تتوقف بفعل العولمة ودخول الألة وعملية برمجتها لابتكار زخارف فنية وطبعها بسرعة،
من خلال دراسة مجموعة من أعماله بشكل دقيق ومتأن والتي أخذت مني أكثر من ثلاثة أشهر للتأمل فقط ، نجده قد برهن وبشكل واضحاً وصريح على تمكنه الفني بدخوله لعبة التمكن والتي تتكون من سلسلة التحدي والكثافة الخطية واللونية في العمل الواحد. تاركا العنان لفرشته لتبدع بخامات لونية مختلفة ومتعددة وأسندة متنوعة متحديا الذين يعلنون أنها كلما كان التصميم بأقل ألوان أو لون بدرجاته تكون أكثر جمالية وجاذبية مشكلا من الكثافة الخطية التحويرية الهندسية الدقيقة واللونية لأعماله لوحات فنية مميزة.
عموما هناك فرق كبير وشاسع بين مبدع ينشيء مدرسة ومبدع يسير على مدرسة سابقة إلا أن يحدثها أو يضيف إليها الجديد، وهذا الفنان أستطاع أن يضخ دماء جديدة في موروث فني عريق من خلال إزدواجية التكوين العلمي والعشق الفني مبرهنا أنّ الفن العريق يستمد مشروعيته الفنية من عراقته التاريخية لمجتمع ما واجتهادات عاشقه ولذلك نعتبر كل لوحة للفنان نصا سرديا فنيا لمرحلة من حياته ومن عصره بحيث مهما كانت اللوحة مرتبطة بالجانب الفني الجمالي فإنها نصا ” مهما کانت مرتبطة بالجوهر ” وبهذا الذي جاءت من أجله “ كان قد كتب ، إنما تتم دائما من داخل أمة وتقاليد أمة من داخل تيار فكر ي حي“2
بعض المراجع والمصادر المستأنس بها .
1- حسن المسعود - رؤى الخيال في الخط العربي.
انطلوجیا 22 دجنبر 2019
2- بول ریکور : صراع التأویلات . ص31 ترجمة د منذر عیاشی ومراجعة د جورج زیناتی . دار الکتاب الجدیدة ط 2005
3- الرسم والنمنمة في المغرب إبان العصرين المريني والسعدي. دراسة تاريخية - فنية من خلال مخطوطات: الكواكب الثابتـة - بيــاض وريــاض - سلـوان المطـاع".مطبوعات أمينة الأنصاري - فـــاس - الطبعـة الأولــى: 2014م ---- (154 صفحة).
4- اللغة العربیة . د. عصام عسيري ربيع آخر 1441هـ/ دجنبر 2019.السعودية جامعة جدة/ كلية التصاميم والفنون
5- الواقع العربي وتجارب ما بعد الحداثة في الفن التشكيلي من الصورة إلى المفهوم. بشرى بن فاطمة
6 بعض کتابات الباحث التشكيلي والناقد محمد عبد العزيز المنيف في قضایا التشکیل
7- Nathalie Heinich Le Paradigme de l'art contemporain، Structures d'une révolution artistique 2014. Gallimard.
