جعفر الديري - الناقد والروائي المغربي محمد براده: تبدأ الكتابة عندما يصبح التخيل أفقا لتحديد العلاقة مع الحياة

كتب - جعفر الديري

قال الناقد والروائي المغربي محمد براده إن الكتابة بجميع مفرداتها من رواية أو نقد أو غيره تكتسب هويتها حينما يبدأ الكاتب الكتابة في إطار الخيال، مضيفا: تبدأ الكتابة عندما يصبح التخيل أفقا لتحديد علاقة الحياة مع الوجود فهو وسيلة لفهم العالم. صحيح أن الكتابة من خلال التعبير لا تغني عن الدخول إلى المجتمع لكن امتياز الكتابة كوسيلة للتعالي يفرض علاقة أخرى مع الكتابة وهي علاقة تلقائية.

جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها براده بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث في محافظة المحرق، وتحدث فيها عن تجربته في "الكتابة: الحرية، في مواجهة الانهيار".

وقال برادة: ان الحديث عن تجربتي في مجال النقد والابداع لا تتقصد انتاج حقائق وانما هو بمثابة الحوار مع النفس بصوت مرتفع ومعكم من أجل اثارة أسئلة من خلال الولوج الى رحاب الأدب. فقد كنت ضمن مجموعة من الكتاب الذين عاشوا ومارسوا الكتابة تحت شروط اجتماعية وثقافية متعددة في جو يخنق الأنفاس لكن الأدب حب لا شفاء منه وأنا هنا تحت رغبة مستعرة في استعادة تجربة تذكرني بتجربة تخلّق النص فهو نوع من النشوة يظل حنيني اليها حيا. ان رغبتنا في التعبير هو رغبة الاستمرار في الحياة على رغم محدودية الطاقة البشرية فالتعبير هو التطلع الى أفق أرحب وهي ممارسة تساعدنا على أن نفهم الذات. فالكتابة جزء من مغامرة الوجود وهي أحد شروط نشوء الوعي عندما يجابه اللا يقين.

الافلات من الواقع

وأضاف برادة: ان تحولات المجتمع والقيم تظل مشدودة الى اللاوعي وإلى الجمع بين التاريخ الفردي والتاريخ العام وهذا التعاون العميق هو بمثابة تعارض السريرة مع العالم. وقد لا تكون الكتابة سوى محاورة لأفكار تعمق ذلك الشرخ الكبير بين التاريخ العام والتاريخ الشخصي. كأن الكتابة عن الذات هي عبارة عن فسحة للذات عندما تحاول أن تشيد عوالم مجاورة للتاريخ العام. وأحسب أن كتابتي للرواية هو لجوء للخيال في مواجهة العلاقة مع الآخرين. قد يكون هذا مجرد توهّم لكن المسار الذي مررت به بين ثقافتين متباينتين دفعني للبحث عن متنفس. وأظن أن وهم التغبير هو ما وثّق علاقتي بالكتابة. وكثيرا ما انجرفت مع وهم التغيير. ولعلي لا أبتعد عن الحقيقة عندما أقول أن يأسي من الفعل المباشر هو دفعني للعمل على الكتابة. وان محاولتي في الكتابة هي محاولة الافلات من الواقع.

الفرادة والتطور

وحول أسلوبه في الجمع بين الفرادة والتطور قال براده: لقد خضت تجربة الكتابة لكي أخرج من اطار اقتباس الأشكال الى البحث عن شكل ملائم ومسائلة الذاكرة الخاصة وملاحقة ذواتي المتعددة مع الأخذ أيضا بالتخيل لأننا مهما ارتبطنا بأبعاد فان الكتابة تقودنا الى مستوى أبعد من ضمان ضياع الهوية الشخصية. ان الاطلاع على الابداعات العالمية يدون في راسي الكثير من الأسئلة. وذلك ان الابداعات الفكرية هي مجال مشترك بين جميع الثقافات في محاولة الاقتراب من عدة أسئلة. فهناك اتجاهات يمكن أن تقاس من خلال أمور كثيرة لكن المشكلة تتعلق بالرواية التي تطلق الانفعالات خارج اطار الرواية من داخل نفس الثقافة. انطلاقا من ذلك أنا أميل الى الى التنوع بين الفرادة والتطور أي الى النصوص تهتم بالخصائص. ذلك أننا نعيش في مرحلة معينة تتقبل عدة طرق في التعبير سواء الاتجاه الواقعي أو غيره من التصنيفات لأن الكتابة تبدع نصا مختلفا عن الواقع لكن ذلك لا يمنع من امكان اعادة قراءة الواقع من حيث ما يحتويه من صدق.

وتساءل الروائي المغربي: هل يمكن الأخد بمقولة من يزعم أن الكتاب من فراغ حتى لا مناص لنا من الاعتراف بأن الروائع قد قيلت ولنا حلم مخايل اننا سنضيف شيء يستعيد شيئا مما قيل. ومن ثم كان أن أتوسل بالكتابة لفهم ذاتي. عندما أرجع ذاكرتي الى الستينات أدرك المسافة الطويلة التي قطعناها خلال نص قرن لذلك سرعان من أتبين أن الكتابة تحتاج الى استقلالية لانطلاق الذات. وأستطيع القول أن الكتابة فقدت أوهامها لأننا عندما بدانا نفتح الأعين على الحياة المليئة بالصراع الأبدي بين الفرد وبين مؤسسات المجتمع. ومهما حاول الروائي أن يتنصل من الذاكرة ومن التاريخ فان صورة الانسان المهزوم بسب الهزائم المتكررة تظل ماثلة أمامه.

الروائي والناقد

وحول علاقته المتوترة بين الروائي والناقد قال براده: أنا مغربي قبل أن أحترف الكتابة لكن عندما أكتب أحاول أن أخترق ذاتي، لكن من حق القاريء أن يبحث فيما أكتب عن بصمات انتمائي المغربي الاسلامي. وأنا من موقع العلاقة المزدوجة بين الكاتب والناقد أشعر دائما بتوتر قلما يرسي على مكان آمن. ان كل هذه التأملات تبدو أقرب ما تكون الى تأكيد وعي فردي بتحقيق ذاتي المتخيلة وكأني أعوض عن عدم تحقيق ذاتي بالفعل المباشر. فالكاتب العربي اليوم يواجه تلك الأسئلة المقلقة: ما معنى أن أكتب ابداعا باللغة العربية؟ كيف أوفق بين مجتمعات مهزومة وبين البحث عن أفق حداثي؟ فأنا عندما أفكر بطريقة تلقائية أشعر أني منبثق من عالم عربي منهزم، فالمقياس في السياسة هو العقل فنحن نقيس التخلف على انتاج المعرفة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى