أ.د. محمد حسن عبدالله - أبو العلاء يقدم : تجربة العمر في كبسولة

- لؤلؤ منثور
1- اللؤلؤة : أبو العلاء يقدم : تجربة العمر في كبسولة ..

" رويداً عليها إنهــا مهجات .. وفي الدهر محيا لامرئ ومماتُ
أرى غمرات ينجلين عن الفتى .. ولكن توافي بعـدها غمـراتُ
ولابد للإنسان من سكر ساعةٍ .. تهون عليه غيـرها السكـراتُ
ألا إنما الأيــام أبناء واحـدٍ .. وهذي الليـالي كلهـا أخـواتُ
فلا تطلبن من عـند يوم وليلة .. خلاف الذي مرت به السنـوات

2- المحــارة :
- أجمل أبو العلاء رأيه في الدنيا وصروفها في هذا العدد المحدود (جداً) من الأبيات، وكأنما يصنع " كبسولة" أو "فلاشة" حاوية لجوهر المطلوب باختصار، ليسهل الاحتفاظ بها .
- نرجح أن (كف البصر) ترك أثره في هذه الرؤية، التي لم تجرب في الحياة أكثر من رتابة الأيام، ومحدودية العلاقات، والاستسلام للتأمل . فرؤية أبي العلاء صادقة في حدود هذا الشرط، لأننا بخبرة الممارسة والمعرفة – حتى تلك التي كانت متاحة لأبي العلاء – نعرف أن فرص الانقلاب والانفلات والتمرد، أي فرص التغيير والتناقض بين مراحل العمر واردة كذلك . نذكر : مريم المجدلية ، ورابعة العدوية ، ورواية تاييس ، وحتى مسيرة إبليس، الذي كان بين الملائكة فتحول إلى كبير الشياطين !!
- الشعراء الكبار مغرمون بتكثيف بعض رؤاهم في القليل من الأبيات سهلة الترديد، استجابة لنوازعهم الفكرية، الغالبة على الرؤية الشعرية ، وتطلعاً إلى أن تكون هذه القطع محدودة الامتداد، قابلة للتداول وسرعة الانتشار .
- ونتذكر – في هذا السياق – قطعة للعقاد استمدها من ذاكرتي، وأستعيد تعليق أستاذي " محمد غنيمي هلال" – طيب الله ثراه – عليها في كتابه " النقد الأدبي الحديث" . هذه الأبيات تقول :
صغير يشتهـي الكبرا وشيــخ ود لـو صغـرا
وخال يشتهـي عمـلاً وذو عمـل بــه ضجـرَ
ورب المـالِ في تعـبٍ وفـي تعـبٍ مـن افتقـرَ
فهل حاروا على الأقدارِ أم هـم حيــروا القــدرَ
شكـاة ما لهـا حَكـمٌ سوى الخصمين إن حضرا
- هذه القطعة العقادية مثل سابقتها العلائية، في خمسة أبيات، تحاول أن تجمل رؤية في القلق الإنساني، والتشوق إلى النقيض ، وكما عبر الدكتور غنيمي : فإن المعنى يفيض عن قدرة هذه الأبيات التي جاءت في شكل تقابلي موقع ، ولكنه لا يعكس نضارة الشعر وجمالياته ، بقدر ما يدل على التركيز في الفكرة .

3- الهيــر :
- أبيات أبي العلاء المعري من " شروح سقط الزند" – القسم الثالث – بإشراف : طه حسين – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1987 – ص1037 .


أعلى