كتب - جعفر الديري
أكد المشاركون في ندوة "الأسس الفلسفية والجمالية لحوار الفنون" أن مجال فنون ما بعد الحداثة، ينشأ منصة هامة للحوار، ما بين الذكورة والأنوثة، بين الهويات والمفاهيم والتصورات، كما يرسم خريطة التغيرات التي طالت الهويات بشكل عام.
جاء ذلك خلال الندوة التي عقدت مؤخرا في قاعة مجلس كلية الآداب بجامعة البحرين والتي شارك فيها أستاذ علم نفس الابداع بجامعة الخليج العربي د. شاكر عبدالحميد، أستاذ البلاغة الجديدة بجامعة القاهرة د. طارق النعمان، الأستاذة المشاركة في كلية الآداب د. نهى بيومي، الأستاذة المساعدة بقسم الاعلام بجامعة البحرين د. هدى المطاوعة، الروائي البحريني فريد رمضان والفنان البحريني جمال عبد الرحيم.
علاقة الأدب بالتصوير
تحدث أستاذ علم نفس الابداع بجامعة الخليج العربي د. شاكر عبدالحميد عن العلاقة بين الأدب وفن التصوير، موضحا أن هناك فنون جسدت هذه العلاقة، "فن القصة القصيرة مثلا يحتاج الى شيء من الادراك للواقع أو الادراك للذات. ونجد أيضا أن فن التصوير يحتاج الى هذا النوع من الادراك. فالقصة القصيرة والتصوير يحتاجان الى الخيال والى الذاكرة والى نوع من العلاقة التي تتحرك من المجسد الى المجرد. فالقصة القصيرة والتصوير هما أشبه بالرسالة الموجهة من الأنا الى الآخر أو من الآخر الى الأنا هذا الى جانب البعد الاجتماعي. والحضور الكثيف للآخر داخل هذين الفنين. ويصح القول أيضا أن هذا صحيح بالنسبة للفنون جميعها. وليس فقط بالنسبة لفن القصة القصيرة والتصوير.
وأضاف: ان هذه العلاقة تتبدى أيضا من خلال بعض الأقوال في تاريخ الفن. على سبيل ما قاله دافنشي: ان التصوير هو الشعر الذي يرى ولا يسمع. والشعر هو التصوير الذي يسمع ولا يرى. أو كما قال سيموندس: ان التصوير شعر صامت والشعر تصوير متكلم".
سياق ما بعد الحداثة
ورأى أستاذ البلاغة الجديدة بجامعة القاهرة د. طارق النعمان في ورقته عن "حوار الفنون في سياق ما بعد الحداثة" أن مأزق النص القرآني حين كان يراد التدليل على اعجازه استند الى مفهوم النظم.
وأضاف:"ونحن نعرف جميعا أن لدى الجاحظ كتاب بعنوان "نظم القرآن" وقد ظل مصطلح النظم يتكرر كثيرا داخل التراث البلاغي العربي اذ طرح لدى العديد من البلاغيين الى أن أتى عبدالقاهر الجرجاني وطرح مفهوم العبقرية في النظم. وما يلفت الانتباه في نص عبدالقاهر الجرجاني هو الكلمات التي استخدمها الجرجاني فيما يتعلق بالمصطلحات الي تنتمي الى مجال الصناعات. ففي نصي الأسرار والدلائل نجد أن عبدالقاهر يستخدم أنواعا لمواد نفيسة كالذهب، الابريز واللآليء. اذ تكررت تلك المصطلحات ما بين در وذهب وجواهر وما بين فضة وابريز في أكثر من 41 مرة.
وتابع د. النعمان قائلا: نجد أيضا في ذلك النص المصطلحات الدالة على العملية مثل الصنعة، الصياغة، النقش، النحت والتصوير في معدل تكرار عالي. وهناك أيضا النظم، الترتيب، النسق، الضم، البناء، الارتباط، الاتحاد، الملائمة وكلها مصطلحات ذات علاقة لصيقة جدا بمجال الفنون الأخرى التي كان يطلق عليها اسم الصناعات".
هويات النساء المتحركة
بينما أكدت الأستاذة المشاركة في كلية الآداب د. نهى بيومي في ورقتها "الهجنة في الفنون والجندر: هويات النساء المتحركة" أن مجال فنون ما بعد الحداثة، ينشأ منصة هامة للحوار. ما بين الذكورة والأنوثة، بين الهويات والمفاهيم. والتصورات كما يرسم خريطة التغيرات التي طالت الهويات بشكل عام.
وأضافت :"انني انطلق من فرضية أن ازدياد أعداد الفنانات عربيا وعالميا مع شيوع فنون ما بعد الحداثة والتي أنشأت حوارا مختلفا بين الفنون واستخدمت وسائط سمعية بصرية فتداخلت السجلات الفنية في بعضها البعض مقتحمة حدود النوع الفني فاتحة اياه على الوسائط الجديدة. وأن ارتفاع نسب الفنانات المشاركات في هذا المسار الفني له دلالات ثقافية هامة - من وجهة نظرنا - تؤكد التشابك بين الفني التكنولوجي والمعرفي على مستوى الأعمال الفنية وهوية منتجيه. وتفصح عن العوامل الفلسفية والثقافية العامة التي تشير الى تعدد التداخل والتشابه بين جميع الفنون واعتماد المشهد والعين والنظر كمحور أساسي في وجودنا كما تشير الى الانفتاح بين الثقافات بين مختلف أرجاء العالم مع تنامي دور العولمة والتأثر بالثقافات الأخرى وثقافة الموضة التي ترتبط بمفهوم الزوال والوقتي والعابر".
البحث عن الانسانية
بينما وجدت الأستاذة المساعدة بقسم الاعلام بجامعة البحرين د. هدى المطاوعة في ورقتها "الخط التنويري في المنهج النقدي. تحرير الانسان من خلال وجهة نظر اتصالية للعالم" أننا بالبحث عن انسانيتنا سنتمكن من تحقيق قوة التواصل.
وأضافت :"فبدلا من التخوف من الأفق المفتوح على الاحتمالات والسماح لذلك الخوف بالتحكم فينا تسعى نخبة من الباحثين في مجالات علمية متقاطعة الى البحث عن انسانيتنا في أعماق هذه الحالات المليئة بالاحتمالات وعدم الوضوح لايجاد القوة والقدرة على طرح التساؤلات. وعند ذلك فقط سنتمكن من حيازة القدرة على التحكم في حياتنا، وابتداء العمليات المتعلقة باعادة العالم جديدا وأكثر انسانية. فالناس تنتقي خياراتها عادة بناء على أهداف لها علاقة بحياتهم الاجتماعية. ومع ذلك فان تلك الميول الطبيعية والصحية تشكل معضلة بالنسبة لمجتمعاتنا العالمية والمادية. خصوصا مع وجود الثقافة المؤسسية التي تسيطر على أذهاننا بحيث يتحول سعينا الى حياة عادلة أقل تهديدا للحالة القائمة".
المرئي واللامرئي
كما كشف الروائي البحريني فريد رمضان في مداخلته عن جزء من تجربته المشتركة مع الفنان جمال عبدالرحيم في نص "نوران". وقال رمضان :"ان علاقتي مع الفنان جمال عبدالرحيم بدأت منذ العام 1994 حين انطلقت فكرة صناعة أول كتاب فني محدود العدد والكتاب الفني محدود العدد هو الكتاب الذي يصنعه الفنان بيده دون تدخل من مؤسسات المطابع أو النشر.
وقد التقيت به منذ ذلك العام ولم ننقطع عن الحوار ليس في مجال كتابي الوحيد الذي عملت معه فيه بل استمر ذلك الحوار مع معظم تجاربه مع الكتّاب العرب والأوروبيين الذين عمل معهم في عدة كتب. فحوار الفنون يرتبط بجدلية فلسفية في ربط فنون وتجارب ابداعية متكاملة أي هي مكتملة الخصائص قبل بدأ حوارها مع الفنون الأخرى، فكيف يتحاور معنيان لكل منهما فلسفته الخاصة في التعبير احداهما ظاهر والآخر باطن. وكيف يتحاور المرئي واللا مرئي. هذا ما كانت تجربتا تحاول الاجابة عنه".
من خلال التاريخ
فيما تحدث الفنان جمال عبد الرحيم عن تجربته مع مجموعة من الفنانين والشعراء العرب والعالميين، موضحا: " ان تجربتي في مجال الكتب بدأت بتجربة نوران بعد أن زارني الفنان الكبير ضياء العزاوي في مرسمي وطرح علي فكرة العمل في مجال الكتب أسوة بعملي في مجال الحفر والطباعة. فاستجبت لما طرحه خصوصا ونحن محدودو الرؤية ورحلاتنا قليلة للاطلاع على تجارب الآخرين فمعظم تلك الأسفار والرحلات مبادرات شخصية هذا الى جانب أن المشروع الفني في البحرين هو مشروع شخصي ليس له علاقة بالدولة".
وأضاف عبدالرحيم: "لماذا اتجهت الى الكتاب؟ أجيب بأننا قبل أن نبدأ بعمل أي شيء نتساءل من أين نبدأ خصوصا وأن حضارتنا هي حضارة لغة وكتاب. وكيف يتسنى لي أن أخلق حوارا بيني وبين الآخر الذي يمكن أن يكون غربي أو من أي كان في العالم، واعتقادي أننا متى أردنا أن نخاطب الآخر فلابد من أن نخاطبه من خلال تاريخنا".
أكد المشاركون في ندوة "الأسس الفلسفية والجمالية لحوار الفنون" أن مجال فنون ما بعد الحداثة، ينشأ منصة هامة للحوار، ما بين الذكورة والأنوثة، بين الهويات والمفاهيم والتصورات، كما يرسم خريطة التغيرات التي طالت الهويات بشكل عام.
جاء ذلك خلال الندوة التي عقدت مؤخرا في قاعة مجلس كلية الآداب بجامعة البحرين والتي شارك فيها أستاذ علم نفس الابداع بجامعة الخليج العربي د. شاكر عبدالحميد، أستاذ البلاغة الجديدة بجامعة القاهرة د. طارق النعمان، الأستاذة المشاركة في كلية الآداب د. نهى بيومي، الأستاذة المساعدة بقسم الاعلام بجامعة البحرين د. هدى المطاوعة، الروائي البحريني فريد رمضان والفنان البحريني جمال عبد الرحيم.
علاقة الأدب بالتصوير
تحدث أستاذ علم نفس الابداع بجامعة الخليج العربي د. شاكر عبدالحميد عن العلاقة بين الأدب وفن التصوير، موضحا أن هناك فنون جسدت هذه العلاقة، "فن القصة القصيرة مثلا يحتاج الى شيء من الادراك للواقع أو الادراك للذات. ونجد أيضا أن فن التصوير يحتاج الى هذا النوع من الادراك. فالقصة القصيرة والتصوير يحتاجان الى الخيال والى الذاكرة والى نوع من العلاقة التي تتحرك من المجسد الى المجرد. فالقصة القصيرة والتصوير هما أشبه بالرسالة الموجهة من الأنا الى الآخر أو من الآخر الى الأنا هذا الى جانب البعد الاجتماعي. والحضور الكثيف للآخر داخل هذين الفنين. ويصح القول أيضا أن هذا صحيح بالنسبة للفنون جميعها. وليس فقط بالنسبة لفن القصة القصيرة والتصوير.
وأضاف: ان هذه العلاقة تتبدى أيضا من خلال بعض الأقوال في تاريخ الفن. على سبيل ما قاله دافنشي: ان التصوير هو الشعر الذي يرى ولا يسمع. والشعر هو التصوير الذي يسمع ولا يرى. أو كما قال سيموندس: ان التصوير شعر صامت والشعر تصوير متكلم".
سياق ما بعد الحداثة
ورأى أستاذ البلاغة الجديدة بجامعة القاهرة د. طارق النعمان في ورقته عن "حوار الفنون في سياق ما بعد الحداثة" أن مأزق النص القرآني حين كان يراد التدليل على اعجازه استند الى مفهوم النظم.
وأضاف:"ونحن نعرف جميعا أن لدى الجاحظ كتاب بعنوان "نظم القرآن" وقد ظل مصطلح النظم يتكرر كثيرا داخل التراث البلاغي العربي اذ طرح لدى العديد من البلاغيين الى أن أتى عبدالقاهر الجرجاني وطرح مفهوم العبقرية في النظم. وما يلفت الانتباه في نص عبدالقاهر الجرجاني هو الكلمات التي استخدمها الجرجاني فيما يتعلق بالمصطلحات الي تنتمي الى مجال الصناعات. ففي نصي الأسرار والدلائل نجد أن عبدالقاهر يستخدم أنواعا لمواد نفيسة كالذهب، الابريز واللآليء. اذ تكررت تلك المصطلحات ما بين در وذهب وجواهر وما بين فضة وابريز في أكثر من 41 مرة.
وتابع د. النعمان قائلا: نجد أيضا في ذلك النص المصطلحات الدالة على العملية مثل الصنعة، الصياغة، النقش، النحت والتصوير في معدل تكرار عالي. وهناك أيضا النظم، الترتيب، النسق، الضم، البناء، الارتباط، الاتحاد، الملائمة وكلها مصطلحات ذات علاقة لصيقة جدا بمجال الفنون الأخرى التي كان يطلق عليها اسم الصناعات".
هويات النساء المتحركة
بينما أكدت الأستاذة المشاركة في كلية الآداب د. نهى بيومي في ورقتها "الهجنة في الفنون والجندر: هويات النساء المتحركة" أن مجال فنون ما بعد الحداثة، ينشأ منصة هامة للحوار. ما بين الذكورة والأنوثة، بين الهويات والمفاهيم. والتصورات كما يرسم خريطة التغيرات التي طالت الهويات بشكل عام.
وأضافت :"انني انطلق من فرضية أن ازدياد أعداد الفنانات عربيا وعالميا مع شيوع فنون ما بعد الحداثة والتي أنشأت حوارا مختلفا بين الفنون واستخدمت وسائط سمعية بصرية فتداخلت السجلات الفنية في بعضها البعض مقتحمة حدود النوع الفني فاتحة اياه على الوسائط الجديدة. وأن ارتفاع نسب الفنانات المشاركات في هذا المسار الفني له دلالات ثقافية هامة - من وجهة نظرنا - تؤكد التشابك بين الفني التكنولوجي والمعرفي على مستوى الأعمال الفنية وهوية منتجيه. وتفصح عن العوامل الفلسفية والثقافية العامة التي تشير الى تعدد التداخل والتشابه بين جميع الفنون واعتماد المشهد والعين والنظر كمحور أساسي في وجودنا كما تشير الى الانفتاح بين الثقافات بين مختلف أرجاء العالم مع تنامي دور العولمة والتأثر بالثقافات الأخرى وثقافة الموضة التي ترتبط بمفهوم الزوال والوقتي والعابر".
البحث عن الانسانية
بينما وجدت الأستاذة المساعدة بقسم الاعلام بجامعة البحرين د. هدى المطاوعة في ورقتها "الخط التنويري في المنهج النقدي. تحرير الانسان من خلال وجهة نظر اتصالية للعالم" أننا بالبحث عن انسانيتنا سنتمكن من تحقيق قوة التواصل.
وأضافت :"فبدلا من التخوف من الأفق المفتوح على الاحتمالات والسماح لذلك الخوف بالتحكم فينا تسعى نخبة من الباحثين في مجالات علمية متقاطعة الى البحث عن انسانيتنا في أعماق هذه الحالات المليئة بالاحتمالات وعدم الوضوح لايجاد القوة والقدرة على طرح التساؤلات. وعند ذلك فقط سنتمكن من حيازة القدرة على التحكم في حياتنا، وابتداء العمليات المتعلقة باعادة العالم جديدا وأكثر انسانية. فالناس تنتقي خياراتها عادة بناء على أهداف لها علاقة بحياتهم الاجتماعية. ومع ذلك فان تلك الميول الطبيعية والصحية تشكل معضلة بالنسبة لمجتمعاتنا العالمية والمادية. خصوصا مع وجود الثقافة المؤسسية التي تسيطر على أذهاننا بحيث يتحول سعينا الى حياة عادلة أقل تهديدا للحالة القائمة".
المرئي واللامرئي
كما كشف الروائي البحريني فريد رمضان في مداخلته عن جزء من تجربته المشتركة مع الفنان جمال عبدالرحيم في نص "نوران". وقال رمضان :"ان علاقتي مع الفنان جمال عبدالرحيم بدأت منذ العام 1994 حين انطلقت فكرة صناعة أول كتاب فني محدود العدد والكتاب الفني محدود العدد هو الكتاب الذي يصنعه الفنان بيده دون تدخل من مؤسسات المطابع أو النشر.
وقد التقيت به منذ ذلك العام ولم ننقطع عن الحوار ليس في مجال كتابي الوحيد الذي عملت معه فيه بل استمر ذلك الحوار مع معظم تجاربه مع الكتّاب العرب والأوروبيين الذين عمل معهم في عدة كتب. فحوار الفنون يرتبط بجدلية فلسفية في ربط فنون وتجارب ابداعية متكاملة أي هي مكتملة الخصائص قبل بدأ حوارها مع الفنون الأخرى، فكيف يتحاور معنيان لكل منهما فلسفته الخاصة في التعبير احداهما ظاهر والآخر باطن. وكيف يتحاور المرئي واللا مرئي. هذا ما كانت تجربتا تحاول الاجابة عنه".
من خلال التاريخ
فيما تحدث الفنان جمال عبد الرحيم عن تجربته مع مجموعة من الفنانين والشعراء العرب والعالميين، موضحا: " ان تجربتي في مجال الكتب بدأت بتجربة نوران بعد أن زارني الفنان الكبير ضياء العزاوي في مرسمي وطرح علي فكرة العمل في مجال الكتب أسوة بعملي في مجال الحفر والطباعة. فاستجبت لما طرحه خصوصا ونحن محدودو الرؤية ورحلاتنا قليلة للاطلاع على تجارب الآخرين فمعظم تلك الأسفار والرحلات مبادرات شخصية هذا الى جانب أن المشروع الفني في البحرين هو مشروع شخصي ليس له علاقة بالدولة".
وأضاف عبدالرحيم: "لماذا اتجهت الى الكتاب؟ أجيب بأننا قبل أن نبدأ بعمل أي شيء نتساءل من أين نبدأ خصوصا وأن حضارتنا هي حضارة لغة وكتاب. وكيف يتسنى لي أن أخلق حوارا بيني وبين الآخر الذي يمكن أن يكون غربي أو من أي كان في العالم، واعتقادي أننا متى أردنا أن نخاطب الآخر فلابد من أن نخاطبه من خلال تاريخنا".