حسن إمامي - جزء من ( رواية بحيرة العشق اللازوردي)

( ...)
[ في السادسة والثلاثين من عمرها، تحرص على طقسها في الاستحمام كل أسبوع. تحضر ككل أنثى لوازمه، كما أنها تعرف مسبقا حاجتها إلى سائل بارد يطفئ عطشها. هكذا تحضر عصير الليمون البارد، وتضعه في الثلاجة قبل أن تذهب للحمام. دخولها إلى الغرفة الداخلية الساخنة جدا واستعمالها للصابون البلدي، يثير بعضهن. ذلك، أنهن تحوّلْن إلى مواد عصرية محضرة بالمختبرات الصيدلية، ومشهورة كماركات عالمية في مواد النظافة والتجميل. غير أن اعتمادها على مادة لزجة تميل من حمرة إلى سواد، يجعل بعض الأعين تترقب جسدها وحركتها، وتحاول الحكم على شخصيتها. أيعقل أن تكون صاحبة هذا القوام الرشيق متحفظة في استعمال مواد عصرية؟

حتى الصابون الذي تستعمله قبل الخروج من غرفة الغسل الأخيرة والباردة الحرارة، يبقى صابونا من نوع خال من كل المعطرات والمواد المركبة كيماويا. لن تكون وحدها في الاختيار طبعا، هي تعلم هذا. كما تعلم أنها تتبع إرشادات طبية عن وعي، مما يجعلها مرتاحة في استعمالها غير مبالية بنظرات استغراب أو استعلاء وتبجح صادرة عن بعضهن. فالحروب الباردة بين النسوة لا تسلم منها طبعا. قد تأتيها إشارات كلامية بطرق غير مباشرة. وفضاء الحمام هو مجال لجلها ما دام يجمعهن في هذه الغرف الجماعية من أجل تلك الصونا التي تريح الجسد من الزوائد وأنواع الخلل المفصلي وغيره.

لم تكن لتشير إلى طقس الحمام في تذكراتها لولا أنها تشعر بالحاجة للكلام عن تلك المدلكة التي تتفرغ لها طيلة مدة استحمامها. تستغرب لنوع كلامها ووصفها لأطراف جسدها وهي تدلكها. وكذا استحسانها لهيأتها ورشاقتها ونعومتها الفائقة:

ـ هذا الجسد آ مولاتي جميل جدا. لا يجب أن تعبث به أي امرأة أو مدلكة. يحتاج إلى رقة في تدليكه وتمرير الأصابع فوق حرير جلده. أنت آ مولاتي، جمال جسدك من جمال قلبك. أنظري إلى طريقة استرخائك واستلقائك. جميلةٌ طواعيةُ جسمك لليد التي تدلكه... ملاك يحفظه الله وينجيه من كل سوء... من العيون الحاسدة... والله، كلما دخلتِ إلى الحمام أوخرجت منه إلا وكان دعائي لك حاضرا ومستمرا... ما كان لَمْسُك إلا بريش من حرير. وما كان دهن نعومتك إلا بمِسْك يذوب عطرا، من أخمص قدميك الصغيرتين إلى قدك وجيدك الممشوقين، ما كنتِ إلا ملاكا شرفني الله بالاعتناء به والحمد لله.

تتوزع هذه الأوصاف في طقس تكون فيه مغمضة العينين اتقاء لهما من سائل الصابون وسخونة الحمام. تستشعر سعادة مرافقة لتطهير وتدليك جسدها مع هذا النوع من الكلام الذي لا تتقنه أي امرأة سواها. تدرك بحدسها في بعض اللحظات أن المرأة المدلكة (فطومة) تتجاوز حدود مهمتها أحيانا دون أن تتمادى في حركتها أو سلوكها، حتى لا تثير من حولها أو زبونتها. ربما تثور ضد فعلها الذي يرافق كلامها. كيف انها تجعل لمس الحلمتين بطريقة تتنمل لها المسام رغم حرارة الحمام. وكيف تمرر جوانب سبابتها وإبهامها حول طرفي فرجها، وهي المنطقة الأكثر حساسية في جسدها. ربما لكثرة ما دلكت فطومة جسد وفاء أصبح خارطة محفوظة بمواقع إثارتها واستسلامها.

ـ هذه الشامات جعلها لك الله بصمة توقيع لجمالك... الله يسترك بولد الحلال الذي لن يخدشها إلا بالحنان... تكون هذه الكلمات قد اخترقت الحواس باللمس قبل السمع والضرب على الوتر الحساس في نفسية وفاء ولحظات عريها الاستحمامي.

لم تجد من خلال ما قرأته ما يتحدث عن طقس الاستحمام ومشاعره ونفسياته عند المرأة... مشاهد الأفلام التي رأتها لم تكن تفجر كل الكلام الذي يحتاجه هذا الشعور عندها بترجمة بركان الداخل حديقة أزهار فائحة وناعمة مع معانقة كل نسيم... ربما هذا الطقس الجماعي يشوش على مثل هذه المشاعر. إنما ما العمل ؟

يبقى الحمام الجماعي ضرورة أسبوعية وصحية واسترخائية لها ولجسدها... تعلم أنها تستغل الفصول الدافئة والحارة خلال السنة في الامتداد داخل مسبح حمامها الصغير في شقتها. ولكن فضول هذه المغامرات التي تشعر بها بحدسها مع شخصية من نوع فطومة، يجعلها تتجاهل مقاصدها ونياتها وتترك لطقس الحمام البلدي، بلغة المجتمع، القيام بدوره... كم مرة تشكلت لها فطومة بصوت رجولي في منامها واهتاجت مشاعرها وهي في ذروة تحقيق رغبة جنسية لا واعية عن طريق استحلام لا إرادي، يستعين بلوحة التدليك التي تتم في عري ولمس واغتسال الحمام البلدي.

هل تكون فطومة سحاقية؟ ألا أكون أنا كذلك أميل إلى هذا النوع من التلذذ كل مرة؟ كيف لا أعترف وأنا التي استلذت بالرغبة والشهوة داخل فراشها وبمفردها؟ ما لم أعترف به للطبيب النفساني، وما لا يسمح به كبرياء امرأة أن تبوح به، ما لم يضطرّها الأمر لذلك أمام طبيب خاص.

لجسدي تاريخه الجنسي الخاص به، وكذا أسراره التي يسجلها ماضيه وحاضره. أخاف أن أسجلها في مذكرات خاصة، ذلك أن السر يعرف طريق الانفلات ولو كان بين يدي صاحبتِه.

أصبحتُ أحلل نفسي إذا. أتابع سلوكي الداخلي والخارجي وألاحظ وأفسر وأستجمع الاستنتاجات... يوم الجمعة هذا هو يوم ذهابي إلى الحمام بعد الزوال. لكنه ارتبط كذلك الآن بموعد الدعوة لوجبة الغداء مع ضيوف الطبيب النفساني. غريبة المرأة في صمتها!غريبة كذلك في بوحها!] صص19 /22


* حسن إمامي: بحيرة العشق اللازوردي..رواية - ط2019 - مطبعة النجاح الجديدة (CTP) الدار البيضاء
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى