أخذ الشعر المحكي "العَّّامي" في السنوات الأخيرة يَحظى باهتمام لا بأس به، قياسًا إلى الفترات السابقة من مسيرته الشّعرية. وسائل الإعلام المختلفة التي أصبحت متوفّرة في كل بيت تقريبًا، ساهمت إلى حد بعيد في انتشار هذا اللون من الشعر، ممّا جعل - كما ألاحظ - الكثير من الشعراء والكتّاب والقراء، ينظرون إلى هذا الشعر باحترام أكثر ممّا كانوا ينظرون إليه في السّابق. هذا التحوّل أخذ يعم رغم النّظرة الدّونية التي لحقت به من قبل المؤسسات الرسميّة المحلية، وفي الوطن العربي أيضًا، حيث عمدت هذه المؤسسات إلى ابعاده عن المكتبات الرسمية، وكذلك عدم ادراجه في المناهج التدريسيّة الرسميّة، لكن ذلك لم يمنع هذا الشعر من الانتشار إلى حد نافس الشعر الفصيح، وتخطّاه في بعض الأحيان، لذلك لا استغرب مطلقًا رأي الباحث الدكتور غالي شكري، حين ذهب في كتابه القيّم (شعرنا الحديث إلى أين؟..) أن مستقبل القصيدة العربية، هو للقصيدة العامية المحكية.
تجسيد الشعر المحكي لهموم الناس، وملامسته أحاسيسهم التي تدور حول مختلف الجّوانب الحسيّة والحياتيّة، مثل القصائد التي كتبها الشاعر بيرم التونسي في مصر، وخليل روكز في لبنان، وقصائد مظفر النوّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّاب العاميّة في العراق وغيرهم، عزّزت مكانة هذا الشعر سواء من الناحية الفنية، أو من حيث التّواصل الذي تحقّق بشكل بارز بين الشاعر والجمهور، وواصل هذا الشعر تطوّره، وأخذ إلى حد بعيد يتماثل مع أسلوب وطريقة تعبير القصيدة الفصيحة التي سارت باتّجاه الحداثة، بحيث استطاع شعراء العاميّة المجدّدون، أمثال: أحمد فؤاد نجم، ميشال طراد، طلال حيدر وموريس عوّاد، أن يضمّنوا قصائدهم العناصر الشعرية والفنية الحديثة التي لا بدّ أن تتوفّر في الشعرالحديث عامة، فأخذنا نستمتع عند هؤلاء الشعراء بالصور الشعرية الحديثة المركّبة، وبالتّضامين الفنية، وبالإيحاء والترميز الشفّاف، وما إلى ذلك من عناصر شعرية أثرت هذا الشعر، وجعلته شعرًا راقيًا.
استقبال هذا النوع من الشعر، بكل ما يحمله من ترحاب في وسائل الإعلام، والإقبال الجماهيري على منصّاته ومهرجاناته الشّعرية، لم يرقَ عند الكثير من المهتمّين بنشاطه ومسيرته إلى التّمييز ما بينه وبين الزّجل، أو ما اصطلح على تسميته ب(الشعر المنبري) الذي يُكتب من أجل أن يُغنّى بمصاحبة الرّق، فإذا كان الشعر العَّّّّّّّّّّّامي الذي يُعرّف ب(الشعر الشعر) قد تطوّر واقترب من الحداثة، كما أشرتُ آنفـًا، فإن الزّجل لم يشهد عبر مختلف المراحل التي عَبَرها، أي تطوّر سواء فيما يخص الجانب الفني، أو الوزني الإيقاعي،أو الأسلوب الغنائي الذي يُقدّم به، ولعلّ تسابق متعاطيه وناظميه على تخصيصه لمضامين ومناسبات معيّنة، أخرج "شعرهم" في كثير من الأحيان من دائرة الشعر، وأغرقه في التّقريرية، والخطابيّة والمباشرة، وحوّل الشاعر من فنان مبدع يعاني جدليّة الخلق والابتكار والتجديد والتّجريب والمغامرة، إلى صانع كلمات يفصّلها بما يتناسب مع المضامين التي تّطلب منه، أو التي تناسب مقاس هذه المناسبة أو تلك، هذا هو السبب الذي جعل شعراء الزجل المهتمّين بمستوى قصيدتهم وجمالها ورقيّها، أمثال: رشيد نخلة، وغيره، لا يقربون المنابر والمنصّات الزّجلية إلا نادرًا.
يلمس القارئ من خلال توقّفي عند هذا الجانب، بأنني أقصد الزّجل اللبناني، حيث كانت وما زالت هناك حركة ملموسة تدور في المجال الزّجلي المنبري، وأعتقد أن القاعات والساحات العامة المتوفّرة عندهم، ساعدت الزّجالين اللبنانيين على تقديم حفلاتهم الزّجلية، في حين أن غياب مثل هذه القاعات والساحات العامة، عندنا في فلسطين، حدا بهذا الزّجل أن يُقتصر على المناسبات الخاصة والأعراس، فكان أن سار نحو دبكات السحجة، وتوقّف عند الحداء، والمحاولات التي قام بها بعض الزجّالين المحليين، خاصة في السنوات الأخيرة، لتقديم أزجالهم في برامج زجلية منبرية، لم تستطع أن تشكّل نكهتها الخاصة بهم، فبقيت تتمحور في فلك الزّجل المنبري اللبناني، وتسير على هديه لهجة وشكلا ومضمونا.
من جهة ثانية، فإن الشعر العَّّّّّّّّامي المحلي، لم يشكّّّّل لغاية الآن ظاهرة شعرية يمكن الوقوف عندها، ذلك بسبب العدد القليل من الشعراء الذين يكتبون هذا الشعر، وقلَّّّّّّّّّّّّّّّة إصداراتهم الشعرية.غير أن التَّوجه الجاد نحو كتابة القصيدة العَّّّّّامية ونشرها، عند تركي عامر وزاهد عزت حرش ونايف سليم وفوزي ناصر، يستحق الثَّّناء.
لا بدَّّّّّّّّّّّّّّّ من التَّّّمييز بين الاتّّّّّّّّّّّّّجاهين الشّعريين:
الشّعر المحكي "العَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّامي"،... والزَّّّّّّّجل.
الزَّّّّّّّجل انتشر في ظروف ثقافية وتاريخية خاصة، وصل إلى أفضل أشكاله في لبنان، ثمَّّّّ في بلاد الشّام التاريخية، وله أصوله وأساليب تقديمه. أما الشّعر العَّّامي يخضع لنفس قوانين اللهجة العّامية المحكيّة، ولكنه يختلف عن الزَّّجل بكونه شعرًا تتوفَّّّّّّّر فيه مواصفات القصيدة الفصحى الحديثة وعناصرها الفنية، وبالتّالي هو شعر باللغة المحكيّة.
تجسيد الشعر المحكي لهموم الناس، وملامسته أحاسيسهم التي تدور حول مختلف الجّوانب الحسيّة والحياتيّة، مثل القصائد التي كتبها الشاعر بيرم التونسي في مصر، وخليل روكز في لبنان، وقصائد مظفر النوّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّاب العاميّة في العراق وغيرهم، عزّزت مكانة هذا الشعر سواء من الناحية الفنية، أو من حيث التّواصل الذي تحقّق بشكل بارز بين الشاعر والجمهور، وواصل هذا الشعر تطوّره، وأخذ إلى حد بعيد يتماثل مع أسلوب وطريقة تعبير القصيدة الفصيحة التي سارت باتّجاه الحداثة، بحيث استطاع شعراء العاميّة المجدّدون، أمثال: أحمد فؤاد نجم، ميشال طراد، طلال حيدر وموريس عوّاد، أن يضمّنوا قصائدهم العناصر الشعرية والفنية الحديثة التي لا بدّ أن تتوفّر في الشعرالحديث عامة، فأخذنا نستمتع عند هؤلاء الشعراء بالصور الشعرية الحديثة المركّبة، وبالتّضامين الفنية، وبالإيحاء والترميز الشفّاف، وما إلى ذلك من عناصر شعرية أثرت هذا الشعر، وجعلته شعرًا راقيًا.
استقبال هذا النوع من الشعر، بكل ما يحمله من ترحاب في وسائل الإعلام، والإقبال الجماهيري على منصّاته ومهرجاناته الشّعرية، لم يرقَ عند الكثير من المهتمّين بنشاطه ومسيرته إلى التّمييز ما بينه وبين الزّجل، أو ما اصطلح على تسميته ب(الشعر المنبري) الذي يُكتب من أجل أن يُغنّى بمصاحبة الرّق، فإذا كان الشعر العَّّّّّّّّّّّامي الذي يُعرّف ب(الشعر الشعر) قد تطوّر واقترب من الحداثة، كما أشرتُ آنفـًا، فإن الزّجل لم يشهد عبر مختلف المراحل التي عَبَرها، أي تطوّر سواء فيما يخص الجانب الفني، أو الوزني الإيقاعي،أو الأسلوب الغنائي الذي يُقدّم به، ولعلّ تسابق متعاطيه وناظميه على تخصيصه لمضامين ومناسبات معيّنة، أخرج "شعرهم" في كثير من الأحيان من دائرة الشعر، وأغرقه في التّقريرية، والخطابيّة والمباشرة، وحوّل الشاعر من فنان مبدع يعاني جدليّة الخلق والابتكار والتجديد والتّجريب والمغامرة، إلى صانع كلمات يفصّلها بما يتناسب مع المضامين التي تّطلب منه، أو التي تناسب مقاس هذه المناسبة أو تلك، هذا هو السبب الذي جعل شعراء الزجل المهتمّين بمستوى قصيدتهم وجمالها ورقيّها، أمثال: رشيد نخلة، وغيره، لا يقربون المنابر والمنصّات الزّجلية إلا نادرًا.
يلمس القارئ من خلال توقّفي عند هذا الجانب، بأنني أقصد الزّجل اللبناني، حيث كانت وما زالت هناك حركة ملموسة تدور في المجال الزّجلي المنبري، وأعتقد أن القاعات والساحات العامة المتوفّرة عندهم، ساعدت الزّجالين اللبنانيين على تقديم حفلاتهم الزّجلية، في حين أن غياب مثل هذه القاعات والساحات العامة، عندنا في فلسطين، حدا بهذا الزّجل أن يُقتصر على المناسبات الخاصة والأعراس، فكان أن سار نحو دبكات السحجة، وتوقّف عند الحداء، والمحاولات التي قام بها بعض الزجّالين المحليين، خاصة في السنوات الأخيرة، لتقديم أزجالهم في برامج زجلية منبرية، لم تستطع أن تشكّل نكهتها الخاصة بهم، فبقيت تتمحور في فلك الزّجل المنبري اللبناني، وتسير على هديه لهجة وشكلا ومضمونا.
من جهة ثانية، فإن الشعر العَّّّّّّّّامي المحلي، لم يشكّّّّل لغاية الآن ظاهرة شعرية يمكن الوقوف عندها، ذلك بسبب العدد القليل من الشعراء الذين يكتبون هذا الشعر، وقلَّّّّّّّّّّّّّّّة إصداراتهم الشعرية.غير أن التَّوجه الجاد نحو كتابة القصيدة العَّّّّّامية ونشرها، عند تركي عامر وزاهد عزت حرش ونايف سليم وفوزي ناصر، يستحق الثَّّناء.
لا بدَّّّّّّّّّّّّّّّ من التَّّّمييز بين الاتّّّّّّّّّّّّّجاهين الشّعريين:
الشّعر المحكي "العَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّامي"،... والزَّّّّّّّجل.
الزَّّّّّّّجل انتشر في ظروف ثقافية وتاريخية خاصة، وصل إلى أفضل أشكاله في لبنان، ثمَّّّّ في بلاد الشّام التاريخية، وله أصوله وأساليب تقديمه. أما الشّعر العَّّامي يخضع لنفس قوانين اللهجة العّامية المحكيّة، ولكنه يختلف عن الزَّّجل بكونه شعرًا تتوفَّّّّّّّر فيه مواصفات القصيدة الفصحى الحديثة وعناصرها الفنية، وبالتّالي هو شعر باللغة المحكيّة.