أنا والكلام قصة غريبة عجيبة ، لا تنتهي ،إنه يرافقني باستمرار ،سواء كنت وحدي أو صحبة غيري من الناس.
يؤثث عالمي بأفكار في أي موقع كنت ، في المكان والزمان ، ويعيد علي بعض ما حدث وما كان، شبيه بظلي، كأني به توأمي دون أن يكون لا هذا ولا ذاك، مشتت ومتغير يرفض الهدوء والسكون ويقاوم الفراغ والسكون .
أنا والكلام قوسان لمساحة ما انفكت تعيد ألف مرة كتابة حديثنا ، أقول له إنني مكتفية بنفسي لا أحتاج إلى الذكرى أو إيحاء أو فكرة أو حوار ،ولا إلى إلهام يوحي إليّ بقصائد أو بأشعار، لكنه يصر على مواصلة لغوه دون انقطاع ،كان ينسب إليّ أقواله، كنت أردّ أنني أخيّر الصمت، فيذكرني بأنني المتحدثة وكنت أجيب أن أقوالي هي ما حفظته من كلام سبقني ،أخاطب به غيري.
أنا والكلام طرفان مندمجان في معادلة واحدة، كل منا متصل بالأخر، لا يفارقه ، فلا هو ملكي ولا أنا من يعرّفه، فما يدور بخاطري ليس إلا أحاديث سمعتها من ذي قبل.
كذلك بدأت قصتنا ،وكان لا بد لها من تأويل، أن الكلام الذي أعيده يوميا على نفسي ليس إلا الأثر الذي تركه بداخلي ، كل من قابلت وعرفت وعاشرت وأحببت وفارقت.
إنه ببساطة، تلك العبارات التي تعيد إليّ صور المطر والحر بشموسها ،صور الحقول والغابات ، و ما أستحضره من أسماء الأزهار بألوانها: الأقحوان ، البنفسج ، شقائق النعمان ، الياسمين .
أما عن مفاتيحه فهي قديمة قدم دنيا ، ترى كيف استطاعت احتواء العالم بأسره في صور تقرأ ثم تأول من خلال أصوات محملة بالمعاني؟ أ تعلمون أن اللغة أداة إيحاء لوصف الملذات بأنواعها وذكر الأماكن والأشخاص ، وهل لنا من وجود خارج اللغة ؟ أتعلمون أن اللغة هي سلطة لا على الجسد فحسب، بل على الفكر والكيان ؟
كلما سلكت مسارات غير معهودة، وتسلقت القمم وخرجت عن نطاق المعلوم والمألوف فأدركت المعاني المجازية وبلغت الفكر التجريدي، أوحت لغتي لقارئها بحضور الغائب والراحل أو المهاجر ، واستعادت ذكريات الماضي ،تجرأت على وصف الجنة و الجحيم ،و سعت إلى اكتشاف الحقيقة، إلى نحت عالم ثان موازيا لعالمنا المحسوس.
لذلك، كان الكلام الجسر بين هذين العالمين يجمعهما أحيانا يفرقهما أحيانا أخرى ، فالأسماء والأفعال هي من تسمي العالم وتحكي قصته وتروي تاريخه، لكنها ليست إلا إيحاءات وإشارات ترسم في أذهاننا صورا وتمثلات.إنها ليست حقيقته بل حقيقة ما نفكر فيه ونشتهيه ونصبو إليه، إنها عالمنا الموازي الذي يؤول الواقع .
ها نحن نمشي ، نخترق الأزمنة والمدن والأمكنة ، ها، أنك تحدثني أيها الكلام وتخبرني بما حل وما كان وها ،أنا أعيد ترتيب ملامحك ، ها أنك تقاومني ، تخرج عن طوعي وها أني أنفخ فيك شيئا من روحي . لم تبخرت فجأة أيها الكلام ؟ أين أنت ؟ لماذا تحولت إلى شظايا متطايرة ؟ ألانني وحدي ، وكنت صوت الآخر الحاضر داخلي والغائب عني ؟
لم يبق لي من جسر للعبور إلى العالم المحسوس سوى الصمت . ها أني أصل إلى منطقته لأتأمل الضفة الأخرى : ضفة اللغة برواياتها وتاريخها ، فأدرك أن تجاربنا ما انفكت تتكرر ،لأنها تحكى بنفس الكلمات أو بما يشابهها ، لذلك لم تتغير أنفسنا منذ الأزل، إنها مازالت تشكو من نفس الجشع نفس الانهيار نفس القدرة على الدمار .
ومع ذلك قد تكون اللغة في الأصل : الروح التي بعثت فينا كي نضفي على العالم أكثر من معنى ،ونسمي الأشياء فنعيد خلقه من جديد .
كاهنة عباس
يؤثث عالمي بأفكار في أي موقع كنت ، في المكان والزمان ، ويعيد علي بعض ما حدث وما كان، شبيه بظلي، كأني به توأمي دون أن يكون لا هذا ولا ذاك، مشتت ومتغير يرفض الهدوء والسكون ويقاوم الفراغ والسكون .
أنا والكلام قوسان لمساحة ما انفكت تعيد ألف مرة كتابة حديثنا ، أقول له إنني مكتفية بنفسي لا أحتاج إلى الذكرى أو إيحاء أو فكرة أو حوار ،ولا إلى إلهام يوحي إليّ بقصائد أو بأشعار، لكنه يصر على مواصلة لغوه دون انقطاع ،كان ينسب إليّ أقواله، كنت أردّ أنني أخيّر الصمت، فيذكرني بأنني المتحدثة وكنت أجيب أن أقوالي هي ما حفظته من كلام سبقني ،أخاطب به غيري.
أنا والكلام طرفان مندمجان في معادلة واحدة، كل منا متصل بالأخر، لا يفارقه ، فلا هو ملكي ولا أنا من يعرّفه، فما يدور بخاطري ليس إلا أحاديث سمعتها من ذي قبل.
كذلك بدأت قصتنا ،وكان لا بد لها من تأويل، أن الكلام الذي أعيده يوميا على نفسي ليس إلا الأثر الذي تركه بداخلي ، كل من قابلت وعرفت وعاشرت وأحببت وفارقت.
إنه ببساطة، تلك العبارات التي تعيد إليّ صور المطر والحر بشموسها ،صور الحقول والغابات ، و ما أستحضره من أسماء الأزهار بألوانها: الأقحوان ، البنفسج ، شقائق النعمان ، الياسمين .
أما عن مفاتيحه فهي قديمة قدم دنيا ، ترى كيف استطاعت احتواء العالم بأسره في صور تقرأ ثم تأول من خلال أصوات محملة بالمعاني؟ أ تعلمون أن اللغة أداة إيحاء لوصف الملذات بأنواعها وذكر الأماكن والأشخاص ، وهل لنا من وجود خارج اللغة ؟ أتعلمون أن اللغة هي سلطة لا على الجسد فحسب، بل على الفكر والكيان ؟
كلما سلكت مسارات غير معهودة، وتسلقت القمم وخرجت عن نطاق المعلوم والمألوف فأدركت المعاني المجازية وبلغت الفكر التجريدي، أوحت لغتي لقارئها بحضور الغائب والراحل أو المهاجر ، واستعادت ذكريات الماضي ،تجرأت على وصف الجنة و الجحيم ،و سعت إلى اكتشاف الحقيقة، إلى نحت عالم ثان موازيا لعالمنا المحسوس.
لذلك، كان الكلام الجسر بين هذين العالمين يجمعهما أحيانا يفرقهما أحيانا أخرى ، فالأسماء والأفعال هي من تسمي العالم وتحكي قصته وتروي تاريخه، لكنها ليست إلا إيحاءات وإشارات ترسم في أذهاننا صورا وتمثلات.إنها ليست حقيقته بل حقيقة ما نفكر فيه ونشتهيه ونصبو إليه، إنها عالمنا الموازي الذي يؤول الواقع .
ها نحن نمشي ، نخترق الأزمنة والمدن والأمكنة ، ها، أنك تحدثني أيها الكلام وتخبرني بما حل وما كان وها ،أنا أعيد ترتيب ملامحك ، ها أنك تقاومني ، تخرج عن طوعي وها أني أنفخ فيك شيئا من روحي . لم تبخرت فجأة أيها الكلام ؟ أين أنت ؟ لماذا تحولت إلى شظايا متطايرة ؟ ألانني وحدي ، وكنت صوت الآخر الحاضر داخلي والغائب عني ؟
لم يبق لي من جسر للعبور إلى العالم المحسوس سوى الصمت . ها أني أصل إلى منطقته لأتأمل الضفة الأخرى : ضفة اللغة برواياتها وتاريخها ، فأدرك أن تجاربنا ما انفكت تتكرر ،لأنها تحكى بنفس الكلمات أو بما يشابهها ، لذلك لم تتغير أنفسنا منذ الأزل، إنها مازالت تشكو من نفس الجشع نفس الانهيار نفس القدرة على الدمار .
ومع ذلك قد تكون اللغة في الأصل : الروح التي بعثت فينا كي نضفي على العالم أكثر من معنى ،ونسمي الأشياء فنعيد خلقه من جديد .
كاهنة عباس