عصام محمد جميل مروة - شيخٌ عامليّ.. وثائرٌ نجفيّ ..

حسين مروة شهيد الفلسفة العربية الإسلامية التي جعل منها إنفتاحاً غير مسبوق على الماركسية ..
هكذا كانت إنطلاقة الشيخ حسين علي مروة إبن بلدة حداثا وجبل عامل .في الجنوب من لبنان .على مشارف الحدود مع فلسطين المحتلة لاحقاً.
منذ نعومة اظفارهِ حيث نشئ على شيئ من التربية الثقافية من خلال وقوفهِ دائماً امام وبجانب والده الشيخ علي مروة . في إستقبال المشايخ والسادة والوجهاء من كافة وجميع العائلات العاملية. ومنهم آلِ فضل الله . والزين. والأمين. ومغنية. وشرارة. وبزي. والكثير من المشايخ الذين كانوا يتجمعوا في مناسبات عديدة. واهمها وهي التي جعلت من الشيخ الصغير حسين مروة متيقظاً لكل دعوة وكلمة كان يسمعها في المجالس تلك . واولها رفض ومعارضة الحكم العثماني والتركي . الذي كان يحكم بقساوة لا مثيل لها في الوصف . حسب التعبير المجاز للعلماء الأفاضل والأجلاء منذ الأعوام الأولى . الى التحضير للحرب العالمية الاولى .
وغداة تسارع تلك الأيام كان والدهُ مصراً على إرسال الشيخ الى المدارس في جميع القري الجنوبية والتي كانت شبه بدائية. ويروي الشيخ حسين مروة في ذاكرتهِ عندما كان يتنقل ويسافر من قرية الى اخري . كانت ايام الربيع والالوان المختلفة من الورود والشتل الطبيعي للطيون والزعتر والدحنون. بقيت معه حيث ما تنقل وكان اجتيازه لنهر الليطاني بمثابة خطوة تاريخية في حياته عندما كانت تأتي بهِ والدته الى بلدة الزرارية حيث كانت مدرسة الكتاب او الجعفرية اول ما تنبه لها من خلال المعلمين فيها.ولم تستمر لأسباب حسب رأي الأستاذ محمد دكروب. لظروف مادية.
اما عندما سافر في عّمر الشباب الى النجف الأشرف لأكمال وصية والده في ان يعود شيخاً معمماً. لكن للشيخ كانت له بال واسعة في التعرف الى الثقافات الآخري من خلال الكتب المترجمة للغات. المتعددة من الانكليزية والفرنسية . وحتى الروسية وهي التي كانت بمثابة تحول تاريخي في حياتهِ . عندما أهداه الرفيق .
حسين محمد الشبيبي و يُعتقد بأنه هو الذي غمز وهمس في إذن الشيخ عن الإلتفات الى الثقافات الأخري . البيان الشيوعي والأول في التعرف على الماركسية. وليس ارتداداًعن المطامح التي اتي من اجلها الى العراق .ولكنهُ وجد شيئاً جديداً ما للحداثة في الإنتقال من التعليم للفقه الإسلامي . من خلال الحوزات العلمية التي دخلها ربما لأعوام كثيرة كانت كافية لكي تؤهلهُ ان يصبح ويُمنح أجازة في العمل كعالم او شيخ مكلف. لكن لحسين مروة آراء وامال وآفاق أوسع بكثير من ان يصبح علامةً وخطيب في الحسينيات. وحتى عندما نسج علاقات واسعة مع المثقفين من خارج الحوزات العلمية في النجف . كان قد منح الجنسية العراقية وأصبح يحترم القانون ويمارس عمله في الإبداع الثقافي. حتي وصل الى قلوب وعقول الأدباء والشعراء ومنهم الشاعر الكبير . ابا فرات محمد مهدي الجواهري. والذين شكلا حلقة من المثقفين العرب كان لها اثارها في كل من العراق ولبنان ومصر وسوريا. ولكن ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي ألقت بثقلها على كاهل الشعوب العربية من نكسات واحتلالات لفلسطين .
والإتقلابات في العراق الذي اول ما تحول وإنتقل من الملكية الى الجمهورية من خلال نوري السعيد. قد خاف من الأفكار التي كان يناضل من اجلها ويحملها حسين مروة. وامر على الفور بطردهِ من العراق . وإسقاط الجنسية العراقية عن الشيخ حسين مروة. وعاد الى بلاده في ظل ظروف حروب وفقر ولم يجد مكاناً للعمل في مجال الأدب . وتنقل بين بيروت ودمشق لسنوات كثيرة حتى استقر بهً الحال. وعمل في جريدة الحياة وفي مجلة الطريق وكتب الكثير على صفحات جريدة النداء الناطقة بإسم الحزب الشيوعي اللبناني. وما قدمه من مساهمة في لعب دوراً كالمقاتلين في جبهة المقاومة الوطنية واللبنانية عندما وصلت قوات الإحتلال الصهيوني الى العاصمة بيروت كان قلمهُ الأحمر يطلق رصاص أقوي وأمضي من فوهات البنادق ، في لبنان ما بعد النكسة التي حذت بهِ كمثقف ان ينخرط ويكتب وينضم الى صفوف الحزب الشيوعي اللبناني . ما بعد حرب ال67.ومنذ تلك الأوقات قد تفرغ للكتابة والقراءة عن كل ما لَهُ صلة بالإسلام والعرب
ومرت السنوات حتى بدئت الحرب الأهلية في بلدهِ لبنان. وكان معارضاً وساخطاً على تفرد فئة من المجتمع في التسلط على الأكثرية من اللبنانيين ومن الفقراء والممتدين على مساحة واسعة من كامل وعلى ارجاء الجمهورية اللبنانية. والتي كان قد عارض إنشاءها على أسس مذهبية وطائفية وفئوية. معتبراً إياها نتيجةً حتميةً لأطماع دول الأستعمارية . من قِبل فرنسا وبريطانيا ،،عندما أنجز أفضل الأعمال في ظل الحرب المدمرة.
وكانت الموسوعة في الرؤي والنظر. كتاب النزعات المادية في الفلسفة العربية والإسلامية. قد جعلت مِنْهُ فيلسوفاً بكل معني للكلمة. لأنها لاقت احسان وإعجاب الكثير من النقاد في الأدب واللغة والفكر. وحصل على جوائز مهمة من دول كثيرة وأهمها . جائزة اللوتس التي تمنحها موسكو الى الذين يكتبون عن المشرق العربي. وعن فلسطين.
لكن لماذا اكتب اليوم وقبل أسبوعين على إنقضاء اكثر من تسعة وعشرون عاماً على إغتيال الكلمة الحرة والفكر النير . في بيروت عندما وقعت الحروب الألغائية والهجوم على المؤسسات الثقافية . كان حسين مروة طريح الفراش ويعاني من الآلام التي تسببها الشيخوخة. ولكن في ذلك المساء قُرع باب بيت الشيخ المسجي على سريره. حيث دخل جاهل وظلامي احمق لا يعرف ما أُمِر بهِ. من خلال إطلاق رصاصة خرساء على قلب ورأس شيخ الشهداء حسين مروة..
لكنني أقول بأن حسين مروة لن تخيفُهُ تهديدات نوري السعيد. واستمر بالكتابة حتى عن ألأسلام وعن بعض الشوائب التي عارضها وأنتقدها. وفي شرح مفصل وطويل لتلك الموسوعة التي تتسع الى اكثر من ألفين صفحة من الشرح والوصف للأعمال التي راجعها وتفوق اكثر من خمسة آلاف مجلد عن الثقافات والأديان والحضارات..
ولدتُ شيخاً وأموت طفلاً. هذا ما كان قد قالهُ للإستاذ عباس بيضون في مقابلة صحفية في جريدة السفير. والتي تعني الكثير من خلال طموحهِ الى اعمال تنتظرهُ. للمستقبل.. ويعود تاريخ المقابلة الى ما قبل إغتيالهِ لسنوات عديدة. في أواسط الثمانينيّات من القرن الماضي.
ان تكون متخلفاً ام ظلامياً ولا تريد
اي تقدم في الثقافة. فهذا لك الخيار الكامل ومن حقك مهما حاولنا . لن نغير في إصلاح افكارك الهدامة..
والتي ترفض الإنفتاح على الأخرين .اما ان تفرض مبادءك الهابطة على كل ما للحداثة والتجدد. على الأخرين هذا ما لا نسمح بهِ على الإطلاق. مهما كلّف ذلك من سحق وقتل وإغتيال للكلمة. في بلادنا..
في ذكراك الطيبة نعتذر منك يا شيخ الشهداء. حتى ولكي لا تُغتال مرةً ثانيةً. إذا ما وضعنا وردةً حمراء. على ضريحك في مدافن السيدة زينب في دمشق.. والأسباب انت تعرفها وكنت قد حذرتنا منها مراراً..
تفشي الظلامية؟!؟

عصام محمد جميل مروة ..



أعلى