نادين غورديمير Nadine Gordimer - هروب البحر*.. قصة قصيرة

كانت هزة الأرض هذه المرة أشد قوة مما تم تسجيله منذ إختراع مقياس رويتر، الذي أتاح قياس التحذيرات الغامضة.

هرب السكان من هدم منازلهم إلى التلال. وعلى الرغم من الصرخات والإنهيارات الأرضية التي تسببت في رعبهم ، فقد سيطر على المكان الصمت العاري...
لم تكن هزة أرض عرف الناس مثلها من قبل، كانت زلزالا مهولا، أدى إلى تغييرات مختلفة عما ينتج عن الهزات الأرضية، تلك التي تتسبب غالباً في وقوع الفيضانات.
زلزال عنيف أحدث فعلا عكسياً، إذ جعل المحيط يتراجع، ويزيح الستار عن الطبقة الأكثر غموضاً في عالمنا، قاع البحر بما يحتويه من حطام السفن الغارقة، وواجهات المنازل، وأوعية دورات المياه، وشاشات التلفاز، وعربات البريد، وأجسام طائرات، وتماثيل من الرخام، ومدافع كلاشينكوف، والأجزاء المعدنية من حافلات السائحين، وغسالات أطباق أتوماتيكية، وحواسيب آلية، وعملات تحولت إلى أحجار.
أشياء لا ينتهي عدها أو نوعها، لم يعد يخفيها غير زبد البحر، يتلالأ فوقها.

ذهل السكان لما ترك البحر خلفه، وانبهروا... نزلوا من فوق التلال، وقد نسوا ان الزلزال يمكن أن يضرب الأرض ثانية. توجهوا مسرعين، إلى البحر، جماعات وفرادى لنهب جوفه، وكل ما يستطيعون وضع أيديهم عليه. يجمعون الغث والثمين وكل واحد منهم يقول في نفسه:
_ هذا لي، وهذا من نصيبي، وهذا ملكي، وإن لم آخذه الآن ، جاء أحد غيري واستولى عليه، ولن يترك شيئا...

غارقون في نهب البحر مثلما لم يحدث في الانتفاضات السياسية حين تنهب المتاجر... لم ينتبهوا إلى أن البحر لم يترك خلفه سمكا، لأن نقايات جشعهم أهلكته... ولم تبق على الأرض التي تركها البحر كائنا حيا...
كانوا يتقدمون فوق العشب البحري، يسحقونه بأقدامهم. تغرق أرجلهم داخل الرمال المشبعة بالماء ولا يبالون، إلا بما سيضعون عليه اليد... يتوغلون داخل أرض البحر...
نسوا في بهجتهم الأشبه بالعربدة حطام منازلهم، وضياع ممتلكاتهم، لا يفكرون سوى في غنيمتهم من جوف البحر العاري، إلا من أعشابه، وقد تحطمت تحت أرجل لا يقودها غير جشع، يسلب قوة طبيعة كانوا قبل هرب البحر عاجزين أمامها.

وهم في جريهم المحموم لإنهاء كل مخلفات البحر، كانت صيحات تتردد في الجو تكسر الصمت الذي يلف الكون، تشبه صيحات طائر النورس الذي اختفى مع رحيل البحر... لم يهتموا لها... كما لم يلتقط سمعهم قصف الرياح الآتي من بعيد... باغثهم البحر يحاصرهم من كل جانب... ابتلعهم ومعهم غنائمهم.


* ترجمة للمعنى عن النص الأصل

نادين غورديمير / جنوب إفريقيا


======================
نادين غورديمر (Nadine Gordimer)
(1923 - 2014)
كاتبة ذات طراز حقوقي إنساني مناهض للعنصرية، وتنحدر من جنوب أفريقيا، ولدت في سبرينجز يوم 20 نوفمبر 1923،

حصلت على جائزة نوبل في الأدب عن مجمل أعمالها المناهضة للتمييز العنصري في بلادها عام 1991
ولدت في عائلة برجوازية لأب يهودي الأصل وأم إنجليزية، وتربت في بيئة دينية مسيحية كاثوليكية، كما ترعرت في بيئة شهدت الكثير من فترات التفرقة العنصرية التي كانت تميز أو تؤمن بتفوق العرق الأبيض على نظيره الأسود، ولكنها لم تكن تحمل التفرقة العنصرية والمشاكل العرقية في بلدها. كتبت أول قصة لها في سن التاسعة؛ نتيجة تأثرها بما قامت بة الشرطة بجنوب أفريقيا من عملية مداهمة وتفتيش لمنزل خادمتها السوداء. وفي 26 أكتوبر 2006 أعتدى عليها ثلاثة من اللصوص حاولوا سرقتها مما أصابها بجروح طفيفة.

من أعمالها

أهل يوليو

1711455940295.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
في الأدب الإفريقي - ملف
المشاهدات
985
آخر تحديث
أعلى