خفيةً هربت الى غرفتها.. وبينما كان الاهل والاصدقاء في الخارج يرددون اسمها في اغنية تتمنى لها سنة جميلة، كانت هي مشغولة في مراقبة تفاصيل وجهها وجسدها امام مرآة لا تهوى الكذب!
حدّقت مليًّا قبل ان تتأكد ان هذه الخطوط الصغيرة في جبينها وخديها هي تجاعيد فعلًا!! لم يعد بريق عينيها يلمع كما ذي قبل، حتى ابتسامتها باتت توحي بتجربة حياة ثلاثينية...!
خاطبت نفسها معزيّة: عساه امرٌ نفسي تشعر به المرأة حين تقارب الاربعين..!
لكنها تنبهت في تلك اللحظة لبضع شعيرات بيضاء، اعادتها الى الواقع: "كلا، قد كبرت فعلًا.. فها هم يغنون لي في الخارج لبلوغي السابع والثلاثين، وفي مكنونهم يلومنني لعدم ارتباطي برجل حتى الآن.. وينعتونني سرًا "بالعانس"..!
هو لقبٌ يروق للبعض اطلاقه على كل امرأة يتخطى عمرها الثلاثين.. لقبٌ يشعر النساء اللواتي تزوجن بالنصر لانهن كنّ اكثر حظًا.. والاكثر انوثة.. حتى لو كانت المرأة منهن غير راضية عن حياتها مع ذلك الرجل الذي ارتبطت به..! ويشعر الرجال برغبة التقرّب من امرأة تنتظر العريس على احرّ من الجمر..! فتراه يتودد ويتغزّل ظنًا منه ان كلماته ونظراته المعسولة والذبّاحة هذه.. سترميها ارضًا لشدّة التأثّر.. فهي متعطشة لسماع أي كلمة، تشعرها انها لا زالت مرغوبة وجميلة..! اما هو فيرد ذلك عليه شعورًا ب"الرجولة" !!
عادت "سارة" إلى حفل ميلادها، الحفلة التي باتت تشكّل كابوسًا يكبر عامًا بعد عام..! نادتها صديقتها مريم "العانس" كذلك:
"هيا، لنقطع الكيك سويًا".. ثم اكملت ممازحة: "وشكلنا رح نختير ونبقى عوانس سويًا.."
لا أحد يضحك سارة بشدّة سوى أسلوب مريم اللذيذ في الممازحة.. همست في اذنها قائلًا: ابقِ الليلة هنا، سنسهر ونتحدث كثيرًا"..
مريم هي صديقة سارة منذ اكثر من عشرين سنة، وعايشت الاثنتين تفاصيل حياة الاخرى، وكلٌّ منهما يدرك تمامًا اسباب عدم ارتباط الاخرى وزواجها حتى الآن..!
انتهت الحفلة وذهب الجميع، بقيت مريم وسارة وتلك المرأة العجوز التي لا تفوت فرصة لتوجيه الانتقادات واللوم إليهما..
سارة: وما ذنبنا نحن يا امي، ان كان الشخص المناسب لم يأتِ بعد!
الأم: عن أي "مناسب" تتحدثين؟! أيٍّ كان!! "المرا اللي بدها السترة بتقبل بأي رجال، هيك عاجبك اكتر يعني يقولولي يا ام العانس!"
ردت مريم محاولة تلطيف الجو: "نحنا مش ما بدنا نتجوز يا حجة، بس موعودين بحور عين بالجنة فقلنا مننطر.."
الام متأفأة: "فش حور عين بالجنة للنساء، هيدول للرجال بس"!
تسابق التخاطر المعهود الى ذهني مريم وسارة فردت الاثنتان: "العمى!! شو محرومين منهن هون وبالجنة!"
الأم غاضبة: "نشالله بتضلو عوانس!! دق المي وهي مي!! الحكي ما بينفع معكن!! انا فايتة نام اشرفلي!!"
وغرقت الفتاتان في دوامة حتى ثمل حنكهما بهجة.. بهجةٌ تحمل في طياتها الكثير من الألم الذي سرعان ما نشر الصمت في ارجاء المكان!!
دمعت عيني سارة: هل تذكرين ذلك الشاب؟ كنت في العشرين.. أحببته لخمس سنوات، كنت انتظره حتى يتمكن ماديًا من التقدّم لخطبتي.. سافر في نهاية المطاف وترك قلبي مكسورًا! بعد ذلك، مضت سنتين حتى زالت ذكراه، وعدت اشعر بغيره.. وتعرفت الى آخر، قضيت معه سنة كاملة.. وفي ليلة حقودة رأيته يقبّل تلك الفتاة ! بقبلات متعددة الجنسيات..! ملّ مني وذهب ليشم ريحق زهرة أخرى..!
ثم قررت ان اتابع دراستي العليا، وأبعد قليلًا عن جو العشق والغدر والخيانة.. حصلت على "الدكتورا" في القانون الدولي.. وكنت حينذاك قد تخطيت الثلاثين.. وبدأت عيون الناس تنظر إليّ من زاوية كذلك ثلاثينية!!
أعجب بي رجل اربعيني، هو ايضًا لم يكن متزوجًا.. لكن المجتمع لا ينعته ب "العانس" فهو "رجل ولا يعاب كما تقول امي!"..
قال لي انه تأخر بالزواج كي يؤمن حياته وحياة اولاده في المستقبل، فوضع البلد الاقتصادي صعبٌ جدًا، ويحتاج المرء فيه كي يشعر بالأمان إلى منزل وبضع املاك صغيرة..
كان يعجبني نضجه، ثقافته وخبرته في الحياة.. لكنه لم يسألني يومًا عن والدي رغم عدم ذكري له في أيٍّ من مجالسنا..! وحين قرر الارتباط بي والتقدّم لخطبتي.. جنّ جنونه حين علم اني وامي واختي نعيش بمفردنا في المنزل، وان ابي قد توفي مذ كنّا صغارًا..! وفي ليلة وضحاها تبدّلت ثقافته جهلًا ونضجه تحجرًا اعاده حين التطبيق كما الكثير من الرجال المثقفين في مجتمعاتنا العربية، الى مئات السنين..! فابتعد عني معتذرًا، لأن "خبرته" في الحياة، باتت تولد لديه هواجس كثيرة، حين يرى فتيات مع امهن يعشن بمفردهن دون "رجل".. يراقبهن!
حدّقت مليًّا قبل ان تتأكد ان هذه الخطوط الصغيرة في جبينها وخديها هي تجاعيد فعلًا!! لم يعد بريق عينيها يلمع كما ذي قبل، حتى ابتسامتها باتت توحي بتجربة حياة ثلاثينية...!
خاطبت نفسها معزيّة: عساه امرٌ نفسي تشعر به المرأة حين تقارب الاربعين..!
لكنها تنبهت في تلك اللحظة لبضع شعيرات بيضاء، اعادتها الى الواقع: "كلا، قد كبرت فعلًا.. فها هم يغنون لي في الخارج لبلوغي السابع والثلاثين، وفي مكنونهم يلومنني لعدم ارتباطي برجل حتى الآن.. وينعتونني سرًا "بالعانس"..!
هو لقبٌ يروق للبعض اطلاقه على كل امرأة يتخطى عمرها الثلاثين.. لقبٌ يشعر النساء اللواتي تزوجن بالنصر لانهن كنّ اكثر حظًا.. والاكثر انوثة.. حتى لو كانت المرأة منهن غير راضية عن حياتها مع ذلك الرجل الذي ارتبطت به..! ويشعر الرجال برغبة التقرّب من امرأة تنتظر العريس على احرّ من الجمر..! فتراه يتودد ويتغزّل ظنًا منه ان كلماته ونظراته المعسولة والذبّاحة هذه.. سترميها ارضًا لشدّة التأثّر.. فهي متعطشة لسماع أي كلمة، تشعرها انها لا زالت مرغوبة وجميلة..! اما هو فيرد ذلك عليه شعورًا ب"الرجولة" !!
عادت "سارة" إلى حفل ميلادها، الحفلة التي باتت تشكّل كابوسًا يكبر عامًا بعد عام..! نادتها صديقتها مريم "العانس" كذلك:
"هيا، لنقطع الكيك سويًا".. ثم اكملت ممازحة: "وشكلنا رح نختير ونبقى عوانس سويًا.."
لا أحد يضحك سارة بشدّة سوى أسلوب مريم اللذيذ في الممازحة.. همست في اذنها قائلًا: ابقِ الليلة هنا، سنسهر ونتحدث كثيرًا"..
مريم هي صديقة سارة منذ اكثر من عشرين سنة، وعايشت الاثنتين تفاصيل حياة الاخرى، وكلٌّ منهما يدرك تمامًا اسباب عدم ارتباط الاخرى وزواجها حتى الآن..!
انتهت الحفلة وذهب الجميع، بقيت مريم وسارة وتلك المرأة العجوز التي لا تفوت فرصة لتوجيه الانتقادات واللوم إليهما..
سارة: وما ذنبنا نحن يا امي، ان كان الشخص المناسب لم يأتِ بعد!
الأم: عن أي "مناسب" تتحدثين؟! أيٍّ كان!! "المرا اللي بدها السترة بتقبل بأي رجال، هيك عاجبك اكتر يعني يقولولي يا ام العانس!"
ردت مريم محاولة تلطيف الجو: "نحنا مش ما بدنا نتجوز يا حجة، بس موعودين بحور عين بالجنة فقلنا مننطر.."
الام متأفأة: "فش حور عين بالجنة للنساء، هيدول للرجال بس"!
تسابق التخاطر المعهود الى ذهني مريم وسارة فردت الاثنتان: "العمى!! شو محرومين منهن هون وبالجنة!"
الأم غاضبة: "نشالله بتضلو عوانس!! دق المي وهي مي!! الحكي ما بينفع معكن!! انا فايتة نام اشرفلي!!"
وغرقت الفتاتان في دوامة حتى ثمل حنكهما بهجة.. بهجةٌ تحمل في طياتها الكثير من الألم الذي سرعان ما نشر الصمت في ارجاء المكان!!
دمعت عيني سارة: هل تذكرين ذلك الشاب؟ كنت في العشرين.. أحببته لخمس سنوات، كنت انتظره حتى يتمكن ماديًا من التقدّم لخطبتي.. سافر في نهاية المطاف وترك قلبي مكسورًا! بعد ذلك، مضت سنتين حتى زالت ذكراه، وعدت اشعر بغيره.. وتعرفت الى آخر، قضيت معه سنة كاملة.. وفي ليلة حقودة رأيته يقبّل تلك الفتاة ! بقبلات متعددة الجنسيات..! ملّ مني وذهب ليشم ريحق زهرة أخرى..!
ثم قررت ان اتابع دراستي العليا، وأبعد قليلًا عن جو العشق والغدر والخيانة.. حصلت على "الدكتورا" في القانون الدولي.. وكنت حينذاك قد تخطيت الثلاثين.. وبدأت عيون الناس تنظر إليّ من زاوية كذلك ثلاثينية!!
أعجب بي رجل اربعيني، هو ايضًا لم يكن متزوجًا.. لكن المجتمع لا ينعته ب "العانس" فهو "رجل ولا يعاب كما تقول امي!"..
قال لي انه تأخر بالزواج كي يؤمن حياته وحياة اولاده في المستقبل، فوضع البلد الاقتصادي صعبٌ جدًا، ويحتاج المرء فيه كي يشعر بالأمان إلى منزل وبضع املاك صغيرة..
كان يعجبني نضجه، ثقافته وخبرته في الحياة.. لكنه لم يسألني يومًا عن والدي رغم عدم ذكري له في أيٍّ من مجالسنا..! وحين قرر الارتباط بي والتقدّم لخطبتي.. جنّ جنونه حين علم اني وامي واختي نعيش بمفردنا في المنزل، وان ابي قد توفي مذ كنّا صغارًا..! وفي ليلة وضحاها تبدّلت ثقافته جهلًا ونضجه تحجرًا اعاده حين التطبيق كما الكثير من الرجال المثقفين في مجتمعاتنا العربية، الى مئات السنين..! فابتعد عني معتذرًا، لأن "خبرته" في الحياة، باتت تولد لديه هواجس كثيرة، حين يرى فتيات مع امهن يعشن بمفردهن دون "رجل".. يراقبهن!