أ. د. عادل الأسطة - أنا والجامعة 25 : جائزة شومان

بعد عودتي من ألمانيا في العام ١٩٩١ أخذت أدرس مساقات الأدب الفلسطيني ومناهج النقد الأدبي ومذاهبه وموضوع في النقد الأدبي الحديث ، والمساق الأخير لطلبة الدراسات العليا ، حيث افتتح برنامج الماجستير .
في تلك الأعوام نشط قسم اللغة العربية بعقد مؤتمرات سنوية ، وكنت عضوا نشيطا وفعالا في لجنة المؤتمر ، وتمكنت والزميل عادل أبو عمشة ، الذي كان برأس قسم اللغة العربية في بداية تسعينيات القرن الماضي ، من عقد مؤتمرين ؛ أولهما عن الأدب الفلسطيني والانتفاضة وثانيهما تمحور حول ابراهيم طوقان ، تلاهما مؤتمر عن الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود أعد له الزميل خليل عودة الذي تسلم رئاسة القسم . ولما كنت عائدا حديثا من دولة غربية وكنت المتخصص في الأدب الفلسطيني والنقد ، فقد كانت مشاركتي ضرورية ، ولهذا كتبت ورقة لكل مؤتمر ، كانت قريبة الصلة من موضوع رسالتي الماجستير والدكتوراه .
ليست الرسائل العلمية التي نكتبها لنيل الشهادات هي نهاية الموضوع ، بل هي بداية - هكذا يفترض - يجب مواصلتها .
كان لما أنجزته في البحثين اللذين كتبتهما في الماجستير والدكتوراه تأثير كبير في المشهد الأدبي الفلسطيني وفي أبحاث زملاء وطلاب . وعلى سبيل المثال فإن أحد زملائي قرأ رسالة الدكتوراه وراق له منهحي وما كتبته عن رواية سميح القاسم " الصورة الأخيرة في الألبوم " فاستعار الرواية مني وتوسع فيما كتبته في رسالتي وسار على المنهج الذي اتبعته ونشر بحثا اعتمده لاحقا في تدريس مساقات الماجستير ، وأخذ يفتخر بما أنجز وبمنهجه في الكتابة .
صارت القصة القصيرة الفلسطينية موضوعا لطلاب الماجستير يكتبون فيها رسائلهم ، وغالبا ما كنت أقترح قاصا بعينه ، كنت درست نصوصه مع نصوص كتاب آخرين ، ليكتب عنه منفردا . وصار موضوع " الأنا والآخر " موضوعا حاضرا بقوة لم يقتصر في دراسته على نصوص من الأدب الحديث ، وإنما أخذ يخوض فيه الطلاب الذين يكتبون في الأدب العربي القديم ، فدرس طلاب الأنا والآخر لدى شعراء جاهليين وعباسيين وأندلسيين . وأكرر ثانية : لقد تركت رسالتا الماجستير والدكتوراه اللتان أنجزتهما ، وقد نشرتا في كتابين ، في ١٩٩٢ و١٩٩٣ ، ووزعتا في فلسطين ، لقد تركتا تأثيرا كبيرا في الحياة البحثية في فلسطين ، وربما يحتاج مدى تأثيرهما إلى دراسة إحصائية ، وقد تجاوز التأثير حدود جامعات الضفة وغزة إلى جامعات عرببة أخرى ، فكتب الشاعر المتوكل طه رسالة الدكتوراه الخاصة به " الآخر في الشعر الفلسطيني " في إحدى الجامعات المصرية ، وكتبت الزميلة أمل أبو حنيش رسالة الدكتوراه الخاصة بها ، في الجامعة الأردنية ، تحت عنوان " صورة اليهود في نماذج من الرواية العربية في القرن الحادي والعشرين "، وكنت أشرفت على رسالتها في الماجستير .
الأبحاث التي كتبتها للمؤتمرات ورسالة الدكتوراه التي أنجزتها وطبعتها شجعتني للتقدم إلى جائزة المرحوم عبد الحميد شومان .
في العام ١٩٩٣ تقدمت لنيل الجائزة ، ولم تشترط قوانينها في حينه أن يكون صاحب الأبحاث والكتب حصل من خلالها على لقب علمي ، وإن اشترطت القوانين على أن تكون الأبحاث أنجزت في السنوات الثلاث الأخيرة .
نلت الجائزة مناصفة مع باحث آخر وكان من أعضاء لجنة التحكيم المفكر السوري المعروف طيب تيزيني ، ومما ورد في حيثيات الفوز أنني نلتها " لتميز أبحاثه في الأدب والنقد وأثرها في خدمة المجتمع " .
يومها كان رئيس الجامعة الأستاذ منذر صلاح ، وكان عميد كلية الآداب الأستاذ رامي الحمد لله ، واتصل الأول بالثاني وطلب منه أن أذهب بصحبته إلى مكتب الرئيس ليبارك لي ، وهو ما تم .
كانت العلاقة بيني وبين رئيس الجامعة علاقة رسمية ، فلم أكن أذهب إليه إلا عند الضرورة ، وكان يقدر في سلوكي العقلاني ، لدرجة أنه وقف إلى جانبي في وجه عميدة البحث العلمي حين شكوت سلوكها وتصرفاتها إزاء نشر أبحاثي . ولعلني آتي على علاقتي بعمداء البحث العلمي في حلقة خاصة .
وعلى الرغم من مباركة رئيس الجامعة لي ، لحصولي على جائزة شومان ، إلا أن هذا لم يمنعني من الوقوف في وجهه وتقديم شكوى ضده إلى أعضاء مجلس الأمناء بسبب الترقية ، ولعل حكايتي مع الترقية تستحق ان تكتب في حلقة خاصة .
وكان حصولي على الجائزة مفرحا لي وللجامعة على السواء ، فالجامعة التي لم يمض على تأسيسها سوى خمسة عشر عاما تحقق من خلال أعضاء هيئة تدريسها إنجازات بحثية ، ولم أكن أول من حصل عليها ، فقد سبقني إليها خمسة أو ستة من الزملاء ، ولكني كنت أول عضو هيئة تدريس في قسم اللغة العربية حصل عليها . وقد نلتها في وقت كنت أحاصر فيه علميا وبحثيا وشخصيا من جهات عديدة .
صارت الجامعة بعد شيوع فكرة تصنيف أفضل الجامعات في العالم تلتفت التفاتا حثيثا لنشاطات أعضاء هيئة التدريس فيها ، ولذلك صارت تدرج على موقعها الأبحاث والنشاطات والجوائر التي ينجزها ويحققها العاملون فيها . ببساطة متناهية صار الإنجاز العلمي الذي يحققه الأستاذ يخصه ويخص جامعته في الوقت نفسه .


نابلس
الخميس
٢٠ آذار ٢٠٢٠

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى