جعفر كمال - الشاعر صادق الصائغ: يعزز من الاستشراف الصوتي، بدال الألفاظ ومدلول الصورة.

تقدمة:

تأثير هزل النقد السطحي المعاصر:

دأب الكثير ممن يسموّن ب"النقاد" في العراق، إلى الولوج من باب المديح أوسعهُ، فأعلوا من شأن البعض من المقلدين والمقلدات، حتى أصبح الجمع ضاراً بالحال الذي لن يفرقوا به بين الشعراء الحقيقين، وبين شعراء التقليد والتأليف، ولم يُوقِع أكثرهم بين الحالتين تبايناً، وهذا يوحي بالاستهتار في مراعاة المنفعة الأدبية العامة، ربما قد تكون هذه الحالة بسبب دوافع ذاتية تعتني بعدم إظهار الحقائق، أو بدافع الإخوانية وكأنه يقدم صدقة معينة تشيع الفرح والرضا على وجه من يستحسن هكذا وصف، وهؤلاء الجماعة تماهروا حتى جعلوا من التأليف يتوسم منزلة العظمة والمجد، فوصفوا جمال الشعر بجمال طبيعة العلاقة، سواء كانت تلك العلاقة تصاحب المرأة أو الرجل، وأمام هذا الانحدار الأخلاقي نسوا تماماً البعد الإنساني الحيادي عند تناولهم النص، بينما المتعارف عليه في النقد الموضوعي يجب أن يقف الناقد على مسافة تتحرك وتتفاعل بنكران الذات، وذلك في المثول أمام القصيدة بحيادية ناجعة من جهة صاحبها مهما كان قربه أو بعده من الكاتب، من جهة فحص التكامل بين مكونات الترابط الإبداعي بالمعرفي، لتصبح الدوافع العقلية نشطة من جهة إخراج فحص المادة إلى معيون مؤثر، بينما المادحون جعلوا من المكانة الجنسية، أو الربح المادي "الفلوس" أولوية حاسمة فتألهوا وتفننوا بتناول نصوص غير ذي فائدة، فجعلوا منها نصوصاً صالحة ونافعة ومؤثرة وبليغة وهلم، وكأن مهمة النقد الأدبي العراقي تختص بالاستعطاف، والملاطفة، والتلميع، والتهييج، والغرابة، والتوحش.

وهكذا يكون البعض من هؤلاء وكأنه غير معني بالمشهد النقدي العلمي بمساحته التي يفترض أن تقنن المعرفة وفحوى التشبيه بالمحاكاة اليقينية، محاورا فحص لطائف النظم أو قبحهُ، بينما نجد "النقاد" المادحين ليس لديهم دلالة نقدية واضحة ذات خصوصية مجسمة ومعلومة بقياسات مبنية على أصول علمية لها تأثيرها القيمي على الحركة النقدية العربية والعالمية، المفترض أن تقيم لها ميزة في توحدها الواضح والمؤثر، ومن أجل ذلك تجد أن كتاباتهم خالية من علم الموازنة، والبلاغة، والإتقان المعرفي، والاستطراد، والإحاطة بالنص وفحصه بحيادية أخلاقية، فلا هم يبحثون في باب البيان وهو الأسهل، ولا هم في باب الرأي الخاص بالناقد، ولا هم في باب التأويل، أو في الاتفاق أو خلافه، كون أنَّ النقد يجب أن يُكَوّن اتجاهاً تحسبُ اولياته المختصة لخدمة المنفعة العامة، لا من أجل المصلحة الشخصية الأنانية الفردية، فإذا قلنا أن المصلحة الموجبة بالمنفعة العامة لا الخاصة تقتضي اعتبار النقد شكلا من أشكال الوعي التلقائي الفكري، كما عبر عن هذا هايدجر واتفق معه فيما بعد سارتر، لغرض تحقيق توازن في الساحة النقدية الواعدة، فهي ضرورة ناجعة في إيصال المعلومة إلى مكانها الايجابي، لكي يَتَكَشّفْ الموروث عن منفعة قيمية للجيل المعاصر وما بعده.

ولكي تستفيد تلك الأجيال من التشخيص الصحيح الحرفي للنص، خاصة عند الذين يبحثون في كتب النقد عن الافادة والتعلم، يجب أنْ نتوسم من علمنا النقدي أن يحتاط بشرف الحقيقة ؟ لأن النقد ليس خيالاً مجسماً، أو لوحة يصب الرسام ألوانه بميزتها المتخيلة على اللوح، أو "تسفيط" في النثر وشبيهه، وكأن الناقد أصبح متحمساً لمديح هذا الكاتب أو تلك الكاتبة إلى درجة التضحية بمستقبله الأخلاقي، بعد أن جعل من اعتنائه بشخصية ما سميت جزافا بالشاعرة، فأصبح ثمنها وفتنتها وجمالها وقربها منه يشكل مصلحة تعنيه، أكثر بكثير من قيمة تلك السعادة الداخلية التي يمثلها الحياد، فأغلب هؤلاء "النقاد" أخذوا يتشابهون بمعطى يشبه الانطباع، أنَّ الذي يتخذونه منهجاً نقديا إنما هو الرأي الذي يمتاز بالأفق المعرفي والثقافي والمبدئي الرحب، مع أن الحقيقة ليس كما يطرحون.

من المفيد جداً لي أن أوضح أمراً يعتني بأصول الاشراق التنويري الناسج المعرفي المختص بتُهَذيبُ دراساتي النقدية، من حيث مسارها الفكري الذي أصبح يحظى بأكثر من مقبولية عند النقاد العرب، إضافة إلى أنَّ الكثير من الجامعات العربية المتفقة مع توجهاتي النقدية خصصت لدراساتي حصة تدريسية تعتني بطلاب المرحلة الجامعية. ولي أن أقول أنَّ تناولي للشاعر صادق الصائغ جاء بعد أن تناولت العديد من الشعراء العرب، وغايتي الوصول إلى ميناءه الجهبذ، فقد أهتمت محاولاتي النقدية التحديثية بتحفيز أشكال المجانسة التنظيرية بالتفكير الدلالي المهتم بتشذيب قوة ملقحة خلايا النص، من وازع بكل ما يتعلق بالأبنية الفكرية، التي تجاوزت نواتجها المرحلة المكتظة بما يسمى ب: "المدرسة الأكاديمية النقدية"، ومن أجل هذا اهتممت بخصوصيتي النقدية لإرضاء وإفادة ما يطلبه القارئ، بكل ما يهتم به علم الفروض والتصوّر ودلائل ما يورده التناظر النقدي، الذي أسمَتهُ جماعة النقاد الأوروبيين، بالناقد الفني: أي "الشاعر الناقد، أو القاص الناقد" ومن أجل هذا تجدني متناولاً التحديثية الأكثر ميزة في طبيعتها الإشراقية، تلك التي تكشف عن حسن النظم أو بيان فساده، وتحولاتي تستقي المزية القريبة من المظهر الحيوي في النص، وأسلوبيته، وثقافته، وبيان بديعه من جهة إبانة فيضه الحسي، الذي يكتسب المقبولية التي يرتجيها المتلقي، بمفعول ما يبسطه الشاعر بمقدار تأثير قدراته المختلفة على الناقد.

ولهذا أقمتُ على نهجي ماهية الحَدْ التام أن يَصبَ تأثيراته في مبعث الموازنة بين النص وصرفه، وبين مبدع ونص مختلف، معللاً الترجيع الذي يغالب الرأي بالرأي الآخر، ومؤوّلا المشترك ببعض وجوهه في الاتفاق اللازم تأثيره، بمدى أهمية القياسات التي تعالج المحاسنة النقدية بصفة خاصة، بين الأجناس الأدبية المختلفة في المعيار والتأويل والتأثير والكناية، وبهذا الحول التوليدي تجدني أعالج القدرات التحويلية، التي تحاكي المبحوث عنه في محاكي الوظائف الفنية، الموصوفة بتشخيص الشاعرية على بصيرة فيما تطلبهُ المجانسة الصوتية، التي تعمل على مفهوم تثبيت المدلول المركب في إيضاحية الألفاظ، المفترض أن تتحد في تصوراتها ومبانيها السياقية، المطلوب منها أن تصل إلى الحيلة اللغوية المكانية، المراد منها تحقيق التَّصَوُّف بأسلوبية مجددة التَّضايف في الصّورة النوعية في المضمون الذي يحاكي المعنى شكله المعني بالجو الذي ينمو فيه.

وعلى أساس ومكانة هذا المبدأ استثمرتُ الأحكام المولدة لوضع مفهومية تحقق الملموس الأخلاقي في معاينة النص أيا كان دون تحيز أو أهواء معينة، شرط أن يتجه النص إلى اعتبارات نوعية في قياسات الجدل ذات الأهمية الواضحة في تحولات ميتافيزيقيا النص بوارد: الجوابات، والفحوى، والقرار، وعلم اللغة، والإعجاز، وبلاغته، ومراده، وإيقاعه، وقدرة محاكاته للآخر. لأن هذه المعالجات المحمولة على علوم حقائق الاعجاز تُطرحُ ميزة النظرِ والاستدلالِ في جواباتي النقدية، التي تمثل الكشف عن المهارات الذهنية المجددة للمناشدة الجدية في محاكاة منسوب المعاني وطرق معرفتها، بما نعلمُ عن ما تبنته الحداثة من مباعد التناظر المبني كلِّ ضدٍ على مُقابلهِ. أي اننا عندما نخصص طرق المعرفة باتجاهها المُحَصِلْ، نكون قد وضعنا الأصل النحوي لأن يحاكي الجدل النقدي العقلاني، بالسبق والمعرفة القابلة للتأويل المؤكد، على أساس نسق المفهومية التي يولدها الفكر الإنساني المنظّم إلى ما هو مختلف عن السياقات النقدية القديمة والمعاصرة منها، خاصة ما أشرتُ إليه في الولادة النقدية التجديدية في متداولاتي للصورة الصوتية، وهذا ما سأحاول جاهدا أن أجعل من نظريتي تأخذ مكانتها المؤثرة على المناهج البحثية، والاتجاهات العلمية، والموضوعات التدريسية، والمقولات النقدية المختلفة الأخرى، ولي أن أثبت فقه نظريتي المعاصرة، ومفهومي للفقه في اللغة عبارة عن فهم الشيء بحد ذاته، أو بخالص احكامه ورؤيته الواضحة، والقرآن يقول: "ولكِنْ لا تَفقَهُونَ تَسبِيحَهُم*" أي لا تفهمون، والتي تعادل تحرير الاتجاه الفكري غير المتأثر بسياقات واحكام وأسلوبية النقاد السلف والمعاصرين، مهما تنوعت في قدرتها ومقبوليتها، لذ تجدني أسير باتجاه توليدي فكري جديد يبقى باحثا في الحداثة الأكثر تطوراً ومقبولية في تنوعها وتميزها.

واجزمُ لزوماً أن شاعريتي تؤثر بشكل أو بآخر على توجهاتي النقدية المُحدِثَةِ، التي تبحث في كل ما يلزم منه من اتجاه نقدي مؤثر، خاصة تخصصي في بنية رؤى الدلالة التي يؤثر فيها الصوت بأبعاده الحاكية للخاصية الشعرية، لأنني أدلل على وجودي النقدي بالقبض على مساحة الدلالة في المعيون الفكري، المؤشر إلى إشراق الصوت في الصورة الحسيّة، كونها تتطلع التطابق مع العالم المرئي "الواقع" ولا أرى بداً إلاّ أن اثبتُ برهاني الجدلي الذي يتعال مع الوجود والحياة بقوة براهيني التي تقر اللزوم الذي يتطلب ذلك، هذا إذا اعتبرنا أن من يتعارض مع اتجاهي التحديثي يفترض أن يمتلك الحاسة النقدية المتحمسة لصناعة نقدية جديدة لها التأثير الواضح على المتلقي، لكي يستطيع أن يجني ثمار مناقشاته، حتى يتوصل لتثبيت الحجة بالبيان أمام نهجي، شرط أن تبين تلك الأدلة الاختلاف النوعي بالمكانة الايجابية لمعالجة الاظهار في معاينة الاستدلال بعينه، وتثبيت القياس على الأصح منها والأقوى، الأكثر تأثيراً وتوصيلاً في المقام الأهم بالمنازلة والأحكام المبنية على الاعجاز في الوضوح والمفاضلة.

الشاعر صادق الصائغ ..

في المنظور النقدي :

عندما اتجهت إلى تناول الشاعر صادق الصائغ، كونه واحد من الشعراء الذين تركوا بصمة فاعلة في مسار الحركة الأدبية العربية، فهو يتمتع بإتقان مصباته البلاغية على النص الشعري، ويأخذ بالإحاطة ترتيب اللفظ، والإمعان في لطائف المعاني، بواسطة نشاطه الدائم بفصاحته المسددة بعفوية يختص بها، التي تشيع ازدهاراً في شاعرية المعرفة، وهو يستفحل على بكارة الكلمة فيفتضها على ضفاف متخيلات منظور الفنتازيا، كما فعلت نازك الملائكة، وعاتكة الخزرجي، في موضوعة دور الخيال الإدراكي لتثوير تقنية النص، حيث يمكننا القول أنَّ منظومة الصائغ الشعرية توحي بالتصورات الحاسمة بانتشار الخيال على أنه مصدر إبداعي يعزز من ثقافة الشاعر الأدبية، وقد نظر جاك لاكان وفرويد إلى أن الخيال مصدر للهذاء "Delusion" واعتبر جاك دريدا أن الخيال: "هو جوهر الفن والفلسفة والوجود الإنساني*" وبتفوقه مارس الصائغ أشكال الكناية وجعلها تستشف من تجلياته التأملية القوة المعنوية، المؤثرة على مدها الفلسفي المتفاعل مع تلقف الاستعارات اللازمة للمعنى، لتحقيق جوابات الأشكال المفتوحة على تناظرها، وقد مد المجاز الخصب في كل ما يتعلق بالأبنية الايحائية المتماسكة في باطنها المعنوي، هذا لأنه عزز من شيوع قصيدة المشاع المنطقي الواضح بدلالة توازنه الفني التقني، فجعل من المفهوم الدلالي محوراً يطابق الاستدلال على منبهات تعاشر وحي تجلياته، لأن خصوصيته الحالمة اثرت بخبرته الإدراكية عبر تصوراته الجمالية، التي أخذت تتيح لنا معرفة ثقافة الشاعر المطلعة على تبنيه معطيات أسلوبية العصر الكلاسيكي التنويري وما تلاه من تطورات ايجابية.

ولذا فنحن في صدد محاكاة يقظة الخيال الممتدة في شاعرية الصائغ، التي وجدناها تعبر عن مفهومه الفلسفي للفنتازيا، من موسوعة فرضيات اقتناها الشاعر من التنوع الذي تبناه بحولية مَسَاق شاعريته المختلفة من توجهاته الروحانية، والسياسية، وعرفاني خصوصيته، الكائنة في التأمل الفسيح عبر فضاء لا ينضب، ادت به إلى إحاطة قوانينه الشعرية بمفاهيم تنوعت فتواصلت بحولياتها مع الموروث الأندلسي المفتوح على الرومانسي المتخيَّل، الذي أسماه أوغسطين ب Imagination . وما احيط بتلك الفترة من ازدهار معرفي أشاع تطورات هائلة متوفرة في المكتبة العالمية، ومن ثم إلى أوروبا، ومنها إلى بلاد فارس، خاصة في ظهور شعر طاغور في الهند، وفي الغرب ظهور جوته، وملحمة آراغون "مجنون إلسا"، وكافكا، وبو، و التروبادور، والشاعر الفارسي جامي مؤلف حكاية "المجنون وليلى"، ومنانديز بيدال، وهذا تفعيل وتناص معرفي ينصب من تراث عميق يصاحب سياقات الشاعر الذاتية، من الزاوية التي تتيح للشاعر أن يمتزج ثراؤه الشعري بمحورية تنشأ من لدن اشتقاق مُفَوَّف بشفافية سيكولوجية نسميها العاطفة الموروثة بين الشاعر والمتسع الأدبي العالمي، وتلك العذوبة اتصف بها الصائغ بنقاء يخالطه العزم، من واقع شخصيته المرحة المحبوبة في الوسط الأدبي العربي زمن الجميع، وخاصة قراءه.

اخترت قصيدة "القطار" كونها تأخذ ميزة تمتمات أفكار الراكب، كما فعلت نازك الملائكة في قصيدتها "القطار"، هذا لأن القطار عادة ما يوحي لنا بتمثيلاته من مداخيل قياسية مختلفة تمثل الواقع العيني المرحلي، الدالة على استمرارية حساب متغير المكان، والزمان.

قطار آخر للحرب قادم
=


بأغنية حرب
بانتظار
بما يتطلب عن شاعر ان يكتب عن كذا .و.كذا..وكذا
بميادين قلقة
بأصوات مدبلجة
بتعاقد جماعي مع الموت والجريمة
بتجريدات وألوان غنائية
بحلي
وسكائر
وبيانات
بمناجد قديمة وأخرى جديدة
بتنويعات عروضية
كان هاجس المسكين أبو العتاهية
بالات حربية
بلغة لاذعة كلغة الحطيئة
برأس مفصول عن الجسد
لنصرخ بسعادة
ثالثة ورابعة
قطار أخر للحرب قادم


يمكن اعتبار وجوه التعبير يمثلُ مشهداً من معطيات الحدث، وإن تمسرح التَصَوَّر الواقعي، وهو ما يؤلُ إليهِ في هذا النص المناسب لشرط التمثيل، في وجوب يتضافر سياق أعتمد التمهيد للحرب القادمة بمفهوم "القطار الآخر"، مع أننا لا نعرف شيئاً عن القطار الذي قبلهُ بماذا جاء بالشكل المعني؟ فالاستفهام المعلن يستحصل الإجابة من ضمير الخطاب دون الاتفاق على ما يعني "بالآخر"! لأن شرط الدلالة غير معيون في ما تعنيه التفاصيل الحادة الموائمة للسياق اللاشعوري في مواضعة تمثيل الأشكال والأفكار المتناظرة، واستمداد تصوير مباديها وغاياتها المشروطة بسبق معرفة الشاعر بما فيها من ترسيخ لقوة التدليل المفترض أن يكون واقعاً معلناً، سواء كان من منظوره الاجتماعي أو الحربي، إذن هو غير منظور في الزمكان، وإن كانت الذات المثقفة على دراية بما سيحصل في المدار المجتمعي حولها، بما لها من تأثير في المنظومة الجمعية، خاصة قبل الخوض بالإعلان عن وجوب الفعل، وهو أن لا نجعل من المنظوم قابلاً لتفعيل التنظيرات الجاهزة، التي تمهد للشاعر أن يؤلف بما يشتهي، خاصة إذا كان هذا الشاعر بمستوى يمكنه من الرصف الذكي، والتخليق المتوازي، وتحقيق المَزِيَّة، بوارد إثارة مسعاه الابتكاري، الذي يمكنه من فلق الأفكار العامة بأطر وزن وإيقاع معين، من منطلق رسم النثر المفتوح على ما لا تقتضي به الحجة والبرهان بالإرادة المخّصصة في قوله: "بتعاقد جماعي مع الموت والجريمة". حتى وإن تذوقنا ملاحة هذا الربط الذكي، لكنه يبقى سياقا متعارفا عليه كونه تحصيل حاصل في نتائج الحروب، إذن لماذا أشار الشاعر إلى الفهم الجمعي بالتركيز على ضمير الخطاب المفتوح، هل لأنه يريد من خطاب النص أن يُستدار على ذاته بالإحساس الانكاري، على الرغم من البعد المحاك بين الجمل الشعرية، كون الخطاب كما يبدو واضحا في الرأي غير الشمولي في طبيعة الحروب، لذا جاءت البنية الفنية أشبه بمصطلحات تحل بها المسميات التشخيصية، وكأنه نداء لإعانة التاريخ على طرح أسئلة لا حصر لها عن حياة متحولة من الداخل الذي يبطن القصد إلى معيون الملأ.

وفي هذا نجد انفسنا نتبين جوابات محذوفه من تجربة ناجعة تميَّزَ بها الصائغ، جاءت تضع القارئ في حيرة، مع إنا كنا نطلب أن تكون مصبات التعبير أكثر وضوحاً في طرحها، لا أن يضعنا أمام تصورات شائكة، بمقتضى إحساسات الشاعر المتفاعلة مع ما تنتجه الحرب المصطنعة من تأثيرات نفسية، وما يدار بها من مآسي مجتمعية تصفع الإنسانية وتدمر منتجها العلمي والثقافي، وإنْ وقفنا فيها على كثير من مظاهر نبذها وتأثيرها المؤثر على الطبقة الفقيرة المحطمة، التي هي واضحة على هامش السجال السلمي، فكيف وهي في الحروب، باعتبارها الطبقة التي تحطمها مفعولات الحرب بشكل مباشر، كونها الطبقة التي لم تمتلك وسائل الدفاع عن نفسها، وما تستحصل آثارها من وجع كبير لمواطن الفقراء، سواء كان في التغيير المكاني أو الاقتصادي أو المناخي. وبهذا لم أجد سببا واحدا يجعل من الشاعر أن يستضيف السلف "أبو العتاهية" بموازنة مفلسة بتلاقيها، بدون توليف يساقي المعنى لينسجم مع تخلق المصائر بوجوب حالاتها، وكأن النص رؤى لا تتحد مبانيها مع الوظائف المميزة الخاصة بمعالجة مأساة الفرد في موضوعة الحرب، فالشاعر قَدَمَ لنا النص على أنه وصفات أوْمَأَ إليها دون انتظار يستقصي التأمُّلَ، في قوله: " بأغنية حرب / بانتظار بما يتطلب عن شاعر ان يكتب عن كذا .و.كذا..وكذا / بميادين قلقة ". وقوله: "بما يتطلب عن شاعر.." لماذا "عن شاعر" وليس "من شاعر" لأن "يتطلب"، أو "أُطْلِبَ" تقتضي التعيين في ما بعدها من حروف الجر، أمّا قوله في نهاية الجملة الثانية "كذا" فهو من باب الاستطراد لخروجه عن المعنى، اضافة إلى كون الجملة وقعت في بداية النص بقصد الاشارة إلى التعداد عن الاشارات الصامتة "كذا، وكذا، وكذا، لأن كذا اسم غير معلوم لا يعبر عن مسمى معين، كون الشعر يتطلب فصاحة المعنى بدون أن يميل إلى اللغز. ولأجل ما نورده من تأويل نقول، أن هذا القول يكون أجنبيا على الشعر، لذا وجب حذفه، لأنه لا يتوافق مع بينة بلاغية، أو نحوية، أو يتفق في سياق نظري تطوري.

يبتدئ حرف "ب" الجمل النثرية أغلبها، ثلاث عشرة مرة وهي: "بأغنية / بانتظار / بما يتطلب / بميادين / بأصوات / بتعاقد / بتجريدات / بحلى / بمناجد / بتنويعات / بآلات / بلغة / برأس." بينما تعداد أسطر النص هي = 19 لا غير. في هذا الحال يكون التكوين الحسابي في هذه المعادلة تَكَوَنَ على الوجه التالي: 19-13=6. ستة جمل فقط تنجو من سوط حرف الباء، وكأن هذه الصناعة آن لها أن تبوء شلل الوحدات الصوتية، بسبب التكرار الذي أشكل السياق غير المريح للوحدة النحوية، مع أن حرف ب من حروف الجر، وأيضاً من حروف المباني، اضافة إلى كونه حرف لصق، نحو: "امسكتُ بالتفاحة" وهو أيضاً يفيد: "بالاستعانة، والمصاحبة، والتعددية، والقسم، والسببية، والتعجب"، اضافة إلى أنَّ ما يكنزه الحرف من تلاقي أو تصاحب مع حروف أخرى بمعنى: عن، وعلى، وإلى" لكن تكراره غير المفيد أثقلَ إيقاعية الجملة، وعزل نسق المضمون بعضه عن بعض، وجرد التركيب المحوري من رشاقته الفنية، وكأنما الحرف تلاقت فيه الأدوات المتعارضة في بنيته الداخلية، لذا فإن "ب" أصبحت مهمتها التبشير في مجيء إصباحٍ الحرب في قوله "قطار آخر للحرب قادم" "بأغنية حرب" والصورة تحصيل حاصل لتكرارية حرف "ب"، والنتيجة التي يريد أن يقف الشاعر على اطلالها هي حروب متراكمة، تدمر البشر والاقتصاد والحجر وجماليات الحياة، والحروب تتوالى وتحصد الخيرات والشاعر يشير إلى أن الحرب سببية.

العقربة

بوروتِسْ

أنا أعرفك

وأعـْرِفُ وَجــْهـَكْ

بــَيـْنَ كـُلِّ الوُجـُوهِ أُمَـيــّزُهُ

بين كـُلِّ المـَلامِـح والشـَفـَراتْ

أنت جِــيـْنـُوسْ بوروتس

باحـْـِتفَاءٍ مُـقـَدَّسْ

سـَتــَنـْزِلُ مِـنْ سـَفـْحِكَ المُـنْـفــَرِدْ

حَانيَا ًكـَمَلاكْ

ضاحكاً كـَمَلاكْ

ثـُـمَّ تَـطـْعـَنَـني كــَمَلاكْ

وَبـِصِدْقِ المُدَافـِعِ عـَنْ نــَفـْسهِ

سَتـَقولْ :

سَيّدي

مَنْ أكوُنُ أنا سَيّدي، مَنْ أكوُن ْإزاءَكْ؟

أنَـا لا أحَـدْ

أنـَا لـَعـْنـَة ٌ مـُظـْـلِـمَهْ

وَعَـقـْرَبَة ٌ

وَلـِمِثـْـلِي تـَكـُوْنُ الخـِيَانـَهْ

شفاءً

وَنـَصـْـرَاً

وَدِفــَاعـاً وَحــِيــْد

بروتس بطل مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير. شارك في مؤآمرة طعن

القيصر وكان هذا الأخير يعتبره ابنا ً له. فقال قيصر جملته الشهيرة" حتى أنت يا بوروتس"

التي أطلقها القيصر أضحت شائعه.

في قصيدة "العقربة" كانت شخصية بروتوس أكثرها شهرة لكونهِ سَوَقَ لنفسه إنه هو العالم كله، فهو في ظاهرهِ يمثل الحكمة والنجاعة ولا غبار عليه، أمَّا باطنه فهو حاقد وموتور وغاضب، ومع مرور تحولات الزمن الروماني أخذت حقيقته تتأكد وكأنه أجنبي على نفسه وعلى الآخرين من حوله. حتى أصبحت هذه الشخصية الغرائبية تشكل محوراً يدور حولها الشعراء بآراء مختلفة ومنهم شاعرنا صادق الصائغ، الذي نحن في صدد تناوله، كل منهم يطابق قصة أو أسلوبية حياة بروتوس على حياته بجوانب معينة، هي واضحة في داخله، ومخفية في ظاهرة، حتى أصبحت تلك الحكاية تنتقل من شاعر إلى شاعر آخر، ربما لتبرئة النفس من شأن معين، لنقرأ ونتأمل ونؤول ونبحث في النص من حيث مقومات نصابه.

في مبدأ الشعر التاريخي وطرق قراءته، لابد أنْ نتبين مصداقية النص، من بوابة عصره، للحصول على تحديد المعالجة وفحصها، تلك المعالجة التي تُبَيّنها معرفتنا البحثية للتأريخ، من مبدأ إنها تتسم بالدراية والتحليل العلمي المعرفي، خاصة إذا كان النص يتناول شخصية لها أثرها الواضح في أحجية ظلت ماثلة على سطور الكتب وفي بواطن العقول لزمن طويل، كشخصية ماركوس يونيوس بروتوس، فهو واحد من أعظم أبناء عصره لا يقل أهمية عن البطل يوليوس قيصر، اضافة إلى أنه اشتهر بالفضيلة والحكمة والفلسفة، وهنا لابد من الاشارة إلى أن بروتس شخصية حقيقية*، وليس كونه فقط ما ورد في مسرحية شكسبير، قد يكون البطل المسرحي مجرداً من الواقع، خاصة على مسرح الأدب التخيلي، وشاعرنا صادق الصائغ تناول هذه الشخصية بقصيدة قصيرة، كما تناولها الشاعر الأنكليزي الخالد شكسبير بمسرحيته الشهيرة "يوليوس قيصر" ملك روما، وتناولها المئات من المؤرخين والشعراء والروائيين والنقاد، سعوا جميعاً إلى التفسير الحاصل في تغيير البنية النفسية، والمجتمعية، والاقتصادية، والعسكرية، عبر مؤثرات تلك الحقبة من التاريخ، وفتح شهوة التمدد الجغرافي. مما أعطى لبقية الشعوب الأوربية رغبة التكوين الجديد لشعوبها، فنهض الشعب الألماني وحقق ما يريد بانتصاره على الجيش الروماني، في معركة الغابات.

بروتس

أنا أعرفك

وأعرف وجهك

بين كل الوجوه أميزه

من بين كل التصورات والنوايا والإيماءات والتقديرات التي تحدد ملامح الشخصية، ترى هل يمكننا القول أنَّ الشكَ وارد في معرفة الحد القطعي من متمثلات الحقيقة، وهل الشفرات النفسية تنبهنا إلى أن ما يدفعنا إلى اعتبار أنَّ الأنانية والخوف عند بروتوس يدفعه للانتقام من سيده القيصر. وبالمقابل ما مقدار النسبة المئوية عند القيصر أن تجعله تلك النسبة يخضع للصمت والشفقة على ابنه غير الشرعي المعلوم، وهل المقاييس كلية في النظر إلى كون الحقيقة مشار إليها بالبنان مدانة؟ كل هذه الأسئلة يجيب عليها الخطاب الموجه إلى بروتوس، هكذا أراد الشاعر أن يكون هو حاصل الذات البديلة، التي تستحضر مخيلة أنموذجية مثالية لها كينونتها الفاحصة في بنية الأحوال النفسية البشرية بجزء ما من تداعيات نفسية المتخيل التحولي ضمن مؤثرات عقلية معينة، قد لا تكون عشوائية كما تصوّرها الشاعر، بقدر ما هي إلاَّ أحلام ارتبطت ميزتها برغبات شعورية، وكأن الشاعر عبر فنية تمثيلاته الذاتية البنائية حاصَلَ الصورة وكأنها مسلمات شكسبيرية. فالقول المحض هنا يعود إلى جدولة حسابية خطط لها بروتوس بواقعية انتقامية، تكون الصورة على الشكل التالي:

الأدب الخيالي ينتج على يمينه: الأسطورة، وعلى يساره الحكاية بشقيها: المجازي والواقعي،

وهذا المحصول يُمَوَلْ بواسطة الفلكلور الشعبي والرسمي بآن، متخذاً من الأبنية الأدبية التاريخية الواقعية سقاءً للأفكار المتحولة بمعتقداتها الفكرية والسياسية أن تؤمن بحقيقة معينة. وبهذا يدلنا فرويد إلى أنَّ: "ليس هناك شيء في الخيال عشوائياً، واعتيادياً وغير محدد، بل إنه يحول العناصر الموجودة في هذا العالم ويعيد تركيبها بطريقة بنائية، من خلال علاقات جديدة بين هذه العناصر يمكنه أن ينتج شيئاً جديداً وغريباً وغير مألوف، شيئاً آخر مختلفاً نسميه "العمل الخيالي*" فالخيال العلمي في عصرنا تطور حتى أصبحت مبانيه العلمية تفوق الخيال الرومانسي إلى خيال أكثر تحديدا في المنتج الصغير جدا فيكنز ملايين من الوحدات العلمية الخارقة للخيال، تمتد عبر مدى جغرافي فسيح يجوب العالم كله، ليحقق مطياف واسع التجلي بواسطة تحصيل فواعله الكمية. إذن فالخيال العلمي البديل دخل في الأدب بكل اجناسه فتحول الشعر إلى مناقشات رياضية فلسفية تتجول لتعبر عن أشكال جمالية بالحدّ والبرهان الذي يدل على لزوم الشيء، يقول أحد الشعراء "لا اتذكره" تحت تأثير هذه اللوحة الفنية وهي تتصاعد برموزها الحسابية إلى التحاورية الأنيقة:

هيفاء فوق الأربعين - تمشي وتهزأ بالسنين

صاح المشيب برأسها - ما أحلى عطر الياسمين

أمَّا البرهان الذي دعا قيصر لمخاطبة ولده المحتمل التصديق الكافي بالبينة الاستقرائية، حين خاطب القيصر بروتوس لحظة طعنه: "وأنتَ أيضاً يا ولدي" فرد عليه بروتس: "أنا أحبك لكنني أحب روما أكثر" فقال القيصر: "إذاً فلتحيا روما وليمت قيصر*". كان قيصر يعتبر بروتس ابنه من عشيقته سرفيليا، حيث كانت تلك العلاقة تستمر في ذات الزمن الذي ولد فيه بروتس:

باحتفاء مقدس

ستنزل من سفحك المنفرد

حَانيَا ًكـَمَلاكْ

ضاحكاً كـَمَلاكْ

ثـُـمَّ تَـطـْعـَنَـني كــَمَلاكْ

كان القيصر يعرف جيداً أن حياة بروتس يصاحبها الاكتئاب، لميله إلى الغرق في التفكير، مع إن ظاهره يبدو وكأنه فخورٌ ومعجبٌ بنفسه ربما كونه من أشراف روما. فقد عُرف عن بروتوس إنه يَتَمَثلُ بالحياة المثالية في المجتمع الأرستقراطي الروماني، تلقى فلسفته من النظرية الافلاطونية، وكان تلميذا نبيلاً لزينون*، وقد اتسعت دائرة اهتماماته الفلسفية لتصل إلى أوسع مجالات المعرفة، منها الميتافيزيقا، والنظرية الجمالية الفكرية، وعلم الاجتماع، وفلسفة الأديان وخاصة في الديانات البوذية والهندية، حتى أن رسائله إلى أصدقائه كانت تشير إلى اتقانه لتلك الفلسفات الوضعية الشاملة، ونتيجة لهذا التأثر وصلت خبرته الفلسفية إلى مداها حتى غدت شاملة في تحولاتها الروحية، وربما هو السب الذي دعا قيصر أن يعتبره من الأشراف الموالين له.

ولهذا نجد شخصية بروتوس لها تأثيرها الواضح على الشعراء، خاصة شعراء الأسطورة أو ما يدور في فضائها، وغايتهم إعطاء صورة للقارئ أنَّ هؤلاء الشعراء يعتنون بالقيمة النوعية التي تبطن أحداث التاريخ، لذلك نجد الصائغ يخاطب بروتوس بلسان القيصر: "أنا أعرفك" وهي صورة تحولية في معناها الجمالي للشاعر، لكنها لم تمت للموروث العيني بصلة، أي إنَ الرد التصويري في الصورة الحسيّة عبر بيانها المعرفي المباشر تحقق مقتضيات التداعي الملحمي، لأن رد بروتوس كان موفقا ومبنيا على الاعتراف الصريح حين قال:

"مَنْ أكوُنُ أنا سَيّدي، مَنْ أكوُن ْإزاءَكْ؟

إذن لو انتهت القصيدة لهذا الحد لكان لمنطوق البرهنة أكثر نفعاً فنياً، لأن الحد على إقامة الجريمة قد يعلمه علما غير ذي فائدة لتصويب البرهان على أنه ملزم بعناصر إدانة، كون الجمل الشعرية التي تلت الجملة التي انتهينا بالإشارة إليها باعتبارها تمثل المنتهى البلاغي للخاتمة، لذا فما بعدها فائضاً مباشراً للشرح والتعريف السطحي، لا يخضع للحد والبرهان فيما تطلبه الذات الظانة أن الموت حقيقة في حدود هذا المقياس.

مقدارية معالجة اللفظ الصوتي:

من مبدأ الاجازة بمفاضلة المقاربات الدقيقة التي يتمثل بوحيّها تنسيق المعمار الصوتي الأمثل، بين مجرد الادراك بالشيء، أو معاينة رافد اسْتِتْبَاع المعايش للحرف المركب، مثالاً على تأكيد قولنا نأخذ حرف القاف "ق"، وما ينتجه من سياق لحني مفتوح على المقدارية الفنية التي تسري بالمتخيّل التأملي إلى مديات مفتوحة، ولذا فهو يحرر حساب البنية المفهومية التي تعالج نشاط الحاسة، كي تتلقى معايشة انسياب الصوت بإيقاعية تحرك الميول الحسية العاطفية، بواسطة موقعه المفترض أن يحقق النسق الإلزامي بين ما هو مؤثر ومؤشر للسعادة الروحية، ومن الجوابات الحسيّة في الحرف الصوتي إنه لا يؤسس للمُثِل المحبطة والسعادة الغشيمة، تلك التي لا تصاحب بوعيّها التحولي المقارنات الدقيقة، لأن يصاحب التدوير الصوتي توليدية تحمل المبهج الإيقاعي تخريج وظيفة التردد الإيقاعي المفتوح على فضاءات مبهجة كما تصورها الشاعر صادق الصائغ في المباني التالية:

أولا: محاسنة أبعاده البديعة.

ثانياً: قيامه بلزوم غاية التسهيل في أن تجعل المتلقي في حالة تأمل.

ثالثاً: فتون انتشار مكنونات الصورة الشعرية عند المتخيل النوعي.

فتلك الخواص التَّرشيحيَّة تدل على إثبات قابل لهيمنة المعنى في الصوت الدلالي، المعلن في شاعرية الصائغ، حيث تتقابل في منظومته الشعرية قياسات متسعة في المكان الزمني الذي يلازم الحالة الشعرية كقوله: "باحتفاء مقدس / ستنزل من سفحك المنفرد" هذا التوصيف الشعوري حدده النشاط المحكم في صناعة صورة ملهاة الشعر الوجداني بإحساس موصول بدقة من ثنايا القيمة المشاعرية بواسطة جواباتها التخيلية، والإسناد المتمم للإفادة الناظمة للنص، حيث تتصف جودة السياق العام بانتظام فصاحة الألفاظ بوحدتها المتصلة بتمثيلها الصوتي الذي يجري في النفس الحاصلة على مرضاها منه، وفي هذا الخصوص التقني نأخذ من القرآن قولا بليغا كي نتمعن بالصورة الجمالية ودلالاتها في مجراها الصوتي في هذا: "تجري بأعيننا" لوجدنا غايتنا بما يعيننا على التحقيق في أصول اللحن اللفظي عند الصائغ، الذي مَيَّزَ الألفاظ بشروط اختلافها واستعمالاتها، ومفهوم أصولها، وتعريف غاياتها، والكشف عن المساءلة، ومقدار استمداد هيمنة الصوت على الحروف التي تبطن الإيقاع بواقعية استطرادها، لأن الصايغ أسبغ الاهتمام على الحرف الصوتي الذي أمعن النظر في مباديهِ، التي فَعَلَتْ أجزاء الشعر* بوارد خاتمة سريان الصورة الحسيّة وجعلتها غير قابلة للتشتت.

في حين نجد القياسات الشعرية عند الصائغ تأخذنا إيقاعاتها إلى أن تجعلنا نتصوَّر بالحد القطعي أنَّ الصوت متى عايش النطق جاز للنص أن يتفكر فيبصر؟ فيدل على رهصة تَدَوّرْ الألفاظ الناطقة بتردد مجازاتها الواهبة للتخصيص الجمالي الذي تتلاحق فيه الجمل تحت سياق إيقاع مفتوح على ذاته، فنحسب ما فيه من الرشاقة والدقة وشفافية التوالي في مباني القوة ومتلاقيات الصوت بعد أن تُقترب وتتصل بإجماع يوسع من الملقحة التصويرية بالإحساس الجمعي للنص، على ضوء مبتدأ أشياء متناسقة الإيقاع تحقق جريانها الخالص على الكلي بعينه، وهذا يغني قولنا بدلالته الإيجابية المتداولة بين العنصرين المتحدين اللذين صيَّرا مشتركاً أتحدت به كافة المزايا المراد طرحها على المتلقي، كإجماع الأحداث على شيء واحد، مثال ذلك "الخيانة" أو "التضحية" وبحساب آخر فأنه إن وضعت الجملة الشعرية في مثل هكذا مساق نسميها الجملة المكتملة الدالة على صنوف فنية ولغوية وحسابية اجتمعت بجودتها، على سبيل المقايسة التالية:

أولاً: الصوت يساوي المحاكاة الداخلية للمعنى الموصول.

ثانياً: كلية جودة المنتج الشعري تساوي مقدار التناول في المختلف الصوتي.

وهذا يؤخذ بكلا الأمرين اللذين لا يشذ طرف واحدٌ منهما أو أيهما عن الآخر، فإن النص في هكذا منتج يخلق رؤى تستكين دواخلها للهدوء الحاصل في التركيبة النغمية المتحدة، مع متلاقيات المعنى بتوظيف قابل للملاءمة السهلة، خاصة إذا كانت الألفاظ لينة عجينتها ومستساغاً لفظها وموصولاً خدرها الداخلي بحيوية، وبما أننا في منطق المعاني الكلية لأحكام اللفظ التشخيصي في خلق الصورة الشعرية، فأن الإيجاب في هذه الموازنة لابد وأنْ يكون حاصله خالياً من تناقض مفضوح، لأنه قد يكون السلب واردا على جهة قدرات الشاعر على تفريغ محاسنة الألفاظ من الشواذ، وأن تضبط المعاني على أن لا تكون دالة على قصد آخر، فيكون الخرق والضيق والضياع متمماً لخرق سياقات نظم التَدْويِر، فيصبح لا مكان له في الوحدة الفنية، فتسقط مكانة البنية بخانة التشتت أو التأليف. يقول أرسطو في تقابل المُستَقبِلات البنيوية: " فليس شيء من الأشياء إذاً مما يتكون أو مما هو موجود يكون بالاتفاق، أو بأحد الأمرين اللذين لا يخلو شيء منهما، بأن يكون أو لا يكون على هذه الجهة، وليس يكون شيء منها على أي الأمرين اتفق، وذلك أن الموجب يصدق فيها.*" هذا لأننا اعتبرنا الصوت هو الذي يعمل على وحدة الهزات النابضة في اللفظ البنيوي، خاصة إذا كانت الألفاظ تحفز على استثارة المكانية الوجدانية الممولة لمواضع الإيجاب القاضي بمأثرة النظم التصويري المعيون، الذي يؤسس لمشترك لذة جمالية النص في القراءة الكلية بين المتلقي، والنص، والشاعر.

من المفيد جداً أن نشير بدقة أوسع إلى أن الشاعر صادق الصائغ حقق جمالية خاصة في مكنونات الصوت في سياق الجملة التفاعلية، أي أنه خالقَ مبعثا تصويرياً في منظومة اللفظ المتحرك بسهولة، وذا حقق له منجزاً إيجابياً يحاكي لغة تماشت مع الثنائية الحِسّيَّة التي تتحكم في تدوير فني يحاكي مهارة أدق تقنية وهي ثنائية: الذات و الولادة الشعرية، الجمع المنتج لإيقاعَ لغةٍ يبقى تداورها فاعلاً، حتى بلوغ المحاسنة بالمُختَلفٌ عليه، بين الشعراء الكبار والشعراء الصغار ممن تكاثروا في هذه الأيام وهم كثر، فلا مشروط في لغتهم لا في الجمع ولا في البدل، وهذا المنطق للأسف لا يعمل على إثارة الأهواء العاطفية، أو التخيلية، أو تنشيط الموسوعة الثقافية التي تحاكي بتفعيلاتها اللغوية المدى الذي تتوافق في مجراه البنية التحولية، بوازع المحرك الذي ينظم وحدات التجنيس، أي ما تعنيه اتحادية الحول اللفظي، الذي يجئ بالتوازن الصوتي، المطلوب منه أن يُضبط التعبير المتماثل لتثبيت جوابات المتخيل النوعي، لتحكيم تفاعل الشرط في الجمل المتعاقبة، وهو ما يحقق إزالة الشأن الذي يعطل المجاز عن مهامه التصويرية، ليكون حاصلا في الموجود المنظوم على ضبط تعمق الصوت ضمن وحداته الإيقاعية.

كذلك تمعن الصائغ في إبانة ما يعيب دلالة النحو بكل مصباته التدبيرية الشاملة، ليكون المعنى يحمل الواسطة التحويلية القدرة على التوازن بصيغها التعبيرية، خاصة بعد أن يتحول متخيل الإثارة إلى نص متقن ليكون معلوماً أمام المختص بهذا العلم، إلى الحد الجمالي الذي يجعل من التشكيل يتحد بمعنويته بوحدات فنية ينبض فيها الجمال الوجداني بالمحسوس الإيقاعي المتوازن، لأن اللفظ في هذا التوليد الوجداني غير مختار كقولنا في "التأليف"، بل هو ينهال من مرامي الوجد كسريان طبيعي لما تكشفه الحالة المعنوية، من نزول مكثف بالإحساس يكشف عن ظهوره من بواطنه الملبية لمخاض شاعرية الإفهام في العقل، ليكون ظاهراً منظوماً، وبهذا تحسب تداعياته جناساً لما فيها من الملقحة اللغوية الفنية، وهذا ما نؤكده على أن الولادة الحسيّة تقوم على منطق لحظة نزول مَلَكات الوحي، فالذات الشاعرة هنا هي المولدة الحقيقية لاستقبال المتخيل المفتوح على الشاعرية في لحظات محسوبة وكأنها طوع وعيِّهِ الناضج، وتلك مباهج خاصة تعمل على تثوير المتباينات المعلنة في الخلق الفني بين الشاعر والشعر.

حَــــــــربـَاءْ

منْ أنتْ؟

جِنـسٍ ضَـَاحِكْ

أُنـْثى سُحْلـُوبْ ؟

بَـَغـْلُ نِسَاءْ ؟

يتـَقـَمَّصُ شَـكـْل العَـقْـعَـقْ ؟

يُضْحكـُني ضَحِكـُكْ

لا أَحَدٌ يَضْحكُني مٍثـْلك

لآ لاعِبَ أكـْثـَرَ مُكـْراً مِنْـكْ

لآ أكثر منـْكَ مُرَاوَغـَة ً

لا أَحَـدٌ يَـَتَلـَوَن ُ مِثـْلـكْ

كـَالحَـرْباءْ

يتصرف الصائغ بالصوَّرْ التي تتصف بإكسير الأنا، يفعلها لكي تلاحق مزيتها الرمزية بطبعهِ الساخر العقلاني Intellectualالذي حدد قضاءها الاعتراف بهيمنة الفهم المغاير في جودة الذهن من جهة تهيئِه لاقتناص المختلف وما استدلت عليه إضاءات الشاعر، وهو ما اصطلح عليه بيان إدراك ماهية الحكم بالإثبات على المقصود الدلالي، ليكون التقدير واضحاً في المفعولية الحاصلة بين الذاتية المحضة، وامتداد تشكيلات الصورة الشعورية، وعلى هذا الاساس تَحَكَم الشاعر لكي يُفَعْلُ السخرية المماثلة لطبائع غير محمودة في قوله "أنثى سحلوب" فتكون الذائقة المضيئة بعبقرية نشأته الشعرية أخذت ازدواجية فجائية تمثلت بعقاب الآخر بصيغة الأنثوية، من جهة الشتيمة أو العصبية الزائدة على أفعال البشر، التي طالما تؤدي بالشاعر إلى أن يكون جارحا ومؤذيا في نظم تداعياته. يقول نيتشه: "لا يحتاج هذا المفكر إلى من يدحضهُ، إنه يكتفي بنفسه للقيام بذلك*" ولأجل هذا إذا اعتبرنا أن شاعرية الصائغ في هذه المساحة تخضع لتصور ازدهار الخيال المكتئب، فهذا يعني إنه يفصح عن الاعتراف بأن الحقيقة الفاعلة في المكانية العاقلة في النفس البشرية، هي أغنى مما تبدو على إنها غير هي في الصورة المزهرة أمام الناس، لذلك أصبح حكم الاعتراف سيد الحكمة ومرجعها، أي أن البؤرة المحورية وهي بصرية النص، لابد وأن تشكل الانشطار الخيالي الصادق في تحولات الشاعر العاطفية، فنقرأ حكمه بالواقع باطناً، ونرى تصرفه من الباطن ظاهراً، لذا لو وضعنا الحد بين مظهرات الفعل الذي تفرزه الشخصية السلبية، وبين ما تبينه حقائق الشخصية الايجابية، نجد أنَّ معالجة أشكال التعبير تتوفر في الصورة الصوتية، والنبرة، والمنظور الجمالي وهي تتوزع على منحنين:

أولهما: القبح الظاهر في الذات المبدعة التي تُخَصَصْ بصفات موجبة تسمى "حمالة الأوجه"، على أساس أنّ التداعي الناضج يحكم التصورات التي تماثل خبرات الأنا الساخرة في ذاتها، كونها تكشف عن الصفات الموزعة على أشكال تخاصم طبيعتها الواقعة في ضيق مستمر، ربما الشاعر يكون مرغماً على أن ينعطف في تحولاته الحرجة، للاعتراف الضمني، وهكذا أحوال ستصبح ممكنة للفعل اليومي بعبثية لها بنيتها الخاصة الخالصة، غير المكترثة للطبائع الكيفية عند الآخرين، بعضها يأخذ القبح في تكييف الذات مع الجو المحيط بها، أشبه بالأفعال الصبيانية في حدود السلوك الذي يمكن معاينته في الأحوال الممكنة. وإذا اعتمدنا قول آير بتوجهه: "أننا نحدد الهوية والاختلاف في معناهما الكيفي وذلك فيما يتعلق بالخبرات الحسية لشخصين في حدود المماثلة والتباين، وردود أفعالهم في اتجاه المحقات الواقعية*" إذن فالصفات التي جمعها الصائغ في لوحته التي تحاكي شيخوختها اخذت تعتمد التصحيح المقبوض عليه من ردة فعل الذات النادمة، الذي وثق من خلالها الاعتراف بتصنيف طبيعته هو، مع أن انتقاله إلى اللون جعل من عمى اللون يبصر صراعاً يرصد ملامح إشارات تتحول إلى محاكات اللون لتخليص واقعه بتسليط إضاءة تحاصل مبتغاه من خلال اشاعة وجه مغاير لحقيقته. هي صفة أرادها الشاعر أن تكون استعارة مباشرة تعلي من شأن الوصف، وتجعله قابلاً للتعريف السهل، وهذا يتقارب مع المصطلح المتعارف عليه "أمكر من الثعلب" وحكايته مع العنب القائلة: "الما يطول العنب بيده يقول حصرم ما اريده".

أمّا ولماذا استعار شاعرنا الصائغ طبيعة الحيوان "الحرباء" التي تغيّر لونها حيث وجودها المكاني، نقول أن الشاعر اجتهد في اختيار الطابع التكتيكي الموجب في خاصية فسيولوجية التكوين، وهي حسابية علمية خالصة، وهذا التخصيص يعتبر بلوغ المنتهى في محاكاة حالة الربط المعرفي بين فسيولوجية الجسد، وبين حالة الشاعر الموجبة بالتطابق والتشبيه، كونها تمثل أعلى درجات التميّز في القدرات الفائقة التي تتكيَّف وتتحد بالاختفاء والتشابه والمجانسة الشكلية، فيكون الحسن المعنوي صناعة ايجابية مثل هكذا استعارة، لأن المضمون في تصوره خال من المبالغة، باعتباره حالة كشف عن المعرفة بواسطة التشبيه بين الحبيبة والحرباء، وإن تساوى مع السلبيات المصنوعة بإرادة الشاعر، إلاَّ إنها تمثل الجزء الأشمل في حوارية النص، وذلك بتحويل الحقيقة إلى غير ماهي عليه، لأن الإشارة الصامتة التي تعني أنا غير المعلوم في هكذا مهارة ناضجة في المكان المطلوب، هي أن تتساير الذات المنتجة للوحدة الحسيّة المشبعة بالقناعة، التي عمل عليها الشاعر بسؤال محيّر من الجملة الأوى "منْ أنتَ؟"، فأمّا التصريح بهذا السؤال يعني "أنتِ لا شئ"، وبهذا نحصل نحن القراء بالحكمين بدون دلالة تذكر، حتى إذا كانت هي جنسا ضَحَاكً أو سحلوبْ.

ثانيهما: المنشأ النقدي أو ما يمكن أن نسميه: جلد الذات، لأن الدلالة الناقلة في هذا المعنى مبنية على معرفة وسائل الإرشاد التي تشير إلى أن الاختلاف دال على أن الذات أداة معرفة وتحليل، بمعنى لو أن الشاعر يعترف بعبثية مسار سلوك حياته على أنه يمثل العقعق، لكانت المجانسة عنده مبهجة في طبيعتها، على أساس أن هكذا سلوك ارتضاه هو ويعتبره أشبه بالفنتازيا أو ما يشير به إلى جماليات العبث الصادق.

نضوح الموازنة:

إذا أردنا البحث جيدا في الخصوصية الفنية عند الصائغ، نجد أن شاعريته تقول له خذ الشعر لنفسك قبل غيرك، وخذ المعنى لغيرك قبل نفسك، وبهذا فهو يختلف عن الكثير من الشعراء العرب، الذين يمثلون المكانة الشعرية الحقيقية التي تكشف عن معدل القيمة النوعية، وهؤلاء يتوزعون على مدار المنطقة العربية، وما تبقى فالمئات منهم يألفون النص ويقلدون واسميه: "بالنص الملموم" لأنه هكذا، فعندما يكون النص يفتقر إلى علم البيان ومَوْرِدُه المجازي الذي يقضي بالتمييز، بأنه إمّا أن يكون عبارة عن رسالة، أو يبنى على أساس الخطاب، وإذا سمحنا لأنفسنا أن نحقق في التشويه الذي لحق بالشعر وبالنقد بآن نقول، فلا المَدّاح بناقد، ولا التقليد في الشعر شعراً، ولا الإطناب في زيادة اللفظ على المعنى يسمى بلاغة، فلو سكت الذين تفننوا في المديح، لكان قد قل هذا الكم الهائل ممن تسموا "بالشعراء"، وهذا أفضل بكثير من أن نعلي من مكانة هذا "الشويعر" من الجنسين وجرهما للتقرب منه، أو بيع ما يُكتَب كذبا وتأليفاً مقابل بضعة دراهم، لأن القيمة الكتابية النوعية عند هؤلاء منخفضة جداً، فالنص الإبداعي إن لم يرتبط بلذة المعرفة، وعلوم اللغة، واكتشاف فوائدها وغاياتها، وابتكار التحديث الشعري الخالص، والإيمان بمنجزه الذي يأخذ بمتخيل الموهبة إلى مباهج أوسع وأغنى تكيل حلاوة التلقي، وبدون هذا التميّز لا يمكن أن يكون ما كُتِبَ شعراً، لأن المباني الشعرية إذا ابتعدت بنظمها عن هكذا معرفة، لا يمكن أن تجذب القارئ إلى ساحتها، ولا أنْ تجعله يحترز الوصال والتأثر أو التمعن، وغير ذلك فأغلب المقلدين لا شعر ولا ثقافة أدبية تؤهل البعض منهم أن يُصاحبَ مسيرة الإبداع الشعري في كماله ورفعته. لأن التفضيل المشتق من التجميع عند المقلدين لا يتفق ومحاسن خلق الموهبة وقوة مُحدِثات النص عند الشاعر الحق، والفرق واسع بينهما، من حيث احتمال التفاعل على كشف المفاضلة النوعية بين الذات الشاعرة والذات المقلدة، بما يثبت من نظم الكلام مما اشتق منه من بلاغات حسية تنبثق من ترتيب اللفظ قوة في معالجات المعنى، سيما وأن الشعر إذا فرغ منه مراد الشاعر أصبح تأليفاً وتوزيعا بدون معاينة.

على اعتبار أن الذات المقلدة هي الذات التي لم تستحصل الثمار من حقلها، إنما استحصلت ذلك من حقول الآخرين، ولذلك إذا اعتبرنا أن محصول مقدارية الأنا السعيدة المبتكرة لجناسها القيمي المتجدد تحقق موهبة مُوَلدة للذات الشاعرة، بواسطة الكيفية المؤثرة على احتواء المتلقي بالعودة إلى قراءة النص مُجَدِداً، أي أن يبقى القارئ مسكوناً بتفاصيل واضحة القصد، أمّا وإذا وجب علينا أنْ نضع أمام أعيننا مقدار قيمة الشاعرية عند هذا الشاعر الحق أو المقلد، فهذا اختبار أشبه بالنية التي تقودك إلى عش الزنابير، لأن الشويعر أشبه بالزئبق الذي يحرق ذاته إذا تعرض للكشف عنه، يبدأ بتجاوزات غير محسوبة، وهذا يقود معرفتنا إلى إنما ذكر الأسماء المقلدة غير ضروري، والعكس صحيح يجب الاحتفاء بأهل القيمة الشعرية الحقة ببنيتها التنويرية الحسية منها والمعنوية، ومن أجل هذا ركزت على الصوت في نصوص كل شاعر على حدة، بمقدار كيل خلق الحرف الصوتي، وطفح ترنيمته الموسيقية على السمع، من جهة تأثير معنويات الكلمة الإيقاعية تقديراً وَضُوحَاً على المتلقي. وهنا نلقي بالمسئولية على الناقد الحقيقي، وليس على المداح أو الرداح، فالأول لأنه بصير بمهمته النقدية.

من يقتل الشــَـاعِـــر

يَـتــَنـَكـَّر ُ آنـَا ً بــِدَور ِفـَـرَاشـَـة ْ

وآنـَا ً يُــرى كـَشــُعَاعْ

وَفِي كــُل ٍ بـُرْعُــمَة ولـَه ُمـَخـــْبـَأ ٌ

ولـَـه مسرح

وَقــِنــَاع ْ

وَآخِرَ دَوْر ٍلـَه ُ

كـَان َ دَوْرُ القـَتـِيـل ْ

وَهو الآن يَـسْـألْ

من مَن ْ تـُـرى اجـْتـَز َّ رَأسَـه ْ

من وَالـْقــى بـِـه ِ

فِي شِـــبَاك ِ الخديعةْ؟

يتفوق الشاعر صادق الصائغ على البعض من أدباء العرب بالقيمة الفكرية الملبية للحالة الإبداعية، بدلالة الموصوف من شعره الذي اهتم بصقل الألفاظ بميزتها الحسيَّة، وبحسن الديباجة التي تعلو حتى تصل إلى صواب فنيتها. وجزالة شعره تتصف بالأداء الوارد في علم البلاغة والفصاحة المتفاصلة بنشاطها المتفرد بجذره الأصيل، والشاعر على امتداد نشاطه الفكري أسس أقيسة ورصف أفانين الكلام من جهة احترافه التقني، واهتم في براعة علم التصريف، ولمعرفتنا فإن هذا العلم غزير الفوائد، أي أن مَلَكَةْ الحسن المشترك بينه وبين الوحي الشعري تترجمها جوانب الذات المثالية، بوارد قناعته بفنه الوارف، الملبي لمفهوميته العاطفية، ولذلك نجد "الأنا" دالَّة على الخاصَّةِ بكل مبعث من هذه الخواص، أو تجدها في أحايين كثيرة معلنة في شعره برغبة منه. وفي هذا نقرأ:

يتنكر آناً بدور فراشة

وآناً يُرى كشعاع

وفي كل برعمة وله مخبأ

ما يجري في هذه القصيدة التي ترسم صورها الداخلية، وهي تصاحب الوصال المنظور، فترينا شاعريتهَ تمثل الملقحة بمثيله المفترض، وحاله يجمع بين منظورين يظن أنهما متساويان من حيث شكلهما الجمالي، وكأنه يراعي التشبيه بصورته الحقيقية، التي تُسَوْق الشاعر للكشف عن مغامراته العاطفية، ففي المجال المنظور نتفق معه في الجانب المجازي، أمّا في المجال المعقول ننظر في إبانة المعنى من حيث صرف النسبة المشابهة في مسعاه الشعري الذي أجزأته الأحداث، لا في رغبته لأن يكون هو المحرك الدال على كونه فراشة، فتكون الصور قريبة إلى موضوع الظن بالنسبة إلى موضوع الواقع، وقد فسره الشاعر بحساب بلاغات الكناية بوضعها المجازي، لأنَّ طَلبْ استقبال المشاعر دال على مواصفة التشبيه بالشيء ذاته بدون تلميع، فهو يتنكر آناً وهو يقوم بدور الفراشة وهو كذلك، فلا كَذِبٌ حاصل بواقع الرغبة في هذا التوصيف المعيون، ولا غرور مبني على الادعاء، أما الحسن في نظمه إنه هو لم يقصد قصر التشبيه لمجرد الإنارة، وإنَّما أراد الفعل في الشكل والمضمون في شعاع موصول للآخر. يقول كانط في حوله النقدي الخالص إنه لا يؤمن بالأفكار الجاهزة، بقوله: "أن قواعد الفكر بقيمتها اليقينية ستكون معطاة بالفطرة*". وهذا ما يتصف به الصائغ ليجعل الفرع "البرعم" أعلى شأناً من الأصل، لأنه أراد للمعنى أن يكون هو في صلب البرعم وليس مثيله، ولذا فهو: "في كل برعمة وله مخبأ" أي له مكان منتظر، وهو يلوح لنا بمستعار "البرعمة" ومقصده الأنثى.

وعلى ضوء هذا التواصل نجده قد حَوَلَ الاطراد في التشبيه إلى الجاري على جهة التخيل النوعي في نظمه ونثره، مما جعل الدال على المعنى ينعكس فيجعل الأصل أي "شخصه" يكون أعلى شأنا من الفرع أو المشبه به، بقوله:

وآخر دور له

كان دور القتيل

إذا كان التفاوت جار على المعرفة فهذا يعني أن المنظوم في هكذا توليف، يتبين منه أنّ الإحساس بمتخيل فاعل يقصد خصوصية الحالة التي يؤول الأمر إلى أنه جرد التشبيه من المتخيل إلى الواقع، والمعنى أتضح على أنه ضحية أفعاله ونهايته الدور المحسوب له ألاَّ وهو قد يكون صواباً، ولا يكون جائزاً، لكن ما هو الدور الذي ظن الشاعر أنه يلعب؟ هنا هل هو لزوم مجرد؟ كونه نسبياً. أم هو خسارة العشق؟ كونه مطلقاً. لأنه كان يقول " وآخر دور له" أي أنه ربما وصل إلى تصريف الحال، فجرده من الإعراض، لأنه ليس كما يقول، إنما هو يتنكر لا غير. وفي هذا السياق نختار قول البحتري:

دَنَا السِّرْبُ إلاَّ أنَّ هَجْراً يُبَاعِدُهْ - ولاَحَتْ لنا أفْرَادُهُ وفَرائِدُهْ*

والصائغ يروم المنهج الحسي لأن يكون الاطّراد عنده أكثر إبانةً وتوضيحاً على ترتيب خلق المخاتلة، مع أن الصائغ يتجه إلى ذات الصناعة دون تقليد يذكر، إنما هي من جهة أفانين البداهة التي يجيدها ببراعة. وفي هذا يسأل:

من مَنْ ترى أجتز رأسه

من والقى به

في شباك الخديعة

يعود الشاعر ويطرق باب التزكية لنفسه كونها كانت مخدوعةً، وإنه ليس كما أعترف في البداية على أنه "يتنكر" إذن لماذا المظلومية؟ بقوله: "من منْ ترى أجتز رأسه" هل هو خداع يلبي عطف القارئ؟ أم هو تشكيك بصحة العلاقة الماضية؟ ولكي نؤكد هذا ونحن نطرق مخارج التكرار في نصوص الصائغ بلعبها على التماهي بالتصريف البلاغي في صناعة الجملة الشعرية، وتقديره تشبيه لا غير، نقرأ:

أسلوبية مخارج التجريد:

تُشَكل المفاهيم المُكَرَّرة محاصلة صرف ما قيل في زمن كان يليق بذلك الاتّصال، سواء كان في مظهرة المذاهب الأدبية العربية أو الغربية مثل: " الكلاسيكية ، الرومانسية ، الواقعية " أو في الأجناس الأدبية وهي: "الشعر ، الرواية ، القصة القصيرة ، النقد" وأعني هنا منظومة النقل الحرفي من سطور المورث بواسطة تقنية الكاتب وحرفته، ومن غير هذا وكأنك تأتي بمنظوم ظاهره لك، وباطنه لغيرك، وذاك هو تقليد غير منتج ما ستولده الذات الشاعرة ، على اعتبار أنّ الأديب بإمكانه أنْ يستخدم موروث المذاهب تلك بأسلوبية خاصه خالصة به، يؤطرها في نظمه المستقل من النواحي الفنية بوحدة تمثله، لكن في حال كرر ما اسستهُ تلك الآراء والأفكار في زمن ما، حينئذ تكون المفاهيم سطحية أو نسميها بالسطو حيث لا إبداع لجديد، وبهذا يكون العمل غير لأخلاقي وهو في الوقت ذاته غير قابل للتداول في أي حال من الأحوال، لأنه لا يمكن أن تقترب من البصائر غير المجدية أن تدرك ما تُسَوُقَهُ الظواهر المجدية، أن تعتنق بما يليق بتصريف الأدب الحَيْ، كما لو أنه وأنتَ تزرع بذرة لتنتظر ثمارها، بمعنى إذا قلنا أن ترديد جناس معين يستولد التشابه بقرار يحكم التجريد، فهذا لا يعني أن يلتقي بواحد موروث، وآخر معاصر، أو ذاتي، وما يقابل هذا من أنْ يجعل مفاهيم التوليد في الصرف والمحاسنة اللفظية غير ناضجة، كونه يؤسس بأحكامه الصرفية إحياء أصوات شعرية كانت قابلة على التجديد، وأخرى معاصرة غير قابلة على أن تكون بإصالتها أصوات لها مفعولها المؤثر باستقلالية ناجعة في مفهومها، وإن لم تكن هكذا، فستكون قد جردت شعرك من وزنك وأخلصته لغيرك.

على اعتبار أن الخصوصية الإبداعية معنية بالاستقلالية المجردة من التقليد، فتكون توليدية تنتجها الذات الشاعرة، ونحن هنا نستفيد من القاعدة النحوية، التي تشخص تشكيلات المرتكز المفترض أن يكون داعماً لمقاربة الاصالة النحوية. يقول سقراط وهو يباين المعقولات بين المنظور العيني التقليدي، وبين المحسوس الإبداعي عند ذات الفرد: " لنتصور الآن أن خطاً مقسماً إلى قسمين غير متساويين، يمثلان الرؤية الواضحة، والرؤيا غير الواضحة، ولنقسم كلَّ قسمٍ بدورهِ بالنسبة نفسها، لكي ترمز إلى الدرجة النسبية في الوضوح أو الغموض*" وهذا أيضاً ما أكده بعده "ديفيد هيوم" في موضوعة: "إلى أنه من غير الممكن للمرء بأي وسيلة من وسائل التدليل إدراك فكرة السبب والمسبب، فقد يكون الارتباط بين الاثنين ارتباطاً عرضياً أو محض صدفة*".

فنقول أن انتشار ظاهرة الأصل والتقليد انتشرت أكثرها عند المرأة "التي تقول عن نفسها شاعرة" حتى اننا نجد هذا التأليف واضحاً في كثير من نصوصهن والنسبة تتعدى ال90%. أمّا والحال عند الرجال الذين لا يمتلكون البديل أو المغايرة، للتخلص من محاكاة الأفكار السابقة، التي كانت تمثل تلك المرحلة بإيجابيها وشوائبها من حيث الخلق الخاص، نجدهم كما لو إنهم بقوا تابعين وكأنهم حرصوا على إبقاء أدوات الأولين تعمل في نصوصهم، مصاحبة لما أتيت به المذاهب والأجناس الموروثة، وهذا يمنح الكلام نحولاً في الادامة المستقلة في طبيعة النص الفني، لأن النظم الفنية التي لا تأتي بخروج جديد مميز بطبعهِ، لا تَكسبُ التصريف والبيان مساحة إبانة التخييل، في حين لو أتت دلالتها بالجديد المغاير لوضعت له المختلف النوعي، عن سائر ما أتت به إبداعات السلف من نصوص كانت مقبولة في ذلك الزمان، أمّا وإذا أردنا أن نعالج الحالة الشعرية الأكثر تطورا كما هو الحال عند شاعرنا صادق الصائغ، على أن اعتبار أعماله الشعرية شكلت تطوراً معرفياً ملحوظاً من خلال توظيف أدوات حددت معاينة المضمون بشكلها المعاصر، فيكون الشعر عنده ذا قيمة تعالج أمراً بيناً، وصوتاً يخابر الاحساس في تحصيلِ حلاوةَ لفظٍ يلقح الكلام بخواصه، بواسطة معاينة الرموز للمحور المعني، واختيار لزوم الاستعارة للمطابقة الواقعة على التشخيص، وجعل خاصية الكناية تلعب دورَ المصاهرة المثالية للمعاني.

يقول الحسن بن بشر الآمدي: " فإن كان بين هذه الألفاظ فرق في أصل وضع الكلام فقد أجريت مجرى واحداً.* " وقصد الآمدي الخاص بالمعنى الممدود في ثيمة "أجريت" هي مخاطبة الشاعر. بتنزيل المطلق على المقيد بفعله، لأن المعلوم هو ما حصل من الألفاظ الدالة على مدلول كقولنا "الشاعر" أمّا الغاية التي أريد أن تصل إلى الناقد المُحدث، وإلى الشاعر الخاص، والمتلقي الموزون في ثقافته، هو أن اللفظ ما أن يكرر المنظور من الملاحم الموروثة، ثم يأتي المعاصر ويقتنص ما طاب منها، أو ما يشابهه، يكون قد اعتمد ما ليس له، فنقرأ النص وكأنه منظورٌ لي أنا القارئ من زمن ما. وهذا يقودنا إلى المكشوف عن سر كيفية النص المكرر، أن يُحسب على أساس إدراك الفكرة التي تظهر للحواس بنحو الاستقراء المعرفي الذي يدلنا إلى العوامل التالية:

الأول: على الكاتب أن يحافظ على أحوال العلوم اللغوية لتكسب المقصود من الكلام حلة تُميز النص عن سائر مفردات الآخرين، مع تطور ملحوظ يضبط منظومة جهة التصوير، لكي يجدد شهوة القارئ بالتواصل معه.

الثاني: هو أن يقُوّمَ طبيعة النوع الشعري إلى المتفوق الجديد، حتى يكون النص واردا بالضبط الذي يؤنس المعاني على الدال بظاهر مجازها.

الثالث: أن ينال النص مكانة مقبولة تحاكي الآخر بمرأى المدى المعيون.

الرابع: يجب أن يكون الكلام مُقوّماً على معنى بعينه، لأن الخصوصية اللفظية هي التي تعالج اختلاف الأجناس المقسمة لملقحة المعنى المختلف.

ولأجل هذا يمكن فحص الدلالات اللاّزمة لضبط التأويل، من أجل استخراج تلبية فعل المحاسنة النوعية لتعلق المعنى بفصيحه التام، حتى يكشف لنا النمط الذي يأتي لنا بالحوار المقبول، من المعالجة التي نقرأ فيها نصاً مقوّماً ينتصب بتجديده، هذا لأن الشاعر الذي يكرر ألفاظه ويسميها "الأدوات" نقرأ له نصاً فيه الكثير من العيوب الفنية والتقنية والحسيَّة، مما يشكل عند المتلقي الملل من كون الهزل الذي فيه. لأننا ازاء إشكالية سنن مختلفة في تجديد ابتكار يكاد يخرج من السهل الممتنع إلى سهل آخر أكثر وحشية، ولكي لا نوهم انفسنا ونوهم الآخر على أن ما نكتبه يحتمل وجوب الشرط الذي يحدد المسار الشعري، وعليه يجب إحكام المباني الفنية التي تلزم اللفظ الدال بظاهره المستنبط من الباطن القيمي للمعاني، المحملة برهص النبض المتماسك بصوته، وهنا يكون الشعر محط قبول وحوار، ومتعة تصاحب الآخر، وهذا ما فعله الصائغ في مراحله المختلفة، مع بعض خللٍ هنا وهناك أشرنا إليه.

أمّا إذا كان الرأي عند البعض يشكل ما لا يَشاء عند غيره، فأولهم يعني التمييز بأنك تمتلك الحاسة الشعرية كلها. ونصفها عند غير المبدع، وثالثهما لا يمتلك إمكان تحرير المطلق من مُطْلقهِ، أمّا وعند الأول الذي اعتني بمفعولات الظاهر بدلالته على جهة التصوير، وهو ما يعني عدم جعل اللفظ مقيداً بالصورة وتأويل معناها، بمقدارية تحرير الثنايا الشعرية من العلة التقنية التي في كثير من الأحيان تكون مخلةً في جواباتها المعنوية، لذلك نتبين هذا الخلل واضحاً عند الكثير من الشعراء، وهذا ما نسعى إليه أن نجعل من مساحة الصورة الشعرية تقتضي الإلحاق الذاتي بالمعنى، على اعتبار أن الصورة بدون معنى لا تتفق والتنزيل البياني من غير حاجة لغاياتها، لأنه إن لم يختلف سببها فهذا دليل قناعة الشاعر بوحداته المثالية، أن لا يخلو الحكم من أن يتحد فيها المعنى بكامل جواباته الحسية المعنوية، والاتحاد هنا يكون دالاً على الأثبات في صحة الاظهار بقوانينه النحوية واللغوية، كقول الشاعرة بشرى البستاني: "قلتَ \ يا امرأة سكونها لهب \ وصبرها عطب \ وليلها وصب..." نجد هنا الوحدات اللفظية تصب دلالاتها الحسية بوجوب المعنى أن يكون فاعلا بجواباته التصويرية، وإن كانت سجعاً، لأن الموصوف هي الأنا ذاتها، لكن.. الحكم النوعي يختلف في مساقاته الوصلية عبر محاكاة المهارة الصوتية، إلى حدٍ ما يجعل من هذا التراكم اللفظي ملمحاً مؤثرا في المشاعرية التبادلية، ومُسَيراً للميسم الحواري أنْ ينتقل بسجعه إلى السهل الإيقاعي. لأنا إذا اردنا أن نتعلق بالمختلفات أي بالصورة المقيدة والصورة الحرة، علينا أن نتابع سير ومساق وتلاقح النص، وأيهما يلتزم بالقيود اللغوية، وَمَنْ ذا يخرج عنها، ولذا فالخروج عن تلك القيود تجعل من النص مطية لغوية خالية من الصوت والصورة، وغير مدركة للمهارة الشرطية، ولأجل أن ندرك المساقات التصويرية عيلنا البحث في مبطن وجودها الذي ينتشر بواسطة شكله القيمي.

مَصـَـائـِـر

لِكـُـل حـَيـَاتـُـهْ

فـَـبَعْــض ٌ لِـبَعـْض ٍ فَـِخـَـاخ ٌ

وَبَــعْــض ٌ كِــلاب ُ حـِـراسَــه ْ

وَبَــعـْـض ٌسماءٌ

وعَـصَـافِــيرُ نــَار ٍ

لأعْـشَاشـِهَا عَـائـدهْ

مصائر جمع مصير، فنقول أن ذاك يعد من المباينة في حال من الأحوال، والشاعر يقول: "لكل حياته" وهذا ملائم للتعريف بالشعور غير المريح، من حيث يقوم الفرد بترسيم الدور الذي يمارسه، ولو من خلال مبررات مختلة، فهل وجه الحال هذا يكشفُ عن كون الأمور الدنيوية تكون دالة على فعل بظاهره، أم أنَّ الشاعر أراد بقوله أن يصوب المصائر لمعطى الذات المخاتلة نحو الأفعال المشينة؟ بينما هو خارج هذه الدائرة المحطمة، لأن الأنا غائبة عمّا يدور في هذه المحاكاة، بمعنى إننا نبدأ بالمعقول الذي نراه ونناقشه بالحد الوسطي، فيما يلزم تَصَوّر المصير بواسطة مفهوم: "لكل حياته!"، وإن اختلفت تحولات الميول الفكرية عند الشاعر حول جدال المنطق على أساس اقتراح البدائل الأفضل، لكن الخداع الإدراكي سوغ المفهوم الإنساني إلى أنه معطيات شيطانية تتحكم بالنفس البشرية المتحولة بفعل "المصائر". أشار روث بايرن إلى: "أن المعقول الإنساني إنما يقوم على أساس المبادئ الأساسية نفسها التي يقوم على أساسها التفكير المنطقي العقلاني*" وهنا من المفيد جدا نْ نقف على وحدة تصنيف المعيون المشخص، الذي يتوفر بشكله في ذهنية المعني، عبر تحولات المبادئ التي تقوده إلى جوهر تصريف حياته، أو أنْ تجاوز بوضوحه ما هو ليس قياساً له، فالواضح فيما يرى الشاعر إنه أراد أن يكون التحول الموضوعي المنطقي واقعاً على حال معين، أي أن هناك تناقضاً معنوياً يجمع الصفات الموجبة والسالبة بآن، كلا حسب تموضع غايتها، لغرض ما يعنيه تداول الموروث القائل "المعنى في قلب الشاعر" لكننا سنصل إلى هذا المعنى الذي أراد له الشاعر أن يتوزع على تمييز المصائر، فمنها معلومة التصور بالاعتماد على منبهات الوعي. ومنها ماهي إلاّ عبارة عن محسسات أميبية تتصرف من حيث مؤثرات لحظتها الذاتية، إلى تطبيق منظومة تمتد لتستوعب خبرات أذهان الكائنات غير البشرية وقوله:

فبعضٌ لبعض فخاخ

وبعض كلاب حراسه

وبعض سماء

أين الشاعر في هذا "البعض.." هل هو السماء؟ إذن إذا قلنا أن الشاعر يومئ بالإشارة إلى الأشياء التي يمكن للذهن أن يتفاهم بها مع مضامين الظن، أي أن التصوّر المنطقي بوجوب استخدام الاستعارة لكي تغذي إرهاصات المعنى إذا كان له تطبيق، وهذا ما دعا الشاعرية أنْ تستطيب تخيلات تندرج تحت مفهوم الألغاز، على أن المعنى مقصود بموقع التصنيف المؤذن بعطف الفعل، لأن التأويل في هذه التحليل محايد بخلاف قوله "فخاخ"، فهو معيون بلغة الأحْجِيّة، التي تجعل من النظم دال على جهة الحدس أنْ يشترط جهة المعنى في قوله: "وبعض" إذن فالاختصار أصبح شرطا شعرياً بين المغالطة الفنية والألغاز المقصودة بدلالات يظنها الشاعر ناضجة، على اعتبار تقديري وهو أنْ يكون النظم موجباً لرؤية ايجابية لِمَا أرتأه النص في البنية الذاتية، وما يشترطه الشاعر من تواصل في تركيب التنظيم على ما توده التورية، المعنية باتحاد كل الأشياء التي يسبغها الصائغ على تصرفاته المشخصة بالذات المحايدة، لِتُكَوْنْ معتقداً يؤمن به، بإمكان معاينة المُثل العليا، وكأن الكل واقع ضمن ما يؤسس لمنطق فلسفته المبنية على حس وسطي معنوي، بمآتي مواءمته الخالصة للغصن المؤشرة في معاني: "فخاخ ، كلاب ، سماء"، كونها تطرح جوهر العلة على سياق وسطي، وذلك أنه يضع التفكير العقلاني وضعاً يتناول الأفكار والسلوك والنتائج على أشكالها، وهي تختلف في سلوكها وتصنيفها، لاستخراج جمع نقاط أكثرها سالبة، وأقلها موجبة، تدور في محور النقد الذاتي غير المعلن في تصرفات الفرد اليومية، في حين نجد الناس ينظرون بعين الاعتبار بأن تصرفات هذا الشخص سليمة، ولكن رد الفعل القسري في الذات السالبة تؤدي إلى نتائج معقدة في قوله:

فَبَعْضٌ لبعضٍ فخاخ..

وبهذا الحول للنقد الذاتي محاولات تبرير تخضع لضوابط معينة يتحكم بها الشاعر، إذا كان ينوي الاعتراف بها، كما فعل اكثرية الشعراء الأوروبيين، مثل رامبو، وت س إليوت، وادغار آلان بو، ولافورغ، وكوربيير، وإسبينوزا، وديكارت. لأنهم أكثر شجاعة من الشعراء العرب، ولكن يبدو لي أن بعض شعراء العربية ومنهم الصائغ سلكوا هذا المنحى فاتجهوا لجلد الذات بإضفاء متعة معينة تشد المتلقي على الاطلاع والمعرفة على مدى النكوص في نزوعه ومآربه في سلوك أراد له الشاعر أن يخفيه عن القارئ، ربما لاعتبارات معينة يخافها، وربما لتحسين صورته بتبريرات معينة، وقوله: "وَبَعض سماء / وعصافيرُ نارٍ / لأعشاشها عائده". فالمشهد الغنائي يبوح الصوّر المتلاحقة من جوابات مشاهدها لكي تعبر عن المحصلة الفاصلة بين الأنا النقية، ومبهم يفخخ الحقيقة، فجعل من الصورة الحسيَّة وكأنها تفيض صوتها تراتيل مسجات ناطقة بدفق معانيها، في قوله: "لأعشاشها عائدة" كما ينبغي أن تكون "اللام" ترسل الصوت عبر حرف " ا " الوسطية التي مدت الصوت إلى فضاء عائد إليها في:

قياس الصوت في الصورة المبتكرة:

إذا أردنا أن ننظر في جمالية الصورة المبتكرة، يجب النظر في الوجوه التي يقع فيها التفاضل بين علم الكلام وأصوله، من البلاغة والفصاحة والبيان، خاصة إذا جاءت الصورة الشعرية مقروناً إعجازها التصويري بالمحسوس العاطفي المزان في مقتضاه، وهي توضح إبانة الأحكام بتقدير تأثير روعتها على الآخر، كونها تمتاز بسلاسة مبتدعات التعبير التي تحترزُ بلوغ الجهة البديلة، عن سائر المجازات المعبرة عن مداركها وجزالة لفظها، لتكون ذات شأنٍ محسوسٍ على استشهاديات عدة، كون ما من تأويل يحاكم الصورة الشعرية إلاّ بسيرورة الاتجاه المحكوم بعلاقة جينية بين المعنى وملكة الصوت في قياسات اللفظ، خاصة إذا توحدت تلك الصور الشعرية بواسطة مجازها المعني بوضوح المعنى، وقول الشاعر في هذا "وبعضٌ سماء / وعصافير نارٍ" تلك الخصوصية التي تتوافق مع التشبيهات المحملة بفعال ظواهر بياناتها المبصرة، وليس كما جاء في النصوص الفاسدة المقيدة بالوهم، البعيدة كل البعد على أن تُحَملَ المعاني جوابات لا يريدها المتلقي كتحصيل حاصل لبلوغ غاياته، يقول الجرجاني في هذا الخصوص: "أعلم أنّ القول الفاسد، والرأي المدخول، إذا ظنوا نباهة القوم أنه لم يَسِعْ ولم يُبَيَّن المعنى، صار ترك النظر فيه سنة*" وبالتالي فالنص الخاوي لا أظنه يفدنا بشيء، ولا يؤنس، بل يأنف منه القارئ ويبتعد.

والآن أوقع بدليلي القاطع أن قراءتي في دواوين الشاعر صادق الصائغ، منحني القرب من بلوغ الصورة الصوتية لاشتمالها على إشراق الدلالة من محتوى المعنى بلائم عضوي، حيث إنه إنما يوجه الخبر من جهة حصوله على الأشياء المعنية بالحالة التصويرية بما أذِنَتْ من إصغاء إلى ما ورد في سهل النص الحاصل على مبتغات الأدب البارع، ففي هذه الدراسة أردت أن أصل بها إلى مفهوم أصول فقه الصائغ بوارد تحولاته الفكرية الفطنة، وذلك ما ترتئيه الصورة الشعرية، من معرفة مقام حولها وتأثيرها على السامع أو القارئ، ولكوني أروم سهل الصائغ، أشير إلى أنني قد جعلت من دراستي تختص في تناول ملكات شاعرية الإحساس العاطفي، لِمَّا توفر له ما يوفي من مقدار شأنها المتحول، وطرافة بلوغ مصبات تنوع خصائص نصه المحاكي للآخر بعفوية تُزيد المعنى وضوحاً، فتأتي بتوزع القياسات على ما تتحمله الصورة الشعرية من تعدد الملامح التصويرية على مساحتها، على ضوء ما تظهر بحول مَنْسوبْ قيمتها النوعية وهي:

أولاً: إضاءة الهتاف الروحي المساق بقوة التطريز.

ثانياً: البحث عن الإفصاح في كمال المعنى وجلال هيبته.

ثالثاً: مهمات التعبير التي تستمد براعتها من التصوير المعيون

رابعاً: التوليد المحقق للدليل السمعي بما يحتمله الرأي المختلف

وهنا سوف نوضح ماهية القيمة الفنية التي ينبغي على ضوئها يتحقق المنشد في مساحة الصورة الشعرية، أهيَّ متساوية على سبيل الاحتذاء بالنَّسق الذي يراعَ بالنطق؟ أم أن المقادير اللفظية بعينها مختلفة؟ نقول أن كل علم من هذه العلوم يختص بإحساس داخلي به، باتجاه مبتدأ النطق المعلن في الشكل أكثر من غيره، فالأدوات الحاسة تخلق قواماً يوازي النسق المعلن في جوابات النص، أي أن يكون الشاعر يحقق وحدة يتفق بها مع القارئ على فهم خاص، يعتني بأنفُسِ المعاني الممكنة، أن تشتمل على وحدة معنوية تتمتع بنضوج تبلغ قيمته مصاف روعة النص، لأنه قد يكون النص عند البعض يفرق ولا يوحد، بحسب ما يناسب تبين الحالة كم تبكت بمعناها، فتكون الحاصلة على مستوى مقدار اللزوم الإبداعي، الذي يعكس مستوى كل علم من هذه العلوم بعينها، فالمعلوم هنا يعني مقدار الوجود في الاحساس الملبي للحالات الآتية:

أولا: مكانة المعلوم المختص في المعنى الفصيح.

ثانياً: في الفصل بين التقليد والإبداع يحتمل التمييز بالمكان الإبداعي .

ثالثاً: مقدار صيغة المنظوم وحصوله على مقتضاه.

لذا نقول لا ضرورة إلى الاضطرار للمظهرة التي تنازع فيها الشعراء، إذا لم تحتسب المظهرة على أن يكون النص مشوقا بمعناه، لأن مُرَاءَاةَ القول الفني يجوز أن يكون تمييزا بنفسه، وهنا يحسب تقديره بقدرة الشاعر على الخلق النوعي، فإذا قلنا كما قال ابن حديد: "يا جارتا ما أنت جارة"، وقوله. "يا سيدا ما أنت من سيد*" إذن إذا شَرَّعَ الكاتب لنفسه التمييز قد لا يكون هكذا، لأن القدرات الإبداعية هي التي تستبصر خيار الاختلاف بمقدار طاقته التوليدية، ونعني الولادة الجينية المنقولة من عاطفة الشاعر إلى خلايا النص الشعري، وليس من التأليف التقليدي الذي لا يتصف بمحسوس تجليات التخييل النوعي، ولهذا يتم النقض على كل واحد بعينه في مضمون الصورة، لا في شكلها، لأن الشكل إرادة لتصوير اقتدار المظهرة لا غير، وهذا تعبير بعينه يصاحب البلاغة من موسوعة برهانها، كالعلامات التي تلزم المقدار بتأثيره على القارئ، من منطلق إذا تبين لنا أن العلوم المكتسبة تبرز مفهومية القراءات المعرفية الشاملة، أنْ تجعل الشاعر يتفوق بحجته على الآخر، وهذا ما يدعونا أن نتبين بملمسنا النقدي بما يَأخذُ بالذي يلزم الوضوح في التفوق، لا سيما في المعلوم المنظوم، وتجليات المنظور، لأن صفة اللفظ فصاحته، وصفة المعنى دلالته، فإذا كان اللفظ دالاً في ذاته لتمكنا من أن نقف على ظاهره، من ذلك ما قاله ابو الطيب المتنبي، وهو يمدح سيف الدولة:

وحشاه عاديةٌ بغير قوائم - عُقمُ البطونِ حَوالكُ الألوان

تأتي كما سبت الخيولُ كأنها - تحت الحسان مرابض الغزلان

فالمعنى هنا إنما يُفهم عن طريق الألغاز بواسطة التفخيم، لأنه انشأ أكثر من تشبيه للسفينة، ولم يجانس تشبيهاً بآخر على المستوى المقصود بعينه، على الشكل التالي:

أولاً: لا توجد مجانسة ما بين أحشاء الخيول وباطن السفن، كذلك القوائم بنيت من الهيكل العظمي لا من الأحشاء.

ثانياً: لا يوجد ربط معرفي بي مرابض الخيول، وطبائع الغزلان.

ثالثاً: ألوان السفن تشكيلية من صنع الإنسان، وألوان الحيوانات عضوية تتم بواسطة الخلق الفسيولوجي، وما عداه غير علمي.

ولذا فهكذا نظم يُعَدُ من المغالطة المعنوية، وكله ردئ، لأن مقصود المتنبي إنه عظم سيف الدولة على غرار شكل السفينة، وهذه دلالة يكون المعنى واردا على جهة التزلف، لأن التشبيه المشار إليه يعمل على اسقاط التوليف المطلوب بوازع تشتت المعنى، فنقول في المطلوب كما قال الجرجاني "معنى لطيف، ولفظ خفيف".

لوْ أنَّ سأل سائل أين النص الشعري من عدمه؟ نقول :

الشخص الأول في حالته الإبداعية: يتساقى الصوتُ كتطريزٍ ينظمُ الولادة الإبداعية المحضة بالتمام من مخيلة خصبة توليدية في لحظتها الممكنة، نقول فيه شعراً. كقول أحد الشعراء:

خفيفٌ لطيفٌ ناعِمُ الجسم أملسُ

الشخص الثاني في حالته التسويقية: يكون النص تقليداً يبدأ كاتب السطور بتأليف النص بتقليد غيره، أي أنه أتى بمثل ما أتى به الأوَّل، أو أنه يذهب أكثر من هذا، فربما يلملم نصه من هذا الشاعر أو من ذاك.

ومن أجل هذا حين نُعالج مراتب الكلام من حيث تحصيله النوعي بدءا من السياق الأول، ينبغي أن نعلم أن المنظوم المشذب بعناية لا يمكن أن يتساوى مع المنظوم المبعثر في المكان الثاني ، كون الرأي الثاني يندرج في سلة التقليد الممل، وقول الأمام علي بن أبي طالب: "لا مدَّ ولا تَجْرِيدَ*" وهذا يتطلب منا أن نحصر اختلاف مقام المعرفة في الحالتين، ترى هل تتساوى؟ فكثيرا ما يكون اللفظ لفظاً غير مقبول، لكن له من يقرأه، ربما لأنه يعتنى باللزوم الصعب، وللضرورة ممكن أن نشير هنا إلى أننا يجب أن نضيف إلى أن الحالة الثانية وجدناها وقد خلت من الصوت، في حين يكون الصوت واضحاً في الحالة الأولى، والاختلاف هنا ناتج من كون الصور في الحالة الأولى تلاقح اتصالاتها من مواضعها الحسية، بتوظيف المجاز المدور على النواحي المولدة للمعاني، فهو يجعل من الليونة النظمية طرية وسلسة وموصولة بانسياب شفاف، ولأجل هذا نجد القارئ يتمتع بالكلام الموصول بتلقي مفهوم، حتى إنه يستطيع أن يوزن بما يتمكن من قياس تطورات الصوت الملبي لإيقاع يعلو بلحنه الذي يشد القارئ إليه.

المناسب من الصوت:

كما يقول العامة: "هذا الشيء مُناسبٌ لهذا الشيء". أي ملائم له، وهذا القول وإن كان قريباً من المفهوم العام، إلا إنه يساقي الجانب العلمي من مفهوم المناسبة وأبعادها العلمية والمعنوية في ولادة الخواص والمزايا، وما تبلغه الصورة الصوتية في مقارباتها بين الإيجاز والتشبيه في اختلاف تصوراتها، على أساس اعتبار المناسب في مضمونه الحصري، الذي يناسب التطبيق المحصل في ثبوته وتناوله مع ما يقابله بالتناظر بين الحالتين، حتى إذا تلقاه العقل بالقبول من حيث أن يكون معناهما مغايراً، أو يُؤدِّي بالوعي إلى التناقض، على اعتبار الوعي مولد حقيقي للمعرفة. وهذه الظاهرة يجب أن تمكن الشاعر من أن يعتني بوجوب صياغة الصُّورَة التي يجب أن تساقي الكلام ايضاح حالات التعبير وافتراضاتها النفسية، قدر ما يجده القارئ مقبولاً، لأننا لا نتكلم عن الإظهار النظري، بل نتكلم عن اللاقحة الحسية المعنوية التي توجب التمثيلات المعنوية وانتاج ما أوجبه نُطْق اللسان لأجراس الحروف، من جهة علمنا ودراستنا لمزايا الصوت المحسوس في المقدارية التي تتأثر بمزية اختيار الثيم الناطقة، المنبثقة من جزالة الكلام الذي يطابق التشبيه الداخلي بين الصوت في الصورة الشعرية الحسية، وبين أجراس التصريف الذي يحتفي بالإدراك الملبي لفاعلية الإيقاع، على اعتبار أن المعاني تتبع التشكيل المعنوي في تزايد قيمة التبليغ الذي يستمد اتحاده من شفافية العلاقات الخاصة بالأماكن المتحولة بوعيَّها، وما تنتجه هذه المتناسبات من نبض منتظم يستمد الكلام منه اتحاده في التلاقي الروحي بالموصوف الجامع والضابط في حكم الأصل القطعي، لا في الظن أو التخمين أو الاشتباه، لأن هذا إذا طغى سريانه في المنظوم الشعري يكون الإيقاع علة لا ينسجم فيها الضبط من جانب إدراك دلالتها ومغزاها. يقول الجاحظ: "إنما الشعر صِياغة وضرب من التَّصْوير*" فلو أخذنا رؤيا السياب في "انشودة المطر" قوله: "عيناك غابتا نخيل ساعة السحر" ترى هل وفق السياب في كون صورته الشعرية فيها ما يكفي من التناسب بين عينيك وغابة النخيل؟ بالتأكيد لا، لأن منطق المجاز في المكانية المتخيلة عسير اللاقحة، لكنه أخذ جانباً واحداً من المعنى وهو الشكل، ووظفه للمحاسنة اللفظية والتصويرية الإيقاعية، وأهمل المضمون الحقيقي لأن جلالة المعنى عنده مكتمل بطبعه الجاذب، فَفَعْلَ التجاورية الحوارية حين استعار غابة النخيل وقت السحر، ووظف الدلالة بإيجازها المحكم، وجعل من إسقاط المجانسة الجمالية تحاور بلوغ مساحة العينين، في محاكات تصور الحياة الرومانسية في الغابة، فخلق من الصورة توكيد براعة الصوت المنتشر في مكانه، الذي يعود في المقام الأول كون الصوت ذاته يتجدد بالملاحة المعنوية في الجمل الشعرية عينها، وهنا أجد أن السياب ليس مثقفاً شمولياً بالقدر الكافي في علم النحو، خاصة في الملقحة الحسيَّة، لأن الشعر كما عبرتُ عنه بدراسات سابقة يعتمد النظرية الحسابية بكل أبعادها، والنظرية الحسابية تعتمد مسالك إثبات القياسات المتقابلة مثل:

أولاً: جمع الأسطورة بكمها ونوعها في المقطع المطلوب، أن تلاقح معدلات تلك الواقعة، بواقعها وصورتها، كما نقول واقعة "الفيل".

ثانياً: إذا كانت الصورة الشعرية تعتمد الوصف أو التشبيه، يشترط أن يكون اللفظ دالاً على حسابات النحو أن لا تختلف البنية الداخلية بتواصلها الصوتي، وتحديداً في مقدارية الصورة المعبرة عن الغرض الموصول بعناية مرضية دون تضاد عضوي، وفي هذا التدور في المدى الفني، ومن أجله يحسب له ضبط التنظيم المقداري لهذا النوع بدليله وقياسه.

وهذا يدل على قوة التبليغ بين الصوت والصورة الحسيّة، وما تمده هذه العلاقة الوثيقة أن تأخذ الشاعر إلى المدى الذي يستطيع به أن يخلق له مزايا وسنن وفقه روحي، يقع فيها التفاضل العيني والتقني المزجاة من فصاحة الوجوه الفنية، التي يقع فيها الكلام موقعاً يشد القارئ إلى مبتغاه، يقول القاضي صاحب كتاب "المغني" : "لا يصح عند الشعراء اختصاص في الشعر، بطريقة المهنة كالمهندس أو الطبيب، بل الشعر موهبة حسية تخيلية يعالجها النظم والفصاحة والفن*".



وَمَاذا تـَكـــوُنْ ؟

وَمَاذا تـَكـــوُنْ ؟

رَفيـْقاً يـُبادِلُ لحْظـَةَ َحَـظٍ ضـَريْرهْ

بـرُفــــاتِ رَفيْـقٍ قـَتـــيْلٍ ؟

أأنتَ ابْنُ آوى

يُسَافِر ُفي جسْم ِحَمْلٍ ؟

امُحْـــدُث ُنعْمـَهْ

بأسْنـَانِهِ الجَـائِعَهْ

يُعَضْعضُ قطـْعَة َنقـْدٍ ؟

أقِنـَاع ٌجَديْدٌ

واكذوبَة ٌ

ذات نـَصْلٍ مُفـَضْضْ ؟

إذا قلنا أن محاسبة الذات توجب التشريع بالحد اللازم، الذي تصقله المَلَكَة الحسية الإدراكية لمواجهة المعني بالخطاب، بأنها تنتج صورة الواقع وتنسخها على اعتبارها صورة نفسية، أي أن النفس البشرية في هذا التوليف قابلة على أن تتعاطى بتمكنها البارع من صناعة الحالة الإنسانية بوارد قيمتها الأخلاقية، حتى ينضج اختلافها من جديد، فيكون تجريدا محققا لسلوك مغاير، بوازع المحسوس الذاتي السالك للقيم والمبادئ الأخلاقية، أن تأتى بمصائر تَنَاوَحَت قيَّمها، أيْ ان الإنسان قائمٌ على نفسه بالاعتراف والتقبِّل بالتحسّر على ما فعله، ومن ثم عرض نفسه أمام الملأ على أنه ذو قيمة نافعة، بينما نجده في الواقع ما هو إلاّ شبيه بأبن آوى يحتال غيلة، وفي هذا نقرأ قول الشاعر: "وماذا تكون؟ / رفيقاً يُبادلُ لحظةَ حظٍ ضريرة / برُفات رفيق قتيل.." جملتان معترضتان وهما مقولتان بالنقد المحض القاسي على أساس مقدارية السؤال الصريح: "وماذا تكون.." وهو أن الشاعر يخابر تحزن الذات على فعل تريده العاطفة، وكأنها تستقي أصداء مترددة، لا يريدها الاحساس المهيمن بنقائه الحاصل في الشخصية الرمزية، والجواب الواقعي نحيله إلى سؤال لا يؤنس، لمَ أتجه الشاعر هذا الاتجاه الموسوم بالعتاب، إذا كان يريد أن يَخلصُ للحب الحقيقي، بينما جاءت جواباته عينات مصنفة بالسلب، ولم يترك لرأفته بنفسه أن تُفَعل الفاصلة الزمانية بينه وبين: "رُفات رَفيق قتيل.." وبهذا فهو يحيل حقبة الزمن "الماضي" وكأنها رفاة لرفيق أصبح قتيلاً، كان مجرد كونه حالة جسمانية، أو حاصل للمجانسة الملبية لرغباته، دون أن يعترف أن تلك الرفقة كانت حاصل تضحيات، ومطاردة عاطفية، وشعراً يتغزل بالرفيق ذاته، ولقاءات سرية، جمعت بين قلبين هاما ببعضهما.

لأن ما توصله الدلالة لنا في هذا المنطق إنما هو تمثيل لما يبطنه الوعي المتعدي عبر حالاته السلبية، أي أنَّ إنتاج الرأي الصريح يساوي التوازن المادي في منطقة ما في الشعور، ربما تطابق واقع الحال المؤلم الذي يعيشه الشاعر بدون تلميع تجوّزه، يقول فرويد: "أن الخبرات المكبوتة مخزونة في المنطقة التي تقع بين الوعي التام وغياب الرقابة على الوعي، ومن ثم الدخول في حالة التهويم، أو أحلام اليقظة الشاردة.*" على اعتبار أن الوعي التام يمهد لاعتراف ناجع يقوم بأداء النشاط المتعلق بالإضافة المحررة بقوله: "أأنتَ ابْنُ آوى؟ / يُسافِرُ في جسمِ حملٍ ؟" فالذكاء هنا إن الشاعر حَمَلَ المعنى إفاضة ما اصطفاه القول بالنية، التي مردها السؤال الناقد لسلوكية صعبت على تصرفه، حيث يبحث عن إناء يمتلئ بنعمة صافية المذاق في قوله: "أَمحدثُ نُعَمَهْ" ليعود المعنى إلى واقعه المر، الذي هو مبني على الخصومة بين التمني العاطفي، والحب الحقيقي الذي يبتغيه محب من محبوبه، أم أنَّ هل ما بني على قناعة يدل على: "اكذوبة / ذات نصلٍ مُفضض؟" إذن بما أجابت نواياه، وبما اقتنعت به رقابته الصارمة؟ أو أنه أمر واقع من غير أن يصطفي شفاعة شاعر في منطقة الحزم النمطي؟ يقول جاستون باشلار: " في هذه المنطقة ينشط الخيال ويتجلى، لأنه قد أصبح بمنأى عن سيطرة الوعي ورقابته الصارمة، عندما تبدأ مواكب الصور الحرة في التدفق والظهور، هنا يجد الخيال مبتغاه وأمانيه.*"

قصيدة هنا بغداد

أين بغداد؟ سؤال نصفه مُحَيِّر، ونصفه مُبكي! مدينة المياه والحضارة، تمزقت على يد شياطين يبحثون عن الجاه مثل صدام حسين فأدى بها إلى الأمراض، حتى أصيبت بالشلل النصفي، وبعد شنقه تنسمت بعض رياح آتية من الغرب الأوروبي، لكنها يا حسرتا تلقفها الجُهّال فأكملوا الشلل في نصفها الثاني، وها هي المدينة مخسوف باطنها، ومُخجل ظاهرها، ومقلق ساكنها، وخائف زائرها، فلا هي من مدن السرائر لأهل البصائر، ولا حكامها ممن هم يتوسمون الصلاح، ولا هم نُظار ينعمون بفاكهة المعرفة، ولا هم منعة لأهل الضمائر الفاسدة. بل هم كما قال فيهم الأمام علي بن أبي طالب: "مالي أراكم أشباحاً بلا أرواح، ونساكاً بلا صلاح، وأيقاظاً نُوَّمَا، وشهوداً غُيَّبا، وناظرة عمياء، وسامعة صماء، وناطقة بكماء، رأيتُ ضلالة قد قامت على قُطبها، وتفرقت بشعبها، تُكيلُكْم بِصَاعِهَا، وتخبطكم بباعها، قَائِدُهَا خارج عن الملَّة، قائم على الضِّلَّة، فلا يبقى يومئذ منكم إلاَّ ثقالة كثقالة القدر، أو نفاضة كنفاضة العكم، تدوسكم كدوس الحصيد، أين تذهب بكم المذاهب، وتتيه بكم الغياهب؟ *" ترى هل يسمع حكام العراق رأي من به يتشيعون، أم أعماهم الفساد؟ وأغراهم المال والمقام، فأصبحوا علل على من أتى بهم للحكم، وهم خدرٌ لا يفقهون.

إذا كانت الرَّويَّة مشكاة الضياء بحسابات الحاكم السادر، باعتقاده إنه يلعب على عقول الناس، حيث إحاطة افعاله بغموض العقائد والشعارات التي ينتهجها لتكون الممر الآمن لإشباع نواياه ورغباته بسرية لها منهج ماكر وخبيث، بعد أن زيَّنَ سيئاته بالشعارات الدينية، وهوَّنَ موبقاته التي تؤدي إلى سرقة المال العام للبلد، فهو في الوقت ذاته يقللُ من مكانة دولته بين بقية البلدان الأخرى، وفي هذا يقلل من عزة شعبه بين شعوب العالم، ومن أجل هذا يجب أن يقاضى الفاعل بأفعاله غير المسئولة، وليكن القضاء نزيهاً في قضاءه بالحكم، لأن الشعب يراقب ويستبصر ولا ينام على طوارق الأوجاع وإن صبر جزعا، وللأسف فالفاسد الحقيقي المنتج لهذه الأفعال إنمَّا هي الأحزاب الدينية الحاكمة، فإذا كان الحاكم يسحب البلد إلى حروب تأتي بالويل والثبور والتدمير على موطنه وشعبه، يجب أن يحاكم كما كان مصير صدام حسين، فالاستهتار والاستفراد بالسلطة يقود الحاكم ليتمثل بالعظمة، إذا استوى مثاله بالوهم، فأصبح يجنح للظلم، مبسطا المال والحلال والقرار لذاته دون غيره، لا يحتسبُ رزيةً بحق الشعب والبلد، لأنه لم يَسْتضئ بأضواء الحكمة، وفي قصيدة "هنا بغداد" يأخذنا الشاعر الصائغ إلى ملمات تعتني بسرائرها الرافضة للأفعال القاتلة، وبهذا فالقصيدة تعبر عن مواسم الحصاد للقيم الإيجابية، أي أنه مَوْضَعَ النظم القيمية أن تولد حقيقتها من رحم الإثم، حيث الحاجة تسعى إلى المصير المنتظر من إجمال الإتقان المستحدث، ولذا فالشاعر وضع بغداد خارج ضياء المصابيح، فجعل من الشروق غروباً، ومن الينابيع جفافاً، ومن حكمة المدينة دَوَّار طَمَعَهُ ساقَ الجهل ليكون سبباً لتحطيم الحضارة، وتقوية أثر الكرسي بأثر سلبي، إذن فهي مدينة عجيبة لأنها محطمة لا شروق ولا بضحى ينير ظلمتها.

هنا بغداد
مدينة عجيبة
في حالة من الحلم والهذيان:
يحفظ أشعارها التاريخ عن ظهر قلب.
بيوتها مهدمة
ومبانيها مهجورة،

لكن اعلامها الملونة
المستسلمة لملامسات ريح نيسان،

المثبتة فوق السطوح والصواري

إذا قلنا أنَّ النص "هنا بغداد" منحه الشاعر معطاه الروحي، أو فاعله بالمناص السيكولوجي التقديري بفاعلية النبض المنظم، حيث أنَّ تقديرات الشاعر تعتمد الإجمال صحبة إثبات أنَّ إيراد الكلام على وجه معين يعتمد المعاني المؤثرة على وعي التلقي، أي أنه لا يترك مؤثرات تجعل من الحاجز النفسي يصرف العناق بينه وبين بغداد وأهلها، سوى الدمار الذي يرفضه الشاعر الحاصل بفعل ديكتاتورية الحاكمية. بقوله "سُحقتْ تحت الأقدام / كما تُسحقُ ساعة معطلة / لكنها / كما لو ولدت للتو / سُمعتْ، تحت الأنقاض، تتكُ" الحاصلة النوعية في ميزات الصائغ تتصف بالمعالجة حين أجْمَلَ الزمن بالمكان بجنس واحد وهو أن المدينة بغداد سُحقت كما تسحق ساعة معطلة. لكن الشاعر وللأسف جعل من الساعة "الزمن" خارج استمرارية العمل، بفعل مفهوم "معطلة" فلو أكتفى الشاعر بقوله: "كما تسحق ساعة" لكنه وفي ذات المكان ناقض المفهوم فجعل من المدينة "سمعت تحت الأنقاض تتك" أي صوت الساعة، إذن عطل الساعة في الجملة الأولى وأحياها في الجملة الثانية، وهذا خلل وعلة، وفي الوقت ذاته نلاحظ الضعف النحوي عنده واضح في قوله " كما لو ولدت للتو" ويقصد المدينة، مع أن الجملة لو صيغت على نحوٍ آخر لفَعَلتْ المعنى بروحية أكثر مقبولية على هذا النحو: "كما لو أنها ولدت للتو",

إذن فالعامل النفسي عند الشاعر موجب بإعجاز تنويري يحكم القدرة الموضوعية على التلقي الاستقرائي للواقع عبر ثقافة لا عيوب فيها، كونها تكشف علمه الموضوعي بالمدينة، فهو يبسط الحال القائم دون تشويه يذكر، لأن أبصاره تقرأ عائد المنطق، حيث تستفيض شواهد أسماعه ومتاعه، وتقول هل من مناص؟ إذن من أوصل بغداد لهذا الانحدار الذي يصفه الشاعر، وتقديره سوف تبقى بغداد كذلك حتى تؤوب إلى العراقيين أحلامهم المدنية، فهؤلاء صوروا للناس أن المدينة يحكمها علي بن أبي طالب، واتباعه على شاكلة سلمان الفارسي، أو أبو الأسود الدؤلي، أو المختار الثقفي، إنما هؤلاء الحكام هم ساسة الشر الذين تسموا بأسماء الصديقين، فَعَهَدَ الشاعر رأيه أن لا ينطق إلاَّ الحقيقة بعينها، لأن الأمر منطقي عسى أنْ يرى أهل العراق هذا الحد اليقيني بعد اليوم، فلا مناص منه سوى التغيير، وقول الشاعر عن بغداد:

هذه المدينة عجيبة
ضُربتْ بالقنابل
متحسسة قلبها
وأوصالها المفقودة


عُرفَتْ بغداد بليالها المسامرة، خاصة عند الشعراء، ومن أختص بعلوم الثقافة في البحوث على اختلافها، وأهل الحديث والمؤرخين، والنقاد، وكتاب الرواية والقصة. والصائغ واحد من هؤلاء فهو شاعر كيّس وثقافته تعددت بأشكالها المعرفية، وهو من السُمْار فترك في بغداد بصمته النقية الواضحة، وكأن المساقات الروحية الظاهرة في تفصيل تجلياته بروحانية النص بينه وبين القارئ أصبح مستحباً على المتلقي أن يمسي ويصبح وضوحها، حيث بلاغة المسند المتصل بين الجمل الشعرية من بوح يشدي المنتج الواقعي، حتى وإن كان النص باكياً كالذي بين أيدينا.

ولذا فالمساقات الحاصلة بين اللفظ والمعاني رَوَتْ وأسندت الصورة الصوتية الوجدانية إلى مسندها اللغوي الخطابي، وهذا المسند أخذ شكلاً مختلفاً عندما أكْثَرَ الشاعر من الوصف الصوتي في أوصال الموصوف، فكان الصوت يذاع في امتداده صعوداً وانتشاراً، وهو يعالج الأحداث تارة بالسخرية من مؤديها، وتارة يبكينا على مدينته، يوضح لنا مَنْ "الكل" الطامع فيها، من رأس الشر "أمريكا الصهيونية"، حتى بائع المسابح، وأصحاب الكارات الطائفية، حيث السلطة تُشتَرى باسم الدين، وتباع بدراهم لمن يدفع أكثر، فالأحداث وإن تجمعت وتعددت إلاّ أنها خضعت للمبنى الحسي الصوتي، لأن الشاعر وإن راكم لكنه حاجج الأحداث بنصاب صورتها التاريخية، كونه أخَذَهَا بواسطة مصراحها ومشتبهاتها ليكون الصوت هو من يلزم مَنْسوب نضوجها الجمعي، وهنا لا بد من توضيح وتسهيل القراءة للمتلقي، بتوضيح المقدارية الحسية في الصوت الذي يُمَتع نصوص الصائغ:

مقدارية إحساس الصوت:

تَعَمَدَ الشاعر صادق الصائغ أن يولي نصوصه مقدار ما يكفي لأن يؤسس للإيحاء الصوتي ليكون واضحاً أنتشاره في ألفاظه الفصيحة. ولذا حين نقول أن نصوصه تحافظ على صفاء النغمة وتدفق انسيابها، بمقدار عذوبة الكَلِم، واضفاءٌ تَكَحّلَ ببراعة إسناد أجزاء الكلام إلى معناها، وفي هذا نعني الدقة الإيقاعية في الإيضاح والتقريب بين مساقات الألفاظ لبعضها، سواء تحددت في الجملة الواحدة، أو ما يتعلق في تسهيل فلق النص من بدئه حتى نهايته، وذا مقرون بما يبتكره الوصل الإيحائي، بملتقى يجعل من الصوَّر الشعرية تتصل ببعضها البعض بوحدة المعاني، متخذاً من هذا التلقيح التوليدي تشييد يجنح إلى التركيز على المعنوي الخالص، وهذا يندرج في خاصية المحاولات الجادة بمفهومها الاستقرائي الجدلي، حين تتلبس التفعيلة الفنية بمقبولية هيئتها الأصح اتصالاً، والأسلم إشرافاً، والبليغ بما في نسب الكناية من متعة إشراقٍ، حينئذ نجد الحسية الصوتية تعلي من بيانها الترددي من رضاب سياق قوله: "هذه المدينة"، "فهذه" أخذت تساقي "المدينة" بالإشارة إلى وجودها الرمزي لمدن التاريخ التي كانت تغتني بجوارها، وذا كيان تَوَضح في البيان الكلي ببرهان إضاءات على المشهد العيني، بتكامل نضوج مشهد فسيح يستغرق أكثر من أربعين بيتاً، أنتج فيضاً واضحاً يمثل قوة التنظيم المعنوي، الذي يعتمد تأوِيل التَّباين المناسب للمعنى من أصله، فتبوء الدلالة معاييرها لتكون أفْصَح وعياً، وأجلى إصباحاً، وهنا ترسم اللائقة الصوتية نشأتها الايحائية، نزهة تتصاعد في الروح المُتَبَسمة، وبهذا نحصل على تفاعل تدوير رشاقة نبض وتر اللفظة ينتشر في مساحة النص، وهو يعلو إهابةَ قياساتٍ خاصة تناسب بهجة متطلبات القارئ.

ولهذا نقول أن قوة المدارية الحسية تحكم الإشارة الصوتية بفعلها المؤثر بجماليته على الآخر المتفاعل مع الإيقاع بكل تحولاته، ولذا كلما استطاع الشاعر إحكام قوانين التلازم والتماسك الإيقاعي بالاعتماد على الوزن، واغناء الكثافة بإيجاز الصورة الحسية التي تلامس الاستقراء القياسي، يكون قد أحكم الأمر بإضمار من الكَلِم البلاغية، على أساس اشتقاق النمط المنظوم من حوافز واقعه، حتى وإن كان مفعلاً بمجازاته، التي تبسط وارد ما يدل على معنى آخر بقرينة أخرى، يقول الجرجاني حول تعلق الكلم ببعضها: "والكلم ثلاثُ: اسم ، وفعل ، وحرف، وللتعليق فيما بينهما طُرُقٌ معلومة، وهي لا تعدو ثلاثةَ أقسامٍ : تعلّقَ اسم باسم ، وتعلق اسم بفعل ، وتعلق حرف بهما*". ذلك هو محصول نظم المباني كما يعتني به المنثور سواء ما جاء في كتاب القرآن، أو الرسائل ، أو الخطب، أو الموزون الشعري، فقد أكمل العرب معرفتها والزموا النظم بحكم النحو، والتأمُّلَ بجواز منطق المعرفة، خاصة في إيقاع الشعر وترقي الخطابة. وللعلماء خوض وتفاصيل مهمة وتخصيصا عند علماء المعتزلة، الذين اختصوا بالمباحث الكلامية والعلوم اللغوية، وإن اختلف معهم ابن الأثير لكنه لم ينكر بالمطلق.

وأيضا ينبغي أن يتعود الشاعر على تفريغ المعنى الواحد إلى معانٍ تدور وحداتها حول المعنى النابض بالحياة الذي هو أشبه بالقلب، الممول الذاتي لتدوير المقدارية الحسية من ذات الطاقة التي تحكم منبض النص، بحسب الإمكان في الوضوح من قربه إلى بعده، ليكون بيان الصوت عازفاً بالقرب، أو نادهاً في البعد، لذا فإمّا أن نتبين نحن القراء ذلك الصرف الإيقاعي الأول الذي أتى به النص التأملي، وإمّا أن نبينه بقراءة فاحصة تكشف عن الجمالية التي تجلب موسيقاها من بليغ الكلام، أو أن يقع النص في العلل الكريهة، حتى يؤخذ بعرض النص عن ذاته المعنوية على قبوله ومرضاته وأهميته المفترض أن يتجاوب معها القارئ. يقول الشاعر شَيْخُ المَعّرة:

مِنَ النّاسِ مَن لَفّظُهُ لؤلؤٌ - يُبادره اللّقطُ إذ يُلفظُ

وبعضهم قوله كالحَصَى - يُقال فيلغى ولا يحفظ*

ولذلك نقول أن فنية الصورة الشعرية تتجلى في قدرة الشاعر على التلقي الإيحائي، الموصول له مما تساقيه به المؤثرات التخيّليَّة المحفزة لتجلياته في زمن الكتابة، حين تتحرر منظومة العقل العاطفي من شوائب الجو المحيط، فيكون الشاعر أشبه بكيان ينخرط بروحانيته المقدسة، متوحداً بالمعطيات المتواترة، التي تمتلكه بنشوة تتضافر بها الأشياء المضافة والمتوالية، داخل مضمون التعاقب التوليدي المعبر عن العلاقة المنسجمة بالمنطق الاستدلالي للذهن، من واقع يبدو وكأنه يكشف عن وضوح الدراية بالمعاني المولدة، أن تكون موجودة وواضحة ومعبرة، وأيضاً أن تحقق الإمعان في المدارك والنوايا المتضادة بسياق المعطيات الملموسة، وهذا ما يُفعل حصاد المفهومية التي تبين لنا الفوقية الشعرية المعبرة عن وجودها المؤثر، فيكون النقد هنا ملبياً لينصف، وإن لم يكن هذا التفعيل الجمالي حاضرا، فهذا بحسب رأيي هدر لوقت القارئ، وهو كذلك تقطيع لأنفاس الشعر، فيكون كالحصى كما قال أبو العلاء المعري في النص أعلاه.

مدينة..

يحفظ أشعارها التاريخ عن ظهر قلب.
مصممة بأحاسيس فنية بسيطة
لا تتجاوز حدود اللوعة والخسران،

تخفق تحت الشمس وتلتمع،
ملونة أوجه الفقراء والشوارع
بألوان السماء والملائك.
مدينة مصابة بأحلام الزمن القادم.
جسمها ملتهب
وحرارتها عالية.
في أعماقها غضب
وجوع


عرفان التجلي عند الصائغ:

النسب الجمالية بطبيعتها التوليدية قد تعلو وقد تهبط، بتحقيقها المتخيل النوعي عند الخاصة من الشعراء، لأن هؤلاء تتعالى عندهم الادراكات الحسية من حيث التوليدية العاطفية وهي تفعيل بلاغي، كأنما لو أنَّ الشاعر يسقي النص ماءَ عاطفته فيخضر عوده، فسياق الشعر سقاء المتخيل المشاع من إنتاجه الخالص، وهو يتقد بأوقات تتعدد بها المعرفة حكماً وعيناً يتقبل ما فيها من ملامح بالسبق الإبداعي، وليس التشبيه أو النقل أو التأليف، وهذا يليق بالوحي الذي يزور المبدع بوقت غير معلوم، قد يأتي به التفويض تارة بقوة وحسن المعنى، وتارة هزيلا لا معنى له، وبهذا فالمبدع هو المعني بكشف وجه الصورة على الأوجه التي يراها مناسبة لجماليتها، وذلك بحسب ما تقع عليه تحولات التجلي من رؤيا وتخيلات، من كونه يتصف به العرفان المُوَلِدْ للمزيج المعنوي الروحاني الذي يحاكي النبوغ بإضاءات العقل المُتَخَيَّلْ الناطق بما يناسب الإلهام، حيث لا مقدار معين له، في المساحة التنويرية مهما كان لونها أو أهميتها، لأن عناصر التجلي تتكامل حتى تهيئ له البراعة الرائقة بقيامها على وحدة النص المتفاعل بوحدة البيت في القصيدة العمودية، أو وحدة الجملة في قصيدة التفعيلة، كما ذكر الناقد د. عبدالرحمن محمد القعود في كتابه "الإبهام في شعر الحداثة"*، الذي يعلن عن حالة وهب الإلهام لصاحبه بالقدر المرضي له، لتظهر للعلن من حيث وجودها المؤثر، بوحدة متكاملة الدراية والوضوح، تثبت وتقرر الافهام وتبسطه، حيث يقترن بها أمر الكمال من وجهٍ نَضُوح ينظر في الدال على معناه، لتكون مهارة السقاء تتصف بالآنية المحكمة بأدوات الشاعر / الشاعرة. فنقول هي تلك الهوية التي تدعو إلى أنْ يكون النص بتنظيمه يؤخذ بالجو المحيط وأشيائه الحاسة، على النحو الذي أتت به المحاكاة التخيَّلية التي تزور الشاعر، بواسطة مقدارها ووحيَّها وجمالها المختص بتعدد أعين مجاز المدلول، خاصة إذا اجتهد المبدع بتوظيف مقدارية الرمز والمجاز حين تطلبه المكانية إلى الحاجة، كما ورد من رموز في قول الصائغ: "التاريخ، الشمس، السماء، الزمن، الملائك" وهو حكم يثبت الشرط لكي تكون المعاني واضحة في المدلول الواقعي، الذي يغطي مساحة العبارة، بقدر ما يحث أن لا تقتصر المنظومة الشعرية على منسوب معين أو محدود، حتى وإن كانت النسب المتعلقة بخصائص المباحث البلاغية غير معنية باهتمام القارئ.

مدينة يفتش عنها التاريخ،
القناصة، العشاق، الشعراء،

الغزاة، البرابرة، ولصوص النفط.
في كل مرة يُظنُ أنها انتهتْ
تُطلق، من اعماق الروح،

صرخة طويلة،
تسري في الأثير مثل موج متكسر



شرط العرض أم وحدة العرض؟

في نصوص صادق الصائغ:

إذا اعتبرنا أن الإجمال الحيوي في وحدات المعاني يَفرضُ جمالية التشكيل المنظم في القصيدة العمودية، فلا يمكن أن نقول أن مذهبها بنيَّ على أَسَاسِ لزوم شرط العرض في استقلالية وحدة :"البيت"، وهذا الرأي لا نتفق معه، لأننا نعتبره يمثلُ مفهوماً ناقصاً، لماذا ناقص؟ هذا لأن لزوم انتشار الصوت بين ثنايا الصورة الشعرية يتطلب القدر المشترك في حاصلهِ وكافيهِ بين ثنايا الوحدة الصوتية في آن، لأن جزاء الشرط يتشكل في وحدة صغيرة تلاقح المنبهات الشعورية كوحدات تلقي، في بناء منظم يتحد بسياق الوحدة الكبيرة، التي تلازم بنيوية النص، ذلك مهم ولا يتم دون أن تسمو الأبيات الشعرية كسمو ثنايا الفِرَاسة حالٍ على حالِ، وهذا من الجهة الفنية، أمّا من الجهة النحوية فلابد من أن يتمُّ فيها العلمُ والظنُ والمدلول والنظر والتصوير والتحديد. وهذا ينطبق أيضاً على قصيدة التفعيلة، لأن وحدة النسق تتطلب ليونة النطق وازاحة مظهراته إلى اكتمال عناصره المعنوية، فلأنساق بدون مجانسة الوحدات الصغيرة بمفهومها الجلي، لا يمكن أن تتفاعل لتفضي إلى نَضَارَة الجمل الشعرية من بدء النظم وحتى نهايته، كقول الصائغ: " مدينة يفتشُ عنها التاريخ" لذا لا يمكن أن نفصل البنية بأكملها عن بعضها البعض، إلى وحدات ذات مفهوميات مستقلة بمعانيها ضمن بنيتها الخاصة الخالصة، وقوله: "صرخة طويلة" كون النظام استمد قوته من وحدة التفاعل والتكامل والتواصل العضوي بين خلايا المعنى المعني بالفكرة الشاملة التي ينسجها الفكر بما تعلقت به المصائر، وقوله: "تسري في الأثير مثل موج متكسر" لا خلل في نثريته إنَما أُخذ اعتباره من مفهوم نظام القصيدتين: "العمودية والتفعيلة" اللتين يحكمهما الصوت وقوة الذات الشاعرة، كونهما ينسجمان بالنظر إلى الوضع اللغوي حيث القصد وسردية الرؤيا الواضحة في المعاني.

وبكل تأكيد فهذا لا ينطبق على قصيدة النثر لأنها لا تخضع إلى قانون الوزن الملزم، كونها لا تمثل الذات الشرطية لوحدة الذات الشاعرة الفاعلة بإعجاز تجلياتها، المبنية على عناصر: الفوضى، والتعقيد، والغموض، وهذا ينطبق فقط على قصيدة المقلد، ذلك النص الخالي تماما من العفوية وانسجام المعاني ببعضها البعض، حيث لا جوابات عينية في المفهومية التي تحدد بيان التلاقح والتسامي، فنسميها كما أسمتها "سوزان برنار" ب"المجانية" وهذا الذي بينته برنار "على أن قصيدة النثر ليس لها وجود في أية غاية بيانية أو سردية*" والخاصية التي تحدثت عنها برنار على أنَّ قصيدة النثر باعتبارها: "قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، غير الموحّدة بتطبيقها الشعري عند الإلهامين، لذا فهي غير متاح فيها الاتصال المعنوي، أي إنها خلقٌ غير منسجم، ليس لها من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء، همه أن يخرج عن كلّ تحديد، وكأنه شيء مضطرب بتشبيهات مرتبكة لا نهائية"* وهنا وهذا المكان يهمنا قول الشاعر اللبناني أنسي الحاج وهو واحد من مؤسسي قصيدة النثر قوله: " تعتمد قصيدة النثر الايجاز والتوهج والمجانية"، وهو توضيح ليس ببعيد عن رأي برنار.

لكنني هنا وفي هذا التحليل بالذات الذي اطلقته برنار قد اختلف معها بجزئية في مكان حساس جدا، ألاّ وهو مستوى قدرة وبيانية ومساحة الشاعر الثقافية ومحصوله التقني والمهني، من حيث موسوعة ثقافة جواباته اللغوية والفنية والحسابية "مفهوم الرياضيات". وعليه فالشاعر الموهوب لا يمكن أن يدع نصه يشكل متاهات توغل في الانكسار لتكون حائلا بين النص والمتلقي، لأن ما يجري في العرض النثري لا يترك مجالاً للشك، بأن هواة النص النثري ينتمون بشكل تطابقي إلى المكان الذي تحكمه الآلية العشوائية، متأثرة بالأسلوبية التي اتخذتها الشكليَّة الداديّة* منهجا للتشبيه بها، وحكما للشرط الذي اعتبره بعض شعراء فوضى النثر بكونه مفهوما اعتباطياً، أمّا قصيدة النثر عند الشعراء الذين خاضوا تجارب عديدة مع قصيدة العمود والتفعيلة ومن ثم كتبوا قصيدة النثر، جعلوا من النص يهتم بقضايا يجمعها الفكر في تطورها وتجذرها، بعيدة كل البعد عن السفسطة والأغلال عند الدغمائيين، فيجعل من نصه تفاعله الشروط المعنية بالإشراق والإضاءة والتماسك في الوحدة والمضمون، ولا أخال أن الكثير من شعراء قصيدة النثر كما هو الحال عند "الشاعر صادق الصائغ" قد تبرأوا من الداديّة "دادا" ومنهجها المجاني، على اعتبار أن هكذا نظم يتسبب بالسطحية والفوضى والتأليف الذي أصبح هو الصفة المتاحة لهؤلاء ممن تسموا بالشعراء وهم غير ذلك، فأصبح العدد أكثر بكثير من الشعراء الحقيقين، كون هكذا نظم لا يخضع لأي شرط من شروط تضمن صحة النص الحقيقي المعلنة به الشاعرية الحقة المرتبط بالفنية المنظومة في متخيلها الايجابي الحقيقي.

=

جعفر كمال



  1. هامش: - اقرأ أرسطو
2- كتاب الموازنة الطبعة الرابعة الجزء الثاني لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي.

3- أجزاء الشعر وهي ثمانية: فاعلن، فعولن، مفاعيلن، مستفعلن، فاعلاتن، مفعولات، مفاعلتن، متفاعلن.

4- شاعرية صادق الصائغ: من مجموعة قصائد منشورة.

5- جاك دريدا: فيلسوف فرنسي من مواليد الجزائر، انظر كتاب "حديث سعر نظرية المعرفة"

6- دلائل الإعجاز صفحة – ب 290

سورة هود 91

7-روث بايرن R Byrne كتاب الخيال تأليف د. شاكر عبدالحميد.

8-أنظر في مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير.

9- اقرأ كتاب المغني 16 للقاضي المعتزلي عبدالجبار.

10- سوزان برنار كتاب اقرأ جمالية قصيدة النثر .

11- اقرأ فرويد 1856 – 1939 كتاب العقل واللاوعي.

12- تخريج الجاحظ فيما سلف الفقرة 298 رقم 577

13- اقرأ سقراط 399 – 469 كتاب المعرفة والمنطق.

14- دلائل الإعجاز : الجرجاني ص4

15- شعر شيخ المعرة. هو أبو العلاء المعري كتاب لزوم ما لا يلزم.

16- الأمام علي بن أبي طالب ، اقرأ نهج البلاغة ص 210

17- تاريخ الأدب العربي، لعمر فروخ، اقرأ البحتري.

18- أنظر في كتاب نهج البلاغة للأمام علي بن أبي طالب ص 4 ، باب المختار.

19- الداديّة : شدة الخصومة.

20- بروتس: أشيع عنه إنه ابن يوليوس القيصر ملك روما، من أمه سرفيليا عشيقة القيصر،

21- يوليوس قيصر: اقرأ الموسوعة الحرة "ويكيبيديا"

22- اقرأكتاب: العقول الحرة لنيتشه Hu main trop Hu main

23- أقرأ آير: كتاب: الغزم اأخضر.

24- اقرأ كانط كتاب نقد العقل المجرد.

25-اقرأ فرويد اقرأ كتاب إنكار اللفظ والفعلز

26- اقرأ غاستون باشلار اقرأ كتاب العقلانية والتطبيقية.

27- علي بن أبي طالب ، نهج البلاغة صفحة 207

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى