من يتطلع الى الدول في زمن الأزمات يكتشف حقيقة البناء الذي قدمته الحضارة الإنسانية للمجتمعات وكيفية نهضت هذه المجتمعات بالتكاتف والتعاون في تأسيس أنظمة في الظاهر هي قادرة على إيجاد التمدن والتطور والحضارة في القرون الماضية الى الوقت الحاضر ، لكن في الفترات والاخيرة تعرضت هذه المجتمعات ودولها الى هزات اقتصادية وصحية كشفت حقيقة هذه الانظمة القائمة على الافكار التي يعتقد أنها متطورة ومنها النظام الرأسمالي والليبراليات المتقدمة التي أوصلت الأنسان بسبب جريانها خلف التوسع والتطور التقني مبتعدة عن الإنسانية التي يجب أن تكون هي الأساس وليس التطور الذي يبعد الأنسان عن مكانه الحقيقي بين المخلوقات على هذا الكوكب . لقد تم التركيز على كل ما هو يضر بإنسانية الأنسان في جوانبه الروحية مقابل التركيز على مباهج الدنيا ومادياتها ، لذلك تطورت الأزمات في دول العالم المتقدم ووصلت الى مرحلة الانغلاق التاريخي في أطاره الإنساني ، وهذا ما يوجد في أغلب الشعوب تطوراً وسعادة ظاهرية كما يظن البعض ، هذا التطور التقني الهائل الذي أضر بالبيئة والأنسان معا ، وهنا يشير الفيلسوف الألماني (إدموند هوسرل) صاحب الفلسفة الظاهراتية ، في كتابه (أزمة العلوم الأوربية الفينومينولوجيا الترانسندنتالية) الى هذه الأزمة قبل قرن كامل مما نحن فيه اليوم بالسؤال الذي طرحه :" لماذا لم يظهر أبداً في هذا الجانب طب علمي ، طب للأمم وللجماعات فوق الوطنية؟ إن الأمم الأوربية مريضة ، أوربا ذاتها توجد ، كمل يقال ، في أزمة . ليس ثمة أي نقص في من هم هنا بمثابة محترفي العلاج الطبيعي .بل إن سيلاً من اقتراحات الإصلاح الساذجة والمبالغ فيها يكاد يغمرنا . لكن لماذا فشلت علوم الروح التي عرفت تطوراً خصباً،"(1) .
ونحن نتسائل أيضاً ، هل أن الأنسان قد فقد جزء من البناء الروحي المكمل للجانب الفسيولوجي في ظل أزمة هذه العلوم ؟ وما هي طبيعة الأنسان التي جعلته فريسة سهلة للأمراض في ظل الانهيار الصحي والنفسي الحاصل في العالم ؟ ، فالأنسان العالمي الذي يريده التقدم التكنولوجي أن يكون عبداً للألة ، والرأسمال ، وللأنظمة التي قولبته في مجال عمل صارم حتى ساعات متأخرة من يومه، مما أنعكس سلباً على عدة جوانب في حياته منها :
فالإنسان في كل من العالمين المتقدم والمتخلف هو تكّون بطريقتين مختلفتين على وفق ازمة العلوم العالمية هما :
الهوامش
ونحن نتسائل أيضاً ، هل أن الأنسان قد فقد جزء من البناء الروحي المكمل للجانب الفسيولوجي في ظل أزمة هذه العلوم ؟ وما هي طبيعة الأنسان التي جعلته فريسة سهلة للأمراض في ظل الانهيار الصحي والنفسي الحاصل في العالم ؟ ، فالأنسان العالمي الذي يريده التقدم التكنولوجي أن يكون عبداً للألة ، والرأسمال ، وللأنظمة التي قولبته في مجال عمل صارم حتى ساعات متأخرة من يومه، مما أنعكس سلباً على عدة جوانب في حياته منها :
- البعد الانساني : الذي فقده لصالح العمل دون أي رحمة في ظل أن الفرد يعمل حتى ينتج ويكون قادر على المشاركة في بناء المجتمعات الجديدة ، لكن قد نسي إنسانيته في ظل هذه القوانين الصارمة .
- البعد الفسيولوجي: تراجع على مستوى الصحة البدنية بسبب ساعات العمل الطويلة ، جعلت من جسده ضعيف وعرضة للأمراض وأرض خصبة لأي انتكاسة صحية أو وبائية على مستوى العالم ,
- البعد الاجتماعي : قد ضعفت الروابط بين ابناء العائلة الواحدة بسبب أرتباط أفرادها في العمل المستمر حتى ساعات متأخرة من اليوم ، وعندما يصل الى سن التقاعد يكون قد فقد الكثير من الحميمية الروحية التي فقدها في التزامات العمل والإنتاج في أيام شبابه .
- البعد الأخلاقي : الذي أصبح مبني على وفق قوانين العمل الصارم ، وليس على وفق التكافل والتواصل والرحمة .
فالإنسان في كل من العالمين المتقدم والمتخلف هو تكّون بطريقتين مختلفتين على وفق ازمة العلوم العالمية هما :
- إنسان التقنية الحديثة الذي أصبح عبداً للتقنية ومالكيها من الرأسماليين العالميين ، وهذا الانسان فقد ثلاثة مقومات (إنسانية ، واجتماعية ، وفسيولوجية ) .
- أنسان العالم المتخلف والذي ساعدت على تخلفه ايضاً الرأسمالية وتقنيتها الحديثة ، بإيجادها أنظمة دكتاتورية كمرحلة أولى ، انهكته في حروب وصراعات وقمع . وفي خطوة ثانية اوجدت له أنظمة ثانية قائمة على الاثنيات المتصارعة في دول قابلة للتقسيم ، وبالتالي هذا الانسان لا حول له ولا قوة في ظل هذه الهيمنة من جهة ، والصراعات الداخلية من جهة ثانية .
الهوامش
- إدموند هوسرل : أزمة العلوم الأوربية الفينومينولوجيا الترانسندنتالية، ترجمة : د إسماعيل المصدق ، بيروت : المنظمة العربية للترجمة ، 2008، ص518.
- فرانسيس فوكوياما : نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ترجمة : د فؤاد شاهين وأخرون، بيروت : مركز النماء القومي ، 1993، ص38.