أ. د. عادل الأسطة - أنا والجامعة ٢٦ : الست كورونا والسيد الاجتياح والتعليم المصور

لولا الست كورونا لكتبت تحت عنوان آخر ، وكما أن الست كورونا استثناء فإن هذه الحلقة جاءت بسبب المسبب .
في أثناء التعليم الجامعي طلبت إدارة الجامعة من أعضاء هيئة التدريس فيها أن يسجلوا محاضراتهم على أشرطة مصورة لعل الطلاب يفيدون منها .
تكمن أهمية المحاضرات المصورة في أن الطلبة والمحاضرين يمكن أن يفيدوا منها ، ويمكن أن يفيد منها أطراف عديدة خارج أسوار الجامعة .
تفيد هذه المحاضرات المحاضرين في أنها تدفعهم إلى التحضير ومراعاة كل كلمة يتفوهون بها ، وتدفعهم إلى الالتزام بالمحاضرة نصا وروحا ووقتا ، ويمكن أن يعتمدوا عليها في التواصل مع طلبتهم إن اضطر المحاضر للمشاركة في مؤتمر أو إن ألم به مرض .
وتفيد الطلاب في أنهم ، إن اضطروا إلى الغياب ، أن يصغوا إليها ، وإن لم يصغوا جيدا إلى المحاضرة أن يستمعوا إلى المحاضرة المسجلة كما لو أنهم لم يغيبوا أو يتغيبوا عنها ، وللأسف فإن هذا لم يحدث ، كما أنها لم تفد المحاضرين بسبب بؤس إدارة الجامعة التي لم تتفهم ، في حينه ، ما سبق ، وكانت تصر على أن يلجأ الأستاذ ، إن شارك في مؤتمر ، على أن يعوض محاضراته ، وغالبا ما كان التعويض ضربا من " الهيلمة " وفيه قدر من التذاكي .
كيف يمكن أن تفيد هذه المحاضرات من هم خارج أسوار الجامعة ؟
غير مرة كتب إلي متحصصون وطلاب عرب ، من خارج فلسطين ، يسألونني عن النقد الأدبي الحديث ومناهجه ، وكنت أحيلهم إلى موقع جامعة النجاح الوطنية ومحاضراتي المصورة علهم يفيدون منها . ومنهم من سألني بعد مشاهدة المحاضرات .
وبخصوص تأثير المحاضرات في المجتمع فإن المثقفين المهتمين بموضوع ما يمكن أن يتابعوه من خلال مشاهدة المحاضرات . هنا يمكن أن أشير إلى تجربتي في برامج قدمتها في إذاعة جامعة النجاح الوطنية حول الأدب الفلسطيني . لقد حققت لي تلك البرامج شهرة واسعة في مدينة نابلس وغالبا ما كنت أسأل عنها وأعرف آراء بعض المستمعين إليها فيها . حتى بعض سواقي العمومي من حملة الشهادات الجامعية أو من حملة الدبلوم وممن علموا في دول الخليج وعادوا كانوا يبدون رأيهم فيها ويعبرون عن رضاهم عنها .
لماذا لم تهييء جامعة النجاح الوطنية والجامعات والمعاهد العليا في فلسطين نفسها لهذا اليوم ، هي التي مرت بانتفاضتين استمرت كل واحدة منها خمس أو ست سنوات ؟
لقد درسنا في الانتفاضتين ، وقبلهما في سنوات الاحتلال ، وكانت تلك السنوات سنوات عجافا ، لقد درسنا في ظروف أكثر صعوبة . في تلك السنوات كان التدريس ضربا من المقاومة ولا أريد أن أتفشخر .
وهنا أذكر من قال لي إن من يأكل في صحن لا يبصق فيه ، أذكره بسنوات الانتفاضتين وما قبلهما .
لم أمر بتجربة الانتفاضة الأولى ولكني مررت بتحربة الانتفاضة الثانية وكانت أمر وأقسى ، فلم تكن الانتفاضة الأولى دموية ، خلافا للانتفاضة الثانية التي كنا نتنقل فيها حاملين أرواحنا على أكفنا ، وفيها اضطر بعض أعضاء هيئة التدريس أن يتركوا بيوتهم وأسرهم ليقيموا في شقق وفرتها لهم الجامعة ، وأن يعيشوا حياة بائسة جدا ، إذ كان كل اثنين أو ثلاثة يحشرون في غرفة واحدة ، وأما من كان مثلي في مدينة نابلس فقد كان عليه أن يركب أربع حافلات حتى يصل إلى الجامعة ، وكم مرة نجونا من إصابات أو من موت محقق ، ولقد دونت هذا في النصوص التي كتبتها في تلك الأيام وأهمها " فسحة لدعابة ما " و " عين الكاميرا : نصوص من وحي الانتفاضة " .
في ألمانيا تمنح الجامعة من هو برتبة بروفيسور مبلغا شهريا من المال لتشغيل طالبين معه ينجزان له مهام مثل التصوير وإحضار الكتب له من المكتبة وتوزيع نصوص المحاضرات على الطلاب وتصوير النصوص المقترح دراستها أو قراءتها معا ، وأما في جامعاتنا فإن المشكلة التي كانت تواجهنا هي سوء تصرف الإدارة في هذا الجانب ، لدرجة أن بعض من يشغلون مهمة سكرتير أو سكرتيرة كانوا " يحملوننا جميلة " حين ينجزون لنا عملا هو في صميم وظيفتهم .
ماذا لو كان أساتذة الجامعات صوروا محاضراتهم كلها ؟ وماذا لو اشترطت إدارة الجامعة على كل طالب أن يمتلك " لابتوب " ؟
كان يمكن للعملية التعليمية أن تتواصل في ظروف مثل هذه بسهولة كبيرة . إنني أنجز شغلي مع الطلاب الذين أشرف عليهم من بيتي ، وأتواصل معهم عبر الماسنحر ، تماما كما صرت أتواصل مع عمادة البحث العلمي ، بيسر وسهولة ، عبر البريد الإلكتروني .
غالبا ما كنت أصاب بالدهشة لأن بعض المسؤولين في الجامعة درسوا في جامعات غربية ولكنهم لم يخرجوا من عقلية القرية أو الحارة كأنهم كانوا في جامعاتهم في الغرب مجرد أجساد لا تنظر إلا في المقررات الجامعية .
هل أقسو ؟
لو كانوا أفادوا من حياتهم هناك لما تعاملوا بعقلية ثأرية كيدية ولما رضوا لأنفسهم أن يكونوا دكتاتوريين متسلطين يحجزون المناصب ويتسابقون في حجز مواد التدريس ليدرسوا مواد إضافية و لأنفقوا سنوات التفرغ العلمي في البحث .
كما لو أن النساء لم تلد مثلهم ، وأما عن سنة التفرغ العلمي وكيف تقضى في الجامعات العربية فإن ذلك يحتاج إلى كتابة خاصة .


الخميس
٢٦ آذار ٢٠٢٠


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى