(لوحة بيضاء كبيرة في عمق المسرح ، الرجل يقف أمام اللوحة ويديه الى الخلف ، نحن نسمع حديثة فقط ، وظهره للجمهور طوال الوقت ، لا نعرف ملامحه مطلقا . تنتشر على جانبية طاولات عليها مجموعة من الفرش ، والالوان ، وأدوات للرسم)
الرجل : في العادة ، هكذا تبدأ الحكاية ، لوحة بيضاء ، غير محددة ، ولا تشير الى شيء ، بيضاء ، او لنقل ، فارغة تماما ، لا تحتوي أي شيء ، لا أفكار ، لا الوان ، لا اشكال . هي حيادية تماما ، لا تشوهها أية تدخلات ، صفحة بيضاء ناصعة حد السكينة . اللوحة بهذا اللون ، تكون الى جانب الجميع ، يحبونها وتحبهم ، يعشقونها ببراءتها وضحكاتها ، وحروفها الخفيفة . كونها بلا تحديدات ، بلا الوان ، بلا خطوط ، فهي لدى الجميع ، لا ضرر قد يأتي منها ، لا يتم محاكمتها مسبقا ، كما قد يحدث حين تقابل أحدهم للمرة الأولى ، فأنت تتوجس منه ، لديك خلفية كاملة من التجارب ، وتأثيرات العوالق فيك ، بأن الآخرين مصدر للمشاكل ، وأغلبهم سيئين . فالغرباء يجب أن تحذرهم ، لذا يجب أن تبني تجاه هذا الذي قابلته توا ، سورا عاليا من الشك ، والريبة ، قد يحتاج هو بالمقابل الى جهد ووقت من أجل أن يحلحل فكرتك الأولى عنه . ولكن هذا البياض ، في هذه اللوحة ، الغير مدنس بأي فرشاة ، لا يسمح لك مطلقا ، بأن تبني ، أو تنسج المواقف المسبقة ، حين تقابله لأول مرة ( لحظة صمت وتأمل للوحة البيضاء ) من جاء بهذه اللوحة البيضاء الى هذا العالم ، يدفع لنا برسالة ، بكود سري ، نحتاج أن نفكك ماهيته ، نقرأه بشكل صحيح . نحن نحسب مجيئ اللوحة الى هذا العالم بهذا الشكل ، فعل جليل ، فعل يملك الكثير من السمو ، والعدالة ( لحظة ) نعم ، هناك الكثير من الانصاف بمجيئ كل اللوحات ، التي تعيش في هذا العالم ، بكل هذا البياض ، بلا شروط ، بلا مقدمات ، أو استثناءات . من جاء بهذه اللوحة الى هذا العالم ، لا ينتمي الى الاستثناءات ، يحب أن تكون كل البدايات متساوية ، ومتماثلة ، ومتطابقة . فمعها يمكن أن تتساوى الفرص في الحياة ، وتشعر كل لوحة ، أنها بلا تمييز ، والذي قد يجعلها أقل من باقي اللوحات ، في هذا الكون ( لحظة صمت ) إن ما يحدث من كوارث هو ما بعد هذا البياض ، نعم ، فبعد أن تأتي فرشاة ما ، وترقص على هذا البياض ، تبدأ العاصفة ! فعادة في الأيام الأولى لمجيء اللوحة ، تتحدد لها أخطر الخطوط والانحناءات ، والتي ستترك أثرها طويلا في حياة اللوحة ( يذهب الى الطاولة ، ويلتقط فرشاة عريضة جدا ، ويغمسها في صبغ بلون أحمر فاقع ، ثم يتقدم الى اللوحة ، ليرسم في وسط اللوحة بالضبط ، صليبا كبيرا يمتد من أعلى اللوحة الى اسفلها ، يشطر اللوحة الى نصفين ) تماما في وسط اللوحة ، ومركز وجودها ، وفي أقوى الأماكن فيها . حيث يحدد للوحة ما يجب أن تكون ، طوال سنين عمرها . ما يجب أن تفعل ، وما لا يجب أن تفعل . ما يجب أن تلبس ، وما لا يجب أن تلبس . ما يجب أن تأكل ، وما لا يجب أن تأكل . تحدد شكل التصرفات ، والمحظورات ، والمحرمات ، والقواعد ، والأنظمة ، والجماعات ، و ، و ، والكثير من تفاصيل ما سيأتي في قادم الأيام ( يتحرك الرجل الى الخلف ، كي يحدق في اللوحة ، لحظة صمت ) فعلا ، لقد شوهت اللوحة تماما ، نعم ، لقد تم حصرها في زاوية ضيقة جدا ، في هذا العالم ، لقد تم تحديد ذلك الانطلاق الرهيب ، الذي كانت عليه في بداية الامر . بسبب فرشاة مثل هذه ، تم سلب هذه اللوحة الكثير من الامتيازات ، والتي كانت ستمنحها لاحقا ، قدرة أكبر على التحرك ، والتعامل مع كل شيء في هذا العالم . ما حدث فعل كارثي ( يتحرك ) لن تستطيع أن تصنع هذه اللوحة تجاهه أي شيء ! قليل جدا من لوحات العالم ، من استطاعت بكل ما لديها من قوى ، وامكانيات ، أن تتخلص مما صنعته هذه الفرشاة ( يتحرك يمينا وشمالا ) الجريمة الكبرى بحق هذه اللوحة ، أنها في هذا الوقت المبكر من حياتها ، واثناء لحظة التشكل الأولى ، ليس لديها المعرفة الكافية بما يجري ، ولا القوة الكافية للدفاع عن نفسها ، عن وجودها ، حيث تم القائها قسرا على طريق محدد ، لا تعرفه البته ، والذي يفترض أن تبقى تسير عليه طوال حياتها ( لحظة صمت ) على الرغم من أننا كنا ننظر بأعيننا ، كيف وهبنا موجد هذه اللوحة ، بياض الحيادية ، والصفاء ، والنقاء ، لكننا بعد وقت قصير جدا ، من استلامنا لهذه اللوحة ، نطعنها بسيف الانشطار ، والانتماء . لا نتركها بيضاء ، ولا نعلمها كيف تكون حرة ، في اختيار ما يرسم فيها ( يتحرك نحو طاولة ثانية ، يلتقط فرشاة متوسطه ، ويرسم في يمين الصليب الأحمر ، ظل رجل واقف ) لن يمر الوقت طويلا ، لازلنا في اللحظات الأولى من استلام اللوحة ، حتى ندرك حجم الذكورة التي تسيطر على هذه اللوحة ، حجم المحددات التي وضعها هذا الذكر ، في مساحة وجود اللوحة ، واقدراها . فراح سريعا يشكل قواعد العيب ، والممنوع ، والذي يجوز ، والذي لا يجوز . فهو نوع راسخ ، من أنواع السلطة في اللوحة ، هذا الظل الذكوري ، هنا ، سحابة سوداء ، يزداد سوادها ، كلما كانت اللوحة أشد نقاء ، واكثر بياضا . مرير أن يمارس على اللوحة المسكينة ، أشكال السلطة ، وهي لازالت عاجزة عن القبول ، أو الرفض ، فسلطة هذا الظل تحيل اللوحة الى ظل آخر جديد ، شبح يشبه الظل الأول . ببغاء يردد نفس الكلمات ، نفس الألوان ، نفس الانحناءات . في النتيجة ، ستصبح نسخة من هذا اللون الرمادي ، من هذا الشكل المتسلط ، تكرر ذات القصيدة التي القاها هذا الداكن ، من قبل . إنه يملك القدرة على تشكيل حياة اللوحة كلها ، من ألفها حتى يائها . ثقل هذا الظل ، وثقل سلطته ، هي البداية فقط ، فهو امتداد لظلال أخرى ، وأخرى ، في قائمة تطول جدا ( يذهب الرجل ليلتقط فرشاة متوسطة ، ليرسم على يسار الصليب ملامح مدينة ، بيتان ، شجرتان ، وارصفة ) ظلال المكان ، إحدى تلك الظلال التي حددها الذكر في وجود اللوحة . إن المكان سلطة خفية تحيط باللوحة ، تحدد ما فيها طوال العمر ، كون المكان يكون تماما كما الاناء ، واللوحة حالة من الانسكاب ، والتأقلم ، والتشكل . المكان سلطة أخرى ، تمارس فعل التغيير في اللوحة ، في الوانها ، تشكلاتها ، بل إن المكان قد يحدد كثيرا ، شكل القراءات التي سيتم فهمها لما في اللوحة . نعم ، فكل مكان له فهم خاص به ، فإنك لو حاولت أن تلقي قصيدة شعر في بيت العزاء ، لا يمكنك أن تجعل موضوعها عن الحب ، فكل مكان يضع عليك شروط المكوث فيه ، يسكب في اللوحة شكل الأرصفة ، وعشب الأرض البري ، ورطوبة جدران المنازل ، وامتداد الأفق . روح المكان ليست اختراع لفظي متكلف ، ولا نسج من خيال خصب ، هو حقيقة واقعة ، لا تحتاج الى دليل ( يتحرك ) حاول فقط أن تذهب الى مكان جديد ، وحاول أن تسمع ما فيه ، وتشاهد ما فيه . حتما ستسمع وسترى ، خصوصية ذاك المكان ، والسحر الذي يملكه ليؤثر فيك كثيرا ( لحظة ) على اللوحة ترسم الأمكنة بدون اختيارها ، فتتشابك التفاصيل بلا اختيار منها ، وتحدد فيها زوايا العتمة ، ومناطق الضوء ، ومساقط الحياة ( يتحرك الى طاولة أخرى ، يلتقط فرشاة رسم صغيرة ، يرسم شبح لعباءة امرأة ، بخطوط ضعيفة ) كل ما قد يكون في اللوحة من مواضع الضعف ، وغلبة العاطفة ، ورهافة الهس . عادة ما تكون سببه عباءة سوداء بحجم الأم . عالم مستضعف ، وسط السلطات المتقاطعة في اللوحة ، رغم أن لديها قدرة سحرية ، على عمق الأثر في المناطق البارزة في اللوحة . هذه العباءة التي تمسك بها يد اللوحة في الصغر، تكون ملاذا لذيذا من هول الحياة ، في كل العمر ، حتى في الشيخوخة . هذه العباءة تحاول أن تخلق حالة من التوازن ، بين العاطفة الجياشة والصادقة ، وبين القوى الضاغطة على اللوحة ، من خلال نظام مؤثر ، وسحري ، اسمه الحب . هذه العباءة ، كتلة متوقدة من الحب ، تنتشر بين طيات اللوحة ، تمنحها القليل من الامل ، والكثير من الاهتمام . هذا الحب الذي يمتاز بكونه بلا مصالح ، وغير محدود ، يشكل في اللوحة سببا للبقاء ، وحفنة من سكينة ( يتحرك الرجل ليلتقط فرشاة متوسطة الحجم من احدى الطاولات ، ويذهب تجاه اللوحة ) في اللوحة يعيش الحب وينمو ، يتحول مرة الى أغنية جميلة ، قادها وتر حساس ( يرسم صورة كمان في اللوحة ) أو قد يتحول الحب الى عشق عذري ، ينمو ، ثم يموت ، دون الاعتراف للطرف المقابل ( يرسم شكل قلب مضروب بسهم ) أو قد يتحول لهواية جميلة مثل القراءة ( يرسم كتاب ) أو كتابة ( يرسم قلم ) أو يتحول هذا الحب الى ضعف ووهن ، وحزن ، يشبه تماما هذه العباءة التي تصبح في العادة مصدر اللوحة في عبور التجارب بسلام . ( يذهب الرجل الى زاوية فارغة من اللوحة ) في هذا الفراغ الوحيد في اللوحة ، والذي لم تعبث به فرشاة الاخرين ، في العادة ، يجب أن يكون مكان للاختيار ، ولحرية القرار ، ولكن ما يجري في عموم اللوحة كبيرا ، وذا تأثير غير محدود ، كيف يحدث أن تكون هذه الفسحة الصغيرة ، قادرة على مواجهة كل هذه السلطات والضغوطات والتأثيرات الفظيعة . منحة الفسحة الصغيرة جدا ، والقليلة في كل شيء ، قد تمثل لحظة عابرة من الفرح المجرد ، خارج اطار المحددات . أو ربما تكون موقف نقي ، أو فكرة طاهرة ، أو صورة حاذقة ، أو حتى كلمة بلا زيف . هذه الفسحة رغم صغرها ، ولكنها قد تمثل كل ما في هذه اللوحة من حياة ( يقف ، ثم يرجع الى الخلف ، يتأمل اللوحة طويلا ) حجم المجيء الأول ، والحضور الأول ، والتعليق على جدار الحياة ، كان كبيرا ، بل كبيرا جدا . أما ما جرى بعد ذلك في الفترات الأولى ، والسنين الأولى من عمر اللوحة ، شوه فيها الكثير ، تقريبا أخفى ملامح النقاء والصفاء الأول ، بدد البياض الساحر ، بضربات فرش السلطات المتعددة ( يذهب الرجل باتجاه اللوحة ، يتحسسها بيده بهدوء ) مرير ما حدث لها ، مرير وقاسي ، لقد تركت فرش الرسم اثرها في جسد هذا اللوحة ، على شكل اخاديد ، لا يستطيع أن يمحوها الزمن ، مهما حاول . أما هذه الألوان المختلفة ، فلقد التصقت ببياضها بشدة ، لا يمكن أن يزول بسهولة ، دون أن يترك اثره على وجهها ( لحظة ) في النهاية سيحدث أن يتيبس قماش اللوحة ، وتبدأ بالتشقق ، لهول الاحداث والمصائب التي تمر بها ، طوال العمر ، على جدار الوجود ( يرجع الى الخلف ، يضع يديه خلف ظهره ، ويقف طويلا ، وهو يتأمل في اللوحة ) السؤال الذي لا يتوقف أبدا ، وانت تقف عاجزا أمام واقع هذه اللوحة ، أو كل شبيهاتها على مثل هذه الجدران . كيف يمكن للألوان التي كان يجب أن تكون سر جمال لوحات العالم ، أن تصبح سببا رئيسيا في أن تتحول لوحات العالم الى مسوخ ، أو الى عاهات ، أو الى تقرحات مزمنة ! فتبدو كل الجدران بشعة ، ومشوهة ، وتبعث على الاشمئزاز .
– ستار –
تركيا – سامسون
2/3/2019
الرجل : في العادة ، هكذا تبدأ الحكاية ، لوحة بيضاء ، غير محددة ، ولا تشير الى شيء ، بيضاء ، او لنقل ، فارغة تماما ، لا تحتوي أي شيء ، لا أفكار ، لا الوان ، لا اشكال . هي حيادية تماما ، لا تشوهها أية تدخلات ، صفحة بيضاء ناصعة حد السكينة . اللوحة بهذا اللون ، تكون الى جانب الجميع ، يحبونها وتحبهم ، يعشقونها ببراءتها وضحكاتها ، وحروفها الخفيفة . كونها بلا تحديدات ، بلا الوان ، بلا خطوط ، فهي لدى الجميع ، لا ضرر قد يأتي منها ، لا يتم محاكمتها مسبقا ، كما قد يحدث حين تقابل أحدهم للمرة الأولى ، فأنت تتوجس منه ، لديك خلفية كاملة من التجارب ، وتأثيرات العوالق فيك ، بأن الآخرين مصدر للمشاكل ، وأغلبهم سيئين . فالغرباء يجب أن تحذرهم ، لذا يجب أن تبني تجاه هذا الذي قابلته توا ، سورا عاليا من الشك ، والريبة ، قد يحتاج هو بالمقابل الى جهد ووقت من أجل أن يحلحل فكرتك الأولى عنه . ولكن هذا البياض ، في هذه اللوحة ، الغير مدنس بأي فرشاة ، لا يسمح لك مطلقا ، بأن تبني ، أو تنسج المواقف المسبقة ، حين تقابله لأول مرة ( لحظة صمت وتأمل للوحة البيضاء ) من جاء بهذه اللوحة البيضاء الى هذا العالم ، يدفع لنا برسالة ، بكود سري ، نحتاج أن نفكك ماهيته ، نقرأه بشكل صحيح . نحن نحسب مجيئ اللوحة الى هذا العالم بهذا الشكل ، فعل جليل ، فعل يملك الكثير من السمو ، والعدالة ( لحظة ) نعم ، هناك الكثير من الانصاف بمجيئ كل اللوحات ، التي تعيش في هذا العالم ، بكل هذا البياض ، بلا شروط ، بلا مقدمات ، أو استثناءات . من جاء بهذه اللوحة الى هذا العالم ، لا ينتمي الى الاستثناءات ، يحب أن تكون كل البدايات متساوية ، ومتماثلة ، ومتطابقة . فمعها يمكن أن تتساوى الفرص في الحياة ، وتشعر كل لوحة ، أنها بلا تمييز ، والذي قد يجعلها أقل من باقي اللوحات ، في هذا الكون ( لحظة صمت ) إن ما يحدث من كوارث هو ما بعد هذا البياض ، نعم ، فبعد أن تأتي فرشاة ما ، وترقص على هذا البياض ، تبدأ العاصفة ! فعادة في الأيام الأولى لمجيء اللوحة ، تتحدد لها أخطر الخطوط والانحناءات ، والتي ستترك أثرها طويلا في حياة اللوحة ( يذهب الى الطاولة ، ويلتقط فرشاة عريضة جدا ، ويغمسها في صبغ بلون أحمر فاقع ، ثم يتقدم الى اللوحة ، ليرسم في وسط اللوحة بالضبط ، صليبا كبيرا يمتد من أعلى اللوحة الى اسفلها ، يشطر اللوحة الى نصفين ) تماما في وسط اللوحة ، ومركز وجودها ، وفي أقوى الأماكن فيها . حيث يحدد للوحة ما يجب أن تكون ، طوال سنين عمرها . ما يجب أن تفعل ، وما لا يجب أن تفعل . ما يجب أن تلبس ، وما لا يجب أن تلبس . ما يجب أن تأكل ، وما لا يجب أن تأكل . تحدد شكل التصرفات ، والمحظورات ، والمحرمات ، والقواعد ، والأنظمة ، والجماعات ، و ، و ، والكثير من تفاصيل ما سيأتي في قادم الأيام ( يتحرك الرجل الى الخلف ، كي يحدق في اللوحة ، لحظة صمت ) فعلا ، لقد شوهت اللوحة تماما ، نعم ، لقد تم حصرها في زاوية ضيقة جدا ، في هذا العالم ، لقد تم تحديد ذلك الانطلاق الرهيب ، الذي كانت عليه في بداية الامر . بسبب فرشاة مثل هذه ، تم سلب هذه اللوحة الكثير من الامتيازات ، والتي كانت ستمنحها لاحقا ، قدرة أكبر على التحرك ، والتعامل مع كل شيء في هذا العالم . ما حدث فعل كارثي ( يتحرك ) لن تستطيع أن تصنع هذه اللوحة تجاهه أي شيء ! قليل جدا من لوحات العالم ، من استطاعت بكل ما لديها من قوى ، وامكانيات ، أن تتخلص مما صنعته هذه الفرشاة ( يتحرك يمينا وشمالا ) الجريمة الكبرى بحق هذه اللوحة ، أنها في هذا الوقت المبكر من حياتها ، واثناء لحظة التشكل الأولى ، ليس لديها المعرفة الكافية بما يجري ، ولا القوة الكافية للدفاع عن نفسها ، عن وجودها ، حيث تم القائها قسرا على طريق محدد ، لا تعرفه البته ، والذي يفترض أن تبقى تسير عليه طوال حياتها ( لحظة صمت ) على الرغم من أننا كنا ننظر بأعيننا ، كيف وهبنا موجد هذه اللوحة ، بياض الحيادية ، والصفاء ، والنقاء ، لكننا بعد وقت قصير جدا ، من استلامنا لهذه اللوحة ، نطعنها بسيف الانشطار ، والانتماء . لا نتركها بيضاء ، ولا نعلمها كيف تكون حرة ، في اختيار ما يرسم فيها ( يتحرك نحو طاولة ثانية ، يلتقط فرشاة متوسطه ، ويرسم في يمين الصليب الأحمر ، ظل رجل واقف ) لن يمر الوقت طويلا ، لازلنا في اللحظات الأولى من استلام اللوحة ، حتى ندرك حجم الذكورة التي تسيطر على هذه اللوحة ، حجم المحددات التي وضعها هذا الذكر ، في مساحة وجود اللوحة ، واقدراها . فراح سريعا يشكل قواعد العيب ، والممنوع ، والذي يجوز ، والذي لا يجوز . فهو نوع راسخ ، من أنواع السلطة في اللوحة ، هذا الظل الذكوري ، هنا ، سحابة سوداء ، يزداد سوادها ، كلما كانت اللوحة أشد نقاء ، واكثر بياضا . مرير أن يمارس على اللوحة المسكينة ، أشكال السلطة ، وهي لازالت عاجزة عن القبول ، أو الرفض ، فسلطة هذا الظل تحيل اللوحة الى ظل آخر جديد ، شبح يشبه الظل الأول . ببغاء يردد نفس الكلمات ، نفس الألوان ، نفس الانحناءات . في النتيجة ، ستصبح نسخة من هذا اللون الرمادي ، من هذا الشكل المتسلط ، تكرر ذات القصيدة التي القاها هذا الداكن ، من قبل . إنه يملك القدرة على تشكيل حياة اللوحة كلها ، من ألفها حتى يائها . ثقل هذا الظل ، وثقل سلطته ، هي البداية فقط ، فهو امتداد لظلال أخرى ، وأخرى ، في قائمة تطول جدا ( يذهب الرجل ليلتقط فرشاة متوسطة ، ليرسم على يسار الصليب ملامح مدينة ، بيتان ، شجرتان ، وارصفة ) ظلال المكان ، إحدى تلك الظلال التي حددها الذكر في وجود اللوحة . إن المكان سلطة خفية تحيط باللوحة ، تحدد ما فيها طوال العمر ، كون المكان يكون تماما كما الاناء ، واللوحة حالة من الانسكاب ، والتأقلم ، والتشكل . المكان سلطة أخرى ، تمارس فعل التغيير في اللوحة ، في الوانها ، تشكلاتها ، بل إن المكان قد يحدد كثيرا ، شكل القراءات التي سيتم فهمها لما في اللوحة . نعم ، فكل مكان له فهم خاص به ، فإنك لو حاولت أن تلقي قصيدة شعر في بيت العزاء ، لا يمكنك أن تجعل موضوعها عن الحب ، فكل مكان يضع عليك شروط المكوث فيه ، يسكب في اللوحة شكل الأرصفة ، وعشب الأرض البري ، ورطوبة جدران المنازل ، وامتداد الأفق . روح المكان ليست اختراع لفظي متكلف ، ولا نسج من خيال خصب ، هو حقيقة واقعة ، لا تحتاج الى دليل ( يتحرك ) حاول فقط أن تذهب الى مكان جديد ، وحاول أن تسمع ما فيه ، وتشاهد ما فيه . حتما ستسمع وسترى ، خصوصية ذاك المكان ، والسحر الذي يملكه ليؤثر فيك كثيرا ( لحظة ) على اللوحة ترسم الأمكنة بدون اختيارها ، فتتشابك التفاصيل بلا اختيار منها ، وتحدد فيها زوايا العتمة ، ومناطق الضوء ، ومساقط الحياة ( يتحرك الى طاولة أخرى ، يلتقط فرشاة رسم صغيرة ، يرسم شبح لعباءة امرأة ، بخطوط ضعيفة ) كل ما قد يكون في اللوحة من مواضع الضعف ، وغلبة العاطفة ، ورهافة الهس . عادة ما تكون سببه عباءة سوداء بحجم الأم . عالم مستضعف ، وسط السلطات المتقاطعة في اللوحة ، رغم أن لديها قدرة سحرية ، على عمق الأثر في المناطق البارزة في اللوحة . هذه العباءة التي تمسك بها يد اللوحة في الصغر، تكون ملاذا لذيذا من هول الحياة ، في كل العمر ، حتى في الشيخوخة . هذه العباءة تحاول أن تخلق حالة من التوازن ، بين العاطفة الجياشة والصادقة ، وبين القوى الضاغطة على اللوحة ، من خلال نظام مؤثر ، وسحري ، اسمه الحب . هذه العباءة ، كتلة متوقدة من الحب ، تنتشر بين طيات اللوحة ، تمنحها القليل من الامل ، والكثير من الاهتمام . هذا الحب الذي يمتاز بكونه بلا مصالح ، وغير محدود ، يشكل في اللوحة سببا للبقاء ، وحفنة من سكينة ( يتحرك الرجل ليلتقط فرشاة متوسطة الحجم من احدى الطاولات ، ويذهب تجاه اللوحة ) في اللوحة يعيش الحب وينمو ، يتحول مرة الى أغنية جميلة ، قادها وتر حساس ( يرسم صورة كمان في اللوحة ) أو قد يتحول الحب الى عشق عذري ، ينمو ، ثم يموت ، دون الاعتراف للطرف المقابل ( يرسم شكل قلب مضروب بسهم ) أو قد يتحول لهواية جميلة مثل القراءة ( يرسم كتاب ) أو كتابة ( يرسم قلم ) أو يتحول هذا الحب الى ضعف ووهن ، وحزن ، يشبه تماما هذه العباءة التي تصبح في العادة مصدر اللوحة في عبور التجارب بسلام . ( يذهب الرجل الى زاوية فارغة من اللوحة ) في هذا الفراغ الوحيد في اللوحة ، والذي لم تعبث به فرشاة الاخرين ، في العادة ، يجب أن يكون مكان للاختيار ، ولحرية القرار ، ولكن ما يجري في عموم اللوحة كبيرا ، وذا تأثير غير محدود ، كيف يحدث أن تكون هذه الفسحة الصغيرة ، قادرة على مواجهة كل هذه السلطات والضغوطات والتأثيرات الفظيعة . منحة الفسحة الصغيرة جدا ، والقليلة في كل شيء ، قد تمثل لحظة عابرة من الفرح المجرد ، خارج اطار المحددات . أو ربما تكون موقف نقي ، أو فكرة طاهرة ، أو صورة حاذقة ، أو حتى كلمة بلا زيف . هذه الفسحة رغم صغرها ، ولكنها قد تمثل كل ما في هذه اللوحة من حياة ( يقف ، ثم يرجع الى الخلف ، يتأمل اللوحة طويلا ) حجم المجيء الأول ، والحضور الأول ، والتعليق على جدار الحياة ، كان كبيرا ، بل كبيرا جدا . أما ما جرى بعد ذلك في الفترات الأولى ، والسنين الأولى من عمر اللوحة ، شوه فيها الكثير ، تقريبا أخفى ملامح النقاء والصفاء الأول ، بدد البياض الساحر ، بضربات فرش السلطات المتعددة ( يذهب الرجل باتجاه اللوحة ، يتحسسها بيده بهدوء ) مرير ما حدث لها ، مرير وقاسي ، لقد تركت فرش الرسم اثرها في جسد هذا اللوحة ، على شكل اخاديد ، لا يستطيع أن يمحوها الزمن ، مهما حاول . أما هذه الألوان المختلفة ، فلقد التصقت ببياضها بشدة ، لا يمكن أن يزول بسهولة ، دون أن يترك اثره على وجهها ( لحظة ) في النهاية سيحدث أن يتيبس قماش اللوحة ، وتبدأ بالتشقق ، لهول الاحداث والمصائب التي تمر بها ، طوال العمر ، على جدار الوجود ( يرجع الى الخلف ، يضع يديه خلف ظهره ، ويقف طويلا ، وهو يتأمل في اللوحة ) السؤال الذي لا يتوقف أبدا ، وانت تقف عاجزا أمام واقع هذه اللوحة ، أو كل شبيهاتها على مثل هذه الجدران . كيف يمكن للألوان التي كان يجب أن تكون سر جمال لوحات العالم ، أن تصبح سببا رئيسيا في أن تتحول لوحات العالم الى مسوخ ، أو الى عاهات ، أو الى تقرحات مزمنة ! فتبدو كل الجدران بشعة ، ومشوهة ، وتبعث على الاشمئزاز .
– ستار –
تركيا – سامسون
2/3/2019