رعد مطشّر - طعامُ القطارات.. شعر

ينأى عن ليلِها
مأهولاً بفجرٍ مِنْ نَرْجسٍ ونُحاس
يفضُّ وعولَ نُعاسِهِ في الكمائن ،
بهديل الخوذِ العائمةِ ، بالملاجيءِ ، يمرِّغ ظلَّ آرتباكِهِ ،
عَنْ جناحيه يهشُّ العَتَمةَ ؛ وفي ريشِهِ تلِدُ أنّاتُ السؤالِ :
-لِمَ تندمجُ الرؤوسُ بأسى السقوف ؟
-لِمَ تطيرُ الساعاتُ طاحنةً أثداتتمنفتمفتمةفتتت
أثداءَها خفافيشُ القلق ؟
-لِمَ القصفُ يشطرُ برايتِهِ حبلَ الحديث بين جثَّتين ؟
يعضُّ المرورَ بأرضٍ حرامٍ بين ثقبينِ عدويّنِ ..
يتسلّيان بحبالِ الأُفْقِ ؛
والأُفْقُ المتّسعُ يطوّق الرغبةَ
بالمخالبِ ،
بقوائمِه المُوحشةِ يفلّي نعشَ الرؤوسِ ..
صباحَ مساءَ ،
ويطلقُ مواءَهُ في حَسْرةِ الجُند ؛
وفي ما تحملُهُ القطارات :
قطاراتٌ .. تذهبُ ملأى بالمرايا ،
قطاراتٌ .. تنأى معَبّأةً بالوصايا
تؤوب بالدمعِ بالشمعِ ،
قطاراتٌ – بين هذه .. وتلك – تبحرُ في العويل ؛
ألَمْ يفاجئوا تحليقَ عمرها حين أيقظَهُم الموتُ ؟
ألَمْ يبادلوا النجومَ ضحكَها في تعثّرِ المساءات ؟
ألَمْ يكونوا قوساً للوردةِ والنبلةِ ؟
أما جرّوا زرقَتها إلى ريشِ الأمان
وبها خبّأوا سُخامَ الخجل ؟
ألَمْ يمشطوا تناثرَ الخوفِ بالسلالم المشظّاة ،
ومِنْ ترفِ الصعودِ أضاءوا رأسَ صديقي ؟
في همسِهِ المنفيّ ؛ عظامَ الحُزنِ كسرَّوُها ،
ولوّحوا – مِنْ دفئِهِ المخفيِّ – لطفولةِ الخسائرِ ..
خسائرِ التفرّسِ في الوجوه :
وَجْهٌ ينحني
يَغسلُ مطرَ الموتى ، وبالمديحِ يعدُّ مسامات الرثاء ،
وجهٌ ينثني
في حافر الحربِ يطفيءُ إلتفافَ مشاعِلهِ ،
ومِنْ خِصرِها يلمُّ أمعاءَ الدُّخان ،
ووجْهٌ مِنْ شهوةِ الوقتِ يضفرُ صوتَهُ :
-أيَتُها العثرةُ اللاّ مسمّاة ،
حَجَرٌ رمادُكِ ونسرُكَ تقودهُ شهوةُ الكلبةِ
تحتَ غيمةٍ ماطرةٍ بالنواح ،
يا ريحاً تنبحُ في بَدْلةِ الرملِ ،
ايا بردَ الثكناتِ .. كوني جسمَ صديقي ، وروحَ السلام ،
هُزّي رحيلَ الدمِ في المدافعِ ، وأبكي كثيراً .. وكثيراً ..
تحتَ قناعِ الوهمِ ،
على هشاشةِ السقوفِ ،
في زجاج الأماسي ؛
كرّري ذاك الرحيل .
إلى جبهة الفردوس لمّعي ممرّاتنا ،
وترفّقي بدقّاتِ رؤوسنا
وآمضغي أراملَ الأنين …
رويداً ، بالله ، رويداً .. إنغرسي في :
لُعبةِ طفلٍ نسجتْهُ خُطاكِ للمتاهةِ عرشاً
وفي الرملِ أدْمَتْهُ يداكِ .. مَلِكاً تأكلهُ الساعات ،
في نافذةِ التَلَعْثُم ؛ حوّاءِ المنتظرة :
-علّهُ يقبلُ من شاشةِ المدِّ :
ناعماً هادئاً هانئاً يبلّلُ أسلاكَ النشيج ،
في صمتِ شيخٍ بنى نحو الرثاءِ باباً مُقفلاً
وأرسل مفاتيحَهُ بين أقفالِ الجُثث :
-هُنا .. جثّةٌ ذابلةٌ كالثلجِ
وهُنا .. وشمُها ،
هُنا ظبيٌ يرعى جثثَ القتلى بعصاه
وبقائمتيه يحلبُ العُشبَ الطريد ،
هُنا
وهُنا
وها هناك تنفتحُ أبوابُ العزاء
وقرب البحث ينسى يديه ،
في رحمِ أمٍِّ تحتَ السواد تمدّدتْ ،
سدّتْ بزجاجٍ روحها هُوَّة البطنِ ؛
وعلى عُشْبِ النواحِ طفتْ باقاتُها :
– بُني
ألا ترى كيفَ تفرُّ غزلانُ روحي كالأرانب ؟
ألا تسمعَ فرحَ الرحيلِ ورشاقةَ الأفول ؟
ألا تشمَّ إزدهارَ الرصاصِ في ثقوب ضحكنا ..
حين يتنـزّهُ العراءُ فيها ؟
جُسَّ التواءَ الرنينِ في سبيكةِ الفراغِ .. رؤوسنِا
خسائرُ الدعاءِ والشمعِ والدمعِ والخديعةِ .. ذُقْ ،
… – – –
في أناملِ صديقٍ يشمُّ نباحَ دمعتِه
يُولجُها في خوذةٍ بعثرتـْها المُدُنُ
ومِنْ نبشِ الحنينِ يحرسُها ،
في
عينٍ مُغْلقةٍ
لجنازةٍ .. تنظرُ :
الرصاصُ رمشُها
وجفنُها يطوّقُ ريحَ القطارات
تاركاً .
ظلمةَ الأجراس ..
للخسائر .


أعلى