يترك السرير ويقترب من المساحة القليلة التي تنام فيها. تمتدّ كفّ يده الكبيرة إلى وسادتها وتتبعها الكفّ الأخرى.
يستولي على وسادتها.
قامته الطويلة تحجب عنها النسيم الداخل من النافذة.
(تمرّ لحظات ليليّة, تذكّرني بماض كانت تهدهدني فيه النسام الدافئة, التي تلهو بأغصان الأشجار الكثيرة المحيطة ببيتنا, ومن بينها شجرة (عطر الليل). تلك الشجرة الساحرة كانت تزفر العطر إذا داعبها الهواء الصيفي اللطيف).
تهزّه بيدها كي يبتعد قليلاً, ولكنّه لا يفيق. تهمس له:(ستوقعني, ابتعد قليلا).
يتململ.. (كشجرة العطر التي تنتظر الليل كي تطلق مشاعرها وأحلامها, كنت أكتب يوميّاتي وأطلق أحلامي على دفتر بلون زرقة السماء. ألبس أقراطي المصنوعة من الخرز, التي هرّبتها صديقتي لي.
أعقد المنديل البرّاق حول خصري وأرقص على وقع موسيقى اختزنتها منذ ولدت.
في الليل ينساني الجميع ويتركونني أمتلك نفسي. أو على الأصحّ كانوا يفعلون).
يمدّ ذراعه ليقبض على خصرها. فتفيق من حلم صيفي بدأ لتوّه. يشتدّ الحرّ. ترفع نظراتها متوسلة إلى النافذة أن تقذف نسمة باردة. تتجمّع حبيبات عرق صغيرة فوق مسامّها, يعجز قطن البيجاما عن امتصاصها فتروح تسيل بين ثنايا جسدها. يفقد الجسد المتعرّق قدرته على التحمّل. بهدوء وبطء حذرين تزيح يد زوجها عنها, وتنهض من السرير. تحبس أنفاسها كي لا تشعره برحيلها.
قبل أن تخطو قدماها الصغيرتان خارج غرفة النوم, يجمّدها صوته في مكانها: (إلى أين?).
(عشية سفر أختي وزوجها كانت الليلة الوحيدة التي أمضيتها خارج المنزل. في تلك الليلة تسلّلت أياد غريبة إلى دفتري الأزرق. عندما عدت عصر اليوم التالي, كان عليّ أن أقف عارية,إلا من دموعي, أمام المحكمة التي نصبت لي. أحلامي السخيفة أرّقت أهلي, والقلب المراهق أرعبهم, وأطلق العنان لاستباحة جميع خصوصياتي. منذ تلك الليلة لم أعد أكتب. لم أعد أرقص. صرت أغنّي فقط في سرّي).
ترتعد وتجيب متلعثمة: (عطشانة).
تكون فعلا عطشى. تشرب كوبي ماء. تجلس على كرسي مسندة مرفقيها إلى طاولة المطبخ الباردة بسبب ضباب الفجر. نافذة المطبخ, كباقي نوافذ البيت الأرضي وأبوابه, لا تخبر الحكايات ولا تذرّ النجوم والأشجار.
عندما أتت هذا المنزل لم تنتبه إلى هذه التفاصيل. كانت مأخوذة بفكرة التخلّص من الحصار المفروض عليها بتهمة اكتشاف بوادر تفلّت وقلّة حشمة في شخصيتها. البوادر التي أوحت إلى العائلة أن صغيرتهم (المفعوصة) قد تجلب عليهم العار برعونة تصرّفاتها.
تغفو دقائق فوق الطاولة الباردة. ثم تعود إلى الفراش بيدين خدرتين.
(عندما يخيّل إليّ أنني أشمّ عطر الليل, أروح أبحث عن كل ما تاه وسُلب مني, عن دفتر انتهكه أهلي, عن أقراط ملوّنة حطّمها أخي الكبير تحت (بوطه) العسكري المخيف, عن منديل برّاق استُبدلت به طرحة من الدانتيل أغشت بصري...).
يوقظها برقته المعهودة.
يقول لها إنّ الفطور جاهز. يحبّ إعداد الفطور بيده, ويتمتّع بتغذية العصفورة الصغيرة التي أحضرها من بيت أهلها إلى بيته كي (تفقس) له البنين.
يسألها إن كانت قد أيقظته في الليلة الفائتة أم كان يحلم?!
فتخبره أنه كاد يوقعها, كالعادة, وأنّه نام على وسادتها.
يعبس. لا يحبّ هذه الكلمة من فمها (وسادتي), ويعيد تنبيهها إلى أن كل ما لها له. ينتعل (بوطه) المخيف ويغادر إلى ورديّته.
بينما هي ترتّب السرير وتبحث عن أثر لعطر مرّ من فوقه, أو لامس أغطيته, تتمنّى لو أنّ الليل لا يأتي.
بسمة الخطيب
يناير 2005
يستولي على وسادتها.
قامته الطويلة تحجب عنها النسيم الداخل من النافذة.
(تمرّ لحظات ليليّة, تذكّرني بماض كانت تهدهدني فيه النسام الدافئة, التي تلهو بأغصان الأشجار الكثيرة المحيطة ببيتنا, ومن بينها شجرة (عطر الليل). تلك الشجرة الساحرة كانت تزفر العطر إذا داعبها الهواء الصيفي اللطيف).
تهزّه بيدها كي يبتعد قليلاً, ولكنّه لا يفيق. تهمس له:(ستوقعني, ابتعد قليلا).
يتململ.. (كشجرة العطر التي تنتظر الليل كي تطلق مشاعرها وأحلامها, كنت أكتب يوميّاتي وأطلق أحلامي على دفتر بلون زرقة السماء. ألبس أقراطي المصنوعة من الخرز, التي هرّبتها صديقتي لي.
أعقد المنديل البرّاق حول خصري وأرقص على وقع موسيقى اختزنتها منذ ولدت.
في الليل ينساني الجميع ويتركونني أمتلك نفسي. أو على الأصحّ كانوا يفعلون).
يمدّ ذراعه ليقبض على خصرها. فتفيق من حلم صيفي بدأ لتوّه. يشتدّ الحرّ. ترفع نظراتها متوسلة إلى النافذة أن تقذف نسمة باردة. تتجمّع حبيبات عرق صغيرة فوق مسامّها, يعجز قطن البيجاما عن امتصاصها فتروح تسيل بين ثنايا جسدها. يفقد الجسد المتعرّق قدرته على التحمّل. بهدوء وبطء حذرين تزيح يد زوجها عنها, وتنهض من السرير. تحبس أنفاسها كي لا تشعره برحيلها.
قبل أن تخطو قدماها الصغيرتان خارج غرفة النوم, يجمّدها صوته في مكانها: (إلى أين?).
(عشية سفر أختي وزوجها كانت الليلة الوحيدة التي أمضيتها خارج المنزل. في تلك الليلة تسلّلت أياد غريبة إلى دفتري الأزرق. عندما عدت عصر اليوم التالي, كان عليّ أن أقف عارية,إلا من دموعي, أمام المحكمة التي نصبت لي. أحلامي السخيفة أرّقت أهلي, والقلب المراهق أرعبهم, وأطلق العنان لاستباحة جميع خصوصياتي. منذ تلك الليلة لم أعد أكتب. لم أعد أرقص. صرت أغنّي فقط في سرّي).
ترتعد وتجيب متلعثمة: (عطشانة).
تكون فعلا عطشى. تشرب كوبي ماء. تجلس على كرسي مسندة مرفقيها إلى طاولة المطبخ الباردة بسبب ضباب الفجر. نافذة المطبخ, كباقي نوافذ البيت الأرضي وأبوابه, لا تخبر الحكايات ولا تذرّ النجوم والأشجار.
عندما أتت هذا المنزل لم تنتبه إلى هذه التفاصيل. كانت مأخوذة بفكرة التخلّص من الحصار المفروض عليها بتهمة اكتشاف بوادر تفلّت وقلّة حشمة في شخصيتها. البوادر التي أوحت إلى العائلة أن صغيرتهم (المفعوصة) قد تجلب عليهم العار برعونة تصرّفاتها.
تغفو دقائق فوق الطاولة الباردة. ثم تعود إلى الفراش بيدين خدرتين.
(عندما يخيّل إليّ أنني أشمّ عطر الليل, أروح أبحث عن كل ما تاه وسُلب مني, عن دفتر انتهكه أهلي, عن أقراط ملوّنة حطّمها أخي الكبير تحت (بوطه) العسكري المخيف, عن منديل برّاق استُبدلت به طرحة من الدانتيل أغشت بصري...).
يوقظها برقته المعهودة.
يقول لها إنّ الفطور جاهز. يحبّ إعداد الفطور بيده, ويتمتّع بتغذية العصفورة الصغيرة التي أحضرها من بيت أهلها إلى بيته كي (تفقس) له البنين.
يسألها إن كانت قد أيقظته في الليلة الفائتة أم كان يحلم?!
فتخبره أنه كاد يوقعها, كالعادة, وأنّه نام على وسادتها.
يعبس. لا يحبّ هذه الكلمة من فمها (وسادتي), ويعيد تنبيهها إلى أن كل ما لها له. ينتعل (بوطه) المخيف ويغادر إلى ورديّته.
بينما هي ترتّب السرير وتبحث عن أثر لعطر مرّ من فوقه, أو لامس أغطيته, تتمنّى لو أنّ الليل لا يأتي.
بسمة الخطيب
يناير 2005