ساد اعتقاد طويل لدى مؤرخي الأدب المغربي الحديث مفاده أن أول رواية مغربية بالفرنسية هي رواية أحمد الصفريوي “سبحة العنبر”، الصادرة سنة 1949، إلى حين اكتشاف رواية “فسيفساء باهتة” لمؤلفها الطنجي عبدالقادر الشاط، والتي صدرت بالفرنسية سنة 1932. الرواية التي ظهرت ترجمتها العربية، مؤخرا، جاءت لتقدم لقراء العربية أول رواية مغربية اقترنت بمدينة طنجة، أيضا، وهي مدينة السرد المغربي، منذ رحلات ابن بطوطة التي قادته، مبكرا، إلى أقصى أصقاع العالم وصولا إلى نصوص محمد شكري التي قادته إلى العالمية.
صدرت مؤخرا للمترجم والكاتب المغربي عثمان بن شقرون الترجمة العربية لرواية “فسيفساء باهتة” لعبدالقادر بنعزوز الشاط. وهي الرواية التي انتهى الكاتب من تأليفها سنة 1930، وصدرت سنة 1932، عن منشورات “المجلة العالمية” بباريس. وقبل اكتشاف هذه الرواية، كانت رواية الصفريوي هي الرواية المغربية الأولى الصادرة بالفرنسية، سنة 1949. وفي الضفة الأخرى، كانت رواية “الزاوية” للتهامي الوزاني، الصادرة بالعربية سنة 1940 هي أول رواية مغربية. بينما تأكد اليوم أن أول رواية مغربية إنما صدرت بالفرنسية سنة 1932، وهي رواية “فسيفساء باهتة” لعبدالقادر بنعزوز الشاط. فماذا عن أول رواية مغربية؟ وهل توافرت فيها الشروط الفنية التي تجعل منها عملا مؤسسا للمدونة الروائية المغربية؟ وماذا عن طنجة كما رسمتها سردية عبدالقادر الشاط في هذه الرواية؟
فسيفساء السرد
هكذا، أصبحت رواية “فسيفساء باهتة” مرجعا أدبيا لا مناص منه لإعادة التأريخ للأدب المغربي الحديث من جديد. مثلما شكلت هذه الرواية القطعة المفقودة في “فسيفساء السرد” التي تحكي قصة طنجة المتخيلة، منذ أعمال تينيسي ويليامز ومارك توين وبول بولز وجيرترود شتاين إلى أعمال وليام بوروز وجان جنيه وكابوتي وجاك كيرواك وآلان غيرنسبرغ ومحمد شكري، ومحكيات محمد المرابط والعربي العياشي “الشرادي” وأحمد اليعقوبي، وباقي رواة طنجة الأحياء منهم والأموات.
والمثير أن يكون عبدالقادر بنعزوز الشاط مؤسسا لكل هذا، هو الذي ولد سنة 1904، السنة التي أصبحت فيها طنجة منطقة دولية، حيث استعمرت فيها بريطانيا المدينة ووقعت مع فرنسا ثم إسبانيا على “اتفاقية طنجة الدولية”. وربما استحضر الشاط هذا الشرط التاريخي في روايته، وهو يمنح البطولة في روايته للإنكليزية إيدانا موروو، التي أرسلها زوجها أحمد بنيس للعيش في طنجة، رفقة عائلته، ومعها ابنهما علي، بينما بقي هو في مانشتر، بسبب ظروف العمل.
ومثل كل الروايات الأولى، يحضر السير ذاتي، وهو يبني معمار الرواية أو يهندس فسيفساء العمل الروائي من أوله إلى آخره، كأنما السارد يروي سيرته وسيرة مدينته، والحال أننا أمام طنجة العالية، التي تغري كل من سكنها أو زارها بأن يروي سيرته وسيرتها وسيرته معها.
حاشية طنجة
على غرار التشكيلي الفرنسي هنري ماتيس، أشرع عبدالقادر الشاط أمام قارئ روايته نافذة على مدينة طنجة، في مطالع القرن الماضي.
هكذا، يحمل الفضل الأول من الرواية اسم “يوم الصلاة”، تليه عبارة صَدَّرَ بها الكاتب فصله الأول نصها “طنجة، بمناخها ومائها، ولثام نسائها”. ويعلق الكاتب على هذا الاستهلال بعبارة “فلكلور مغربي”. أي أن الأمر إنما يتعلق بمقولة شعبية. وأما “اللثام” فلباس تقليدي يغطي فم المرأة، وهو بمثابة حجاب يغطي الفم، فلا يمنع عنا صورتها فقط، بل صوتها أيضا.
ثم يستهل الكاتب فصله بتقديم صورة “الكراب”، الذي يرتدي لباسا تقليديا فولكلوريا، ورغم أن الناقد محمد المسعودي قد حرص، في المقدمة التي وضعها للرواية، على تذكيرنا بأن رواية الشاط “لا ترتمي في إشباع نهم الغرب إلى الغريب والعجيب”، فإنها لا تكف منذ أول فصل عن تقديم لوحات فلكلورية تثير القارئ الغربي وتسعى في استثارته. ومن ذلك، دخوله إلى فضاء “الحَمَّام” الشعبي، وعرض طقوسه بإسهاب، إلى أن يتوقف عن ذلك، ليردف قائلا “ولكن، دعونا نعود إلى قصتنا ونقول…”.
ولعل إيقاع الاستطراد في الحكي والسرد لا يني يتوقف في هذه الرواية، على غرار النصوص السردية المغربية التي صدرت وانتشرت خلال القرون السالفة والعقود الغابرة. فالسارد في الرواية كثيرا ما يوقف تدفق الحكي، كما يورد حكاية شعبية أو مروية محلية يغري بها قارئ الرواية، ومن به ولع بالحكاية. فمن يكون القارئ في الحكاية، وفق التساؤل الذي يطرحه أمبرتو إيكو؟
لا شك أن القارئ الذي تتوجه إليه رواية “فسيفساء باهتة” هو القارئ الأجنبي، حيث يصبح القارئ الضمني هنا هو “القارئ الآخر”، وهو ما يتأكد، بدءا باللغة التي كتبت بها الرواية، وهي الفرنسية. كما أن القارئ المغربي لم يكن قارئ رواية، أيضا، والحال أننا أمام أول رواية مغربية كما تقدم. من هنا، هذا النزوع نحو تقديم المغرب الغرائبي من خلال الحكايات الشعبية التي يوردها الروائي ويقطع بها متوالية السرد حول الحكاية الإطار، ثم تلك العوالم والطقوس المتعلقة بشهر رمضان أو عيد الأضحى، والكتاتيب القرآنية، أو الأعراس الشعبية، ودور “الفقيرة” وهي تقود جوقا نسويا مغربيا يحيي تلك الحفلات… وما صورة الفسيفساء إلا تمثيل ثقافي شاهد على ذلك.
ولنتأمل هذا المشهد الوصفي من الرواية، والذي يحيلنا على عنوان الرواية الأولى في تاريخ السردية المغربية، كما يحيلنا على رواية “سبحة النعبر” لأحمد الصفريوي، التي ستصدر بعد 17 سنة من ذلك. “وكان هذا الأخير قد فتح فمه بالكاد لرد السلام على العلمي، لأنه كان مشغولا بفرط حبات سبحته العاجية. وعندما انتهى نهض ووضعها فوق رف مبهرج بفسيفساء باهتة”.
هذا المنزع الروائي المتوجه إلى الآخر جعل الشاط يقدم لنا بناء روائيا متقدما، يضم طبقات من الحكايات، مثلما يضم عتبات نصية وحواشي وهوامش كثيرة. فمنذ البداية، يُصَدِّرُ الشاط الفصل الأول من روايته بمقولة شعبية ويقول لنا إنها من الفلكلور المغربي. وفي الصفحة نفسها، يضع الروائي هامشين، الأول لشرح معنى “الكراب”، وهو الذي يحمل كيسا جلديا مملوءا بالماء، يتجول به في الأسواق الشعبية ويسقي الناس بمقابل. إلى جانب الهامش الثاني لشرح عبارة “الفوقية” وهي من الألبسة التقليدية للرجال في المغرب. ولا مراء في أن شرح هذه التسميات على امتداد الرواية، من أولها إلى آخرها، إنما يتوجه به الكاتب إلى من أسميناه “القارئ الآخر” في هذه الرواية.
ليالي طنجة
من تاريخ مدينة طنجة
من ليالي شهرزاد إلى ليالي طنجة، يقترن الحكي بالليل. مثلما تربط حكايات الليل بين الجدات والأطفال، لكأن الحكاية هي الشاهد على استمرارية الحياة، وهي الرسالة التي يتناقلها جيل بعد جيل، حيث تستمر الحكاية وإن اختلفت الرواية.
فالحكاية تخيل يرتبط بالليل، وهي خلاف الحقيقة المرتبطة بالوضوح، وبالنهار، كما يقول عبدالفتاح كيليطو في الغائب. كما يحدثنا ألبيرتو مانغيل، وهو تلميذ بورخيص، عن ارتباط الحكي بمرحلة ما بين النوم واليقظة، “والتي تغدو فيها إعادة تخيل العالم أمرا سهلا”.
ففي أحد كتبه الأخيرة “المكتبة في الليل”، يستحضر الكاتب الأرجنتيني تلك المقولة أن “بومة منيرفا لا تشرع في الطيران إلا حين يرخي الليل سدوله”، لكنه ينسبها، خطأ، إلى والتر بنيامين، والحال أن الرجل إنما نقل العبارة صريحة عن هيغل، الذي صَدَّرَ بها كتابه “فلسفة الحق”. والرواة أهل الليل، على شاكلة النفري. وقد قال ابن عربي “إن النفري من أهل الليل، واعلم أعزك الله بسلطانه أن الله جعل الليل لأهله، كما جعل الغيب لنفسه!”.
من بين العتبات النصية التي يوردها الشاط تصدير يقول “روحنا في حكايتنا الشعبية”. وفي الفصل السابع “مؤانسات ليلية”، يورد الكاتب المثل المغربي القائل “ما يأتي به النهار يذهب به الليل”. وحين يريد الكاتب أن يحكي لنا حكاية “للا عايشة بنت الجني”، يورد هذا المعتقد الشعبي الذي يقول “أولئك الذين يحكون القصص خلال الليل سيرزقون أطفالا صلعانا”، وهي عبارة تحمل تحذيرا من الحكي في النهار. على أساس أن النهار للعمل، للواقعي، والليل للخيال والتخييلي. ثم تغدو هذه العتبات مسوغا للكاتب من أجل أن يحكي لنا حكايات تراثية، مثلما وظف نصوصا شعرية لكبار أهل التصوف الشعبي، مثل سيدي عبدالرحمن المجذوب، في بداية هذه الرواية.
مخلص الصغير
كاتب مغربي
صدرت مؤخرا للمترجم والكاتب المغربي عثمان بن شقرون الترجمة العربية لرواية “فسيفساء باهتة” لعبدالقادر بنعزوز الشاط. وهي الرواية التي انتهى الكاتب من تأليفها سنة 1930، وصدرت سنة 1932، عن منشورات “المجلة العالمية” بباريس. وقبل اكتشاف هذه الرواية، كانت رواية الصفريوي هي الرواية المغربية الأولى الصادرة بالفرنسية، سنة 1949. وفي الضفة الأخرى، كانت رواية “الزاوية” للتهامي الوزاني، الصادرة بالعربية سنة 1940 هي أول رواية مغربية. بينما تأكد اليوم أن أول رواية مغربية إنما صدرت بالفرنسية سنة 1932، وهي رواية “فسيفساء باهتة” لعبدالقادر بنعزوز الشاط. فماذا عن أول رواية مغربية؟ وهل توافرت فيها الشروط الفنية التي تجعل منها عملا مؤسسا للمدونة الروائية المغربية؟ وماذا عن طنجة كما رسمتها سردية عبدالقادر الشاط في هذه الرواية؟
فسيفساء السرد
هكذا، أصبحت رواية “فسيفساء باهتة” مرجعا أدبيا لا مناص منه لإعادة التأريخ للأدب المغربي الحديث من جديد. مثلما شكلت هذه الرواية القطعة المفقودة في “فسيفساء السرد” التي تحكي قصة طنجة المتخيلة، منذ أعمال تينيسي ويليامز ومارك توين وبول بولز وجيرترود شتاين إلى أعمال وليام بوروز وجان جنيه وكابوتي وجاك كيرواك وآلان غيرنسبرغ ومحمد شكري، ومحكيات محمد المرابط والعربي العياشي “الشرادي” وأحمد اليعقوبي، وباقي رواة طنجة الأحياء منهم والأموات.
والمثير أن يكون عبدالقادر بنعزوز الشاط مؤسسا لكل هذا، هو الذي ولد سنة 1904، السنة التي أصبحت فيها طنجة منطقة دولية، حيث استعمرت فيها بريطانيا المدينة ووقعت مع فرنسا ثم إسبانيا على “اتفاقية طنجة الدولية”. وربما استحضر الشاط هذا الشرط التاريخي في روايته، وهو يمنح البطولة في روايته للإنكليزية إيدانا موروو، التي أرسلها زوجها أحمد بنيس للعيش في طنجة، رفقة عائلته، ومعها ابنهما علي، بينما بقي هو في مانشتر، بسبب ظروف العمل.
ومثل كل الروايات الأولى، يحضر السير ذاتي، وهو يبني معمار الرواية أو يهندس فسيفساء العمل الروائي من أوله إلى آخره، كأنما السارد يروي سيرته وسيرة مدينته، والحال أننا أمام طنجة العالية، التي تغري كل من سكنها أو زارها بأن يروي سيرته وسيرتها وسيرته معها.
حاشية طنجة
على غرار التشكيلي الفرنسي هنري ماتيس، أشرع عبدالقادر الشاط أمام قارئ روايته نافذة على مدينة طنجة، في مطالع القرن الماضي.
هكذا، يحمل الفضل الأول من الرواية اسم “يوم الصلاة”، تليه عبارة صَدَّرَ بها الكاتب فصله الأول نصها “طنجة، بمناخها ومائها، ولثام نسائها”. ويعلق الكاتب على هذا الاستهلال بعبارة “فلكلور مغربي”. أي أن الأمر إنما يتعلق بمقولة شعبية. وأما “اللثام” فلباس تقليدي يغطي فم المرأة، وهو بمثابة حجاب يغطي الفم، فلا يمنع عنا صورتها فقط، بل صوتها أيضا.
ثم يستهل الكاتب فصله بتقديم صورة “الكراب”، الذي يرتدي لباسا تقليديا فولكلوريا، ورغم أن الناقد محمد المسعودي قد حرص، في المقدمة التي وضعها للرواية، على تذكيرنا بأن رواية الشاط “لا ترتمي في إشباع نهم الغرب إلى الغريب والعجيب”، فإنها لا تكف منذ أول فصل عن تقديم لوحات فلكلورية تثير القارئ الغربي وتسعى في استثارته. ومن ذلك، دخوله إلى فضاء “الحَمَّام” الشعبي، وعرض طقوسه بإسهاب، إلى أن يتوقف عن ذلك، ليردف قائلا “ولكن، دعونا نعود إلى قصتنا ونقول…”.
ولعل إيقاع الاستطراد في الحكي والسرد لا يني يتوقف في هذه الرواية، على غرار النصوص السردية المغربية التي صدرت وانتشرت خلال القرون السالفة والعقود الغابرة. فالسارد في الرواية كثيرا ما يوقف تدفق الحكي، كما يورد حكاية شعبية أو مروية محلية يغري بها قارئ الرواية، ومن به ولع بالحكاية. فمن يكون القارئ في الحكاية، وفق التساؤل الذي يطرحه أمبرتو إيكو؟
لا شك أن القارئ الذي تتوجه إليه رواية “فسيفساء باهتة” هو القارئ الأجنبي، حيث يصبح القارئ الضمني هنا هو “القارئ الآخر”، وهو ما يتأكد، بدءا باللغة التي كتبت بها الرواية، وهي الفرنسية. كما أن القارئ المغربي لم يكن قارئ رواية، أيضا، والحال أننا أمام أول رواية مغربية كما تقدم. من هنا، هذا النزوع نحو تقديم المغرب الغرائبي من خلال الحكايات الشعبية التي يوردها الروائي ويقطع بها متوالية السرد حول الحكاية الإطار، ثم تلك العوالم والطقوس المتعلقة بشهر رمضان أو عيد الأضحى، والكتاتيب القرآنية، أو الأعراس الشعبية، ودور “الفقيرة” وهي تقود جوقا نسويا مغربيا يحيي تلك الحفلات… وما صورة الفسيفساء إلا تمثيل ثقافي شاهد على ذلك.
ولنتأمل هذا المشهد الوصفي من الرواية، والذي يحيلنا على عنوان الرواية الأولى في تاريخ السردية المغربية، كما يحيلنا على رواية “سبحة النعبر” لأحمد الصفريوي، التي ستصدر بعد 17 سنة من ذلك. “وكان هذا الأخير قد فتح فمه بالكاد لرد السلام على العلمي، لأنه كان مشغولا بفرط حبات سبحته العاجية. وعندما انتهى نهض ووضعها فوق رف مبهرج بفسيفساء باهتة”.
هذا المنزع الروائي المتوجه إلى الآخر جعل الشاط يقدم لنا بناء روائيا متقدما، يضم طبقات من الحكايات، مثلما يضم عتبات نصية وحواشي وهوامش كثيرة. فمنذ البداية، يُصَدِّرُ الشاط الفصل الأول من روايته بمقولة شعبية ويقول لنا إنها من الفلكلور المغربي. وفي الصفحة نفسها، يضع الروائي هامشين، الأول لشرح معنى “الكراب”، وهو الذي يحمل كيسا جلديا مملوءا بالماء، يتجول به في الأسواق الشعبية ويسقي الناس بمقابل. إلى جانب الهامش الثاني لشرح عبارة “الفوقية” وهي من الألبسة التقليدية للرجال في المغرب. ولا مراء في أن شرح هذه التسميات على امتداد الرواية، من أولها إلى آخرها، إنما يتوجه به الكاتب إلى من أسميناه “القارئ الآخر” في هذه الرواية.
ليالي طنجة
من تاريخ مدينة طنجة
من ليالي شهرزاد إلى ليالي طنجة، يقترن الحكي بالليل. مثلما تربط حكايات الليل بين الجدات والأطفال، لكأن الحكاية هي الشاهد على استمرارية الحياة، وهي الرسالة التي يتناقلها جيل بعد جيل، حيث تستمر الحكاية وإن اختلفت الرواية.
فالحكاية تخيل يرتبط بالليل، وهي خلاف الحقيقة المرتبطة بالوضوح، وبالنهار، كما يقول عبدالفتاح كيليطو في الغائب. كما يحدثنا ألبيرتو مانغيل، وهو تلميذ بورخيص، عن ارتباط الحكي بمرحلة ما بين النوم واليقظة، “والتي تغدو فيها إعادة تخيل العالم أمرا سهلا”.
ففي أحد كتبه الأخيرة “المكتبة في الليل”، يستحضر الكاتب الأرجنتيني تلك المقولة أن “بومة منيرفا لا تشرع في الطيران إلا حين يرخي الليل سدوله”، لكنه ينسبها، خطأ، إلى والتر بنيامين، والحال أن الرجل إنما نقل العبارة صريحة عن هيغل، الذي صَدَّرَ بها كتابه “فلسفة الحق”. والرواة أهل الليل، على شاكلة النفري. وقد قال ابن عربي “إن النفري من أهل الليل، واعلم أعزك الله بسلطانه أن الله جعل الليل لأهله، كما جعل الغيب لنفسه!”.
من بين العتبات النصية التي يوردها الشاط تصدير يقول “روحنا في حكايتنا الشعبية”. وفي الفصل السابع “مؤانسات ليلية”، يورد الكاتب المثل المغربي القائل “ما يأتي به النهار يذهب به الليل”. وحين يريد الكاتب أن يحكي لنا حكاية “للا عايشة بنت الجني”، يورد هذا المعتقد الشعبي الذي يقول “أولئك الذين يحكون القصص خلال الليل سيرزقون أطفالا صلعانا”، وهي عبارة تحمل تحذيرا من الحكي في النهار. على أساس أن النهار للعمل، للواقعي، والليل للخيال والتخييلي. ثم تغدو هذه العتبات مسوغا للكاتب من أجل أن يحكي لنا حكايات تراثية، مثلما وظف نصوصا شعرية لكبار أهل التصوف الشعبي، مثل سيدي عبدالرحمن المجذوب، في بداية هذه الرواية.
مخلص الصغير
كاتب مغربي
الرواية المغربية الأولى لم تكتب لقارئ عربي | مخلص الصغير | صحيفة العرب
مدينة طنجة موضوع أول رواية كتبت عن المغرب سنة 1932
alarab.uk