انزياحات عن ماذا !

انزياحات هو اسم مجلة جديدة لوزارة الثقافة الجزائرية ،وقد أثار هذا الإسم جدلا كبيرا على مواقع التَّواصل الإجتماعي ،وتضاربا حول ضرورة إعلام ثقافي متخصّص بالدَّرجة الأولى ولاجدوى مصطلح " إنزياحات" فما مدى حاجة المثقف الجزائري أو المهتم بالشَّان الثقافي الى مثل هذه المجلَّة ،وهل الخلل فعلا في مصطلح التسمية ؟
استطلاع جهاد زهري


- منصور زغواني /جامعة تيزي وزو
الاستعمالات المعاصرة لهذا المصطلح تنم عن رؤية تحررية من الاستلاب الثقافي

الانزياح transgression، إزاحة، زحزحة، قلقلة، انتهاك مرجعي، بعثرة عدول، تقويض، تفكيك، حل النظام .. كل هذه المصطلحات تستعمل عادة للإشارة إلى محاولة الانقلاب الفكري الذي يمكن من تجاوز شرط إبستيمولوجي، ثقافي، سياسي، تاريخي معطى... إلى شرط آخر مأمول. يرفق هذا التجاوز نوع من النقد والتفكيك الذي ينصب على الشرط السابق.
فالانزياح، هذا المصطلح الذي استعمل في النقد الشكلاني كان يعنى الانزياح الدلالي عن اللغة العادية المبتذلة إلى اللغة الرمزية الجمالية التي تفصل بين ما هو أدبي وما هو غير ذلك، وكما اطلق ياكوبسون عبارته الشهير بخصوص السمة الرئيسة في العمل الإبداعي وهي "الأدبية" Poétique حيث قال عن الأدبية: "ما الذي يجعل من رسالة ما أثرا فنيا" هذا الأثر الفني ينزاح عن اللغة العلمية أو الرسالة غير الأدبية ليؤسس لغته الخاصة التي تعدل بخصائصها الفريدة.
أما الاستعمال المعاصر لمصطلح الإزاحة transgression فإنه يأتي بمعنى: التجاوز، إزالة الترسيب، التقويض، الانتهاك، التشتيت... وهذه المفردات إنما تأتي للدلالة على إزاحة الدوغمائيات الفلسفية والثيولوجية القديمة واستحداث شرط فلسفي جديد لا يقوم على مبدأ النسق الفلسفي الكلي ولكنه متحرر من كل نزعة دوغمائية من شأنها أن تؤسس لبنية فكرية جديدة تكون أقنوما فيما بعد، وقد استعمل هذا المفهوم عدد من النقاد والفلاسفة من أمثال: رولان بارث، جوليا كريستيفا، جاك دريدا، شوقي الزين...
إن الدلالة السلبية negative التي يحملها مصطلح الإزاحة transgression لا تعني أن استعمالاته الفكرية تأتي في سياق سلبي أيضا ولكن الاستعمالات المعاصرة لهذا المصطلح تنم عن رؤية تحررية من الاستلاب الثقافي والصنمية المفرطة التي أوقعتنا فيها بعض الممارسات الخطابية والأقنمة الذهنية التي أسست لأيديولوجها مزدوجة ترى بطهرانية الذات وشيطانية الآخر.
كما يمكن استعمالها (مفهوم الإزاحة) في الشرط ما بعد الكلونيالي أو الديكولونيالي للدلالة على إزاحة الترسيب الاستعماري الذي لا يزال يضرب في عمق الهوية المستعمرة؛ من خلال اللغة، والأزياء، ونمط الأكل، وحتى الأحلام والأحاسيس... وهذا ما يدل على الطبيعة الانزياحية لمصطلح الانزياح نفسه.


- قطاف جلول / جامعة وهران
"انزياحات "إنزياح عن الذوق العام والفكر والثقافة و العدول أفضل من الإنزياح

يوحي هذا المصطلح إلى الكثير من المعاني لطالما عرف سابقا بالعدول وهو الخروج عن الأنماط التعبيرية المألوفة، لكن السيدة الوزيرة أتدري ما يخفي هذا المصطلح بإعتباره يحمل عدة مفاهيم كثيرة نذكر منها :(التدمير والشذوذ والإنحراف ...) هل فعلاً الوزيرة تعي ذلك!!
أعتقد أنها أخذت هذا المفهوم من كلام نتشيه عن العنوان بإعتباره سلطة . ولم تدرك بأن هذه السلطة تطمس واجهة المجلة وكيف يعقل أن يكون هذا المصطلح ( الإنزياح) تسمية لمجلة باسم وزارة الثقافة. عنوان جاف بعيد كل البعد عن موروثنا الثقافي اللغوي. وكأن اللغة العربية لم تنجب إلا هذه الانواع من المصطلحات والتسميات.لهذا يستحسن من العنوان الوضوح والبلاغة واذا بقي العنوان كما هو فسيكون وجها مخزيا قبيحا للثقافة الجزائرية. و يعكس هذا المشروع الثقافي الوطني هويتنا لذلك يستوجب علينا دحض هذا اللامفهوم من مسارات الخطية للفكر الأدبي والنقدي الجزائرية حتى لا يتساوى المفكر والمفكر فيه في الصفحات الكتابية.فهل ضاقت متون اللغة العربية لأهل الفكر والأدب؟ حتى تصطلح مثل هذه المصطلحات التي تكون حتما الصورة المخزية لأدبائنا ومفكرينا الجزائريين كأمثال ابن باديس والابراهيمي ومفدي زكرياء ومالك بن نبي وغيرهم
لذا اقترح على الوزارة الوصية التراجع عن هذا العنوان وتغييره دلاليا ليكون الصوت المسموع الذي يصل صداه إلى الأقلام الجزائرية والعالمية.
إن المثقف الجزائري يحتاج إلى بيئة خصبة لنقل أفكاره وآرائه خدمة للأدب وليتجاوب مع القضايا الأدبية ضمن الثقافات العالمية، ليكون ضمن خرائطها ويقدم الصورة التي تليق بالمثقف الجزائري.الذي يسعى دائما إلى بعث روح التجديد.فالأجدر من وزارتنا أن تتبنى مصطلحا يتفق عليه أعمدة أدبائنا الجزائريين. ولا يخضع هذا المصطلح إلى إيديولوجيات خاصة
وحتى المواضيع التي تطرحها المجلة ذات خلفيات فلسفية بحتة،تحمل رائحة غريبة لا علاقة لها بموروثنا الثقافي. فالثقافة والقراءة هي أهم شيء في بلادنا يسعى من خلالها الباحث إلى إفتراش اللغة والانغماس في دواليبها ليجعل منها الوسيلة التي تربط بينه وبين القارئ، ويدحض كل الخزعبلات المحسوبة لشخصية ما. فالباحث همه الوحيد بث ترياق الفكر في الحياة الفكرية والثقافية، (فإنزياحات)تمثل وزارة بحجم وزارة الثقافة شيء ليس بهين،فهو إنزياح عن الذوق العام والفكر والثقافة العربية، أظن أن العدول أفضل من الإنزياح

حورية بن علوش /جامعة قالمة
التخطيط للنهوض بنخبة مثقفة ومتمكنة في جميع التوجهات هو ما يجب العمل عليه

مصطلح الانزياح ظاهرةٌ أسلوبيةٌ حظيتْ باهتمام كبير من قبل النُّقاد في العصر الحديث؛ لما تضطلع به من دور مهم في بناءه، ولما تحويه من إمكانيات تعبيرية وإيحائية وجمالية يستطيع الأديب من خلالها أن يصل إلى الجودة لكن هذا لا يعني أن يكون هذا المصطلح تسمية توضع على مجلة ثقافية وطنية ،فالإختيار هنا كان منذ بدايته مبنيا على مجرد تنميق لفظي لاغير،فالتأسيس لمجلة وطنية ستكون مستقبلا واجهة للثقافة يجب أن يبنى على تخطيط مسؤول وبنَّاء يليق بهذه الثقافة التي ستبرز للعالم عامة والمثقف خاصة لتضع لنا صورة المستوى الثقافي الذي نملكه ،وهيهات بين ما نوجده ونجده ،لكن نتساءل هنا كباحثين ونخبة مثقفة هل ما نحتاجه فعلا في وقتنا الراهن هو الجدال حول هذه التسمية ؟ ،لأنّ المثقف الجزائري بعيد كل البعد عن تخطيط وزارة الثقافية وكأن الأهمية كلها تكمن في الشكل والصورة لا المضمون ،فما نعانيه نحن كنخبة بعيد جدا عن الحوار الراهن الذي يدور حول ما إن كانت التسمية مناسبة أولا ،فالتخطيط للنهوض بنخبة مثقفة ومتمكنة في جميع التوجهات المعرفية والثقافية هو ما أحتاجه أنا كباحثة للوصول إلى نتائج إيجابية وضع أولا وآخرا المثقف الذي هو الأساس الأول لكل المشاريع التي تستلزم من الوزارة كمؤسسة وطنية الانشغال بما يعانيه من تهميش وهامشية ،في المواهب التي تضيع إبداعاتها بين الرفوف في الوساطة التي قتلت البحث الجزائري وروح المبدع ،فالأولويات الموضوعة تبعدنا كليا عن الصورة التي نتمنى للمثقف الجزائري أن يجد نفسه فيها ،أن يبدع وهو يدرك أنه سيصل وأن يكتب وهو يعلم أن هناك قارئا ينتظره على الدَّام وأن إنتاجه سيجد المكان المناسب الذي سينشر وسيروج له حسب قيمته ،لا حسب واسطته ومسايرته للتيارات المحركة لكل الأوساط ،فعلا المثقف الجزائري كل ما أصبح يتعب كاهله هو كيف سيهرب مما يملكه من قدرات ومواهب لكي لا تبرز وحتَّى وإن فعلت فإنَّ فشلها في ظلّ عدم وجود اعلام ثقافي متخصّص أمر محتوم




انزياحات.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى