في كل شارع أو حي في القاهرة، المدينة التي لا تنام، لا يخلو من عدد من المقاهي التي تتنافس في ما بينها على تقديم الخدمات والمشروبات لجذب زبائنها، سواء من أبناء المنطقة التي يوجد فيها المقهى أو غيرهم من زائري المدينة من المصريين والأجانب، الذين يعتبرونها أشبه ما تكون بالنوادي الاجتماعية والصالونات السياسية.
وحسب مشاهدتي فإن القاهرة هي أكثر المدن العربية ازدحاماً بالمقاهي، خاصة المقاهي القديمة ذات الطابع التاريخي أو الثقافي، وبعضها مرتبط بأحداث تاريخية وفنية مهمة.
الكل يجلس على المقاهي، ويكون له مكانه الخاص و مكان استراحته ولقاء الأصدقاء، وبالتأكيد تحمل لنا ذكريات وانطباعات عديدة تخلد في ذاكرتنا.. ولهذا أحرص في كل زيارة لعاصمة عربية كانت أم أوروبية على الجلوس في المقاهي باعتبارها أهم ملامح المدينة ورواية عن ثقافة الناس واهتماماتهم.
إذ كنت تجلس لأول مرة على أي مقهى شعبي في مصر، فقبل أن تنادي على الجرسون اعرف مطلبك مقدماً لأن أسماء الطلبات كثيرة ومتشعبة ومتنوعة.. أنا عادة بعد الفطار أطلب كباية شاهي بوستة، أو شاهي سكر بره، وفي العشية أطلب قهوة مزبوطة في كباية، أي سكر قليل.
للشاهي مسميات أخرى عند عمال المقاهي.. هناك شاي ميزة لا أعرف ما هو؟! وشاي بلبن، وشاي فريسكا، وهو شاي خفيف سكر زيادة، وهناك شاي كشري، يوضع في كباية مع الشاي ويضاف إليه السكر حسب الطلب، وهناك شاي فتلة، وهو شاي كيس والسكر بره، وهناك شاي بالنعناع أحمر أو أخضر حسب الطلب، وهناك شاي خمسينة وشاي على ميه بيضا، وشاهي صعيدي قاتم جداً ومغلي جيداً.. وغير ذلك.
وتتنوع طلبات القهوة، فهناك قهوة «ع الريحة»، وتقدم بنصف ملعقة قهوة مع سكر خفيف، لا يزيد على نصف ملعقة، يضاف للماء أولاً. وقهوة «مظبوطة»، أي ملعقة مليئة بالسكر مقابل أخرى من البن. وقهوة «مانو» بين الاثنتين السابقتين، وهناك من يطلب قهوة «سكر زيادة» ، بالإضافة إلى طلبات أخرى حسب الكيف والمزاج.
أما ما يميز مقاهي القاهرة الشعبية، كما رأيتها، هو أن من حق الزبون أن يحضر معه ساندوتشات فول وطعمية ويتناولها على طاولة المقهى ويطلب كباية ميه باردة ثم يطلب شاهي أو قهوة أو غيرهما من المشروبات.. مثل الشيشة بمعسل سلوم أو غيره.
وفي أثناء الجلوس يمكنك تبادل الحديث مع الزبون بجانبك في كل القضايا والأمور حتى وإن كنت تعرفت عليه في الحال.
ولا يقتصر مجتمع القهوة على الحديث والضحك، واستعراض مشكلات مجتمعية من خلال النقاشات والجدال الذي يمتد إلى أمور سياسية واقتصادية، لكنه أيضاً مرتبط بعدد من الألعاب التي تعتبر القهوة وطنها الأم، مثل «الطاولة، الدومينو ، الشطرنج، الكوتشينة»، وهي أمور ظلت القهوة الشعبية محافظة عليها، إضافة إلى تقديم مشروبات باردة وساخنة أخرى بخلاف القهوة والشاهي وهي مشروبات الحلبة والقرفة والكركديه والسحلب والجنوبية.
يقدر البعض عدد المقاهي في مصر بمليوني مقهى، أقلها حاصل على تراخيص رسمية للعمل، وأغلبها يعمل بلا ترخيص. ويعني هذا العدد أن هناك مكاناً لكل مصري داخل مقهى، لأن لدينا ببساطة مقهى لكل 50 مواطناً، طبقاً لتعداد المصريين.
ومن أشهر مقاهي القاهرة التي جلست فيها، مقهى «الفيشاوي» بالحسين، الذي يزيد عمره على 200 عام.
يجلس فيه معظم زوار القاهرة، بالإضافة إلى الفنانين المصريين والعرب. وأشهر رواده قديماً كان الأديب العالمي نجيب محفوظ.
وكذلك جلست في مقهى «زهرة البستان» في شارع متفرع من طلعت حرب.. بصحبة أصدقاء من ليبيا ، وهو مقهى يعرف بأنه «ملتقى الأدباء والفنانين»، وعمره أكثر من 80 عاماً.
وبمحاذاة سينما «كوزموس»، تجد أشهر مقهى للممثلين وكومبارسات السينما المصرية، اُفتتح قبل أكثر من 60 عامًا.
وقد قدم للسينما العديد من الممثلين الذين حصلوا على أدوارهم من هذا المقهى. وهذا المقهى هو الذي قضيت فيه كل أغلب أوقاتي في القاهرة بحكم إقامتي في فندق لا يبعد عنه سوى بأمتار قليلة.. وأثناء مرورك من ممر مقهى «زهرة البستان»، ستجد أمامك مقهى «ريش» الذي يزيد عمره على 110 أعوام.
يتخذ «ريش» طابعاً أرستقراطياً وتاريخياً، جلس فيه معظم أدباء وفناني وسياسيي مصر، وأبرزهم نجيب محفوظ وأحمد زكي وعمرو موسى.
ويحتوي على قبوٍ سري كان يستخدم قبل نحو 100 عام في إخفاء ثوار العام 1919، كما يحتوي على الطابعة التي كانت تطبع المنشورات حينها.
في شارع عرابي المتفرع من شارع رمسيس، جلست على قهوة أم كلثوم، وروحها تسيطر على المكان، حيث تشدو «الست» صباحاً ومساءً بروائعها الخالدة، بالإضافة للوحة مسجل عليها تاريخ أم كلثوم وأشهر أغانيها والمحطات المهمة في حياتها، ولوحة جدارية لها، وهي تمسك بمنديلها الوردي.
ميدان باب اللوق بوسط القاهرة، جلست على مقهى «الحرية» الذي تم افتتاحه قبل نحو 80 عامًا، وقال صاحبه إنه قبل سنوات طويلة، كان يضم ركناً للفنانين، أمثال أحمد رمزي ورشدي أباظة، وشكري سرحان.
ويعتبر أحد أشهر المقاهي الشعبية التي تقدم الخمور لزبائنها بوسط القاهرة.
هكذا هي الحياة في المحروسة جوهرة الشرق، دائماً في حالة من النشاط والحيوية التي تبرز الروح المصرية الحقيقية في أماكن تزدهر فيها الحياة ويتحدث فيها الناس بحرية وفضفضة دون قيود.
وحسب مشاهدتي فإن القاهرة هي أكثر المدن العربية ازدحاماً بالمقاهي، خاصة المقاهي القديمة ذات الطابع التاريخي أو الثقافي، وبعضها مرتبط بأحداث تاريخية وفنية مهمة.
الكل يجلس على المقاهي، ويكون له مكانه الخاص و مكان استراحته ولقاء الأصدقاء، وبالتأكيد تحمل لنا ذكريات وانطباعات عديدة تخلد في ذاكرتنا.. ولهذا أحرص في كل زيارة لعاصمة عربية كانت أم أوروبية على الجلوس في المقاهي باعتبارها أهم ملامح المدينة ورواية عن ثقافة الناس واهتماماتهم.
إذ كنت تجلس لأول مرة على أي مقهى شعبي في مصر، فقبل أن تنادي على الجرسون اعرف مطلبك مقدماً لأن أسماء الطلبات كثيرة ومتشعبة ومتنوعة.. أنا عادة بعد الفطار أطلب كباية شاهي بوستة، أو شاهي سكر بره، وفي العشية أطلب قهوة مزبوطة في كباية، أي سكر قليل.
للشاهي مسميات أخرى عند عمال المقاهي.. هناك شاي ميزة لا أعرف ما هو؟! وشاي بلبن، وشاي فريسكا، وهو شاي خفيف سكر زيادة، وهناك شاي كشري، يوضع في كباية مع الشاي ويضاف إليه السكر حسب الطلب، وهناك شاي فتلة، وهو شاي كيس والسكر بره، وهناك شاي بالنعناع أحمر أو أخضر حسب الطلب، وهناك شاي خمسينة وشاي على ميه بيضا، وشاهي صعيدي قاتم جداً ومغلي جيداً.. وغير ذلك.
وتتنوع طلبات القهوة، فهناك قهوة «ع الريحة»، وتقدم بنصف ملعقة قهوة مع سكر خفيف، لا يزيد على نصف ملعقة، يضاف للماء أولاً. وقهوة «مظبوطة»، أي ملعقة مليئة بالسكر مقابل أخرى من البن. وقهوة «مانو» بين الاثنتين السابقتين، وهناك من يطلب قهوة «سكر زيادة» ، بالإضافة إلى طلبات أخرى حسب الكيف والمزاج.
أما ما يميز مقاهي القاهرة الشعبية، كما رأيتها، هو أن من حق الزبون أن يحضر معه ساندوتشات فول وطعمية ويتناولها على طاولة المقهى ويطلب كباية ميه باردة ثم يطلب شاهي أو قهوة أو غيرهما من المشروبات.. مثل الشيشة بمعسل سلوم أو غيره.
وفي أثناء الجلوس يمكنك تبادل الحديث مع الزبون بجانبك في كل القضايا والأمور حتى وإن كنت تعرفت عليه في الحال.
ولا يقتصر مجتمع القهوة على الحديث والضحك، واستعراض مشكلات مجتمعية من خلال النقاشات والجدال الذي يمتد إلى أمور سياسية واقتصادية، لكنه أيضاً مرتبط بعدد من الألعاب التي تعتبر القهوة وطنها الأم، مثل «الطاولة، الدومينو ، الشطرنج، الكوتشينة»، وهي أمور ظلت القهوة الشعبية محافظة عليها، إضافة إلى تقديم مشروبات باردة وساخنة أخرى بخلاف القهوة والشاهي وهي مشروبات الحلبة والقرفة والكركديه والسحلب والجنوبية.
يقدر البعض عدد المقاهي في مصر بمليوني مقهى، أقلها حاصل على تراخيص رسمية للعمل، وأغلبها يعمل بلا ترخيص. ويعني هذا العدد أن هناك مكاناً لكل مصري داخل مقهى، لأن لدينا ببساطة مقهى لكل 50 مواطناً، طبقاً لتعداد المصريين.
ومن أشهر مقاهي القاهرة التي جلست فيها، مقهى «الفيشاوي» بالحسين، الذي يزيد عمره على 200 عام.
يجلس فيه معظم زوار القاهرة، بالإضافة إلى الفنانين المصريين والعرب. وأشهر رواده قديماً كان الأديب العالمي نجيب محفوظ.
وكذلك جلست في مقهى «زهرة البستان» في شارع متفرع من طلعت حرب.. بصحبة أصدقاء من ليبيا ، وهو مقهى يعرف بأنه «ملتقى الأدباء والفنانين»، وعمره أكثر من 80 عاماً.
وبمحاذاة سينما «كوزموس»، تجد أشهر مقهى للممثلين وكومبارسات السينما المصرية، اُفتتح قبل أكثر من 60 عامًا.
وقد قدم للسينما العديد من الممثلين الذين حصلوا على أدوارهم من هذا المقهى. وهذا المقهى هو الذي قضيت فيه كل أغلب أوقاتي في القاهرة بحكم إقامتي في فندق لا يبعد عنه سوى بأمتار قليلة.. وأثناء مرورك من ممر مقهى «زهرة البستان»، ستجد أمامك مقهى «ريش» الذي يزيد عمره على 110 أعوام.
يتخذ «ريش» طابعاً أرستقراطياً وتاريخياً، جلس فيه معظم أدباء وفناني وسياسيي مصر، وأبرزهم نجيب محفوظ وأحمد زكي وعمرو موسى.
ويحتوي على قبوٍ سري كان يستخدم قبل نحو 100 عام في إخفاء ثوار العام 1919، كما يحتوي على الطابعة التي كانت تطبع المنشورات حينها.
في شارع عرابي المتفرع من شارع رمسيس، جلست على قهوة أم كلثوم، وروحها تسيطر على المكان، حيث تشدو «الست» صباحاً ومساءً بروائعها الخالدة، بالإضافة للوحة مسجل عليها تاريخ أم كلثوم وأشهر أغانيها والمحطات المهمة في حياتها، ولوحة جدارية لها، وهي تمسك بمنديلها الوردي.
ميدان باب اللوق بوسط القاهرة، جلست على مقهى «الحرية» الذي تم افتتاحه قبل نحو 80 عامًا، وقال صاحبه إنه قبل سنوات طويلة، كان يضم ركناً للفنانين، أمثال أحمد رمزي ورشدي أباظة، وشكري سرحان.
ويعتبر أحد أشهر المقاهي الشعبية التي تقدم الخمور لزبائنها بوسط القاهرة.
هكذا هي الحياة في المحروسة جوهرة الشرق، دائماً في حالة من النشاط والحيوية التي تبرز الروح المصرية الحقيقية في أماكن تزدهر فيها الحياة ويتحدث فيها الناس بحرية وفضفضة دون قيود.
مقاهي القاهرة كما رأيتها
في كل شارع أو حي في القاهرة، المدينة التي لا تنام، لا يخلو من عدد من المقاهي التي تتنافس في ما بينها على تقديم الخدمات والمشروبات لجذب زبائنها،
alwasat.ly