عندما كنت أعد رسالة الدكتوراه في مدينة ( بامبرغ ) الألمانية بذلت جهودا مضاعفة لتعلم اللغة الألمانية ، وقد أكون شخصيا غير موهوب في إتقان اللغات المتعلمة لا الموروثة ، ومن ضمن الجهود التي بذلتها قراءة مقالات في أهم مجلتين سياسيتين في ألمانيا الغربية وهما ( دير شبيغل ) و ( شتيرن ) والتحدث مع الناس في السوق وقراءة قصص الأطفال ، وهكذا اشتريت قصص الأخوين ( جريم ) ، وما حثني أيضا على قراءتها هو ضرورة أن أقصها على ابنتي روز وفائزة . كانت القصص ممتعة وكنت قرأت قسما منها بالعربية وعرفت عن الأخوين ( جريم ) من مجلة " فكر وفن " الألمانية التي كانت تصدر في ( ميونيخ ) .
من القصص التي قرأتها قصة " ليلى والذئب / ذات الرداء الأحمر " وقصة " البنت النشيطة والبنت الكسولة " وظلت الأخيرة تعيش معي فترة طويلة ، وغالبا ما ذكرتها ، وأعتقد أنني في حياتي كلها منذ الصبا كنت أنشط من البنت النشيطة ، في سلوكي اليومي وفي دراستي في مراحلها المختلفة .
كانت سياسة الترقيات في الجامعة ، كما ذكرت ، تقوم على أساس كتابة الأبحاث أساسا . يكتب عضو هيئة التدريس ثلاثة أبحاث فإن أجيزت يتقدم بها للترقية بعد خمس سنوات من حصوله على درجة الدكتوراه ، وقد يرقى إلى رتبةأستاذ مشارك ، فإن رقي ظل يحصل على العلاوة السنوية لمدة خمس سنوات أخرى ، وإن لم يترق تتوقف علاوته حتى يترقى ، ومثل الترقية إلى رتبة أستاذ مشارك الترقية إلى رتبة أستاذ دكتور ، مع فارق أن عدد الأبحاث يجب أن يصل إلى خمسة ، فإن لم يترق بعد خمس سنوات من حصوله على الرتبة السابقة تتوقف علاوته ، وحين يحصل على رتبة أستاذ دكتور تستمر علاوته السنوية حتى نهاية عمله الجامعي ويصبح نصابه التدريسي تسع ساعات أسبوعيا بدلا من اثنتي عشرة ساعة .
النظام السابق لم يرق للأساتذة الذين لا يكتبون أبحاثا ، خلافا لمن يكتبون ووجهة نظرهم أن الدكتوراه هي بداية الطريق لا نهايته . ولأن الأولين هم الأكثرية فقد كانت أصواتهم مهمة للتيارات السياسية التي تخوض انتخابات نقابة العاملين التي كان المرشحون لها يريدون أن يكسبوا المزيد من الأصوات .
لقد أدى الجدل بين النقابة وإدارة الجامعة إلى تمديد مدة إيقاف علاوة عضو هيئة التدريس ، ممن لا يكتبون أبحاثا ، من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة ، وهنا كانت الطامة الكبرى التي جنت على النتاج العلمي لأساتذة كثيرين ، فلم يكتبوا أي بحث ، وأنهوا عملهم في الجامعة بالرتبة التي عينوا عليها . لقد فقد كثير من هؤلاء الحافزية التي تحث على التطور العلمي والمادي معا ، وصار هؤلاء يعوضون توقف العلاوة بتدريس المساقات الإضافية ، فكان أن أنهكوا واستنفدوا ولم يكتب قسم منهم حتى مقالات أدبية .
كنت أتابع أعضاء هيئة التدريس في قسم اللغة الانجليزية وألاحظ ما هم عليه وأقارن ما صرت إليه . لم ينجز كثيرون ممن عينوا معي أو قبلي أي شيء يذكر ، وحتى رئيس الجامعة فقد حصل على رتبة الأستاذية لطبيعة وظيفته لا لأبحاثه ، وكان هذا الوضع مغايرا لحالات عرفتها بعض الجامعات العربية ، فأساتذة أقسام اللغة الانجليزية فيها ، ممن حصلوا على شهاداتهم من أوروبا أو أميركا ، كان لهم حضور لافت في إثراء الأدب العربي .
لا أعرف أساتذة درسوا الأدب الإنجليزي وأفادوا الأدب الفلسطيني إلا ما ندر ، فلا حنان عشراوي ولا غيرها قدم لنا فائدة تذكر ، وحتى أحمد حرب وهو أنشطهم لم يصدر حتى الآن أي كتاب نقدي له تأثيره ، وكان يمكن أن ينجز ذلك ، وربما ما حال دون إنجازه انصرافه إلى كتابة الرواية وانشغاله بقضايا حقوق الإنسان .
لقد صار أكثر أعضاء هيئة التدريس يشبهون البنت الكسولة في قصة الأخوين ( جريم ) . إنهم يريدون أن تمطر السماء / الإدارة عليهم ذهبا دون أن ينظفوا بيت الجدة .
لم تكتف الإدارة بخطوتها السابقة التي أثرت سلبا على الإنتاج العلمي ، وإنما عادت وارتكبت خطأ جسيما تمثل في رفع نصاب من هم برتبة أستاذ دكتور إلى اثنتي عشرة ساعة ، ليتساووا مع حملة الماجستير ومن هم برتبة أستاذ مساعد وأستاذ مشارك ، بل ولم تسمح لهم الجامعة بتدريس أكثر من ثلاث ساعات عمل إضافي ، في حين سمحت للرتب الأقل بتدريس ست ساعات ، وأحيانا تسع ساعات .
عندما تقدمت للحصول على رتبة أستاذ دكتور صارت الجامعة تشترط على المتقدم للحصول على الرتبة ستة أبحاث بدلا من خمسة ، ولم تراع أن يطبق القانون على من يكتب أبحاثا من تاريخ سنه ، وإنما طبقته علينا نحن الذين تقدمنا للرتبة ولم نحصل عليها . صار لزاما علي أن أحصل على ستين نقطة بدلا من خمسين ، وكنت عندما رقيت إلى رتبة أستاذ مشارك أضفت بحثين من أبحاث أعددتها للرتبة الجديدة ، فماذا علي أن أفعل ؟
بعد عودتي من البعثة أخذت أترجم الدراسات التي كتبها المستشرقون عن الأدب الفلسطيني وترجمت رسالة ماجستير عن السيرة الذاتية لفدوى طوقان ، ومن حسن حظي أن الترجمة صارت تراعى في أثناء التقدم للترقية ، وهكذا حصلت على العدد المطلوب من النقاط .
هل أدركت إدارة الجامعة أن تمديد دفع العلاوة لمن لم يترق كان خطأ ارتكبته ؟
ربما ، ولكنها بدلا من أن ترفع نصاب حملة الماجستير والدكتوراه ممن هم ليسوا برتبة أستاذ دكتور كافأت حملة الرتبة برفع نصابهم .
غالبا ما يكرر الناس في بلادنا ، حين يتساوى من ينجز ومن لا ينجز ، المثل " القاري والخاري واحد " وغالبا ما أتذكر مسرحية توفيق الحكيم " لكل مجتهد نصيب " .
من القصص التي قرأتها قصة " ليلى والذئب / ذات الرداء الأحمر " وقصة " البنت النشيطة والبنت الكسولة " وظلت الأخيرة تعيش معي فترة طويلة ، وغالبا ما ذكرتها ، وأعتقد أنني في حياتي كلها منذ الصبا كنت أنشط من البنت النشيطة ، في سلوكي اليومي وفي دراستي في مراحلها المختلفة .
كانت سياسة الترقيات في الجامعة ، كما ذكرت ، تقوم على أساس كتابة الأبحاث أساسا . يكتب عضو هيئة التدريس ثلاثة أبحاث فإن أجيزت يتقدم بها للترقية بعد خمس سنوات من حصوله على درجة الدكتوراه ، وقد يرقى إلى رتبةأستاذ مشارك ، فإن رقي ظل يحصل على العلاوة السنوية لمدة خمس سنوات أخرى ، وإن لم يترق تتوقف علاوته حتى يترقى ، ومثل الترقية إلى رتبة أستاذ مشارك الترقية إلى رتبة أستاذ دكتور ، مع فارق أن عدد الأبحاث يجب أن يصل إلى خمسة ، فإن لم يترق بعد خمس سنوات من حصوله على الرتبة السابقة تتوقف علاوته ، وحين يحصل على رتبة أستاذ دكتور تستمر علاوته السنوية حتى نهاية عمله الجامعي ويصبح نصابه التدريسي تسع ساعات أسبوعيا بدلا من اثنتي عشرة ساعة .
النظام السابق لم يرق للأساتذة الذين لا يكتبون أبحاثا ، خلافا لمن يكتبون ووجهة نظرهم أن الدكتوراه هي بداية الطريق لا نهايته . ولأن الأولين هم الأكثرية فقد كانت أصواتهم مهمة للتيارات السياسية التي تخوض انتخابات نقابة العاملين التي كان المرشحون لها يريدون أن يكسبوا المزيد من الأصوات .
لقد أدى الجدل بين النقابة وإدارة الجامعة إلى تمديد مدة إيقاف علاوة عضو هيئة التدريس ، ممن لا يكتبون أبحاثا ، من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة ، وهنا كانت الطامة الكبرى التي جنت على النتاج العلمي لأساتذة كثيرين ، فلم يكتبوا أي بحث ، وأنهوا عملهم في الجامعة بالرتبة التي عينوا عليها . لقد فقد كثير من هؤلاء الحافزية التي تحث على التطور العلمي والمادي معا ، وصار هؤلاء يعوضون توقف العلاوة بتدريس المساقات الإضافية ، فكان أن أنهكوا واستنفدوا ولم يكتب قسم منهم حتى مقالات أدبية .
كنت أتابع أعضاء هيئة التدريس في قسم اللغة الانجليزية وألاحظ ما هم عليه وأقارن ما صرت إليه . لم ينجز كثيرون ممن عينوا معي أو قبلي أي شيء يذكر ، وحتى رئيس الجامعة فقد حصل على رتبة الأستاذية لطبيعة وظيفته لا لأبحاثه ، وكان هذا الوضع مغايرا لحالات عرفتها بعض الجامعات العربية ، فأساتذة أقسام اللغة الانجليزية فيها ، ممن حصلوا على شهاداتهم من أوروبا أو أميركا ، كان لهم حضور لافت في إثراء الأدب العربي .
لا أعرف أساتذة درسوا الأدب الإنجليزي وأفادوا الأدب الفلسطيني إلا ما ندر ، فلا حنان عشراوي ولا غيرها قدم لنا فائدة تذكر ، وحتى أحمد حرب وهو أنشطهم لم يصدر حتى الآن أي كتاب نقدي له تأثيره ، وكان يمكن أن ينجز ذلك ، وربما ما حال دون إنجازه انصرافه إلى كتابة الرواية وانشغاله بقضايا حقوق الإنسان .
لقد صار أكثر أعضاء هيئة التدريس يشبهون البنت الكسولة في قصة الأخوين ( جريم ) . إنهم يريدون أن تمطر السماء / الإدارة عليهم ذهبا دون أن ينظفوا بيت الجدة .
لم تكتف الإدارة بخطوتها السابقة التي أثرت سلبا على الإنتاج العلمي ، وإنما عادت وارتكبت خطأ جسيما تمثل في رفع نصاب من هم برتبة أستاذ دكتور إلى اثنتي عشرة ساعة ، ليتساووا مع حملة الماجستير ومن هم برتبة أستاذ مساعد وأستاذ مشارك ، بل ولم تسمح لهم الجامعة بتدريس أكثر من ثلاث ساعات عمل إضافي ، في حين سمحت للرتب الأقل بتدريس ست ساعات ، وأحيانا تسع ساعات .
عندما تقدمت للحصول على رتبة أستاذ دكتور صارت الجامعة تشترط على المتقدم للحصول على الرتبة ستة أبحاث بدلا من خمسة ، ولم تراع أن يطبق القانون على من يكتب أبحاثا من تاريخ سنه ، وإنما طبقته علينا نحن الذين تقدمنا للرتبة ولم نحصل عليها . صار لزاما علي أن أحصل على ستين نقطة بدلا من خمسين ، وكنت عندما رقيت إلى رتبة أستاذ مشارك أضفت بحثين من أبحاث أعددتها للرتبة الجديدة ، فماذا علي أن أفعل ؟
بعد عودتي من البعثة أخذت أترجم الدراسات التي كتبها المستشرقون عن الأدب الفلسطيني وترجمت رسالة ماجستير عن السيرة الذاتية لفدوى طوقان ، ومن حسن حظي أن الترجمة صارت تراعى في أثناء التقدم للترقية ، وهكذا حصلت على العدد المطلوب من النقاط .
هل أدركت إدارة الجامعة أن تمديد دفع العلاوة لمن لم يترق كان خطأ ارتكبته ؟
ربما ، ولكنها بدلا من أن ترفع نصاب حملة الماجستير والدكتوراه ممن هم ليسوا برتبة أستاذ دكتور كافأت حملة الرتبة برفع نصابهم .
غالبا ما يكرر الناس في بلادنا ، حين يتساوى من ينجز ومن لا ينجز ، المثل " القاري والخاري واحد " وغالبا ما أتذكر مسرحية توفيق الحكيم " لكل مجتهد نصيب " .
أنا والجامعة ، البنت النشيطة والبنت الكسولة
موقع عراقي مستقل يعنى بالادب والثقافة والاجتماع، يعزز ثقافة التعايش والسلم المجتمعي، يهدف الى خلق فرص للمواهب والمبدعين لتقديم نتاجهم، (وانتاج حراك فكري وادبي، من شأنه ان يساهم في تعزيز الهوية الوطنية للعراقية ويعيد الثقافة لدورها الفعال في بناء القيم المجتمعية).
www.iraqpalm.com