أ. د. عادل الأسطة - أنا والجامعة ، البنت النشيطة والبنت الكسولة.. (30)

عندما كنت أعد رسالة الدكتوراه في مدينة ( بامبرغ ) الألمانية بذلت جهودا مضاعفة لتعلم اللغة الألمانية ، وقد أكون شخصيا غير موهوب في إتقان اللغات المتعلمة لا الموروثة ، ومن ضمن الجهود التي بذلتها قراءة مقالات في أهم مجلتين سياسيتين في ألمانيا الغربية وهما ( دير شبيغل ) و ( شتيرن ) والتحدث مع الناس في السوق وقراءة قصص الأطفال ، وهكذا اشتريت قصص الأخوين ( جريم ) ، وما حثني أيضا على قراءتها هو ضرورة أن أقصها على ابنتي روز وفائزة . كانت القصص ممتعة وكنت قرأت قسما منها بالعربية وعرفت عن الأخوين ( جريم ) من مجلة " فكر وفن " الألمانية التي كانت تصدر في ( ميونيخ ) .
من القصص التي قرأتها قصة " ليلى والذئب / ذات الرداء الأحمر " وقصة " البنت النشيطة والبنت الكسولة " وظلت الأخيرة تعيش معي فترة طويلة ، وغالبا ما ذكرتها ، وأعتقد أنني في حياتي كلها منذ الصبا كنت أنشط من البنت النشيطة ، في سلوكي اليومي وفي دراستي في مراحلها المختلفة .
كانت سياسة الترقيات في الجامعة ، كما ذكرت ، تقوم على أساس كتابة الأبحاث أساسا . يكتب عضو هيئة التدريس ثلاثة أبحاث فإن أجيزت يتقدم بها للترقية بعد خمس سنوات من حصوله على درجة الدكتوراه ، وقد يرقى إلى رتبةأستاذ مشارك ، فإن رقي ظل يحصل على العلاوة السنوية لمدة خمس سنوات أخرى ، وإن لم يترق تتوقف علاوته حتى يترقى ، ومثل الترقية إلى رتبة أستاذ مشارك الترقية إلى رتبة أستاذ دكتور ، مع فارق أن عدد الأبحاث يجب أن يصل إلى خمسة ، فإن لم يترق بعد خمس سنوات من حصوله على الرتبة السابقة تتوقف علاوته ، وحين يحصل على رتبة أستاذ دكتور تستمر علاوته السنوية حتى نهاية عمله الجامعي ويصبح نصابه التدريسي تسع ساعات أسبوعيا بدلا من اثنتي عشرة ساعة .
النظام السابق لم يرق للأساتذة الذين لا يكتبون أبحاثا ، خلافا لمن يكتبون ووجهة نظرهم أن الدكتوراه هي بداية الطريق لا نهايته . ولأن الأولين هم الأكثرية فقد كانت أصواتهم مهمة للتيارات السياسية التي تخوض انتخابات نقابة العاملين التي كان المرشحون لها يريدون أن يكسبوا المزيد من الأصوات .
لقد أدى الجدل بين النقابة وإدارة الجامعة إلى تمديد مدة إيقاف علاوة عضو هيئة التدريس ، ممن لا يكتبون أبحاثا ، من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة ، وهنا كانت الطامة الكبرى التي جنت على النتاج العلمي لأساتذة كثيرين ، فلم يكتبوا أي بحث ، وأنهوا عملهم في الجامعة بالرتبة التي عينوا عليها . لقد فقد كثير من هؤلاء الحافزية التي تحث على التطور العلمي والمادي معا ، وصار هؤلاء يعوضون توقف العلاوة بتدريس المساقات الإضافية ، فكان أن أنهكوا واستنفدوا ولم يكتب قسم منهم حتى مقالات أدبية .
كنت أتابع أعضاء هيئة التدريس في قسم اللغة الانجليزية وألاحظ ما هم عليه وأقارن ما صرت إليه . لم ينجز كثيرون ممن عينوا معي أو قبلي أي شيء يذكر ، وحتى رئيس الجامعة فقد حصل على رتبة الأستاذية لطبيعة وظيفته لا لأبحاثه ، وكان هذا الوضع مغايرا لحالات عرفتها بعض الجامعات العربية ، فأساتذة أقسام اللغة الانجليزية فيها ، ممن حصلوا على شهاداتهم من أوروبا أو أميركا ، كان لهم حضور لافت في إثراء الأدب العربي .
لا أعرف أساتذة درسوا الأدب الإنجليزي وأفادوا الأدب الفلسطيني إلا ما ندر ، فلا حنان عشراوي ولا غيرها قدم لنا فائدة تذكر ، وحتى أحمد حرب وهو أنشطهم لم يصدر حتى الآن أي كتاب نقدي له تأثيره ، وكان يمكن أن ينجز ذلك ، وربما ما حال دون إنجازه انصرافه إلى كتابة الرواية وانشغاله بقضايا حقوق الإنسان .
لقد صار أكثر أعضاء هيئة التدريس يشبهون البنت الكسولة في قصة الأخوين ( جريم ) . إنهم يريدون أن تمطر السماء / الإدارة عليهم ذهبا دون أن ينظفوا بيت الجدة .
لم تكتف الإدارة بخطوتها السابقة التي أثرت سلبا على الإنتاج العلمي ، وإنما عادت وارتكبت خطأ جسيما تمثل في رفع نصاب من هم برتبة أستاذ دكتور إلى اثنتي عشرة ساعة ، ليتساووا مع حملة الماجستير ومن هم برتبة أستاذ مساعد وأستاذ مشارك ، بل ولم تسمح لهم الجامعة بتدريس أكثر من ثلاث ساعات عمل إضافي ، في حين سمحت للرتب الأقل بتدريس ست ساعات ، وأحيانا تسع ساعات .
عندما تقدمت للحصول على رتبة أستاذ دكتور صارت الجامعة تشترط على المتقدم للحصول على الرتبة ستة أبحاث بدلا من خمسة ، ولم تراع أن يطبق القانون على من يكتب أبحاثا من تاريخ سنه ، وإنما طبقته علينا نحن الذين تقدمنا للرتبة ولم نحصل عليها . صار لزاما علي أن أحصل على ستين نقطة بدلا من خمسين ، وكنت عندما رقيت إلى رتبة أستاذ مشارك أضفت بحثين من أبحاث أعددتها للرتبة الجديدة ، فماذا علي أن أفعل ؟
بعد عودتي من البعثة أخذت أترجم الدراسات التي كتبها المستشرقون عن الأدب الفلسطيني وترجمت رسالة ماجستير عن السيرة الذاتية لفدوى طوقان ، ومن حسن حظي أن الترجمة صارت تراعى في أثناء التقدم للترقية ، وهكذا حصلت على العدد المطلوب من النقاط .
هل أدركت إدارة الجامعة أن تمديد دفع العلاوة لمن لم يترق كان خطأ ارتكبته ؟
ربما ، ولكنها بدلا من أن ترفع نصاب حملة الماجستير والدكتوراه ممن هم ليسوا برتبة أستاذ دكتور كافأت حملة الرتبة برفع نصابهم .
غالبا ما يكرر الناس في بلادنا ، حين يتساوى من ينجز ومن لا ينجز ، المثل " القاري والخاري واحد " وغالبا ما أتذكر مسرحية توفيق الحكيم " لكل مجتهد نصيب " .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى